كتبه: عبدالله محمدعبدالرحمن
كاتب
abdallahima@live.fr
بداية من الترخيص فإن الدولة توزع تراخيص بشكل أقرب ما يكون
للعبثي و الفوضوي فكل شخصين بإمكانهم إعداد ثلاثة أوراق اسم و شعار و نظام داخلي و
خارجي بأسطر لا تحمل أي معنى و لا اختلافظن يكفي ذلك حتى يتم الترخيص لها. هنالك
احتمال للنظر إلى هذه الحالة على أنها صحية، لكنها في الأساس في حد ذاتها مرض عضال
. خاصة في ظل الغياب المطلق للإحصائيات و لمتابعة الأنشطة بحيث تحصل المنظمة او
الجهة على الترخيص و انتهى الأمر. ما جعل موريتانيا تعج بمنظمات بأسماء استنفذت
قاموس اللغة العربية و قاموس اللغة الفرنسية على سعة اللغتين. حتى وصل الحد وجود
اسماء مثيرة للضحك و الاشمئزاز كاسم اذكر اني رأيته مرة منظمة تنمية المجتمع و
القضاء على الفقر و محاربة الجهل و دعم الشباب و القضاء على البطالة و مكافحة
السيدا و فيه باقي تصور أن هذا كان اسم منظمة واحدة. تجد المنظمة تصيغ اسما بحيث
يكون بامكانها أن تكون حاضرة في أي شيء ما إذا تعلق الأمر بالتمويل.
حين ننظر إلى التراخيص و العمل على الأرض و الضوابط
المطلوبة نجد ربما نسبة واحد في المائة تستجيب لمتطلبات القانون حول منظمة مجتمع مدني . و الباقي كلها أسماء تبرز
بحسب قوة وساطاتها و علاقاتها حين يتعلق الأمر بتوزيع تمويل ما أو دعم بحيث يحتد الصراع و يحتدم فكل يريد نصيبة من كعكعة
نصيبا سيتم تقسيمه بالتساوي بين أعضاء الجمعية بعيدا عن أي نشاط. أو مشروع.
بعيدا عن هذا النوع هنالك منظمات مجتمع مدني تأسست و تنشط
حسب المعايير و تستجيب لكل المتطلبات من حيث الأنشطة و حيث متابعة المسطرة
القانونية، لكن هذا النمط و لأنه يسبح عكس التيار و يعيش في عالم آخر يعاني
التهميش المطلق. فبرامج و مشاريع الدولة تتجاهله بشكل كلي، و عليه دائما أن ينشط و
يقاتل ليطور المجتمع و يساهم في تنمية و في نفس الوقت هو يواجه عقلية الدولة و
الممولين و القائمة على نظام المحاصصة. فحينما لا يستعد يوما للتخلي عن مبادئه و
الانخراط في التيار و الانشغال بتحصيل التمويل اكثر من انشغاله باعداد برامج و
مشاريع للعمل عليها بالتمويل فإنه يبقى على الهامش ، و في نفس الوقت الذي هو يشكل
المجتمع المدني الحقيقي فهو يعاني التهميش محليا و تجد هذا النمط من منظمات
المجتمع المدني إما يكون مصيره الإندثار و استسلام القائمين عليه تحت ضغط الظروف و
النظام القائم في التعامل مع المجتمع المدني و تعامله.
تعود المشاكل التي يتعرض لها النمط الأخير من المجتمع
المدني في موريتانيا، إلى أن المجتمع المدني في موريتانيا على مستوى تواصله مع
الممولين و المانحين من المنظمات الدولية و حتى على مستوى تواصله محليا مع مشاريع
و برامج الدولة التي تشرك المجتمع المدني، يسيطر عليه رجال تماما كما يسيطر على
السياسة رجال، على طريقة القبيلة. حيث على مستوى المجتمع المدني هنالك رجال وجدوا
المجال مربحا جدا و منذ عقود تحصلت لديهم تجربة فقط في معرفة كيفية الحصول على
التمويل و كيف يلتقطون صورة أو اثنتين و
يوزعون على البعض بنظام الف و ألفين ثم يقنعوا الممول فيما يتم تحويل الملايين إلى
حساباتهم و هذا أمر شهدته عينا و رفضت المشاركة فيه، حين أراد السيد إقناعي و قد
عملت معه على المشروع ، حين أردا إقناعي بالفكرة و توضيحها لي مستخدمة بسمة
القبيلة الخبيثة رفضت . كان ذلك في فترة كثفت فيها الاتصال على المستوى المحلي
بالمجتمع المدني الموريتاني لأني فقط أردت اكتشاف تلك اللعبة كلها.
