يعتبر الأبراج أو ما يحلوا للبعض تسميته حركة الكواكب و النجوم مجالا واسعا شهد انتشارا عجيبا وأعداد المنشغلين بهذا المجال في العالم العربي رقما لا يستهان به، و صارت برامج التلفزيون بين اليوم و الأسبوع حولها.و صارت سوقا رائجا بفساحة الكون و حركية الكواكب. موريتانيا لم تسلم من موجة المد العاتية هذه و جرفها التيار فبين عشية و ضحاها صارت الأسئلة الأبرز المتداولة ما هو برجك؟ و أي برج يناسبه ؟و ماذا عن طالعك في الحب و العاطفة و الصداقة و الرزق و ماذا... و ماذا

؟و كان الأمر يسري في فئة المراهقات أكثر     من غيرهن سريان النار في الهشيم ، فهو موضوع حديثهن في المدرسة و في المناسبة الاجتماعية و في كل مكان و زمان و ما يفتأ الأمر أن يصبح هوسا .
 
ماذا يقول برجك ؟
من الفضول إلى الإدمان إلى الهوس
 
 يبدأ الأمر دائما هكذا يشاهد واحد برنامج أبراج أو يكون على اتصال مع أحد هؤلاء كما يصفهم البعض المنجمون و يرفضون ذالك فيرسل إليه عبر الإيميل تاريخ الميلاد ثم بعد ذاك يوافيه بإيميل يومي أو أكثر يعده فيه و يمنيه ، و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا يتصل هذا بآخر و يخبره في حديث عارض عجيب حدثني فلان أو فلان عن لقاء شخص عزيز علي أو أني سأجد بعض المال وفي الشهر القادم ستكون أموري العاطفي جيدة ثم يردف والعجيب في الأمر أن كثيرا من هذا حدث ، ثم ينتاب هذا الآخر الفضول فيرشده إلى الطريق و يبدو الأمر مغريا للكثيرين
فالإنسان مجبول على أن يسعى لمعرفة المغيب عنه ،و شيئا فشيئا ، بينما كان الأمر فضول، إذا الإيميل يفتح يوميا و العين شاخصة تبحث عن عنوان الرسالة ، يوم كذا تلقى فلان ، و انتقال بلوتو أدى إلى انفراج عاطفي والتجاذب المغناطيسي حول الكواكب يؤدي إلى فترة ازدهار تمتد لشهر  و الحياة في صالحك و إذا بصاحبنا أو صاحبتنا في الأيام المقبلة ينتظر الأحداث و كأنه قرأها في لوح محفوظ ويحاول إسقاط كل ما يحصل معه على ما قرأه من رسالة قارئ الحظ والطالع  و هكذا إلى أن تأخذه دوامة الأكاذيب هذه كليا وتستعبده ،فيدخل مرحلة الهوس خاصة حين يحدث أن تصادف كذبة ما في تلك الرسالة واقعا معينا ،إن قراءة الطالع و الأبراج و تفسير حركة الكواكب و النجوم أمور صارت تشكل خطرا حقيقيا على الشريحة الأكثر عرضة للمخاطر و هي شريحة المراهقين وذلك لكونها الأكثر ارتباطا بالشبكة العنكبوتية ورب ضارة نافعة فكثيرون وكثيرات تعلموا استخدام الشبكة العنكبوتية ليتفرجوا على حظوظهم و مجريات (مستقبل أيامهم ) دون الحاجة إلى مساعدة أحد ما قد يؤدي للإحراج ، و لا يعنى هذا أن الظاهرة لا تتفشى بكل جوانبها السلبية في الشرائح الأخرى ، خاصة وأنك أينما وليت وجهك ستجد  قارئة وقارئا وقرائا . ووصل الأمر بالبعض حتى حسبوا ما يقرأ قرآنا .
 
