Monday, November 5, 2012

المخنثون و الشواذ...و مجتمع يضحك ببلاهة



عبد الله  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

أحيانا يكون على المجتمع أن يعترف ولو بمرارة بالهزيمة ، مع أنه يحق له أن يرفضها و يتهرب منها ما وسعه الأمر، في مجتمع لا يحكمه القانون و النظام بقدر ما يحكمه العرف القبلي و التقليد الإجتماعي، خرجت من خلف الكواليس ممارسات فوق طاقة العرف و التقليد و القانون. هي لحظة يشعر فيها المجتمع بالعجز و الضعف، لكن هي أيضا لحظة يواجه فيها هذا المجتمع الحقائق على صعوبتها و مرارتها، من تلك الحقائق و الممارسات التي ظهرت في المجتمع و لم تعد قادرة لتختفي لا خلف الجدران المغلقة و لا الأقنعة المتقنة التركيب و لم يعد وجه المجتمع المنمق قادرا على إخفائها. سواء كانت هذه الظاهرة نتاج سلوكيات و انعكاس حالات اجتماعية أو كانت مسبب سلوكيات أخرى، هي حقيقة لتتم مواجهتها.
في عالم يريد فيه الجميع أن يكون ديمقراطيا و أن يكفل و يضمن لكل شخص حق اختياراته و يحترم له خصوصياته، في عالم المعايير المزدوجة و قوانين السيطرة المفروضة. في عالم كهذا لم يعد موضوعا كالشذوذ و تجاوز الأجناس و الخنثوية مطروحا بأي شكل من الأشكال كون تشريعات دول كثيرة تجاوزت حتى وصلت حدود قوننة زواج الرجال ببعضهم البعض و النساء ببعضهم البعض و حق الشخص في اختيار أي جنس يريد أن يكون. ولو أن الكنيسة رفضت هذا في وقت من الأوقات، لكن يبدو أن "الديمقراطية" كانت أقوى من الكنيسة في هذه أيضا.
إلا أن التناقض الذي تقع فيه مجتمعات اليوم على غرار مجتمعاتنا هو التردد و الحيرة أمام وضع كهذا و مكانته من القانون. الظاهرة محرمة بنصوص مفصلة محكمة و الشريعة الإٍسلامية تصنفها في خانة المتشبهين بالنساء و المتشبهات بالرجال و اللواط و السحاق و غيره من أمور تعتبر من أكبر الكبائر في الدين الإسلامي. و في دول إسلامية مغلوبة على أمرها لم تعرف بعد هل تعتمد الدين  أو غيره و مشغولة بمواءمة الدين مع الديمقراطية و إثبات أنهما متطابقان، دول غير قادرة أيضا بفعل كسلها و بفعل التبعية التي حتى الآن هي مجبولة عليها لم تستطع صياغة ديمقراطية تتماشي مع خلفياتها الثقافية و الفكرية و التاريخية و تتماشى مع تعاليم دين تعتمدها كل الدساتير فيها تقريبا على أنها المصدر الاول للتشريع (بالنص على الأقل). في دول كهذه تبدو الظاهرة بصدد إسقاط قناع أو اثنين و كشف حالة تناقض كبرى. و كون بعض المجتمعات العربية ، شهدت حالة الإنفجار القيمي و أصبح موقفها واضحا من الظاهرة و استطاعت أن تتجاوز تبعات ذلك الموقف. فنحن الآن بصدد نفس التجربة، أن نتخذ موقفا واضحا من القضية و نكون مستعدين لتحمل عواقبه و نترك عنا تجاهلها و محاولة افتراض أنها لا توجد.

