Monday, March 11, 2013

رحل رجل ... رحل موقف


..... رحل  "  Comandante"    بوليفار


بعدما وقف   طويلا بقميصه الأحمر بلونه الأسمر بمواقفه البيضاء، و رفع أصبعه في وجه النظام العالمي المزدوج الجائر، بعدما بكل تلقائية قال: "لا" في فترة رقص فيها العالم أجمع اختيارا أو اضطرارا على نغمة العزف الرأسمالي الإمبريالي الوحشي و المعطى العالمي المستعبد و الذي يحكم و يتحكم باستخدام هياكل عالمية كان الغرض منها حماية عالم متزن بحيث تحمي الضعيف و تكبح جماح القوي. بعدما رفض، في حين قبل الجميع و داست جرارات أمريكا قرارات الأمم المتحدة و مواثيقها و هي تزحف باتجاه كابل ثم بغداد، بعدما نادى بحق الشعب و ردد أنة الضعيف و حمل صرخة الفقير و هو يرفع يده لجماهير اعتادت مد يدها استجداء للقمة عيش هي حق قبل ما تكون منة. رحل .
بعدما صرخ في وجه شركات النفط و مديريها رافضا على حد قوله عربداتهم و حفلاتهم الخامرة و معاقرتهم الخمر في حين يموت الفقراء في الضواحي و في معامل استخراج ذاك النفط، و بعدما قال لبوش: الإرهاب لا يحارب بالإرهاب. و بعد أن خرج عام 2002 منتصرا يهتف الشعب بإسمه و قميصه الأحمر و يده البيضاء تمتد و ترتفع بين الحشود. و هو يقول لوحشية النظام العالمي يدك لن تقطع يدا امتدت للشعب و لن تقطع رأسا انحنت له. رحل.
بعد ان ردد حلم الفقير و استنطق صمت المظلوم، قادما في دهاليز ظلام الفقر اللاتيني المدقع محملا بحلم بوليفاري ناصع، خطا و خطا ثم حلق كمظلي في الجيش الفنزويلي قبل أن يحلق حلمه البوليفاري. رفض توصيات الغرف المغلقة و إملاءات الوفود و المساعدات. ثم رفض الرحيل بعدما أراد رعاة الديمقراطية و الحقوق و حق الشعب في الاختيار أرادوا ترحيله رغما عن الشعب و إرادته. في صمت و من علا سرير بمستشفى عسكري في كاراكاس ودع عالم طالما حياه بطلة تطفح انسانية و دفاعا عن الحق الانساني ممتدا من كل ما زرعه تشيغافارا و البوليفار من مباديء حرية و حقوق تسامت على الطمع و الجشع و لم تنحن أمام ترهيب و لا ترغيب. في ثلثاء حزين خامس من مارس صمت تشافيز أبديا، الصوت الذي صرخ في وجه العنجهية الامبريالية و كانت له طريقته في التعاطي معها.رحل رجل وقف مع الإنسان وقضايا الإنسانية ، نادى بالحق الفلسطيني من خلف البحار و دافع عنه باستماتة و صرخ في وجه اسرائيل و ممارساتها في حين كان الأخ القريب منشغلا بالتصنيفات و السهرات الليلة، رفض حرب العراق و رفض هدم افغانستان، و قال لأمريكا بوش و بوش امريكا في وجهه الإثنين "إرهابي" في وقت كان هم امريكا تصنيف العالم و تطبيق من ليس معنا فهو "ضدنا".
