هل تعلم أنه حسب إحصائيات موقع آلكسا العالمي لمعلومات الويب، يأتي موقع على الأقل إباحي ضمن أكثر عشرة مواقع تصفحا في موريتانيا ، في الأسبوع الماضي على مدى ثلاثة أيام يأتي موقع إباحي ضمن الأربع الاولى، وفي الأيام المتبقية لا يخرج إطار العشرة مواقع الأكثر تصفحا......
حين يبقى المثقف متفرجا فمن إذن في الميدان ؟!
الجنس إنه المصطلح المحذور والكلمة المحرمة والموضوع الذي لا يجوز الخوض فيه ولا حتى الوقوف على عتباته ،إنه الفساد والانحراف والوقاحة وقلة الاحترام أن تتحدث فيه أو تسأل فيه أو تستفسر عن شيء فيه ، الباب الذي لا يطرق والمساحة التي يجب تجنبها هكذا تعلمت لا من أبي وأمي فقط بل من مجتمعه بأسره بقمته وقاعدته بنخبته وخاصته ومثقفيه وعامته ، إنها ثقافتنا التي لا تحبذ كسر جدران صمت كثيرة ومثقفونا الذين لم نجد لهم نتيجة ولا فائدة أمام موجات المد هذه العاتية في المجالات كلها مثقفون يجرفهم أول تيار يصادفونه ويعبدون أول روتين يقعون فيه ، مثقفون لا يحترمون رسالتهم ولا الكلمة التي هم سادتها وأربابها ولا يحملون رسائل ضمائرهم فالكلمة التي يرونها محرمة يتركونها للتعفن والاندثار بداخلهم لا يحملون لها حبها ولا قداستها ولا يحملون لها روح تضحية ، فما فائدة المثقف حين يحرم ما حرم المجتمع ويحل ما أحله ، إن المثقف هو الذي يقف على مسافة من المجتمع وتفاعلاته ناظرا بموضوعية لأوضاعه وازنها بميزان العصر ليحفظ لها كيلها السليم في زمن تشابه فيه الغث والسمين .
إن الثقافة الجنسية ما هي إلا وجه من تلك الأوجه التي يحبذ مثقفونا ومتابعو تطورات مجتمعنا من النواحي كلها تمزيقها بداخلهم وإهمالها وتجاهلها ، وعدم إبرازها عجزا أو تكاسلا عن تحمل تبعات ذلك وإلا فأي مبرر يمكن أن يصيغه هؤلاء لإهمالهم هذا الجانب الذي يعتبر مرضا عضالا وعلة متحكمة صار تأثيرها باد للعيان وصار اختراقها لهذا الكيان الاجتماعي على رؤوس الأشهاد ، ماذا يبرر السكوت عنها و شريحة الشباب في هذا المجتمع صارت تائهة بين فيلم الخليعة ومشهد العارية والعاري والممارسات الجنسية القذرة .بين الصديقة وصديقها والشاب وصديقه ، وما كان ينقص خدمات شركات الاتصال للاتصال المفتوح حيث صار الجنس يمارس من خلال التواصل على الهاتف بالكلمات النابية الخارجة عن الآداب والأخلاقيات العامة .
نعم ، نحن في مجتمع تقليدي ومحافظ وله أعرافه وتقاليده الرصينة والتي لطالما تميز بها بين المجتمعات كلها ،لكننا أيضا في عالم انفتحت فيه السماوات واختصرت المداءات واختزلت المسافات ولا يكفي فيه أن تكون محافظا وتقليديا بل لا بد أن يتشكل لديك جسم مناعي ضد أجسام غريبة ستهاجمك بأشكال شتى وما من سبيل للانعزال ولا للهروب وكل هروب أو محاولة له هي هروب إلى الأمام ، كما أن التجارب أثبتت أن المجتمعات الأشد محافظة هي التي تنتشر فيها الممارسات الانحرافية الأشد فظاعة .فمن السخافة بمكان أن تكون تقليدية المجتمع مبرر لعدم الوقوف على موضوع الجنس فيه .
