تذكُر يا أبتِ
وجه الرجل القبيح
الذي ملأ أطراف المدينه
تذكر نظرات المخابر اللعينه
تذكر يا أبتِ صمتي
و يأس نظراتي
تذكر أحرفي و كل كتاباتي
التي كنت أخفيها بعيدا
تذكر صلواتي
التي كنت أتلوها بعيدا،
تذكر أن كلا منا كان يصلي وحيدا
يموت وحيدا، يجلس، يرقص وحيدا
خوفا من أن يثير الانتباه
تعرف يا أبت جدا، سجون الاشتباه
تذكر كم كاتبا اختفى
وكم غاضبا في المنفى
وكم مرة قلنا إنا لله.....
حين سألنا عن فلانة فما وجدناها
وعن فلان فما وجدناه
تذكر وجه الرجل القبيح
الذي ظنـــَنا ملكه
فوزعنا بين أبناءه و حاشيته بتصريح
تذكر صرخات الوطن الجريح
تذكر يا أبتاه......
بلغ الأمر حده
وتعرف الشيء حين يبلغ منتهاه
قام الوطن
من أقصاه لأقصاه
انفجر الصمت قنبلة
والرفض ما سلِم وجه قبيح
من شظاياه
يا أبتِ انفجرَت قنبلة الصمت
سقط القناع والمتاع، سقط الرعاع
يا أبتِ كفرنا
بالرجل الواحد
و الحزب الواحد
والرأي الواحد
أسقطنا التماثيل و الأقاويل والتحاليل
وخرجنا من رماد الأجساد
و من بقايانا
نبني ذات الوطن التي تهدمت
لو ترى يا أبت
لو رأيت الميدان،
والإنسان حين ينتصر للإنسان
لو ترى في تلك الأيام
كيف دارت إبر الزمان
والموكب المهيب للشهداء
لو ترى كيف اجتمعنا و قــُمعنا
وكيف أعلنا نهاية عصر الانحناء
ثم صفعنا ذلك التاريخ
وأحرقنا كل ما في أدراجه من أشياء
دستوره ، مأموره، محظوره
دوره، قواميسه نواميسه كوابيسه
لم يعد هنالك للطوارئ قانون
ولا للكلام ولا للأحلام ولا للأقلام سجون
فتحنا قاموسا جديدا
فيه الرحيل والشعب يريد
ويسقط النظام ويسقط الحديد
كتبنا دستورا جديدا
فيه الوطن المستقل
والحاكم الخادم والمفسد يستقيل
بنينا مدنا جديدة
لا تحمل صور الرجل القبيح
أرسلناه للسجن وللمنفى
فطرازه انتهت صلاحيته
وزمانه انتهى
فنحن اليوم ولأول مرة من عقود
نتنفس هواء الوطن كما نشاء
الحقبة السوداء
حرقنا أعلامها الحمراء من دمنا
سجونها الملأى من بقايانا، حرقنا كتبها الخضراء
ولوننا أعلامنا و أحلامنا كما نشاء
لم تعد دولنا ذوات رايات حمراء
لا ولا خيراتنا ونساؤنا
نهب للغرباء
فلا مزاد علني اليوم، لبيع وطن
ولا أمن وطني لسجن وطن
طوينا الصفحة السوداء
فلا رئيس ولا أمير لا وطني
يسبح بحمده أحد
فلقد انتهى عصر الجبناء
نحن في عصر البوعزيزي
عصر الساحات
من التحرير إلى التغيير
عصر مصطلحات
المحاسبات و الملاحقات القضائية
والرحيل، عصر الوطن الرئيس
والوطن الأمير
و الوطن الأول والأخير
البوعزيزي..........
هل يعني لك الاسم شيئا؟
سل الربيع العربي يا أبي...
كانت صفعة شرطيه
و رماد جسد
من هنا بدأت الحكاية وبدأ العد
كان ممنوعا من الكلام
ككل شاب عربي
حتى من قراءة جريدة لا تنطق باسم النظام
ككل مواطن عربي
كان متعلما بلا عمل وبلا أمل
ككل شاب عربي
لكن صفعة الشرطيه
أفاضتْ قدرة التحمل البشرية
كله إلا عربة الخضار
آخر قلاع الكفاح
على شفا الانهيار
تغير كل شيء يا أبتي
النصُب التذكاريه
طلاء جدران السجون
تغيرت حتى برامج التلفزيون
آه ما أجمل ان تمشي بحريه
تشرب بحريه
وتكتب بحرية
تمشي في مدن لا بوليس في شوارعها
وتكتب كلمات لا تخرج
أسماء السجون وأصوات القيود فيها
رمينا خلف القضبان
خلف الزمان والمكان
رميناه للنسيان
في سلة المهملات
رمينا الرجل القبيح
وحزبه وجنده وعهده
وبنينا الإنسان العربي
لملمنا الإنسان العربي
رممنا الإنسان العربي
يا أبي