هذه ورقة أعددتها على هامش ملتقى : حكاية ربيع من يكتب التاريخ؟ الذي نظمه برنامج حكايا من الملتقى العربي التربوي بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي بمدينة الاسكندرية
دور الفنان: الإبداع الفني أو التوثيق: متى
ينتج الفنان عملا إبداعيا ومتى يكتفي بالتوثيق؟
دور الفنان: الإبداع الفني أو التوثيق: متى ينتج
الفنان عملا إبداعيا ومتى يكتفي بالتوثيق؟)
حين نريد الحديث عن الإبداع الفني كيف سيساهم في سرد حكاية الربيع، فإننا بحاجة
للإشارة ولو قليلا إلى مسيرة هذا الإبداع مع الأحداث المماثلة في ما مضى و كيف
ساهم في كتابتها و كيف كان تأثيره و مدى دقته و إبداعه في ذلك التعبير و متى كان
مكتفيا بالتوثيق و متى تجاوز مرحلة التوثيق لمرحلة الخلق و الإبداع في التعبير، ثم
نمر على مدى مساهمته في خلق البيئة التي
وفرت الأجواء لحدث بحجم الربيع العربي، بعد هذه النقطة يأتي الحديث عن سؤال
الإنتاج الفني بين العمل الإبداعي و الجهد التوثيقي، معروف
أن عملية التوثيق هي مجرد عملية حرص على نقل الحدث ووصفه دون الوضع في
الحسبان فنيات و أمور كثيرة يتطلبها العمل الإبداعي، إلا أن حالة استثنائية كحدث
الربيع العربي كفيل بأن يقلب معادلة من هذا القبيل، فنجد العمل الإبداعي الفني
يأتي دون إدراك و نجد الإبداع في وقت كان يفترض فيه مثلا أن يكون هنالك نوع من
الاكتفاء بعملية التوثيق.
إن اهمية موضوع كهذا تأتي
لسببين: أولا تداخل التعبير الفني و الأدبي في الحالات المماثلة، فمثلا عملية
تعبير و حكاية بوسائل فنية بحتة تجد مشتركات لها مع عملية تعبير أدبية بل في
الأخيرة فإن ما يتعلق بالتوثيق يتجسد بوضوح ، السبب الثاني: من خلفيتي ككاتب مهتم
بالشعر و القصة القصيرة، و كممارس لفن التصوير و الخط العربي، فإن معادلة الإبداع
و التوثيق أمام حدث كالربيع العربي تعتبر بالنسبة لي موضوعا ثقافيا فكريا بحتا
يستحق الوقوف عنده من طرف ذوي الاختصاص و الممارسين.
المحوران الأخيران و لو أنهم بالنسبة لي يعتبران متداخلين إلى حد بعيد و
مشتركين في كثير من المعطيات، فهما يشكلان مبحثا ليس فقط فنيا و أدبيا بل و
تاريخيا أيضا. فالإبداع و التوثيق في الأدب و المسرح و السينما مثلا لا يمكن الفصل
بينه و بين عملية الإبداع في المنتج الفني البحت كون الإبداع حالة من الإلهام و
الاستلهام تتلبس المبدع و يتلبسها لإنتاج عمله فهو يتجسد في العمل الأدبي و
المسرحي و الموسيقي، و يتجسد في الفنون البصرية و الأدائية عموما، و سؤال ارتباطه
بعملية التوثيق هو سؤال تكاد تكون الإجابة عليه موحدة في المجالات جميعها. فكل فن
يوثق حسب وسائله و فنياته و يبدع ممارسه حسب قراءاته و إدراكاته. بل وحتى التوثيق
أحيانا يتجلى عملا إبداعيا بامتياز. و يمكن القول بأن الإبداع الفني يأتي قبل
الحدث فيساهم في صناعته ثم يعايشه و يرعاه و يدافع عنه، ثم يبدأ يؤرخ له و يوثق،
فهنالك إذن عملية صناعة ثم معايشة ثم توثيق، و التوثيق في الحالة الفنية ليس
بالضرورة مجرد توثيق فهو في المقام الأول نوع من ردة الفعل أو انعكاسه و كتابة
لحظات الوصول و نعرف ما يمكن أن يعتري لحظات كهذه من متناقضات.
و يأتي ترادف العبارتين، من يكتب التاريخ و كيف يُكتب التاريخ؟ كون التاريخ
يكتب و يروى و يرسم و يصور...... لكن في النهاية حين نمعن النظر نجد أن التاريخ هو
من يكتب نفسه. فأحداثه كانت مصدر ذلك الاشعاع الذي ألهم عدسة المصور و ريشة الرسام
و عبارة الشاعر و كلمة الكاتب و نغمة الموسيقي و حركة الراقص، و قصة المؤرخ، و
لقطة المسرحي، و فكرة المحلل...... و هو نفسه الإشعاع الذي حير نظرة المتأمل فثغر
فاه متسائلا في ذهول، ماهذا؟ كيف حصل هذا؟ متى حصل هذا.........