Thursday, November 29, 2012

الذكرى الثانية و الخمسون لعيد الاستقلال الوطــــــــــــــــــــــني

أصدقائي في تركيا يخلدون معي عيد الإستقلاليوم الثامن و العشرين من كل نوفمبر تحضر تلك الذكرى الغالية على قلوب الجميع، و ربما من حسن حظي أني عشت هذه الذكرى مرات في بلدان مختلفة فجعلت كل أهل الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب حتى الآن يمسكون طرف العلم و يتقاسمون معي تلك اللحظات الجميلة التي أستذكر فيها كل ما هو جميل عن وطن لما يكاد يرى خلف ضباب التيه بفعل أبناءه
أشكر استاذتي للغة التركية "بيستا" و اصدقائي و صديقاتي اللذين يظهرون معي في الصور.


Sunday, November 18, 2012

و في النهاية سرق الربيع....غزة أكدت الإشاعة

هكذا جعلت أحداث غزة الربيع يبدو ، حروف  و نقاط في غير محلها، لا بركة في ربيع عربي لا ينتصر للإنسان العربي، ألم نقل أن الربيع لتحرير الشعوب و إعادة الإنسان العربي.
عفوا أما هم من أختاروا اسم طفلنا (الثورة) فأسموها ربيعا و هم من رعاه في أسابيعه الأول، و في النهاية اختطفوه بتواطئ من ممرض في المستشفى إسمه : ........، و الآن لا نعرف إن كنا سنسترجعه و كيف؟ لربما أنت يا غزة من ستسترجعيه لنا.

Saturday, November 17, 2012

لا ضمــــــــــــــــــــــــير...مات العالم

لا أتحدث هنا عن عرب و لا عجم، بل أتحدث عن ضمير العالم عن الإنسانية

Thursday, November 15, 2012

.... و يجتمعون اجتماعا طارئا

تمر بي أيام هذه الأيام في ظل ما يحصل في غزة خاصة بعد ثورات الشباب ضد الأنظمة التي حكمت بها إسرائيل و امريكا و تحكمت هي بنا. أيام تذكرنا بأيام سود خواليا....كنت قبل أعوام كتبت كلمات غير مصنفة إلا في خانة الحنق في ظل سلسلة اجتماعات انذاك للقادة فاقدي السيادة. و في ظل حالة الاستيلاب و اختطاف الحراك التي نشهدها الآن أعيد نشر هذه الكلمات.



أجتمع الحكام العرب، حكامنا يقررون، إن الذين يحملون البندقية، هم الذين يخربون والذين يهربون، هم الذين يعرفون ، كيف يحمون القضية ، إن الذين يستسلمون يهربون  يطيعون هم الذين يعرفون كيف ينتصرون ، حكامنا يقررون أن الذين يحملون الحجر هم الذين يحجبون نور شمس الحرية وضوء القمرعن الحجر عن البشر، حكامنا قرروا أنهم ينددون ويشكرون  ويتعهدون، حكاما يجتمعون
إنهم خلف الجدار  خلف الآبواب  يتنازلون يتقايضون يتخاذلون يلهثون خلف الذئاب
لا ...لا ...لا
إن حكامنا كانوا يجاهدون يخططون للحرب  يلبسون البزات العسكرية  ليضربوا عن الحدود  كانو يجددون العهود. آسف    آسف  لقد كانوا يرفضون  لقد كانوا يفاوضون  يبحثون عن السلام  في الركام في الظلام  في الكلام  حكامنا يتفقون
على التطبيع  يعدون جنازة مهيبة  للقضية  يلبسون ثيابا مهيبة  للتشييع، حكامنا غاضبون
إنهم يدعون لإجتماع، سيجتمعون ترى هل سيحضرون  كلهم أم أن بعضهم ، سيعتذر والآخرون يرفضون ، إنهم الآن يجتمعون ، ترى هل سيختلف هذا اللقاء
عن لقاءات عقدت هنا وهناك  وذالك الفجر وذالك الصبح  وذالك الزوال وذالك المساء؟
ماذا قد يقررون ، ربما يقاطعون ، أويقررون الحرب ويقاتلون ويصارعون
عفوا.......عفوا
إنهم يتصارعون ، يتقاتلون ، يتشاجرون ، إنهم غاضبون من بعضهم.
إن الجلسة ترفع وهم ينسحبون. ماذا قرروا ؟
لم يقرروا ، فقط سيحضرون لإجتماع آخر قاعدي ربما أو قمة ، وسيستخرج كل ورقته من حقيبته ويتهجى بها أحيانا  ويقرأها بطلاقة أحيانا، ثم سيخرجون ويبتسمون  ويقولون أنهم أتفقوا وسيحلون كل مشاكل المنطقة ببساطة سيكذبون.
ويدوخون ثانية الميكرفون، ويثرثرون ويحاولون  أن يخفوا فشلهم، وسيجتمعون إجتماعا آخر  ويطلبون من حماس رمي السلاح والإستسلام والإنبطاح والعيش في سلام من الأوهام.
الرجوع لطاولة الإنصياع ثم ينعتون الجميع بالإرهاب بالتشدد بالتطرف بغباء التصرف . ينبحون ككل الكلاب وحين يهتز العرش أوالكرسي فتلك القيامة
تقترب تلك النهاية وهنا يأتي التسليم بالحقيقة .عاش العرش وكل الشعب والقضايا
إلى الجحيم.

