أنشر هنا الجزء الأول من الموضوع : حتى لا تشيع الفاحشة ...
الذي سأنشره في أربعة أجزاء
كنت أود لو انبرى
لموضوع كهذا من هو أطول مني باعا في المجال، لكن الظاهر أن أقلامنا و أعلاميينا لا
يعرفون الرغاء و لا الغثاء إلا حين يتعلق الأمر بالأغلبية و المعارضة و المنسقية و
أشياء القبيلة أو الجهة و بالنسبة لهم الإعلام كله مختصر في ذلك و ليسقط أي رأي
حول الاعلام و الرأي العام و صناعة المجتمعات و غير ذلك من النظريات الإعلامية. في
حين كان الاعلام الاجتماعي في موريتانيا منشغلا بالحادثة و ناشطوه بتداولها كانت
وسائل الإعلام كلها ربما مشغولة بقطعة من الحلوى في قصر المؤتمرات أو تسمع خبر
قادم من اجتماعات "روز و العصير" و التحالفات القبلية و الجهورية. كان
حمزة يتسكع محبطا من واقعه في شوارع نواكشوط و يخبره في لحظة صمت ضجيج المنسقية أن
الأمر كله بدأ في نواكشوط و كان يتساءل أين آخرين و يصرخ نحن لسنا الخاسرون، فيما
كان ساستنا و إعلاميونا الذين يشكل وجودهم خسارة كبيرة للوطن و دمارا لأحلامه،
كانوا جاثمين على مقاعد الموازنات التي لا تخدم دولة و لا مجتمع في ظل جيل من
الساسة ملهم الفشل هم وحدهم من لم يملوه بعد لأنه لا بديل لهم عنه. كان حمزة يبحث
عن مستوى وجوده ووجود المجتمع مقارنا إياه بمستوى الأرض و يبحث عن مرتفع يتسلقه من
واقع حضيض طحن الجميع تحته حيث من لم يقبل تعالم القبيلة و تقاليد المجتمع بصراحة
تستجلب له نصوص شرعية قمة في التماسك لكنها نصوص تحضر دائما متأخرة و كوسيلة لردع
رافضي تقاليد بائدة لمجتمع يعشش في زواياه الانحطاط و السفالة و انعدام قيمي يرى
البعض أن تآكله في صمت خير مما يسموه الجهر بالمعصية، ذلك المنطق القبلي الاجتماعي
الصرف، كن شيطانا في صمتك ملاكا في صوتك فمجتمع المظاهر و النفاق كله يعتمد تلك
العقيدة و تلك النظرة. كان صوت حمزة الباحث عن ذاته و نظراته الضائعة لليلاه يخرج
ضمن بوتقة من معطيات المنافقين الذين دأبوا على النفاق، فقط صادحا برأي ربما يحترم
للآخرين اختلافهم معه و رفضه له تماما كما يريد لهم أن يحترموا اختلافه معهم و
رفضهم طريقته في التعبير. فيما كان هو و ليلاه يبحثون عن البدايات و من أين بدأ كل
شيء في مجتمع بائس كان ساستنا و اعلاميونا يبحثون عن نهاية الدولة و احلامها
الوجودية في ظل انسحاق كلي في معطيات تجاذبات جهوية و قبلية و عرقية حتى. كان يمزج
الحسانية بالانجليزية بالفرنسية تماما كما تمزج دولتنا و ساستها بين القبلية و
السياسة و الدين و التقليد و العادة و المعتقد، الفرق الوحيد الإبداع الفني و
التناسق في الصورة و الصوت الذي قدم في الفيديو فيما مزج ساستنا كل شيء فيه نشاز
ادعاؤهم الديمقراطية و ادعاؤهم العمل من اجل الوطن و ادعاؤهم السياسة حتى. كانت
صورة الفيديو في دقتها تقدم أضواء المدينة الباهتة و شوارعها التي منذ نشأتها و هم
ساسة و هم مسيرون استطاعت صورة "بدأ من نواكشوط" أن تقدمها بأفضل من كيف
قدموها هم يوما.