أثبتت الفلسفة والفلاسفة وأسهبوا وأطنبوا في ما يسمى سلطة المجتمع إلا أنهم تحدثوا أيضا عن ما السلطة والقوة وتدميرهما الذاتي.إنها لمأساة حقا أن يكبر الشاب والشابة بعيدا كل البعد عن هذا الموضوع وكل حيثياته ، إلى أن يجد نفسه وفي لحظة معينة وهو في خضم عالم الجنس والشهوة غارقا حتى الأذنين واقع جديد ملزم بمعايشته و معاملته وهو جاهل تمام الجهل بكل مبادئ هذا العالم الذي بالكاد يمكن لملم به أن يجد وسيلة يعامله بها بشكل امثل ، ما إن يدخل سن المراهقة بمتطلباتها حتى يجد نفسه في عالم مدجج بالإغراءات والنزوات في بحر متلاطم الأمواج من الصراعات الداخلية والخارجية التي يحكمها الهوى والرغبات الجامحة والنزعات الجنسية وهي من غير طوق نجاة ، وسيظل ذلك الجدار الذي أقامه المجتمع بينه هو و الجنس عصيا على الاختراق فسوف لن يستطيع أن يسأل أو يستفسر وسيكتفي بالتخمين والاجتهاد وفي أحسن الحالات سيسأل صديقا لا يفوقه بشيء فعلى الأقل سيتقاسمان همومهما وأسئلتهما التي سيكونان مضطران للإجابة عليها هما نفسيهما ،وهو في فترة الثورة الجنسية هذه ليس لديه متسع من الوقت لينتظر ويتريث وسرعان ما يجد نفسه عرضة للاستخدام فتستعبده الصوت والصورة فهما أسرع جواب سيجده ومن هذه النقطة ينحدر إلى أخرى إلي أن ينتهي به المطاف بين أشد براثين الممارسات الجنسية سوء وحقارة .
أمام الإباحية العابرة في العالم الرقمي، أين بر الأمان ؟
إننا في عالم تحكمه الصورة وليست فقط الصورة بل الصورة المعقلنة والموجهة والمسيرة في صراع كوني يبدو مفروضا فرضا ولا أحد بإمكانه أن يعتزله فللحفاظ على الأسس الثقافية وصيانة الهوية الحضارية والفكرية كلها أمور تستوجب التفاعل المتأني والمتعقل لكل ما يرى ويسمع ، في هذا العصر الإعلامي عصر الفضاء اللامحدود فإن المنتج الإعلامي ليس مجرد منتج إعلامي بل هو منتج له ما قبله وله ما بعده وما يترتب عليه ، والمتابع للإنتاج الإباحي من الأفلام والمسلسلات واللقطات تصادفه أرقام مذهلة فسنويا إنتاج هذه الأفلام يبلغ الملايين ، والقنوات الإباحية في العالم بالمئات ، وصفحات الانترنت تفيد الإحصائيات بأنه مقابل حوالي كل 5 صفحات ويب صفحة للجنس ، وصور العري والإغراء والإثارة ،إن ما يفرضه هذا المجتمع من صمت عن موضوع الجنس يجعل كل أجيالا كثيرة تسقط عبادا للصور الإباحية و صور العراة ومشاهد الجنس العاري من كل رتوش إن الصمت ليس دواء بل فقط يتيح تفاقم الداء في زمن الثورة الإعلامية هذه والفضاءات المفتوحة حيث السيل الجارف من الإعلام الموجه ،وللإعلام اليوم الكلمة العليا وهو مشاريع بناء تماما كما هو مشاريع هدم ، ولا شيء اشد من الجنس معولا هداما حين يهمل كثقافة ، ولا أسهل للهدم من مجتمع يهمله ولا يقبل الحديث فيه إطلاقا حيث يبقى الجميع حبيس حالة احتقان لن تنفرج إلا عن انفجار قادرة الأفلام الإباحية على استيعابه .
إن الذي يدخل مرحلة المراهقة وتبدأ تهاجمه كل تلك الأسئلة حول الجنس في عالم جديد يدخله ، فلا يجد من يلقي له بالا ولا من يجرؤه على السؤال فلا يجد ملجئا غير صور الخليعة والعالم الموجه المستعد لالتهام الحيارى والمرتبكين ،وسوف لن يجد فرصة ليفكر في ما يراه ولا طبيعته وسوف لن يهمه إلا أن ينتقم من كل ذلك التجاهل حين سأل والكبت الذي كابده وهو تتقاذفه الأسئلة التي ما من سبيل ليحصل على إجابة عليها وهي أسئلة مشروعة وكان من المفترض أن تقدم له أجوبتها قبل أن يسأل ، أمام تلك المشاهد سوف لن يحكم عقلا ولن يردعه دين ولا شرع فهي لحظة تحكمها النزوة والشهوة والرغبة الجامحة إنها لحظة تنفجر فيها الغريزة في عالم من الكبت ، وما يبعث على اليأس والخوف هو أن تلك السرية التي كبر هذا المراهق عليها وهي تحيط جنبات هذا الموضوع سترافقه هو ولكن هذه المرة بشكل أفظع وأبشع ، فسيدمن كل أنواع الشذوذ كيف لا وثقافته الجنسية هي وليدة أفلام الإباحية ، كيف لا وهي تربية مشاهد الإغراء والإثارة في هذا المجال كيف لا وهو خطا أول خطواته في هذا العالم الجديد مع مشاهد البور نو و الخليعة وهكذا إلى أن يتدمر جسديا وعقليا وبدنيا فيصبح عبد الصورة والمشهد وما انتشار النظارات الطبية في فئة المراهقين والمراهقات إلا صورة من تجليات ذلك الإدمان ، يتحول هذا الكائن إلى حطام بقايا إنسان عالة على مجتمعة ووسطه ، وهكذا دواليك يظل الجهل بالثقافة الجنسية ينخر كيان هذا المجتمع من داخلة ملتهما أجياله تاركه شكلا عظيما بمضمون مريض معتل صورة مقدسة لكنها فارغة من المعنى وهنا تكمن خطورة هذا الأمر كونه في سرية تامة يدمر ويحطم وينحرف بالمجتمع بأسره عن المسار السليم واقعا في ويلات الجنس والممارسة العبثية القذرة إنه السوس.