Saturday, November 10, 2012

مثقف العقدة و عقدة المثقف في موريتانيا



عبد الله  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

في أي مجتمع فإن المثقف يشار إليه و يوضع في إطار خاص و لحضوره وقع خاص. فالمثقف بعيدا عن تعريفاته الأكاديمية هو ذلك الشخص الذي جمع معارف و خبرات جعلت منه مخولا بالحديث في الشأن العام و مقدما لمفهم معطيات الأمور و تفحص اتجاهاتها، لذلك يعتبر صمام أمان المجتمعات كلها و محركها و الآخذ بيدها إلى جادة الصواب. فكل الثورات الثقافية و الصناعية و الإقتصادية و حتى السياسية كلها كان خلفها مثقفون و مثقفات كتبوا و نادوا و نزلوا إلى الشوارع و كانوا على مستوى من النضج يسمح لها بأن يومنوا بقضايا مجتمعات و أمم و يضحوا من أجل هذه القضايا معبئين بتلك الشحنة المعرفية.
قد يتسم الكثيرون بصفة المثقف أو يدعونها لكن حينما لا يتصل المثقف بتفاصيل معطيات الحياة الدقيقة في مجتمعه و يتفحصها و يعمل عليها فيغربلها فيعمل على إبعاد ضارها و ترسيخ نافعها، و يتحول إلى عنصر يغير في المجتمع بآرائه و تطلعاته و نقاشاته فإنه يتحول إلى مشكلة من مشاكل هذا المجتمع، و كلما كان المثقف حياديا كان أكثر جدوائية للمجتمع و قدرة على عمل التغيير فيه. و هذا لا يعني أن المثقف لا يكون مثقفا إلا حين يكون حياديا كونه في كلتا الحالتين يجب أن يتسم بنوع من الموضوعية في الطرح و الدفاع عن اتجاهه أو انتماءه مستمعا للآراء الأخرى الموافقة و المخالفة. لكن أن يتحول المثقف إلى إمعة و آلة فينتمي لتيار أو جهة و تصبح بالنسبة له الأولى و الأخيرة و كل شيء و يدافع عنها بعمى جاهلي و صلابة متخلفة لا تدعمها الأدلة و لا القرائن، فإن حالة المثقف هنا أحسن منها حالة الأمي الأبجدي حتى. في مجتمع من العقد على غرار المجتمع الموريتاني، وضع المثقف مختلف فهنالك نجد مثقف العقدة و عقدة المثقف.
تبدو العبارة مجرد عبثية بترتيب ثلاث كلمات، لكن الأمر ذو أبعاد تبعده عن تجريد العبثية. في مجتمع يكسر الخصوصية و يتحدث كل أحد فيه عن أي أحد و عن أي شيء و مطلع فوق الحد و مثقف كله في الحد، في مجتمع كهذا يبدو سؤال بأهمية: ماهو دول المثقف في المجتمع يبدو ضربا من السذاجة أو السطحية، لأن المجتمع لا ينتظر من المثقف دور فالمصطلح غير مستوعب بشكل لائق، فالمثقف في حالات كثيرة يقصد بها المجتمع الشخص الذي تعلم و يعيش حالة فراغ كبطالة مثلا ، أو هو من تعلم تعليما عاليا و لم يجد المنصب الملائم له في نظرة المجتمع، تبدو لي الفكرة سطحية جدا لكنني ملزم بأن أوردها فتعلمت أني حين اكتب عن المجتمع الموريتاني فلا أستبعد أي مصطلح و لا أي فكرة مهما بدت سطحية لأنها كلما كانت تقرأ بسطحية فهي تعكس واقع المجتمع بدقة. باختصار المجتمع ينظر للمثقف و حديثه كنوع من الخلل العقلي و عدم التمتع بكامل القوى العقلية ، هذا إذا تكلم و إذا كتب لن يجد من يقرأ له. لكن الخطيئة كيف تعامل المثقف مع الوضع، انقسم المثقفون إلى اثنين لا ثالث لهما يعيش كل منهما حالة استسلام لنظرة المجتمع عن علم أو عن غير علم ، اصبح هنالك  مثقفون استسلموا لمتطلبات المجتمع و رؤيته للثقافة و صاروا يتسمون بالإسم و يسمع منهم لكن حقيقة هؤلاء أن الثقافة في أحيان كثيرة براء منهم و من لديه رصيد طمرته ترسبات أشياء المجتمع و لقاءاته و أحاديثه. ففي مجتمع من ثلاثة ملايين شخص و ما يزيد على مائتي يومية و اسبوعية مرخصة و نسبة قراء و مطالعة لا تكاد تصل 1 في المائة رغم انعدام الإحصائيات يسهل أن تعرف المثقف من غيره فالثقافة ليس كالسياسية التي تتحمل المتسيسين.
الجزء الثاني من المثقفين هو مثقفو العقدة، و هم جماعة لديها معارف و معلومات و خبرات تجعل منهم مثقفين بالشكل الحقيقي و الصحيح بل أكثر اطلاعا من مثقفين في دول و أماكن أخرى حيث يتميزون بسعة مجال الأطلاع و كثرة المعارف و تشعبها. حين تجاوز هؤلاء إشكالية أن يكون في ثقافتهم شك سقطوا في فخ العقدة. حيث يقابل هؤلاء بنوع من الإهمال من طرف المجتمع، و يتملكهم هذا الشعور. و لأن البديل منعدم لحد ما ما لم يعمل هؤلاء على خلقه من خلال العمل بطريقة تفرض على المجتمع أن ينظر لها بطريقة مختلفة. و يأتي الحديث عن البديل من خلال مثلا وجود نافذة يطل منها الشخص على العالم أو على الآخر أيا كان في ظل عدم تعاطي المجتمع يطل بآرائه ووجهات نظره و يُسمع و يستمع. حيث لا دور النشر و لا صالونات للنقاش الثقافي و حيث التعاطي مع الثقافة عموما على المستويين الرسمي و الشعبي متساوي.
 أمام هذا الواقع أول ما يلجأ له المثقف الإنخراط في السياسة فتجد كل المثقفين الموريتانيين مثلا اليوم يكتبون في السياسة و فقط في السياسة بإستثناء البعض ممن تنازل و لم يجد طريقه إلا من خلال اتباع فكر معين او مدرسة و في أغلب الأحيان ليس إيمانا بقدر ماهو طمع في المتحمسين لها من الشباب و لا أقول المثقفين ولا المجتمع. فتجد الواحد مثلا يكتب و يقول أنا اعتنق الفكر الماركسي حيث ان هنالك من يميلون للفكر مثلا بعدها يحاول هو أن يخلق منهم ذلك الجمهور المفقود و المحوري لكل مثقف، حيث أن الإشكالية كلها تدور حول كيف تخلق الجمهور.
فالذين يكتبون في السياسة ليس فقط لأن السياسة توجد في الثقافة و في المجتمع و في الإقتصاد و علاج قضاياها سيعالج كل الإشكاليات المتعلقة بالمواضيع الأخرى، لا بل إن كتب المثقف هذا الموضوع سيقفز المتتبعون و هي عقلية هدامة مترسخة في المجتمع سيقفز الجميع ليصنفه ثم سيصنف من أتباع فلان أو فلان أو الحزب الفلاني و هكذا فأنصار ذلك الحزب أو التيار سيتعاملون معه كقلم لهم و يتابعونه ثم يجد هو فيهم ما يمكن تسميته جمهور و يبدأ يدافع و يهاجم في تيارهم حتى يجد نفسه لحظة و هو ضائع لا يعرف أن يحدد احداثياته.
و اعتزال المثقف الموريتاني للحديث أو الكتابة في أي مجال غير السياسة و هو أمر ملحوظ يجعل من هذا المثقف عالة و إشكالا  اكثر مما حل أو باحث عن الحل، فتجد المثقفين يتبارون في الجمل الرصينة و العبارات الرنانة و الافكار الضخمة و التي لا تمت للمجتمع و لا لواقعه في صلة في حين أنك إذا نظرت و حاولت أن تقول ربما هذا الخطاب موجه لجمهور عالمي أو لنخبة ما، تجد الكاتب يكتب الموضوع و يحسب انه موجه للمجتمع. و في هذا الحالة يبقى الخطاب على مستوى المثقفين و حين تأتي لما يحصل بين المثقفين تجد أن الخطاب الذي بقي على مستواهم لم يكونوا هم على مستوى ليطوروا منه فيجعلون من نتاجا يقتات عليه المواطن البسيط و يتابعه و يجد فيه ذاته. بل غالبا يتحول سجالا يعكس نوعا من الترف الفكري و اللغوي الزائد.
و حالات التناقض هذه و البحث عن جمهور جعلت المثقف الموريتاني شيئا فشيئا تتملكه تلك العقدة التي تستحكم فيه مع الزمن حتى تتجلى في شخصيته. فأصبحت ترى فيهم النرجسية و الإحساس الزائد بالذات و الإستعلاء و منهم الضائع الذي استحكمت العقدة فيه حتى لم تعد تعرف حتى أن تصنفه. فتجد واحدا مثلا أنجز قطعة مسرحية في قمة السخافة على المستوى الدرامي و الفني و يتعامل مع المواطن و حتى صديقه على أنه دونه، و تجد الشاعر و الصحفي و الكاتب و غيرهم تجد هؤلاء يتعاملون مع الناس معاملة تعكس بجلاء حالة العقدة. فتلك الأعمال التي لم تخرج بعد إطار الهواية أو الإنتاج الذاتي الاستهلاك و كردة فعل على طريقة استقبال الجمهور لها و تعاطيه معها و لأن المجتمع لم يقيم هؤلاء على أساسها كردة فعل تجد الواحد يبحث عن ذاته من خلال محاولة خلق تلك الهالة من عدم. و هنا لا يضر بنفسه كمثقف فقط بل كإنسان. و تتحول ثقافته نقمة عليه فهو لم يعرف أن يترجمها إلى لغة تصله بالمجتمع و تترجم الحالة الاجتماعية و تردها إلى المجتمع بلغة أكثر قربا منه. و يقول لك الواحد أنا اكتب أساسا للنخبة و السؤال هو ماذا تفعل النخبة بما تكتبه لها و إن كانت كل النخبة غير قادرة على خلق مجتمع من العامة فلا قيمة لإنتاجها خاصة أن لا مستهلك غير محلي له في أحيان كثيرة.
فيا معشر المثقفين، حاولوا التخلص من العقدة و اعرفوا أن جمهور المثقف يختلف عن جمهور النجم السينمائي. و التناقض الواقع فيه المثقف الموريتاني هو أنه هو لا يعرف أن يلتزم الحياد و يريد أن يخلق جمهور و جمهورك تخلقه حين تكون لك أراء تختلف مع هذا مرة و توافق ذاك أخرى. أما أن تكون بوق فكر أو تيار أو حزب فأنت لا تخلق جمهورا بل تنتج لجمهور موجود. و المثقف دون جمهور له لا يعدو بوقا. أو آلة أربكتها العقد.