مجتمع يخلق الظاهرة
في الأعراس الاجتماعية تتجلى الظاهرة بل و صارت مصدر استحسان و كل "فنان" له صاحبه المعين، و المجتمع كل بملتزمه و منحله و غيره ذلك تجده يتفرج عليه و لا يبدو الإنكار إلا في القلب إن كان هنالك إنكار.فأصبح مما يزيد دخل و شعبية "الفنان" أن يكون له "مخنث" يحمس حفلاته و يجمع الأموال التي يغمره بها الغباء الإجتماعي. و في الشوارع لم يعد مستغربا مثلا أن ترى اثنين يضعان المكياج و عطور النساء و في كامل حلتهما بيدين متشابكتين يتمايلان في الشوارع و كأنهن في شوارع مدريد.  إذن المجتمع بدل أن يحارب الظاهرة مثلا فهو يحب أن يبدو لا مبال، لكنها حقيقة لا مبالاة بطعم التشجيع، فالصمت علامة الرضا كما يعتنقها ذلك المجتمع الصامت المنضغط. ففي البيوت الفاخرة و الأسر الكبيرة مثلا أصبحت ترى لكل أسرة واحد معتمد يحضر تجمع المرأة و البنت بصديقاتهن و يجلس بينهن فهو مؤدي مونودراما مثلا بالنسبة لهن، و يبدأ صناعة الشاي. و تجده يرافقهن للتسوق و إلى محلاتهن التجارية مثلا، لاحظ متاجر المواد النسائية .لكن هذه الأسر استشعرت الخطر ففي بعضها صار المخنث يُكون الأبناء الصغار فهو بالطبع يريد حماية جنسه من الإنقراض و ضمان استمراريته، و لا حظت بعض الأسر أن الأبناء يتأثرن عميقا بذلك المشهد حتى أن أسرا خسرت أبنائها بذات الطريقة، أبناء تلاحظونهم في المدارس الخصوصية يعيشون نوعا من الارتخاء الجسدي و الحديث و الحركات الأقرب لأحاديث و حركات النساء.
وفي الأسر المتوسطة و الضعيفة تحضر الظاهرة أيضا، فالمخنثون أصلا و في غالبيتهم هم من الأسر الفقيرة و المتوسطة - و لو أنه في السنوات الأخيرة خلقوا طبقة جديدة فيهم قادمة من الميسورين و جلبوها إليهم بعد أن كانت تعمل عمائلها في بيوت الأباطرة و السادة بعيدا عن العيون و الألسن-  كون أصول غالبيتهم من الطبقات المتوسطة و الضعيفة لم تسلم هذه من نيرهم فلهم صديقات و أصدقاء في تلك الطبقات يجالسونهم و هكذا تنتشر الظاهرة في المجتمع بكل طبقاته و في نوع من الصمت الأبله. أما ظاهرة الشذوذ الجنسي فانتشار هذه أكبر لكن مساحة الصمت المحيطة به أيضا أعمق و أكبر لسببين فهو خاص جدا و السبب الآخر أن أغلبية من تجرؤا عليه حتى الآن من الطبقات التي لا تطالها يد القانون و هم رجال متزوجون هانئون برغد من العيش و نساء متزوجات تاجرات، و مؤخرا حدثني صديق يعيش في دولة أجنبية معروفة بقبول هذه الظاهرة أن موريتانيين  و موريتانيات صاروا يقومون بسياحات جنسية للغرض نفسه لا أكثر ثم يعودون لأرض الوطن.

          سفير المخنثين في "الأمم المتحدة" : من أجل كرامة المخنث
قبل مغادرتي البلاد بحوالي أسبوع نشر موقع موريتاني خبر أن المخنثين و الشواذ في موريتانيا اجتمعوا في بيت في تيارت، و هو اجتماع عمل مغلق حيث كانوا بصدد إنشاء إطار قانوني يكفل لهم حقهم و هيبتهم و كرامتهم، كنت ما إن أحدث شخصا مثقفا في غالب الأحيان عن القضية حتى ينفجر ضاحكا و كأنه لا يصدق. طبعا فنحن في مجتمع سيموت ضاحكا: "الدنيا ما جاها حواش" لكنه حقيقة يضحك على نفسه، لأن هذه الضحكة لا تترجم ملامحه العابسة التائهة. و في متابعة للقضية حيث حاولت الحصول على مصادر أخرى. فإن من يسمي نفسه : سفير المخنثين في الأمم المتحدة و ينظرون هم إليه كمفكر و مرشد روحي، في حديثه قال أن هذه الطبقة حقوقها و حرياتها مضمونة و تكفلها كل القوانين و قال أنه مستعد للدفاع عنها حتى في الامم المتحدة، و انفضت الجماعة لكونهم لم يتفقوا على أمين عام. و قال "السفير": أنهم سيعلنون عن أنفسهم دون خجل و سينزلون للشارع مطالبين بحقوقهم. و أكد أن هنالك مثقفين و إعلاميين سيدافعون و يناضلون معهم حتى تكفل كل حقوقهم، و كان الإجتماع قد حضره العشرات. و الحقيقة حتى و إن لم نقبلها أن هؤلاء يدعمهم إعلاميون كبار و رجالات  و أبناء وجهاء و نافذين فضلا عن الفنانين و حفلاتهم الذين يشكلون مصدر الدخل الدائم فيما الآخرون مصادر دخل غير منتظمة. و بالمناسبة هؤلاء لديهم الآن ما يمكن تسميته بالحكومة الموازية و في لقائهم كانوا جد منظمين بحيث بحثوا عن من يمكن أن يساعد من الناحية السياسية و سموا سياسيين يمكن الإعتماد عليهم ، و مصادر تمويل معينة و رجال إعلام و حتى مثقفين يمكن الإتجاه إليهم أو على الأقل مصارحتهم بالامر. و امتد الاجتماع حتى ساعات متأخرة من الليل، و كان الاتفاق أيضا على اعتماد محامي أجنبي مختص و برامج لقاءات مشحون للوصول لنتيجة. و ربما ما يغيب عن البعض أن هنالك 6 من هؤلاء معروفين جدا و هم يعني رواد الاعمال في المجال فتعاملاتهم مع السلك الديبلوماسي و الوفود من الطرازات الرفيعة و هم مرجعيات في كثير من الأمور و الأخطر أن اغلبهم أجانب، لكن تمكنوا من خلال صلاتهم من أن يصبحوا مواطنين.

