Sunday, December 11, 2011

شارع جمال عبد الناصر الشارع الأقدم في حلة جديدة




طريق ضيق ، أرصفة تغمرها الرمال وتنتشر بين شقي الطريق تجمعات القمامة من مكان لآخر ، أول ما يراه الزائر إلى موريتانيا من ضيوف رسميين وعاديين كونه يمر من أمام المطار، كان من أوائل الشوارع التي عرفها نواكشوط بل الأول على الإطلاق حسب ما يورده المهندس الفرنسي ساهوك الذي اشرف على وضع اللبنات الأولى في نواكشوط ، هكذا تركت شارع جمال عبد الناصر منذ حوالي شهر، تركت الحديث بل وحتى الانطلاقة في مشروع ترميمه الذي تشرف عليه ات ت م ، الآن وأنا أمر على هذا الطريق اشعر بنوع من السعادة يغمرني لان الشارع على بساطة حاله  صار قريبا من المعايير الموضوعة  للشارع أرصفة  مبلطة تقريبا و طريقين واسعتين في اتجاهين وإضاءة حديثة مرتبة على جنباته، حوادث كثيرة استوقفتني وأنا أقود في شارع جمال عبد الناصر أولا تذكرت مقالات كتبتها الصحفية المصرية المعروفة بعد زيارتها الأولى إلى موريتانيا حيث تشير إلى الشارع المقعر والمهتريء الذي حاولت أن يأخذها إلى الفندق، تذكرت سؤال زميلي المصري حين التقيته في  مطار نواكشوط في زيارة إلى موريتانيا فسالني عن أقدم شارع في موريتانيا وأهمه فابتلعت سؤاله في إسهاب في تاريخ و ظروف إنشاء مدينة نواكشوط تذكرت تعليق رفيق سفري حين بدا يحدثني عن زيارته إلى موريتانيا حيث قضى أسبوعا بدأ يجاملني ثم ما فتئي أن قال بانجليزية بسيطة صدقني في نواكشوط لا يوجد شيء ، نعم موقف محرج كنت فيه في تلك اللحظة والرجل يرمي بأوراق انطباعه عن عاصمة بلدي ويبدو عليما ببعض تفاصيلها فهو حدثني عن ما يسمى شارع جمال عبد الناصر وحدثني عن يومياته الحزينة وهو يحاول العثور على مركز العاصمة نواكشوط  ، تذكرت كيف كان الرؤساء وزائري الدولة  يصدمون والانطباع الأول الذي يأخذونه عن موريتانيا يأخذونه من ذلك الطريق ، تذكرت شوارع المغرب وتونس والسنغال فكيف بالأخريات ، ثم ينتابك شعور جميل وأنت تجد منشأة تشكل مصدر فخر على بساطتها في عالم البروتوكوليات المسيطرة ، شارع جمال عبد الناصر اليوم صار شارعا يليق أولا بان يكون طريق الضيوف إلى القصر الرئاسي والى العاصمة ويليق ثانيا بان يحمل اسم رمز  من رموز الأمة العربية ، وصار يشكل مشهدا يمكن أن يوصف بالحضاري معماريا في عاصمة لا زالت تفتقر إلى كل عوامل العاصمة العصرية.
الطرق لا تؤكل ولا تشرب  عبارة شائعة تلقاها في التاكسي في السوق في كل مكان تقريبا ربما هي موقف من ما يراه هؤلاء ارتباك في ترتيب الأولويات لدي السلطات حيث معروف أن المواد الغذائية والأسعار يجب أن تكون ذات أولوية، لكن ما على هؤلاء أن يدركوه أيضا هو أن مظهر المدينة وتعاطيها مع ابسط معطيات المدنية والعصرنة أمر مطلوب وتتعلق به سمعة الدولة ودرجة احترامها بين الدول الأخرى فهي تشكل تجليا من تجليات الدولة التي تحترم ذاتها وكيانها، شارع جمال عبد الناصر اليوم مشهد ليلي عصري بتقاطعات طرق واسعة وبإشارات مرور موزعة في كل مكان ومشهد حقا يشكل مصدر فخر ، هذا الشارع يمتد من المستشفى الوطني مرورا بسوق العاصمة ثم بقصر الحكومة سابقا وبقصر العدالة لينعرج في اتجاه ملتقى طرق المطار هكذا يمتد ورغم التشكيك الدائم في مدى كفاءة صاحب العمل وهو
ما تثبته طرق ومشاريع سابقة ورغم انعدام الصيانة وكل ما يهدد هذا العمل من أن يتحول من مشروع ناجح إلى هدر للمال العام فإنه يشكل مشهدا كانت العاصمة في أمس الحاجة إليه ، وسوف لن يكون حاله بأفضل من حال طريق الأمل من جانب مجمع العيادات الذي عاد إلى أسوأ من ما كان بل فقط توسعته شكلت منه فضاء أوسع لفوضوية الباعة المتجولين و الرمال الزاحفة والقمامة الموزعة في كل مكان ، وهو أمر بدأ يظهر على بعض جوانب الطريق الجديد، إذن ولئلا نحول كل هذه المشاريع والمكتسبات إلى غربلة للماء وهدر للمال العام يجب أن تضع الدولة استراتيجيات لمتابعتها وصيانتها ، ويبقى بناء العقليات دائما أهم وأكثر إلحاحا من بناء الطرقات والعمارت والساحات وكل ما من شأنه أن يجعل من نواكشوط عاصمة تتمتع بكل ميزات العاصمة الحقيقة بالمعايير القائمة ، وإلا فسيكون تجديد وتشييد الطرقات بمثابة عمل التنظيف البوزورنو التي تحمل القمامة لترمى خلفها وسيارتها بعد لم تتجاوز أكثر من مئة متر ، إذن عقلية هذا المواطن تحتاج لأن تبنى بما يتماشى والمتطلبات العصرية للمدينة العصرية.