Monday, November 5, 2012

المخنثون و الشواذ...و مجتمع يضحك ببلاهة



عبد الله  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

أحيانا يكون على المجتمع أن يعترف ولو بمرارة بالهزيمة ، مع أنه يحق له أن يرفضها و يتهرب منها ما وسعه الأمر، في مجتمع لا يحكمه القانون و النظام بقدر ما يحكمه العرف القبلي و التقليد الإجتماعي، خرجت من خلف الكواليس ممارسات فوق طاقة العرف و التقليد و القانون. هي لحظة يشعر فيها المجتمع بالعجز و الضعف، لكن هي أيضا لحظة يواجه فيها هذا المجتمع الحقائق على صعوبتها و مرارتها، من تلك الحقائق و الممارسات التي ظهرت في المجتمع و لم تعد قادرة لتختفي لا خلف الجدران المغلقة و لا الأقنعة المتقنة التركيب و لم يعد وجه المجتمع المنمق قادرا على إخفائها. سواء كانت هذه الظاهرة نتاج سلوكيات و انعكاس حالات اجتماعية أو كانت مسبب سلوكيات أخرى، هي حقيقة لتتم مواجهتها.
في عالم يريد فيه الجميع أن يكون ديمقراطيا و أن يكفل و يضمن لكل شخص حق اختياراته و يحترم له خصوصياته، في عالم المعايير المزدوجة و قوانين السيطرة المفروضة. في عالم كهذا لم يعد موضوعا كالشذوذ و تجاوز الأجناس و الخنثوية مطروحا بأي شكل من الأشكال كون تشريعات دول كثيرة تجاوزت حتى وصلت حدود قوننة زواج الرجال ببعضهم البعض و النساء ببعضهم البعض و حق الشخص في اختيار أي جنس يريد أن يكون. ولو أن الكنيسة رفضت هذا في وقت من الأوقات، لكن يبدو أن "الديمقراطية" كانت أقوى من الكنيسة في هذه أيضا.
إلا أن التناقض الذي تقع فيه مجتمعات اليوم على غرار مجتمعاتنا هو التردد و الحيرة أمام وضع كهذا و مكانته من القانون. الظاهرة محرمة بنصوص مفصلة محكمة و الشريعة الإٍسلامية تصنفها في خانة المتشبهين بالنساء و المتشبهات بالرجال و اللواط و السحاق و غيره من أمور تعتبر من أكبر الكبائر في الدين الإسلامي. و في دول إسلامية مغلوبة على أمرها لم تعرف بعد هل تعتمد الدين  أو غيره و مشغولة بمواءمة الدين مع الديمقراطية و إثبات أنهما متطابقان، دول غير قادرة أيضا بفعل كسلها و بفعل التبعية التي حتى الآن هي مجبولة عليها لم تستطع صياغة ديمقراطية تتماشي مع خلفياتها الثقافية و الفكرية و التاريخية و تتماشى مع تعاليم دين تعتمدها كل الدساتير فيها تقريبا على أنها المصدر الاول للتشريع (بالنص على الأقل). في دول كهذه تبدو الظاهرة بصدد إسقاط قناع أو اثنين و كشف حالة تناقض كبرى. و كون بعض المجتمعات العربية ، شهدت حالة الإنفجار القيمي و أصبح موقفها واضحا من الظاهرة و استطاعت أن تتجاوز تبعات ذلك الموقف. فنحن الآن بصدد نفس التجربة، أن نتخذ موقفا واضحا من القضية و نكون مستعدين لتحمل عواقبه و نترك عنا تجاهلها و محاولة افتراض أنها لا توجد.