المجتمع الساكت عن الجنس هو الأكثر عرضة لمخاطره
مجتمعات كثيرة عرفت هذه المرحلة التي نعيشها نحن اليوم ،ولم يتغير واقعها إلا حين انبرى مثقفون وكتاب وخاضوا غماره متجاوزين كل الحساسيات والإشكالية المجتمعية والعرفية التي اعترضتهم فكتبوا وكشفوا ووقفوا على النار التي تحرق وتلتهم تحت رماد الهدوء المصطنع السائد ، فما لم يدرك المثقف خطورة الوضع فإن الأزمة ستبقى في تزايد ، كتب باحث فرنسي في علم الاجتماع يوما بأن المجتمعات الساكتة عن الجنس والرافضة للثقافة الجنسية هي المجتمعات الأكثر عرضة لمخاطره وسلبياته ، مقولة حقا تبعث على القلق فأي مجتمع ينافس مجتمعنا في الأمرين السكوت عن الجنس ورفض الثقافة الجنسية ، مقولة تدعوني للتقصي والمنطلق ليس أن المجتمع الموريتاني متهم حتى تثبت براءته بل بريء حتى تثبت إدانته ، ما إن تبدأ تستقصي لن يأخذ الأمر منك جهدا كبيرا فكر في مجرد إمكانية أن يكون ، ادخل محل للسي دي والدي في دي بطريقة أو بأخرى ستجد ما من خلاله تفهم سبب وجود صنف خاص من الزبناء ، وإذا أردت التأكد أكثر حاول التعرف على بعض أصحاب هذه المحلات وهو ينبؤك بما سوف لن تصدقه إلا حين تتفق معه فترابط ليلة حتى يأتي أولئك الذين حدثك عنهم مختلف الأعمار مختلف الملامح أسماء سرية متعارف عليها ، لاحظ في ليالي آخر الأسبوع مجموعات الشبان التي يحمل احدها جهاز فيديو وآخر مجموعة أشرطة وهم يبحثون عن المنزل الفارغ ، تصفح الكمبيوترات الشخصية و الهواتف النقالة ، ادخل محلات نقطة ساخنة وأنت تعرف المسميات المتفق عليها لهذا الشكل من الأفلام ، وستعرف حينها طبيعة هذه البيئة التي تعيش فيها ، إنه الإدمان إدمان الإباحية وأفلا مها وقنواتها ، ونعرف نحن سرعة انتشار المقطع في زمن بطاقة الذاكرة والبلوتوث والأشعة الحمراء ، في فترة تبدو فيها الدابليو دابليو دابليو تخترق الصفوف في مجتمعنا وصرنا حقا لا ندري إن كان هذا الأمر ايجابيا أم لا ؟ سكوت المجتمع عن هذا الموضوع جر طرفه على مثقفيه ونخبته وهكذا بقي هذا الداء العضال يلتهم في صمت ويخرب في هدوء هذا النسيج الاجتماعي ، وأنا إن تفهمت صمت المجتمع صعب جدا أن أتفهم صمت المثقف أخوفا أم طمعا أم أن جدار الصمت ذاك القديم بعد لم ينكسر ؟
لهذا كتبت ... ولا أبالي لشيء آخر
صدق أو لا تصدق إلا أن الظواهر التي سأقدم نماذج منها الآن وهي ظواهر وقفت على جلها واستمعت من البعض بعضها ، هي ظواهر تحدث هنا في المجتمع الشنقيطي ، وهي التي دعتني لأكتب غير مبال لشيء ، إنها ممارسات إن دلت على شيء فإنما تدل على أن هذا المجتمع غارق حتى أذنه في ويلات الانحراف الجنسي وإن كانت تستدعي شيئا فهي وقوف الجميع لتنظيم هذه البوتقة والعشوائية في التربية الجنسية خاصة الأسر مع أبنائهم وبناتهم .
