ذات صباح شتوي ممطر، وعلى مقعد مقهى مطل على شارع من شوارع الغربة، و أمام فنجان قهوة ساخن يتصاعد منه الدخان الأبيض ، اجتاحتني نوبة الحنين تلك، كان شعور قوي بالوحدة و البرد ينتابني، استخرجت القلم الذي أهدانيه أخي و استخرجت ورقة من جيب معطفي الآخر، و كتب الحنين كلمات:
أقيس في الخيالي الآن المسافة التي تفصلني عن قبلتك الصباحية يا أمي على جبهتي و بسمتك، آلاف الكلمترات و المتاهات و التضاريس، و الغربة تحاول كل يوم أن تغسل بقايا عطر أمومتك المتناثر حولي و المخبإ في كل أشيائي ، أن تطفيء دفيء حضنك، تريد تجريدي من كل حنين زودتني به لتستفرد بي، متوحشة هي الغربة يا أمي ، لا إنسانية لا ترحم آهات الشوق و لا صمتات التأمل في ملامح الوطن المختفي هنالك خلف ضباب المسافة، مطر النسيان يجلدني كل يوم ينوي جرف الذكريات و الممارسات ينوي محو كل عاداتي الصباحية و المسائية اليومية ، ينوي يا أمي محو كل العادات ، اقتلاعي من الذات و انتزاعي من لحظة التشكل الأولى. (ح1)
ولا زلت استشعر قبلتك ولمسة يدك، و صدى صوتك يتردد بين ضجيج وصمت الرحيل.