مجتمع يخلق الظاهرة
في الأعراس الاجتماعية تتجلى الظاهرة بل و صارت مصدر استحسان و كل "فنان" له صاحبه المعين، و المجتمع كل بملتزمه و منحله و غيره ذلك تجده يتفرج عليه و لا يبدو الإنكار إلا في القلب إن كان هنالك إنكار.فأصبح مما يزيد دخل و شعبية "الفنان" أن يكون له "مخنث" يحمس حفلاته و يجمع الأموال التي يغمره بها الغباء الإجتماعي. و في الشوارع لم يعد مستغربا مثلا أن ترى اثنين يضعان المكياج و عطور النساء و في كامل حلتهما بيدين متشابكتين يتمايلان في الشوارع و كأنهن في شوارع مدريد.  إذن المجتمع بدل أن يحارب الظاهرة مثلا فهو يحب أن يبدو لا مبال، لكنها حقيقة لا مبالاة بطعم التشجيع، فالصمت علامة الرضا كما يعتنقها ذلك المجتمع الصامت المنضغط. ففي البيوت الفاخرة و الأسر الكبيرة مثلا أصبحت ترى لكل أسرة واحد معتمد يحضر تجمع المرأة و البنت بصديقاتهن و يجلس بينهن فهو مؤدي مونودراما مثلا بالنسبة لهن، و يبدأ صناعة الشاي. و تجده يرافقهن للتسوق و إلى محلاتهن التجارية مثلا، لاحظ متاجر المواد النسائية .لكن هذه الأسر استشعرت الخطر ففي بعضها صار المخنث يُكون الأبناء الصغار فهو بالطبع يريد حماية جنسه من الإنقراض و ضمان استمراريته، و لا حظت بعض الأسر أن الأبناء يتأثرن عميقا بذلك المشهد حتى أن أسرا خسرت أبنائها بذات الطريقة، أبناء تلاحظونهم في المدارس الخصوصية يعيشون نوعا من الارتخاء الجسدي و الحديث و الحركات الأقرب لأحاديث و حركات النساء.
وفي الأسر المتوسطة و الضعيفة تحضر الظاهرة أيضا، فالمخنثون أصلا و في غالبيتهم هم من الأسر الفقيرة و المتوسطة - و لو أنه في السنوات الأخيرة خلقوا طبقة جديدة فيهم قادمة من الميسورين و جلبوها إليهم بعد أن كانت تعمل عمائلها في بيوت الأباطرة و السادة بعيدا عن العيون و الألسن-  كون أصول غالبيتهم من الطبقات المتوسطة و الضعيفة لم تسلم هذه من نيرهم فلهم صديقات و أصدقاء في تلك الطبقات يجالسونهم و هكذا تنتشر الظاهرة في المجتمع بكل طبقاته و في نوع من الصمت الأبله. أما ظاهرة الشذوذ الجنسي فانتشار هذه أكبر لكن مساحة الصمت المحيطة به أيضا أعمق و أكبر لسببين فهو خاص جدا و السبب الآخر أن أغلبية من تجرؤا عليه حتى الآن من الطبقات التي لا تطالها يد القانون و هم رجال متزوجون هانئون برغد من العيش و نساء متزوجات تاجرات، و مؤخرا حدثني صديق يعيش في دولة أجنبية معروفة بقبول هذه الظاهرة أن موريتانيين  و موريتانيات صاروا يقومون بسياحات جنسية للغرض نفسه لا أكثر ثم يعودون لأرض الوطن.

          سفير المخنثين في "الأمم المتحدة" : من أجل كرامة المخنث
قبل مغادرتي البلاد بحوالي أسبوع نشر موقع موريتاني خبر أن المخنثين و الشواذ في موريتانيا اجتمعوا في بيت في تيارت، و هو اجتماع عمل مغلق حيث كانوا بصدد إنشاء إطار قانوني يكفل لهم حقهم و هيبتهم و كرامتهم، كنت ما إن أحدث شخصا مثقفا في غالب الأحيان عن القضية حتى ينفجر ضاحكا و كأنه لا يصدق. طبعا فنحن في مجتمع سيموت ضاحكا: "الدنيا ما جاها حواش" لكنه حقيقة يضحك على نفسه، لأن هذه الضحكة لا تترجم ملامحه العابسة التائهة. و في متابعة للقضية حيث حاولت الحصول على مصادر أخرى. فإن من يسمي نفسه : سفير المخنثين في الأمم المتحدة و ينظرون هم إليه كمفكر و مرشد روحي، في حديثه قال أن هذه الطبقة حقوقها و حرياتها مضمونة و تكفلها كل القوانين و قال أنه مستعد للدفاع عنها حتى في الامم المتحدة، و انفضت الجماعة لكونهم لم يتفقوا على أمين عام. و قال "السفير": أنهم سيعلنون عن أنفسهم دون خجل و سينزلون للشارع مطالبين بحقوقهم. و أكد أن هنالك مثقفين و إعلاميين سيدافعون و يناضلون معهم حتى تكفل كل حقوقهم، و كان الإجتماع قد حضره العشرات. و الحقيقة حتى و إن لم نقبلها أن هؤلاء يدعمهم إعلاميون كبار و رجالات  و أبناء وجهاء و نافذين فضلا عن الفنانين و حفلاتهم الذين يشكلون مصدر الدخل الدائم فيما الآخرون مصادر دخل غير منتظمة. و بالمناسبة هؤلاء لديهم الآن ما يمكن تسميته بالحكومة الموازية و في لقائهم كانوا جد منظمين بحيث بحثوا عن من يمكن أن يساعد من الناحية السياسية و سموا سياسيين يمكن الإعتماد عليهم ، و مصادر تمويل معينة و رجال إعلام و حتى مثقفين يمكن الإتجاه إليهم أو على الأقل مصارحتهم بالامر. و امتد الاجتماع حتى ساعات متأخرة من الليل، و كان الاتفاق أيضا على اعتماد محامي أجنبي مختص و برامج لقاءات مشحون للوصول لنتيجة. و ربما ما يغيب عن البعض أن هنالك 6 من هؤلاء معروفين جدا و هم يعني رواد الاعمال في المجال فتعاملاتهم مع السلك الديبلوماسي و الوفود من الطرازات الرفيعة و هم مرجعيات في كثير من الأمور و الأخطر أن اغلبهم أجانب، لكن تمكنوا من خلال صلاتهم من أن يصبحوا مواطنين.

