دور الفنان: مبادرات مجتمعية
إن المبادرة و
للحضور البارز لشقي الإبداع و التطوع فيها تعتبر أكثر الأنشطة فعالية في إيصال
الرسالة و خلق الفكرة و الإلهام في الساحة
المجتمعية. فالمبادرة كي تكون مبادرة لابد أن تعتمد اسلوبا إبداعيا مختلفا و تكون
إجابة على سؤال ما و لكن ليس بطريقة ما بل
بطريقة تختلف و فعالة، و المبادرة كمبادرة تتكأ في جزء كبير منها على
الجانب التطوعي للمبادرين. فهي فكرة تتولد من بروز سؤال ما تعمل عليها جماعة لتخلق
منها جوابا قد لا يكون شافيا و لكن على الطريق السليم. و في الفن تقل المبادرات
جدا خاصة في عالمنا العربي، فالفن يعتبر مجالا خصبا لتبادر فيه كونه هو يأتي أولا
استجابة لميل و ارتباط ما بين المبادرين و مبادرتهم.
النماذج التي عرضت
من مسرح الشارع لأطفال الشارع للكورال لمصرين ، كلها مبادرات تعطي فكرة واضحة عن
الدور الذي يمكن للفن أن يلعبه و تبرز الفن ليس وسيلة تسلية ذاتية فقط أو منتج
جمالي بحث بل عامل تغيير اجتماعي و حلا محتملا لمجموعة من الاشكاليات. فمبادرة
مسرح الشارع من فلسطين و أطفال الشارع من مصر ، هي مبادرات مثيرة جدا للاهتمام
كونها تعمل على مجموعة من الأطفال كانوا أو هم فعلا في طريق الانحراف، و تعيد
تأهيلهم بشكل ممتع و لا شعوري محولة إياهم إلى صور و حركات معبرة عن حالة مجتمعية
و بدل أن تعرضهم كمشكلة تجعلهم جزء من الحل. فأنت تعطي طفلا سجينا قدرا من الأهمية
و تبرز له أنه من الممكن أن يكون في المكان المناسب و يكون عنصرا إيجابيا فأنت في
الحقيقة تعيد له الثقة في نفسه و في القدرة من جديد على أن يعيش انسانا طبيعيا. و
أن تأخذ أطفالا من الشارع و تسمع منهم و تبين لهم أنهم ليسوا فقط لصوص و منحرفين و
مجرمين بل أشخاص و لهم قصص و لهم حياة فأنت أيضا ترمم ذواتهم التي تشتت على أرصفة
الشوارع. و فكرة الكورال هي الاخرى يبدو جانبها التطوعي غاية في الروعة فانطلاقا
من نفس الفكرة أنت تجعل من مجموعة من
الشباب صوتا فاعلا للتعبير و احساسا صادفا لعكس الشعور الجمعي. و كذلك مبادرة
مصريين.
مثل هكذا مبادرات و
لو أن البعض تحدث عن ضرورة الدقة الفنية و القوة و الثبات فيها إلا أنها تأتي
قيمتها و تأثيرها من عفويتها في التعبير و صدقها مع ذاتها في الانطلاقة. قد تبرز
مشكلة التمويل لهكذا نوع من الانشطة إلا أن انطلاقها من تطوعيتها يجعلها تخطو بثبات.
فمع الزمن تصل هذه المبادرات خالقة شعبية تخولها بأن يكون لها اعتبار و تجد رعاية
لا تتدخل لها في رؤيتها الفنية و ترافقها معتمدة على قدرتها في جلب الجمهور و خلق
التأثير فالرسالة هنا و الأثر عاملان مهمان جدا. يحصل هذا بعيدا عن شركات الانتاج
و جشعها التي يهمها الربح و الاستهلاك اكثر مما يهمها الفن أو الرؤية الفنية.
إن مبادرة كالكورال
مثلا و كمسرح الشارع و غيره و بما تتيحه من مساحة لإثبات الوجود و القيمة و
الاعتبار و بما تفتحه من فضاء عفوي تلقائي ممتع يشكل بديلا بالنسبة لهؤلاء. فأن
ينطلق الفنان و المهتم بالفن من رؤية فنية متميزة مجسدا إياها في مبادرة تحتضن معه
كما جميلا من المشاركين و المتطوعين و الذين انضموا إليه قناعة بالفكرة و استعدادا
للانخراط في حيثياتها، لهو أمر يستحق الوقوف عنده كحالة فنية مميزة أفرزتها الفوضى
الثقافية و الفكرية و الفنية و التي بالنسبة لي هي فوضى خلاقة بامتياز و تحضر
لملمح فني جديد و معطى ثقافي حديث يتماشيان و روح الثورة و الشعور الجمعي بعد
انجازها.