كيف يجعلون الأجنبي سمسارا محليا من الدرجة الأولى
... حفلة بيت .هدية ثم الكومسيون
هذا النمط من شيوخ المجتمع المدني و المسيطرين عليه و على
أبواب تمويله، يستخدم وسائل مختلفة. على مستوى الهيئات الدولية حتى المرتبطة بنظام
الأمم المتحدة، يتم الأمر كالتالي ، يقدم رئيس الجمعية أو عضوها مشروعا سيكون
مختلا في دراسته و طرحه و ميزانيته، لكن سيقنع القائمين على المنظمات هذه بقبول
المشروع للتمويل مستخدما اولا دعوة هؤلاء المسؤولين إلى بيته بحيث يقيم لهم ولائم
موريتانية تبهرهم خاصة أنهم في أغلبهم أجانب، ثم يقدم لهم بعض الهدايا كطقم من
"البازاه" مثلا ثم بعد ذلك يجد هذا الشخص نفسه مدينا لمن قدم له كل هذا
فيقبل له المشروع الأول مثلا حين يقبله له، يجد رجل القبيلة و الخبير في نظام
المحاصصة و اختصاصي الاحتيال و الفساد الراقي يجد طريقة ليقدم له مبلغا و يفهمه
أنها نسبة يستحقها جراء فعلته، و هو يفكر في التمويل الموالي ثم يستمر الحال على
هذا من كل مشروع لك نسبة أنا أوفر لك الأوراق لاستخراج التمويل من الصندوق ثم
اعطيك نسبتك. و مع هذا الحال تحولت المسؤولين المباشرين عن تمويل و متابعة
المشاريع في المنظمات الدولية في موريتانيا التابع منها للامم المتحدة و الغير
تابع لها تحولوا حولهم رجالنا بالخبرة و الامتياز إلى مرتشين من الدرجة الأولى.
خاصة و أنهم مؤخرا أصبحوا يستخدمون خبراء لاعداد دراسات متقنة لمشاريع لن ينفذ
منها أي شيء الغاية منها الحصول على التمويل و في حال كان لابد من صور، صور قليلة
مع تقرير من الشخص الذي حصل على نسبته و العامل في المنظمة ستقنع الإدارة
المركزية.
هؤلاء طوروا المعاملة حتى وصلت مرحلة الفنادق ، فمثلا
الفنادق تحتض الورشات و الأنشطة بحسب علاقات أصحابها مع رجال المجتمع المدني
هؤلاء، فيعدون لهم الفاتورات حسب طلبهم و
يتعاملون معهم على المحاصصة و النسب المهم توقيع فاتورة متقنة على النمط الموريتاني
تقدم للمول. و ببساطة تمويل واحد يحصل عليه أحد هؤلاء كافي لتعليم 3 مليون شخص
الموجود في موريتانيا. لكن التمويل تشترى به السيارة و الدور الفخمة و إلا فانظر
رجال من هذا النوع يعيشون في بذخ و حين تسألهم يقولون لك ناشطين مجتمع مدني و
منظمة كذا أو كذا هؤلاء أجهزة لمص التمويلات .
الأمم المتحدة في موريتانيا و نظام السمسرة ....