سيادتنا و قيمنا أو تصنيفاته
فإذا انطلقنامن الدين، فالظاهرة محرمة تفصيلا و إجمالا، و حينها ستصنف تلك الدول على السلم الأمريكي و الغربي و تصنفها الأمم المتحدة في قائمة الدول القمعية و الإطضهادية التي تقمع ليس فقط حرية الفرد بل حرية الجماعات، كون القوم اليوم فينا صاروا جماعة و ليست أفرادا. و حينها مثلا سيكون هنالك شح في الدعم الإقتصادي و في تمويل برامج ديمقراطية و تنموية و مجتمع مدني. و إذا انطلقنا من تشريع يقوم على الديمقراطية مثلا بحالها اليوم، فمن حق أولئك أن يلبسوا ملاحفهم و أن تلبسن هن فضفاضاتهن،و إن أراد رجل أن يتزوج رجل فربما قريبا يكون بإمكانه دعو إمام الجامع الكبير ليعقد القران.
القضية أنه مثلا، لنفترض أن الدولة لم تصدر تشريعا واضحا يجرم الظاهرة ، سيظل هؤلاء يقولون : القانون لا يجرم ، خاصة و أنهم بصدد أن يدعموا و يؤطروا من الخارج ما إن يخرج صوتهم للعلن و قد خرج. الدولة مثلا قالت أن الظاهرة مرفوضة استنادا على تأويل نص قانوني أو اعلنت أنها غير مقبولة حينها أيضا، هذه موجة يركبها هؤلاء فيجد بعضهم فرصة الإقامة في أوروبا كلاجيء و تلك أجمل من كل الاغاني التي رقص عليها يوما، و من هنالك سيظل يصيح و يصرخ و دولة القمع و الإرهاب و الجوع و ...و ...و و سيجد من يسمعه بل من يدعمه و يشكل مصدر دعم للموجودين بالداخل الذين سوف لن يهدؤوا هم أيضا و إذا سجن أحدهم سيجعل منه أولئك في الخارج بطلا قوميا و قائدا روحيا. و أمام هكذا وضع يبدو الحل حراكا اجتماعيا واعيا و متفهما لأبعاد اللعبة كلها، حتى يعمل على إيصال رسالته بهدوء، ففي عالم المعايير المزدوجة و الأنظمة و الشعوب المغلوبة على أمرها، و الحقوق و الحريات شعارات ووسائل سيطرة يتحكم بها البعض في البعض لابد لكل حراك من حسابات دقيقة. في هذا الصدد هنالك مبادرة لا للإباحية و هي مبادرة تكون مؤثرة ما ظلت متزنة، بحيث لا تدخل في أمور يختلف عليها المجتمع ولو قليلا، و تركز على ظاهرة مرفوضة بالأغلبية المطلقة حتى تظل وسيلة تحد من انتشار الظاهرة. لكن كل ما نزلت هذه لمستوى أن تتحدث في شكل الملابس و نوعيات السلوك كل السلوك فإنها ستفقد فعاليتها في مواجهة ظاهرة من هذا النوع. و لا يستبعد هؤلاء يوما يقف فيه هم عن يمين باب القصر باللافتات و الشعارات و يقف هؤلاء عن يساره، و لا أعرف حينها هل سيتخلى بعض العلماء عن محاباة  و لي أعناق الأحكام و التشريعات و ماذا سيكون وضع الديمقراطية حينها، قد يبدو الأمر سهلا حين يكون هنالك قرار حاسم و جريء من دولة سيادية لها قوانينها و نظمها. 

Sunday, November 4, 2012

التفكك:حين يكون الزواج دراما مجتمع



عبد الله  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

إن قوام أي مجتمع هي أسرة متكاملة متزنة يؤدي فيها كل واجباته كما يلزم، أسرة توفر للأبناء أرضية يكونون فيها أكثر قدرة على العطاء و فهم متطلبات و ضرورات الحياة التي هم مقبلون عليها. و حين نريد الحديث عن بنية و تكامل الأسرة، فسنبدأ حتما بالضوابط و متطلبات زواج يفضي لأسرة سعيدة هانئة مستقرة تشكل عنصرا إيجابيا في مجتمع لا تنقصه السلبيات. إذن الزواج ليس أمرا قابلا للحصر في متطلبات دينية أو متطلبات اجتماعيه بل هو أكثر من ذلك أساس بنية اجتماعية قائمة و بقد ما يكون لبنة تشد منها هو معول يهدها. إن التشكل الأسري في موريتانيا يتأثر بعدة اختلالات تبدأ من ليلة الدخول و لا تنتهي يوم إعلان الطلاق.
إن الزواج في موريتانيا لا يخضع فقط لمسطرة دينية محددة، أو اجتماعية محددة أو اقتصادية محددة بل مزيج من كل ذلك حيث شوه كل منه الآخر فشوهت المتطلبات الاجتماعية القواعد الدينية، و الاثنان شوههما العامل الاقتصادي و لم تنصهر الأجزاء في إطار تكاملي انسيابي بل إطار فرض فرضا.
إن الإختلالات التي تحكم نظام الزواج في المجتمع الموريتاني عصية على الحصر، كونها تختلف من منطقة لمنطقة و جهة لأخرى، و لكن إذا أردنا العمل على أبرزها المشترك، فإنه الفارق العمري و و المجاملة و المصلحة و القرابة و التفكير في عالم اليوم بنمط التفكير قبل مائة عام ، و عدم الاعتراف باختلاف المتطلبات و الحاجيات و الضوابط من جيل لآخر و المشكلة الأكبر أن جيلا يتصرف نيابة عن جيل فيما يتعلق بمستقبله و حياته.
شيء من الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواقع
فقط بالأمس عرفتها، كانت تركض إلي في فستانها كلما رأتني أمام المنزل تطلب إلي الحلوى و تحدثني أحاديث الطفولة ،أقول لها:  أنت أبنة من؟ من اشترى لك هذا الفستان؟ و هكذ....
مضت أعوام قليلة و لبستْ الملحفة ثم صارت بعمر الخامسة عشرة تقريبا. مرة و أنا عائد بعد غياب أشهر، سألت عنها، قالوا: لقد تزوجت. طفلة الأمس اللعوبة ما إن صارت تتلمس طريقها نحو الأنوثة حتى جاء شيخ أكبر من أبيها قليلا، و طلب يدها، و أعطيت له. الرجل شيخ قرية من قرى نواكشوط و ذا مال و جاه، اختطف طفولة و براءة الصغيرة . لم يتركوا لها أن تهنأ بطفولتها و صبا أنوثتها. إن زواجا من هذا النوع ليس أبدا قابلا للصمود لأنه لا يقبله منطق، غدا ستكبر هي و تلاحظ ذلك الفراغ العميق في حياتها و تلك المرحلة من عمرها التي استلبت استلابا و سوف تجد نفسها أما شخص من عالم آخر لا مشتركات بينهما، بل كل ما بينهما يفرقهما، نمط تفكير مختلف و نمط حياة مختلف...و إلا هل سترد هي شيخا ستينيا لا تحبه و لم تره إلا ليلة الدخلة ترده شابا عشرينيا يداعبها و يلبي حاجاتها كامرأة شابة. أم هل تحكم هي على نفسها بالموت السريري و الصمت السرمدي و تعيش حالة الكآبة ، حال نساء موريتانيات كثيرات ألقت بهم يد المجتمع إلى سجن من هذا القبيل يحرسه شيخ هرم مخرف هو الزوج حيث ما إن بدأت ترى الحياة حتى حكم عليها بالموت. هذا مشهد من ذلك العمل الاجتماعي الدرامي الكبير.
المشهد الآخر هو: تزوجي ابن عمك.... و هنا ليس هنالك أي معيار آخر يقاس عليه لا التوافق العمري و لا التفكيري، فقط بن عمك و كل التنازلات الآخرى تقدم. ثم تقبل الفتاة ابن عمها، و بعد فترة قليلة تشعر أن لا شيء يجمع بينهما إلا كونه ابن عمها، ثم يضيق هو بطقوس زيارات أهلها و زيارات أهله و ضوابط حين تلقى الأم و قوانين حين ترى الأب. و يشعر أنه ليس فقط زوج بل مؤدي طقوس دينية و حامي كنيسة قبلية. و يتضايق ثم تتضايق هي، و حين يريدون إنهاء الزواج فتلك الطامة الكبرى، كل منهما محمل أكثر من طاقته بل من طاقة الجبال. وبدل أن يصير زواجا سعيدا يصبح نارا في ملائكة غلاظ شداد هم الطقوس و التقاليد. فأحيانا هروبا من تلك النار يقرران البقاء معا جسدا بعيدان عن بعضهما روحا، و انعكاسات هذا النوع كثيرة، حيث أحيانا لا تنتظر أسرة لكي تبدأ تحريض ابنتها على ترك الدراسة و العمل إلا أن تجد إبن عم لها، فابن العم طلباته واجبات ربانيه إن طلب أن تترك العمل ستفعل و تترك الدراسة ستفعل. نفس العقلية التي أدت إلى نوع عميق من درجة  الجهوية و لا تسمح بتجاوز عامل العنصرية حتى في نفس العرق فكيف في الأعراق الأخرى. مجتمع تكاد فيه نسبة الزواج بين الأعراق تنعدم.
و الآخر أن يكون الزواج على أساس مصالح قد لا تكون قبلية و لا مادية و لكن معنوية، فمثلا تجد الرجل يجبر إبنه على أن يتزوج فلانة و يكون لا زال في سن مبكر لحاجة في نفس يعقوب ، كصفقة مثلا أو شراكة أو شيء من هذا القبيل و هذا النوع ينتشر بكثرة في الأحياء الأرستقراطية.و حين يرفض تبدأ حالة من الحصار الاقتصادي  ثم الهجر ثم يجد الشاب نفسه مرغما على الزواج منها. فيتزوجها و ليلة الدخلة يذهب للتسكع مع بعض أصدقائه ثم شيئا فشيئا يجعله تفهم هي أنه ليس زوجا و تجد مبررا هي الأخرى فتتصرف أيضا على اساس أنها مطلقة و هكذا يتسرب الخلل.
هذه الحالات لا تحصر بأي حال من الأحوال ما نشهده على المستوى الاجتماعي من ممارسات و طقوس تخل بشكل كبير و خطير بالنسيج و النظام الاجتماعي. و إعطاء أمثلة هو فقط لتعميق الصورة عن الوضع، و دائما الخلل ما يبدأ ثم ينتج عوامل ثانوية، مثلا في المجتمع اليوم صارت هنالك نسوة تعمل على إغراء الشيوخ لأنهن تستفدن منهن و تبتزهن معتمدات على عقدة العمر.و فيه أخريات تسعين للزيجة الأولى فقط و لا يهمهن حتى إن كانت فقط لشهر، لأنهن تشعرن أن تلك الزيجة و بعدما تتطلق ستحظى بنوع من الحرية في بيت أهلها و الاستقلالية.
ما تؤدي إليه حالات كهذه هو نساء تتسكعن و تعاشرن الرجال و هن متزوجات، نساء تبحثن عن تلك السعادة المفقودة و عن ما يملؤ ذلك الفراغ بنوع من السعي للإنتقام من المجتمع الذي فعل ذلك بهن و الذي تنظرن إليه كالمسؤول الأول عن تلك الحالة التي يعشنها، فتلتئم تلك العوامل النفسية و تجعل من المرأة امرأة تمارس كل أنواع الرذيلة فهي تنتقم. أو في الاتجاه تقتل المرأة قلبها نهائيا و تفترض أنها مجرد شيء و جسد يتحرك و تعطل كل محركات العاطفة فيها، و تحرق كل اجهزة المشاعر و الأحاسيس و تدخل عالم الأنا الكئيبة المجتمع المسؤول.