لحمزة و ليلى حق
الرفض و حق الخروج عن الملة إن شاؤوا، كما لكم انتم حق رفضهم و الخروج على نهجهم ،
و إن كان في الشرع ، لكن شرع الله ليس شرع القبيلة و المجتمع ما ينص على ذلك أفلا
يكون حسابهم عند الله ، و هل طالب الدين بمحاسبتهم و في حال طالب بذلك لا مشكلة
عندي في أن يحاسب كل حسب طريقته في الحساب لكن ليترك للآخرين حق تأييدهم و
مناصرتهم إن أرادوا و ذلك و يحاول أن يحرمهم هم حقهم في التعبير و حقهم في
الزندقة، لكن بالتأكيد ستكون محاولة يائسة كمن يحاول تماما تخليص المجتمع
الموريتاني من النفاق الثقافي و السياسي و الاجتماعي، كمن يحاول تخليص موريتانيا
من الخلط المتعمد كوسيلة للسيطرة بين العادة و المعتقد. إن مجتمع الفراغ و النفاق
، لا ينهض إلا إثر صدمات تهزه، فهو مجتمع ردة الفعل حين يشعر شيخ القبيلة أن
تعاليمه هو و سدنته في خطر، حينها يستنفر الجميع و يستخدم بيادق لا تجيد من الحوار
غير التعنيف تثير عقليتها الجامدة في التعاطي مع المستجدات تثير الرغبة في التأفف
و التأفيف.
إن مرحلة الإنفجار
تأتي رويدا رويدا، حينها لن يكون مقبولا تجول إمام المسجد في أزقة صانعات الشاي
بالمجان في الأحياء الشعبية و غيرهن ممن رماهن نفس المجتمع لحافة الرذيلة المطلقة
ليس فقط ارتداء فستان على شاطي الأطلسي بل ارتداء فساتين نوم في شقق مفروشة تستقدم
لها الفتاة من حيها الشعبي لأن الزبون أو العشيق شيخ قبيلة و جنرال و إمام حتى و
غير أولئك. تلك هي الرذيلة التي لا يعالجها المجتمع فقادته و شيوخ قبائله متورطون
فيها بكل البراهين و الأدلة، زجاجات الخمر التي تتعاطى و ساقطات كل الجنسيات الذين
يتداولون بين البيوت من السادسة مساء حتى الثامنة صباحا ثم ينام الواحد حتى
الحادية عشر ليأتي مكتبه يبتسم للسكرتيرة فلربما هي زبونة ذلك المساء، ستكتشف الأم
و تبدأ تنتقم من الرجل بنفس الطريقة ثم يكتشف الأبناء أن الأبوين ضائعين كليا
فحينها ستجدهم قريبا من ذلك المطعم الذي افتقد صاحبه كثيرا في انتظار شباب قادمين
من الضواحي بسيجارات المخدرات و قناني الخمر و حتى بالفتيات، أولئك بعض لا تنالهم
يد القانون فلهم زبناء من علية القوم فوق القانون. و يقول لك البعض تشيع الفاحشة
إن شياع الفاحشة لأحب إلى من فاحشة تنهش و تهد و تدمر بنية مجتمع من الداخل كنار
في هشيم، ما يسميه البعض "تشيع الفاحشة" هو مرادف ل "حماية نفاق
المجتمع" نعم الإمام الذي يريد له المجتمع أن يكون ملاكا لا يخطؤ كونه إنساني
يفرض عليه مغازلة تلك و هذه و هو يفعل لكن حتى لا تشيع الفاحشة في صمت، الجنرال
هذا ماكينة جنس لكن حتى لا تشيع الفاحشة ، رجل بسيط في حي شعبي لا يجد قوت يومه
حتى يصرف و لا يهمه أين تذهب البنت و لا أين تأتي ، لكن حتى لا تشيع الفاحشة فهو
له عشيقاته .. و هكذا حتى لا يتخلص المجتمع من نفاقه يجب أن لا تشيع الفاحشة.