في انواذيبو فتاة في خضم حديثها عبر الهاتف وقد شغل مكبر صوت الهاتف أصوات غريبة فردت دون تكلف هذه أنا ومعي صديقتي ماذا يفعلان يداعبان بعضهما جنسيا ، فتاة تتكلم في الهاتف في خضم حديثها تبدأ تتحدث كيف أن أختها الكبرى دخلت عليها غرفتها ومشهد الجنس في مرحلته كذا فبادرت لإطفاء الجهاز ، شيخ في السبعين وهو سائق تاكسي يعرض عليك وكأنه يمازحك آخر أفلام البور نو ويخرجه لك من جيب باب السيارة الداخلي ، في محل لسي دي رجل في الأربعين بسيارة فخمة يدخل معيدا السي دي على أن مشاهد بطل الاكشن فلان غير واضحة ليوضح صاحب المحل بعده اللغز كله ،الجنس عبر الهاتف وهذا هو الأبسط ، على فترات مختلفة مقاهي انترنت أدخلها مضطرا في غضون دقائق إذا بي بين مجموعات من القاصرين تتفرج على السكس وأفلام الجنس ، أبادر إلى مسير المحل فإذا به هو الآخر يتفرج عليها ، تصور حين يكون الأخ الكبير مدمن أفلام إباحية ، تصور اتصالات من نساء كبيرات وربات بيوت انتظرك في المكان كذا ومع آخر أشرطة كذا وكذا ، كل هذه وأمور أخرى ظواهر معاشة في هذا المجتمع الحبيب ،ومجتمع فيه هكذا ممارسات لن يخلو من الانحراف والشذوذ الجنسي ولا يستغرب أن تنتشر فيه الجرائم التي يمكن تسيتميتها " المسكوت عنها " من اغتصاب للقاصرات الأقارب ومداعبة البالغات للقاصرين ومداعبة الذكور للذكور والإناث للإناث جنسيا ، والدور هنا ليس دور الحكومة بالأساس لأن تدخلها قد يعطيها الفرصة لتضيق الخناق أكثر على الحريات وتستغل الوضع مع أن تدخلها مطلوب لمتابعة الأماكن العامة التي تتعاطى فيها هذه الممارسات ، الدور دور الكتاب والمثقفين والباحثين لمتابعة المجتمع ومساراته ودور أرباب الأسر لمتابعة أبنائهم وبناتهم وليعرفوا طريقة جديدة عليهم أن يعاملوا بهم أبناءها تعتمد طريقة لإعطائهم أسس ثقافة جنسية سليمة تشكل لهم منطلقا صحيحا في عالم الأسقام هذا ، إن الثقافة الجنسية ضرورة رغم كل ما يحيط بها من حساسيات وإشكاليات ، لكن لا يجب أن يكون التصور الأول الذي يقفز إلى أذهاننا ونحن نتحدث عن الجنس ما يتم في شأنه في الغرب ، بل يجب أن ننظر من منظار انه بإمكاننا إيجاد طريقة وسط نربي بها أجيالنا جنسيا بشكل متزن ،ونضع على جنب كل النظرات التقليدية والضيقة للموضوع .
نقطة نظام ...
إن نظرة موضوعية لواقعنا الاجتماعي طريقة تعامله مع ملف الجنس والثقافة الجنسية لا يمكنه الوقوف على تصور ملموس يتعاطى من خلاله هذا المجتمع مع الموضوع ، فهو عالم من السرية التامة والكاملة ، فإذن متتبع هذا الموضوع لا يملك إلا أن يتوجس ولو في نفسه خيفة ، فكما هنالك ممارسات سياسية شاذة وممارسات اقتصادية شاذة وممارسات اجتماعية شاذة فموضوع الجنس كموضوع اجتماعي فيه هو الآخر الممارسات الشاذة إلا أن خطر هذه وبطشها لا يقارن بخطورة أي شذوذ آخر كونه عملية تدمير تطال المجتمع بمركباته كلها ،وعلى مثقفينا ومجتمعنا أن يدرك هذا الأمر ويقف عنده نقطة ولو نقطة نظام أو نقطة تشكك ستوصل إلى الحقيقة .