عبد الله محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي
كانت الساعة تشير لحوالي دقائق عشر بعد منتصف الليل و أنا و
فنجان قهوة أخذ منه البرود و أشيائي في زاوية من المكان و من مرة لأخرى يأتي إلى
صديقي صاحب المقهى حسب توافد الزبائن. هنالك بعيدا عن حيث يتواجد غالبا مثقفوا و
صحافة موريتانيا و يصدعون الرأس بالأحاديث في السياسة والأعمال في وقت يفترض أنه
وقت الراحة و الاستجمام و الأحاديث التلقائية بعد يوم طويل و شاق من التنقل في
مدينة الغبار، و طرقها العبثية. بينما أنا جالس إذا بذينك الشابين اللذين بالكاد
بلغا الحلم و هما يترددان جيئة و ذهابا على صديقي صاحب المقهى، و قبل أن أسأله ،
سألني و تعلو وجهة بسمة الممازح : هل تبتاع جهاز بلاكبيري بعشرة آلاف أوقية. قلت
له ممازحا: لا حقيقة يبدو لي جهازا غريبا. ثم نادى على الشابين و أخذ منهما الجهاز
و أعطانيه، كان جهازا طبيعيا بل جديد جدا، ثم أخذه و سلمه لصاحبه و قال له: أخي لا
أنا ليس لدي ما أشتريه به. ولى الشابان و الخيبة تعلو ملامحهما.
قال لي صديقي: هنا في هذا المكان كل ليلة كل مساء يأتيني
شباب بل أطفال صغار يحملون تارة أجهزة كومبيوتر و أخرى هواتف و ملابس و كل شيء و
يبيعونه بثمن بخس ثم أردف ضاحكا لكن عزيزي أنا لا أشتري مثل هذه الأشياء أخاف
منها. حاولت أن استوضح منه: قلت بالتأكيد هم شباب يسرقونها من أهلهم ثم يبيعونها
لإقتناء بعض أغراض الأطفال، قال لي :نعم و لذلك أخاف منها. خاصة أن هؤلاء أبناء
نافذين كبار من رجال المال و السلطة و أنت تعرف نحن أبناء الأحياء الشعبية، ثم
أضاف: أنا هنا في بقعة هي أكثر بقع موريتانيا فسادا في الأرض، الخمر و السكر و
الزنا و المجون ....قلت له كيف؟ قال تعرف لماذا يبيع هؤلاء كل هذه الأشياء ؟ نعم لإقتناء المسكرات و المخدرات و بعضهم
يبيعها لبعض. ثم بدا لي الموضوع جذابا. و نادى زبون على صديقي ، على فكرة كل زبناء
هذا الصديق من كبار الشخصيات و المشاهير. و مع ذهابه عني رجع أحد الشابين سكرانا
محمر العينين لا يبدو في كامل اتزانه و قال لي: كم تعطي ثمنا لهذا الهاتف، أي ثمن؟
أصر صديقي و انتهره ، قلت لك: لا نشتريه....و جاء صديق الشاب و بدأ معه بتسويق
السلعة ، أعطنا أي ثمن و خذه و يطمإن صديقي على أن الهاتف ليس مسروق و أمره واضح و
كان ذلك الإصرار يزيد صديقي أنا هروبا من الصفقة.
قررت وحدي أن أتعقب الأمر و أستجليه. أتردد دائما على مقهى
صديقي ، بل بدا لي مكانا مذهلا و مصدرا رائعا و نادرا لكثير من الأخبار بدل الجلسة
هنالك حيث كل يترصد ليعرف إيديولوجيتك و
انتماءك السياسي و آخر مشاريعك لا ليدعمك فيها بل ليكبلك.