أذكر جيدا حين اعددت مشروعي و تم اختياره ضمن المشاريع
الريادية في المنطقة العربية، و عرض في ملتقى تونس لبناء المجتمعات المتعددة و
الديمقراطية و عرض على هامش ملتقى الخبراء حول التنمية المستديمة في المغرب و تم
اختياره مع برنامج ثقافي لأعرضه في المؤتمر العالمي للشباب في ريودي جانيرو، وحين
أردت العمل على المشروع في موريتانيا و قدمت دراساته مرفقة برسائل إلى هيئات مجتمع
مدني و هيئات دولية و منظمات و مانحين. كان الجميع يقول لي نحتاج وقتا لدراسة
المشروع، على مستوى PNUD حضرت جلستين مع شخصيتين معنيتين بالمشروع،
استمرت الجلسات من ساعتين إلى ثلاثة ، جاءت الجلسات بعد اتصالي مع منسقة الأمم
المتحدة في موريتانيا و التي استقبلت المشروع و رحبت به و أمرتني بالتواصل مع
مسؤول مباشر، اكتشفت لاحقا تهربه مني و التقيته بالصدفة في المغرب و كان ينتظر لا
يدري هو و لا أنا ماذا ننتظر و يعطيني أفكارا ضبابية جدا. في النهاية لاحظ أني
كتبت مرة لمنسقة الامم المتحدة إذا به يعلمني درسا في ابجديات التعامل مع
المسؤولين الكبار و يقول لي ليس عليك أن تكتب إيميلات مباشرة بهذا الشكل. ثم حين
اكتشف السيد صلة لي بعالم الصحافة على خلفية اللقاء في المغرب قال لي : قررنا أن
نمول لك ورشة تدريبية لدعم قدرات المجتمع المدني. و حين عبرت معها للتفاصيل لم أجد
تفصيلا لأي شيء. في التعاون الألماني جلست حوالي 3 ساعات مع سيدة سألتني كل الأسئلة
الرائعة و الجميلة، و ذهبت عنها على أن نلتقي بعد أن تحدث المعنيين ، من ضمن
المعنيين موريتاني كمستشار ، و التقيت و كلمت جهات أخرى كثيرة. توصلت في النهاية
لحقيقة مرة ، حين تفكر في انجاز مشروع حقيقة على أرض الواقع التحديات كلها تتعلق
بالجهات المانحة حتى إن أردت العمل على مستواك لن يسمحوا لك ، فالإدارة و الوزارة
مثلا اعتادت معاملتهم على طريقة رجال القبيلة و رجالات الفساد، حين تأتي مثلا بطلب
محترم و رسائل و أوراق مكتملة و بطبيعتك كإنسان في إدارة يستغرب منك الجميع و
يتجاهلك، حتى تضطر للمشاحنة أحيانا و في النهاية أنت خارج النص و السياق و تبدو
غريبا علينا، و ينتهي بك الأمر عاجزا عن العمل فحين تتخطى مسألة الدعم و التمويل
باتصالاتك و طرقك يبقى الجانب الإداري و القانوني و التنظيمي المحلي عائقا أكبر.
مشاريع مجتمعنا المدني هذا تقتصر على لقاءات في فنادق فخمة نسبيا طبعا و بعض
الحلويات و كلمات مكررة و شيوخ ينعس أغلبهم و شباب مستهلك القوى و نساء لا يعرفن
عن ما يحصل الكثير فهمهن جمع الحلويات و الموز و التفاح بعد اللقاء. الشباب
المستهلك هم شباب ناشطون في المجتمع المدني رضوا بفتات الديناصورات و حبات القمح
التي يرموها على آثارهم، فهم يركضون لقاء ألف أوقية مثلا أي ما يعادل 3 دولارات
بعد اللقاء أو في أحسن الأحوال 6 دولارات. و هم راضون مكتفون. بعد الورشة على
الفندق أن يعد فاتورة على النمط الوطني حيث يخبره العميل كم المبلغ الذي يضع فيها
ثم ينتهي المشروع هناك عند حفل افتتاحه و قد تلتقط صورتين تعرض فيما سيسمى لاحقا
حفل اختتام.
لتحصل على التمويل حدد النسب (الكومسيون) لا تفكر كثيرا في
المشروع
استيأست من الامر تقريبا و بقي همي متابعة القضية و معرفة
حدودها، جلست إلى دكتور محترم عرفته من الجامعة و ظل كما هو بعد تعيينه في قطاع ذا
صلة، توجهت إليه ذات مرة و عرضت عليه الأمر كله و كانت جمعتنا ورشتين واحدة محلية
و الأخرى دولية. عرضت عليه الأمر كله. كان صريحا معي كعادته ، يا صديقي إن لم تكن
مستعدا لنظام المحاصصة و السمسرة و الكومسيون فانس موضوع التمويل من الأمم المتحدة
أوالأمم المتفرقة و أغلب المنظمات الناشطة في موريتانيا. الصراع مؤخرا وصل حد أن
المنظمة تتصارع هي و صاحب المشروع حول تسيير الميزانية ، الكل يريد التسيير ليضع
في جيبه . و من سوء حظي أن الجهات التي توجهت إليها في البداية فيها الأشخاص
المعروفون أكثر في سوق السمسرة و المحاصصة.