جحيم رجل ...خير من لظى تلك النظرات
و الأدهي من كل ذلك مجتمع لا يحتمل أمرأة في العشرين غير متزوجة، في حال أن عمر العشرين ليس كاف لأمرأة أيا كانت لكي تستقر على المستوى العلمي و المهني، ما يمكًن المرأة من أن تعيش حالة من الاستقلالية قبل الزواج و أثناءه و حتى بعده. بل تحت ضغط المجتمع تضطر للتفكير في الموضوع ثم يضغط المجتمع و يبدأ يقدم عروضه و صفقاته المريضة حتى يلقي بها إلى الزواج فتجد نفسها غير قادة على إكمال دراستها  و الزوج في أحيان كثيرة لا يقبل فكرة بحثها عن عمل و إن قبل فظروف الأسرة و متطلباتها لا تقبل. و ما إن تصل المرأة العشرين حتى تبدأ مرحلة النضال النفسي تلك التي لا يشعر بصعوبتها و مرارتها إلا هي. و قليلات اللاتي يستطعن المقاومة حتى النهاية. فالبيت و الأقارب سيتحولون إلى أمكنة لا تطيق العيش فيهم و يصير أي رجل قادم لأخذك ولو إلى الجحيم أرحم من النظرات التي تتلقينها و الوضع الذي تعيشين فيه. حينها أحلامك و جمالك و طموحك كلها أمور كفيل بها أول قادم من الباب ينكس رأسه قليلا أمام الوالد أو الوالدة. و بعدها يلقيك في جحيم ما و سوف تظل العائلة تقنعك بأنك أنت المخطئة خاصة حين يكون الرجل من الأقرباء و سيقنعوك أن جحيمك الذي تتحدثين عنه ما هو إلا جنة مؤجلة. ثم بعد ذلك تعتادين الوضع و تتملكك حالة اليأس و تنعزلين و تكرسين نفسك للأبناء و تنسين أنك إنسان و تلعنين اليوم الذي حلمت فيه بأن تكوني امرأة ناجحة مستقلة لها أعمالها.