و ذات ليلة جاءنا آخر بعد ليلتين من تلك الليلة و أنا أترصد
كل الحركات، جاء يحمل جهاز آي فون و هنا قلت لصديقي: و الله فرص مغرية يا
صديقي،لكن لم يكن متحمسا للفكرة فهو أدرى بالمكان و أهل المكان. حاولت انا محادثة
الشاب وحدنا و قلت له أني سأشتري منه الجهاز، و بدا سعيدا و لكن أبديت له تخوفاتي
من أن يكون مسروقا و إن كان بإمكانه إعطائي ضمانا و كنت في زي مريح لمثله حيث
أرتدي ملابس رياضية خفيفة. أردت أن أستدرجه ليطول الحديث و يجلب لي آخرين و بدأت
أقول له : تبدو محتاجا جدا لهذا المبلغ و أضحك و أحاول أن أكسر الحاجز بيننا ، نادى
على ثلاثة من أصدقائه كانوا في سيارة فاخرة في ظلمة خلف المقهى ، جاء منهم إثنان و
أكدا لي أنه جهازه و أنهم بحاجة لذلك المبلغ. و بدأت أحاول و أستخدم كل ما في وسعي
من أسلحة، و قلت له أوكي لكن لا أظن هذا المبلغ يكفي لشراء أي شيء. قال لي أحد
أصدقائه : أنت ستشتري أم لا؟ و بدا خبيرا بالشأن وطلب من صديقه أن يتركني و يلحق
بهما و ذهبا. قلت له : حتى لا أخسر قربه مني إن كنت تريد فيها مبلغ كذا، هاهو و
كان أقل بكثير مما طلب لكن فقط لأبدي له أنه كنت على استعداد للشراء. المهم لم
يلتفت و ذهب.
عدت لصديقي و حدثته ، و بعد حوالي ساعة عاد و طلب المبلغ،
قلت له: خلاص اشتريت منه العشاء و لم يبق إلا ....، قال : هاته. أحرجني الرجل، لم
أعرف ماذا أفعل فأنا حقا لا أريد الشراء. تدخل صديقي وقال له: هو لم يعد يريد
الجهاز. بالتأكيد خسرت مشروع الصديق ذاك الذي كان يفترض أن يكون مصدر و كان إبن شخصية نافذة.
يتعاطون المسكرات في الرابعة عشرة من
العمر ...الأمر طبيعي
أًصِلُ للقصة الليلة الموالية حيث رابطت في المكان غير بعيد
من حيث كانت سيارتهم تلك الليلة،ووجدت حركة غير طبيعية بين سيارتين فيها مشروع
الصديق و الإثنين في الليلة الأولى وغيرهم كلهم شباب في مقتبل العمر. لم أرد أن
أجازف و عدت إلى مقعدي. ثم التقيت بشاب يبدو عليه أنه مهذب منذ بدأت أتي إلى ذلك
المكان هو يأتي كل ليلة و يتناول عشاءه و ينصرف أحيانا مع أصدقاءه و أخرى وحده و
كان صديقي قد زكاه لي مرة، كان صديق الجماعة و هجرها حسب قوله لما أرادت أن تجتره
لذلك الأمر. حسب ما قال لي: الامر يتعلق بمجموعة من الشبان الصغار من أبناء طبقات
نافذة تجعلهم في مأمن من أي ملاحقة يتعاطون أنواعا مختلفة من المسكرات، تصلهم حسب
شباب آخرين من نفس الطبقة يكبرونهم بقليل يحصلون عليها من مزودين في منطقة الميناء
و السبخة و حتى دار النعيم قال لي. ثم يأتونهم بها هنا و يوزعونها عليهم و حين
يكون الواحد في حاجة لمال هو يبيع كل شيء للحصول عليه، سألته : عن أهاليهم، في
الغالب أهاليهم أسوأ حالا منهم.