سيادتنا و قيمنا أو تصنيفاته
فإذا انطلقنامن الدين، فالظاهرة محرمة تفصيلا و إجمالا، و حينها ستصنف تلك الدول على السلم الأمريكي و الغربي و تصنفها الأمم المتحدة في قائمة الدول القمعية و الإطضهادية التي تقمع ليس فقط حرية الفرد بل حرية الجماعات، كون القوم اليوم فينا صاروا جماعة و ليست أفرادا. و حينها مثلا سيكون هنالك شح في الدعم الإقتصادي و في تمويل برامج ديمقراطية و تنموية و مجتمع مدني. و إذا انطلقنا من تشريع يقوم على الديمقراطية مثلا بحالها اليوم، فمن حق أولئك أن يلبسوا ملاحفهم و أن تلبسن هن فضفاضاتهن،و إن أراد رجل أن يتزوج رجل فربما قريبا يكون بإمكانه دعو إمام الجامع الكبير ليعقد القران.
القضية أنه مثلا، لنفترض أن الدولة لم تصدر تشريعا واضحا يجرم الظاهرة ، سيظل هؤلاء يقولون : القانون لا يجرم ، خاصة و أنهم بصدد أن يدعموا و يؤطروا من الخارج ما إن يخرج صوتهم للعلن و قد خرج. الدولة مثلا قالت أن الظاهرة مرفوضة استنادا على تأويل نص قانوني أو اعلنت أنها غير مقبولة حينها أيضا، هذه موجة يركبها هؤلاء فيجد بعضهم فرصة الإقامة في أوروبا كلاجيء و تلك أجمل من كل الاغاني التي رقص عليها يوما، و من هنالك سيظل يصيح و يصرخ و دولة القمع و الإرهاب و الجوع و ...و ...و و سيجد من يسمعه بل من يدعمه و يشكل مصدر دعم للموجودين بالداخل الذين سوف لن يهدؤوا هم أيضا و إذا سجن أحدهم سيجعل منه أولئك في الخارج بطلا قوميا و قائدا روحيا. و أمام هكذا وضع يبدو الحل حراكا اجتماعيا واعيا و متفهما لأبعاد اللعبة كلها، حتى يعمل على إيصال رسالته بهدوء، ففي عالم المعايير المزدوجة و الأنظمة و الشعوب المغلوبة على أمرها، و الحقوق و الحريات شعارات ووسائل سيطرة يتحكم بها البعض في البعض لابد لكل حراك من حسابات دقيقة. في هذا الصدد هنالك مبادرة لا للإباحية و هي مبادرة تكون مؤثرة ما ظلت متزنة، بحيث لا تدخل في أمور يختلف عليها المجتمع ولو قليلا، و تركز على ظاهرة مرفوضة بالأغلبية المطلقة حتى تظل وسيلة تحد من انتشار الظاهرة. لكن كل ما نزلت هذه لمستوى أن تتحدث في شكل الملابس و نوعيات السلوك كل السلوك فإنها ستفقد فعاليتها في مواجهة ظاهرة من هذا النوع. و لا يستبعد هؤلاء يوما يقف فيه هم عن يمين باب القصر باللافتات و الشعارات و يقف هؤلاء عن يساره، و لا أعرف حينها هل سيتخلى بعض العلماء عن محاباة  و لي أعناق الأحكام و التشريعات و ماذا سيكون وضع الديمقراطية حينها، قد يبدو الأمر سهلا حين يكون هنالك قرار حاسم و جريء من دولة سيادية لها قوانينها و نظمها.