في الثامن و العشرين من يوليو عام 1954 في بيت جدته من أبيه في قرية "سابانيتا" باريناس ولد طفل، لم يتوقع احد أن يقف بعد 45 عاما ليقول للإمبريالية الغربية "لا" و ينادي بتكتل و توحد أمريكا السمراء (اللاتينية) ثم يرفض كل الممارسات اللاإنسانية التي أقرها دول غالبة مطوعة القانون الدولي و مستخدمة له كأداة سيطرة و استنزاف لخيرات و مقدرات الشعوب و مصادرة قراراتها و خياراتها. بقي في الأكاديمية العسكرية ما بين  1971 و 1975 ، من مظلي بسيط في الجيش الفنزويلي إلى عملية "زامورا" و هي  عملية انقلابية عام 1992 قادها تشافيز مع عناصر عسكرية أخرى منضوين في تكتل يطلق عليه الحركة البوليفارية الثورية تدافع عن قيم بوليفارا التحررية ، انقلاب  ضد الرئيس كارلوس اندريس بيريز. محاولة على إثرها قبع تشافيز عامين في السجن كانت كافية ليختمر الفكر البوليفاري و ينضج و ليخرج مؤسسا حزبه الحركة جمهورية الخامسة، و في ظل موجة غضب شعبية عارمة من النظام القائم و ممارساته و النظام الاقتصادي و السياسي وشدة وطاته، استطاع اتشافيز بحزبه الذي عمل عليه في 2 من فبراير 1999 أن ينجحح رئيسا لفنزويلا، رئيسا مشبعا بكل قيم الثورة و كل أحلام بوليفارا.
كانت نواياه منذ البداية واضحة، التحرر من سيطرة القوى العظمة متسظلة بنظام عالمي غير متوازن استعماري، يقوم على السيطرة و التحكم في مقدرات الشعوب و تسير انظمتها حسب الرغبة و الحاجة. كون فنزويلا رابع منتج للنفط عالميا و ثاني اكبر مزود لأمريكا لم يمنعه من التقرير بشأن النفط بحسب ما يتمشى مع حاجات الفنزويلي، امريكا لم تطق يوما سياسات تشافيز من رفضه العمليات الكولومبية ضد الثوار الشيوعيين ملتزما الحياد إلى صداقته الحميمة مع فيدل كاسترو ثم تأييده لفلسطين و مجاهرته برفض ممارسات اسرائيل. سجل موقفا خالد إبان العمليات العسكرية الاسرائيلية على "غزة" فأعلن أن السفير الإسرائيلي غير مرحب به في كاراكاس ثم استدعى السفير الفنزويلي و قال أن لا فائدة في علاقة مع اسرائيل ، و قال بالحرف الواحد، في وقت صمت فيه العالم صمتا مخزيا و اغلق عينيه و أذنيه عن صرخات أطفال غزة يموتون بين الركام و يتقطعون أشلاء و صراخا:
"ينبغي جر الرئيس الإسرائيلي إلى محكمة دولية ومعه الرئيس الأميركي، لو كان لهذا العالم ضمير حي. يقولون إن الرئيس الإسرائيلي شخص نبيل يدافع عن شعبه! أي عالم عبثي هذا الذي نعيش فيه؟
طالب بتكتل الدول الأكثر فقرا ضد ما سماه الإمبريالية فطالب بتكتل افريقي كاريبي ثم بتكامل لاتيني و جاهر بصداقة مع إيران في حين كانت امريكا تعزلها و تشيطنها مستغلة خلافها مع العرب و في نفس الوقت بنى علاقات طيبة مع عرب. يتقنون فقط أن يبنوا و يحبكوا سيناريوها يظهر صديقهم و المدافع عن قضاياهم شخص مصالح خبيث و  بلا ضمير ليغطوا مواقفهم المخزية و المخجلة من كل قضاياهم. فبدأوا بتأويل أفعال اتشافيز كما يفعل بعضهم الآن مع مواقف "أردوغان" مثلا. لم يغير الربيع العربي إلا طقس التصريحات و الحركات و لا زال الحاكم العربي بنفس العقلية القذرة السطحية التابعة. رحل و الرجال مواقف و التاريخ يسجل فقط رجال المواقف. رحل "كوماندانت" بوليفار، رحل في حقه كلمات قيلت و أخرى ستقال. ومواقف سجلت.