أريد أن أسرد هنا
هذه القصة لأن هذا سياقها: في بلد غير عربي و غير شقيق و ذات مساء شتوي في العام
الماضي، كنت أمر أمام مقهى ارتاده كثير، فاجأتني الشابة العشرينية التي ترتدي
ملحفة خضراء و أمامها رجل ستيني تقريبا بشارب أبيض و شعر رأس أبيض و في بدلة على
الطريقة الموريتانية ، عسكري كان ذلك أول انطباع أخذته، كان واقفا أمامها فيما هي
جالسة على مقعد أمام المقهى، كان أول ما لفت انتباهي تلفظها بشكل تسلسلي لعبارات
حتى أنا و بسبب المجتمع "الفاضل" لا أقدر على لفظها، أبشع العبارات
الجنسية التي قد يتخيلها موريتاني و هو يضحك. نبهني الشاب على أنها ترتدي شيئا مثل
الذي أريته مرة بأنه زي موريتاني ، قلت له نعم إنه الزي الموريتاني و هم يتحدثون
الحسانية، قفزت و ألصقت قبلات متتالية على شفاه الرجل التي مصها الزمن، في شارع
تطل عليه مقاهي و كانت ترسل عباراتها ثم تقفز و تقبل و تقبل، و كساخطة غاضبة و
كأنها تقول للمجتمع ، ها أنا أفعلها و أفعلها. انتابني الفضول حينها فشيء ما
أقنعني أنهما ليسا زوجا و زوجة، دخلا المقهى و دخلت مقهى صديقي و بدأت أتحدث معه و
اخترت مكانا مناسبا، كان هنالك رجل فرنسي لا أدري لربما كان تباع له معلومات
استخباراتية ، و كانت السيدة تتحدث فقط حسانية صريحة واضحة ، و الرجل كذلك و لا
تزال من مرة لأخرى تنهض و تقبل الرجل في حالة هستيرية أثارت انتابه حتى رواد مقهى
كل حياتهم كؤوس بيرة و قبلات مجانية. طلبت إلى ذلك الصديق أن يتظاهر بأنه يلتقط لي
صورة و التقطت صورتين من الشخصين أحتفظ بها لا أدري لماذا بالتأكيد. كانت الفتاة
جميلة و قررت الحديث إليها و جرأني طريقتها في التعامل مع ذلك العجوز بدت لي من
ذوات الرايات الحمراء الموريتانيات. كان صديقي يقترح اخرج و خلال النافذة نادي
عليها و كنا انتظرنا ساعات طوال و اتحدث إليه فقط لغة لا تترك ريبة للقوم. بعد
ساعتين تقريبا اتجهت للحمام و في البهو قبل دخول الخاص بالرجال أو النساء
انتظرتها. بالحسانية الفصحاء حييتها فتملكتها الصدمة و برز لها رقيب المجتمع بكل
أنيابه كالكابوس، كيف حالك و تبادلنا الحديث و كانت قد فقدت تركيزها . أتمنى أن
هذا ليس من باب إشاعة الفاحشة ، حاولت تهدئتها و مجاراتها محاولا أن أشعرها
بالراحة المطلقة و بأني لست من رقباء المجتمع و لا مخابريه، و ذلك المساء وجدت
طريقها لتترك الرجل لكاسه في نادي ليلي قريب من المقهى، باختصار الرجل متزوج و له
خمسة ابناء احدهم بعمري تقريبا و هي عشيقة كان يرتادها في نواكشوط و في رحلة لم
تفصح عن اسبابها قالت أنها سياحية قرر اصطحابها معه.
هل نحتاج أن نعيش في
مجتمع يبدو ملائكيا في ظاهره في ما تتحول كل رموز الملائكية إلى شياطين في باطنه؟
و نقول لا تشيع الفاحشة. إن الأورام لا يعاش عليها للأبد، يأتي يوم ستفتك فيه
بجسدك و تلقيك جثة هامدة لا حراك لها، فهي مادامت صامتة ستطال الجميع في صمت، أما
حين يكشف عليها فيتضح لنا أن علينا عزل هذا أو التخلص من ذاك أو الابتعاد عن ذلك
في النهاية نعرف حسب معاييرنا الجانب السليم الذي سنتوجه إليه. و يسترسل بعضهم في
سرد الآيات القرآنية الكريمة لي و الأحاديث ، إن الشيء الوحيد الذي يبرع فيه
مجتمعنا إلى جانب الشائعات و الإنشغال بأعراض الناس و قصص الآخرين هو استخدام
الدين لتبرير حالة النفاق التي يعيشها.
.....يتواصل
يا مجتمع ! هل الدين يخاطب "البيظان" فقط أم هو دينكم