الأمر بسيط على طريقة برامج التلفزيون الوطني، ليقبل لك
التلفزيون برنامجا هذا طبعا قبل القنوات الجديدة، تحدد نسبة لمدير البرامج و نسبة
للمدير العام و الباقي أيضا سينفذ نسبا. مع مجتمعنا المدني و منظماته المانحة، حدد
نسبة للشخص المسؤول و هو سيرتب الأمر مع مديره و حدد نسب للفاتورات حيث أن كل من
سيزيد فاتورة ينتظر الربح من المبلغ المضاف،
و فكر في صورة أو اثنتين و ركز على حفل الإفتتاح في فندق قريب أو متعاون ،
و نفس النظام هذا هو الذي اسقط فندق مرحبا، فهو لم يعرف جيدا أن يلعب اللعبة القذرة
هذه على غرار الفنادق الاخرى.
النقطة الثانية أن الموريتانيين المسؤولين المباشرين في
المنظمات الدولية و المانحة ، إما لكل واحد منهم منظمة مجتمع مدني باسم ما و مسير
ما ، و هي بالمناسبة منظمة متعددة الخدمات حين يكون التمويل لمكافحة السيدا فهي
لمكافحة السيدا و حين يكون لمكافحة التصحر فهي لمكافحة التصحر و حين يكون لتربية
الدجاج فهي لتربية الدجاج..... و في حال
لم تكن هذه الحالة فهنالك منظمات يؤسسها أقاربهم على أساس طلب منهم فمثلا تجد
للوزير و للأمين العام للوزارة و للمدير و
الملحق و النائب لكل منهم منظمة تابعة له لقريبه همها فقط طرح ملف و رقم ترخيص و
يحول التمويل على حسابها و هذه منتشرة في الوزارة المكلفة بالبيئة و التنمية
المستديمة. و حين تتقدم بملف منظمة أول ما تسأل عنه الشخص الذي وراءك المسؤول الذي
يدعم منظمتك. فالمنظمة ليست للمشاريع و لا المجتمع المدني . و آخر نفطة أنه في
الفعاليات التي يتم تنظيمها دوليا مثلا و هذا خاص بالأمم المتحدة تقريبا يدعوا كل
شخص عامل قريبه أيضا ليمثل جمعية خيالية أو مشروعا فارغا المهم أن يستفيد من
عائدات الرحلة المادية و المعنوية . هذا فقط لكي لا يبقى نمط من الفساد و
الاستهتار بالدولة و قانونها إلا و تتم ممارسته.
في ظل وضع كهذا حيث يسيطر على المجتمع المدني رجال اعتادوا
الفساد و المحاصصة و استغلال الوجاهة و النفوذ و حولوا المنظمات و الهيئات الدولية
إلى منظمات سمسرة يتحكمون في تمويلاتها و اتجاهاتها. و في ظل منظمات تستخدم عمال
موريتانيين همهم الوحيد الكومسيون و خلق المنظمات من الفراغ و توجيه التمويلات
لأغراض خاصة. و في ظل دولة يجري فيها الحال نفسه حيث يسلم المشروع و الصفقة و حتى
يتعامل معك كشخص على أساس وساطتك و قريبك. فإنه لا ينتظر من المجتمع المدني
الموريتاني أي شيء.و لا صناعة أي تغيير . على العكس في موريتانيا لا المنظمات الدولية
و لا الوزارات و لا الإدارات معتادة على العمل حسب المسطرة و القانون. حين تأتي من
هذا الباب تبدو كجرثومة في عالم صحي نقي، يخيل إليك و الحقيقة أنك الصحي و السليم
في عالم من الجراثيم و الخفافيش المقيتة.