في مجتمع يخلق الأقاصيص و الروايات من العدم، في مجتمع اجتماعات الشاي الطويلة، لا تترك أ] أسرة لتعيش حياتها كما تشاء و هذا إشكال آخر، مجتمع لا يعترف بالخصوصيات و لا الأمور الشخصية. مجتمع اعتاد طول الساعات في يباب الصحراء، يجعل من المرأة موضوعا للحديث و يبني على تحركاتها القصص من خيالاته فيحكي عن لبسها و طريقة مشيها، و يحكي عن الزوج و شكله و لونه و طعمه و رائحته. في مجتمع كهذا لا تشعر أي أسرة بعالمها ذلك الصغير و قصرها الزمردي الصغير الذي لا يسعها إلا هي و تصير لا إراديا في حالة صراع مع قوى اجتماعية تظلهم في غرفة الطعام و غرفة النوم. و في مجتمع ليس له في ثقافة التجوال و الإستجمام ، و لا يساعده وسطه على شيء من هذا النوع في مجتمع كهذا لا مكان إلا لحالات الكبت و الكمد.
الإستثناء الأكبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
ولو وجدت استثناءات بحيث أن بعض الأسر لم تعد تثق و لا ترغب في زواج الأقارب إلا بشرط أن يتم حسب معايير محددة، و حيث أن يعض الشباب من الجيل الجديد صار على مستوى من النضج يعرف فيه أن هذا مصير و حياة و ليس من المقبول إلا أن تكون خيارات شخصية صادرة عن قناعة مطلقة. و لو أن البعض أيضا يقول أن البنات صرن و كن في مستوى يسمح لهن برفض العرض ، إلا أن هذه النقطة فيها أيضا ما يقال بحيث أننا نعم نفترض أن المرأة يمكن أن ترفض لكن السلطة الوهمية القائمة تقول أنه من الصعب على فتاة أي يقدم لها أبوها أمها عرض فترفض هي من قرارة نفسها في الواقع لابد أن أحد الاثنين يؤيد رفضها و في الغالب لأن لديه بديل جاهز. و بحيث أن سلطة معينة جعلت بعض الأسر مثلا يشعر نوعا من الحرج أمام البعض حين تتحدث عن تزويج ابنتها رجلا بعمر أبيها حيث دائما ما ينظر الموضوع بمنطق مادي بحت. و لو وجدت استثناءات بحيث أن بعض الأسر صارت تحاول التحرر من قيود و سجن المجتمع الكبير و قوانينه الخرافية و قواته الأسطورية الوهمية إلا أن الاستثناء الاكبر حتى الآن في الموضوع هو أن تجد رجلا  وامرأة التقيا صدفة و أحبا بعضهما و عاشا فترة حتى خبر كل منهما الآخر و تأكد من أن ما يتخذه الخيار الصائب و أن هذا شخص يمكن أن يعيش معه كل حياة و لديه ما هو في حاجة إليه من صدر يستند عليه وقت الضيق و منديل يمسح دمعه وقت البكاء. و شخص يعتمد عليه لينجح في علميا و عمليا. ذلك الاستثناء الحقيقي في المجتمع اليوم.
البطلة القومية...
لا يستغرب في وضع كهذا أن نعيش في مجتمع مطلق و في مجتمع يجعل من المطلقة بطلة قومية. و مجتمع يقيس رجولة الرجل على سلم القسوة و الصلابة العالمي إنه مجتمع يكيل بمعيارين ليملأ فراغ وقته.
إننا نعيش في مجتمع من النساء الكئيبات الصامتات الميتات سريريا أو المنتقمات اللاتي ترين كل الأسلحة مشروعة للأخذ بثأرهن من المجتمع. و الرجال الجليديين القادمين من مدن الثلج و الملح و التبغ أو الرجال اللامبالين الذين يستخدمهم المجتمع غرابيل لمتطلباته و ضوابطه. و ما نحن بحاجة إليه رجال و نساء يؤمنون بخياراتهم أكثر من الإيمان بضوابط مجتمع متملق لنجعل منهم أبطالا قوميين و هم يخلقون التغيير لبناء مجتمع قابل للحياة.  نعيش في مجتمع من الأسر التي تختصر الزواج في خطوبة و عقد و إنجاب أبناء. مجتمع لا يعترف بالبعد الروحي والعاطفي و النفسي للزواج.

Friday, November 2, 2012

شباب ينهشه الإدمان ... في مجتمع يقتله الصمت



عبد الله
  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

كانت الساعة تشير لحوالي دقائق عشر بعد منتصف الليل و أنا و فنجان قهوة أخذ منه البرود و أشيائي في زاوية من المكان و من مرة لأخرى يأتي إلى صديقي صاحب المقهى حسب توافد الزبائن. هنالك بعيدا عن حيث يتواجد غالبا مثقفوا و صحافة موريتانيا و يصدعون الرأس بالأحاديث في السياسة والأعمال في وقت يفترض أنه وقت الراحة و الاستجمام و الأحاديث التلقائية بعد يوم طويل و شاق من التنقل في مدينة الغبار، و طرقها العبثية. بينما أنا جالس إذا بذينك الشابين اللذين بالكاد بلغا الحلم و هما يترددان جيئة و ذهابا على صديقي صاحب المقهى، و قبل أن أسأله ، سألني و تعلو وجهة بسمة الممازح : هل تبتاع جهاز بلاكبيري بعشرة آلاف أوقية. قلت له ممازحا: لا حقيقة يبدو لي جهازا غريبا. ثم نادى على الشابين و أخذ منهما الجهاز و أعطانيه، كان جهازا طبيعيا بل جديد جدا، ثم أخذه و سلمه لصاحبه و قال له: أخي لا أنا ليس لدي ما أشتريه به. ولى الشابان و الخيبة تعلو ملامحهما.
قال لي صديقي: هنا في هذا المكان كل ليلة كل مساء يأتيني شباب بل أطفال صغار يحملون تارة أجهزة كومبيوتر و أخرى هواتف و ملابس و كل شيء و يبيعونه بثمن بخس ثم أردف ضاحكا لكن عزيزي أنا لا أشتري مثل هذه الأشياء أخاف منها. حاولت أن استوضح منه: قلت بالتأكيد هم شباب يسرقونها من أهلهم ثم يبيعونها لإقتناء بعض أغراض الأطفال، قال لي :نعم و لذلك أخاف منها. خاصة أن هؤلاء أبناء نافذين كبار من رجال المال و السلطة و أنت تعرف نحن أبناء الأحياء الشعبية، ثم أضاف: أنا هنا في بقعة هي أكثر بقع موريتانيا فسادا في الأرض، الخمر و السكر و الزنا و المجون ....قلت له كيف؟ قال تعرف لماذا يبيع هؤلاء كل هذه الأشياء ؟  نعم لإقتناء المسكرات و المخدرات و بعضهم يبيعها لبعض. ثم بدا لي الموضوع جذابا. و نادى زبون على صديقي ، على فكرة كل زبناء هذا الصديق من كبار الشخصيات و المشاهير. و مع ذهابه عني رجع أحد الشابين سكرانا محمر العينين لا يبدو في كامل اتزانه و قال لي: كم تعطي ثمنا لهذا الهاتف، أي ثمن؟ أصر صديقي و انتهره ، قلت لك: لا نشتريه....و جاء صديق الشاب و بدأ معه بتسويق السلعة ، أعطنا أي ثمن و خذه و يطمإن صديقي على أن الهاتف ليس مسروق و أمره واضح و كان ذلك الإصرار يزيد صديقي أنا هروبا من الصفقة.
قررت وحدي أن أتعقب الأمر و أستجليه. أتردد دائما على مقهى صديقي ، بل بدا لي مكانا مذهلا و مصدرا رائعا و نادرا لكثير من الأخبار بدل الجلسة  هنالك حيث كل يترصد ليعرف إيديولوجيتك و انتماءك السياسي و آخر مشاريعك لا ليدعمك فيها بل ليكبلك.
و ذات ليلة جاءنا آخر بعد ليلتين من تلك الليلة و أنا أترصد كل الحركات، جاء يحمل جهاز آي فون و هنا قلت لصديقي: و الله فرص مغرية يا صديقي،لكن لم يكن متحمسا للفكرة فهو أدرى بالمكان و أهل المكان. حاولت انا محادثة الشاب وحدنا و قلت له أني سأشتري منه الجهاز، و بدا سعيدا و لكن أبديت له تخوفاتي من أن يكون مسروقا و إن كان بإمكانه إعطائي ضمانا و كنت في زي مريح لمثله حيث أرتدي ملابس رياضية خفيفة. أردت أن أستدرجه ليطول الحديث و يجلب لي آخرين و بدأت أقول له : تبدو محتاجا جدا لهذا المبلغ و أضحك و أحاول أن أكسر الحاجز بيننا ، نادى على ثلاثة من أصدقائه كانوا في سيارة فاخرة في ظلمة خلف المقهى ، جاء منهم إثنان و أكدا لي أنه جهازه و أنهم بحاجة لذلك المبلغ. و بدأت أحاول و أستخدم كل ما في وسعي من أسلحة، و قلت له أوكي لكن لا أظن هذا المبلغ يكفي لشراء أي شيء. قال لي أحد أصدقائه : أنت ستشتري أم لا؟ و بدا خبيرا بالشأن وطلب من صديقه أن يتركني و يلحق بهما و ذهبا. قلت له : حتى لا أخسر قربه مني إن كنت تريد فيها مبلغ كذا، هاهو و كان أقل بكثير مما طلب لكن فقط لأبدي له أنه كنت على استعداد للشراء. المهم لم يلتفت و ذهب.
عدت لصديقي و حدثته ، و بعد حوالي ساعة عاد و طلب المبلغ، قلت له: خلاص اشتريت منه العشاء و لم يبق إلا ....، قال : هاته. أحرجني الرجل، لم أعرف ماذا أفعل فأنا حقا لا أريد الشراء. تدخل صديقي وقال له: هو لم يعد يريد الجهاز. بالتأكيد خسرت مشروع الصديق ذاك الذي كان يفترض أن يكون مصدر  و كان إبن شخصية نافذة.