فبين العقرب و الميزان و الحوت و الأسد ،صرت تجد القوم يقرؤون مستقبلهم و حياتهم و تحول الأمر من مجرد تسلية إلى ضرورة حياتية يومية تتجاوز كل الثوابت الدينية والعراقيل كيف لا وأنت ستعرف ما سيحدث معك غدا أو هكذا يحسبون .
لا تكمن خطورة الأمر في الإيمان المطلق و اللاإرادي بهذه التنبؤات وإنما في تحولها إلى طقس حياتي وفرض يومي ، و في مجتمعنا التلقائي في كل شيء فإن الأجيال تترك جسما هشا تخترقه أجسام غريبة كثيرة ليس لديه  الحماية ضدها و لم يوفر له المجتمع الوسائل اللازمة للتأقلم معها ووضعها في إطارها الصحيح ليتم التعامل معها بالشكل الصحيح ، بل بالعكس فالأب يبهره ما يخبره ابنه عن الأبراج مثلا فيما الأم ونحن نعرف فضول النساء في مجتمع هن فيها متفرغات تطلب من ابنتها مساعدتها إلا أن كونها لا تعرف بالضبط تاريخ ميلادها يسعفها ، وهكذا  تترك هذه الأجيال تجرب حظها في عالم لا يمشى فيه على غير هدى ، ويسحق المرتكبين أمام وقائعه وحقائقه الغامضة   .
كذب المنجمون ولو صدقوا... أم أن التنجيم شيء آخر
 
من وجهة النظر الدينية تعتبر هذه الممارسة نوع من التنجيم و الرجم بالغيب وكذب المنجمون ولو صدقوا فما سيحصل غدا في ملكوت الله ولا علاقة له بحركة النجوم ولا بثباتها ولا بانتقال الكواكب ولا بحلها ولا بترحالها , رغم محاولة الممارسين لها جاهدين لإثبات أنه علم له قواعد و ضوابط وله أسس ينطلق منها ولا تنطلق من التنجيم ولا من التخمين بل نتاج معطيات علمية بحتة  ،و بعيدا عن كل هذا وعن كون العقل و المنطق ينظران  للممارسة بريبة تصل حدود الإنكار جدير بالجميع أن يعرف أن الأبراج ومتعلقاتها على تنوع أشكال قراءاتها هي نوع من ممارسات شهد تها معظم المجتمعات قديما وحديثا ولو أنها قديما  كانت تنحصر في إطار الكهنة ورجال الدين وتكون منطلقاتها دينية بحتة مع أولئك الذين ينظر إليهم على أن الرب والإله أعطاهم خصوصية ما.  
عرفت مجتمعات كثيرة هذه الممارسة كل حسب خصوصية الثقافية و الاجتماعية والحضارية و في موريتانيا هنا ما يصب في مصبها   ، أما بشكلها الحالي المنتشر في تقنيات الإعلام الحديث فإن الأمر يبدو حقيقة مزعجة فالمواقع والجرائد صارت بالنسبة لها وسيلة ترويج تشد إليها الجمهور من خلالها  ، وإذا لم تكن هذه الممارسة وممارسيها نجحوا في فرضها  كعلم  فإنها فرضت نفسها كمادة مخدرة خطيرة تسرق الأيام أما انتظار تحقق الاسطوانة  ،تفرض نفسها امن حيث لا يدري الضحية ، فهي  تبدأ كوسيلة تسلية ثم كإشباع فضول  وهكذا إلى أن تصير المعتقد وتسيطر كليا عليه ، و الإدمان على الأبراج لا يقل خطرا عن كل أنواع الإدمانات بل ربما أخطر منها فهو يسرق حياتك و أنت تنظر ما قاله الطالع و البرج عن الأسبوع المقبل و الذي يليه البرج الذي يناسبك،  و في انتظار صاحب أو صاحبة أو رقم كذا بعده كذا صفر من المال وهذا في لحظة ما تجد نفسك عبد الرسالة الالكترونية وحديث الطالع ، و تعرف أن المشكلة مشكلة حقيقية حين تجد عيون مراهقة تنتقد حماسا و هي تقلب صفحات الويب تقرأ عن برجها و صديقاتها ثم تجدها تستخدم الأمر مرجع لأحداث حياتها و تطابقها معها. في موريتانيا الدولة الفتية في عالم النت فإن السماء المفتوحة تبدو أوسع من أن ترحم تلقائية التعامل المنتهجة في المجتمع .