إذن حالة من التواصل بين الأجيال في التعاطي و إعتماد طرق
فعالة لنشر هذه الممارسة في المجتمع من خلال استهداف النشأ، و أذكر هنا ان تقارير
اخيرة أشارت إلى أن تجارة المخدرات و المسكرات تزدهر مع افتتاح المدارس لأن طلاب
المدارس الثانوية يعتبرون السوق الحقيقي لهذه التجارة. شباب في الخامسة عشرة و
الثالثة عشرة و دون ذلك و فوقه يتعاطون المخدرات في ظل إهمال تام لهم من أهاليهم.
في المنطقة المذكورة تذكر مصادر أن أغلب الأسر تعيش حالات السهر الليلي و الأخدان
و تعاطي الخمر، و هذا مصدر الخطر أن الأسرة ذاتها غارقة في هذه الممارسات و تاركة
أبنائها للضياع في متاهات الإدمان. انتشار الحالة لم يعد يحتاج لتدقيق فأن يدخل
عليك السكران و المتعاطي محمر العينين غارقا في الهذيان أصبح أمرا طبيعا حتى في
المناطق الفقيرة حيث يتعاطى الشباب مسكرات مصنوعة محليا من قبيل العطور و خلطها
بمواد تؤدي إلى السكر. تعطي هذه المتابعة صورة عن الدرجة التي وصل إليها تعاطي
المخدرات و الإدمان في نواكشوط، و إن كنا في مناطق كهذه نشاهد هذا فماذا عن مناطق
أخرى تعتبر المصدر الأول لمثل هذه التجارة. و إن كان فئة الأجيال الصاعدة المفترض
أن تكبر على حب الوطن و القيم هي المستهدف الاول بها و مصدر استهلاكها الأكبر لا
شك فنحن أمام تحد و خطر داهم.
مزودون و متعاطون لا تطالهم يد القانون
إن الحل لا يكمن فقط في متابعة التجار و المزودين و الذي
يحقق فيه مكتب مكافحة المخدرات انجازات تذكر فتشكر، بل في اعتماد سياسة لا تترك
أحدا في مأمن من المتابعة و الحساب و العقاب ، لا رجال أعمال و لا نافذين ، الكل
يوضع امام مسؤولياته و القانون وإلا فهنالك مزودون و تجار و مروجون سوف لن يطالهم
العقاب لأن أيادي عليا في الجيش و السلطة ترعاهم و تحميهم. نفس تلك الأيادي التي
لن تترك العقاب ينال أبناءها. حين تذهب الوالدة للتسكع و يذهب له الأب فماذا يبقى
للأبناء ؟ إن الأسرة هي المسؤولة الأولى عن حالة كهذه ثم يأتي النظام و الدولة فأن
يحتمى تجار و متعاطي ممنوعات من القانون برجال الدولة فذاك الفساد بعينه في إحدى
حالته المتقدمة التي لا تمس المجتمع و كيانه في صميمه. و في مجتمع لما يعترف بعد
بطب النفس فهل يعترف بمراكز مكافحة الإدمان. أو سيظل يزود المدمنين بالعقاقير و
الحبوب في بيوت النوم في الدور المغلقة. إن المعلومات التي استوضحتها أن كل أولئك
الشبان الذين بلغوا حوالي العشر كانوا أبناء رجال من رجالات الدولة و الجيش خصوصا.
و أنهم كانوا يتصرفون و هم في مأمن تام من أي مداهمة أو ملاحقة أو عقاب.
إن المستهدف طبقة حساسة في أي مجتمع و ما لم يقم المجتمع
لأبنائه بحيث تراقب كل أسرة تصرفات أبنائها و تقم الدولة بمسؤولياتها بحيث لا
تستثني أحدا من العقاب و القانون. فإن شريحة كبيرة و أساسية من المجتمع يرمى بها
لأيادي الإدمان لتبطش بها. و تتيه في متاهات المخدرات و المسكرات في مجتمع يتيه في
صمته. اليوم عيون محمرة فعقار فحبة أو اثنتان فبيع جهاز أو اثنين أما غدا فبكاء و
صراخ ثم إجرام فقتل و انتحار.