يتعاطون المسكرات في الرابعة عشرة من العمر ...الأمر طبيعي
أًصِلُ للقصة الليلة الموالية حيث رابطت في المكان غير بعيد من حيث كانت سيارتهم تلك الليلة،ووجدت حركة غير طبيعية بين سيارتين فيها مشروع الصديق و الإثنين في الليلة الأولى وغيرهم كلهم شباب في مقتبل العمر. لم أرد أن أجازف و عدت إلى مقعدي. ثم التقيت بشاب يبدو عليه أنه مهذب منذ بدأت أتي إلى ذلك المكان هو يأتي كل ليلة و يتناول عشاءه و ينصرف أحيانا مع أصدقاءه و أخرى وحده و كان صديقي قد زكاه لي مرة، كان صديق الجماعة و هجرها حسب قوله لما أرادت أن تجتره لذلك الأمر. حسب ما قال لي: الامر يتعلق بمجموعة من الشبان الصغار من أبناء طبقات نافذة تجعلهم في مأمن من أي ملاحقة يتعاطون أنواعا مختلفة من المسكرات، تصلهم حسب شباب آخرين من نفس الطبقة يكبرونهم بقليل يحصلون عليها من مزودين في منطقة الميناء و السبخة و حتى دار النعيم قال لي. ثم يأتونهم بها هنا و يوزعونها عليهم و حين يكون الواحد في حاجة لمال هو يبيع كل شيء للحصول عليه، سألته : عن أهاليهم، في الغالب أهاليهم أسوأ حالا منهم.
إذن حالة من التواصل بين الأجيال في التعاطي و إعتماد طرق فعالة لنشر هذه الممارسة في المجتمع من خلال استهداف النشأ، و أذكر هنا ان تقارير اخيرة أشارت إلى أن تجارة المخدرات و المسكرات تزدهر مع افتتاح المدارس لأن طلاب المدارس الثانوية يعتبرون السوق الحقيقي لهذه التجارة. شباب في الخامسة عشرة و الثالثة عشرة و دون ذلك و فوقه يتعاطون المخدرات في ظل إهمال تام لهم من أهاليهم. في المنطقة المذكورة تذكر مصادر أن أغلب الأسر تعيش حالات السهر الليلي و الأخدان و تعاطي الخمر، و هذا مصدر الخطر أن الأسرة ذاتها غارقة في هذه الممارسات و تاركة أبنائها للضياع في متاهات الإدمان. انتشار الحالة لم يعد يحتاج لتدقيق فأن يدخل عليك السكران و المتعاطي محمر العينين غارقا في الهذيان أصبح أمرا طبيعا حتى في المناطق الفقيرة حيث يتعاطى الشباب مسكرات مصنوعة محليا من قبيل العطور و خلطها بمواد تؤدي إلى السكر. تعطي هذه المتابعة صورة عن الدرجة التي وصل إليها تعاطي المخدرات و الإدمان في نواكشوط، و إن كنا في مناطق كهذه نشاهد هذا فماذا عن مناطق أخرى تعتبر المصدر الأول لمثل هذه التجارة. و إن كان فئة الأجيال الصاعدة المفترض أن تكبر على حب الوطن و القيم هي المستهدف الاول بها و مصدر استهلاكها الأكبر لا شك فنحن أمام تحد و خطر داهم.

مزودون و متعاطون لا تطالهم يد القانون
إن الحل لا يكمن فقط في متابعة التجار و المزودين و الذي يحقق فيه مكتب مكافحة المخدرات انجازات تذكر فتشكر، بل في اعتماد سياسة لا تترك أحدا في مأمن من المتابعة و الحساب و العقاب ، لا رجال أعمال و لا نافذين ، الكل يوضع امام مسؤولياته و القانون وإلا فهنالك مزودون و تجار و مروجون سوف لن يطالهم العقاب لأن أيادي عليا في الجيش و السلطة ترعاهم و تحميهم. نفس تلك الأيادي التي لن تترك العقاب ينال أبناءها. حين تذهب الوالدة للتسكع و يذهب له الأب فماذا يبقى للأبناء ؟ إن الأسرة هي المسؤولة الأولى عن حالة كهذه ثم يأتي النظام و الدولة فأن يحتمى تجار و متعاطي ممنوعات من القانون برجال الدولة فذاك الفساد بعينه في إحدى حالته المتقدمة التي لا تمس المجتمع و كيانه في صميمه. و في مجتمع لما يعترف بعد بطب النفس فهل يعترف بمراكز مكافحة الإدمان. أو سيظل يزود المدمنين بالعقاقير و الحبوب في بيوت النوم في الدور المغلقة. إن المعلومات التي استوضحتها أن كل أولئك الشبان الذين بلغوا حوالي العشر كانوا أبناء رجال من رجالات الدولة و الجيش خصوصا. و أنهم كانوا يتصرفون و هم في مأمن تام من أي مداهمة أو ملاحقة أو عقاب.

إن المستهدف طبقة حساسة في أي مجتمع و ما لم يقم المجتمع لأبنائه بحيث تراقب كل أسرة تصرفات أبنائها و تقم الدولة بمسؤولياتها بحيث لا تستثني أحدا من العقاب و القانون. فإن شريحة كبيرة و أساسية من المجتمع يرمى بها لأيادي الإدمان لتبطش بها. و تتيه في متاهات المخدرات و المسكرات في مجتمع يتيه في صمته. اليوم عيون محمرة فعقار فحبة أو اثنتان فبيع جهاز أو اثنين أما غدا فبكاء و صراخ ثم إجرام فقتل و انتحار.