تم اختيار الموقع الجغرافي لنواكشوط إبان فترة الاستعمار نهاية الخمسينيات ، بعد ما أصر الأب الراحل المختار ولد داداه على ان تدار شؤون الدولة الموريتانية من الأرض الموريتانية وكان حينها المستعمر الفرنسي يدير شؤون المستعمرتين موريتانيا والسنغال من سان لويس اندر سابقا ، أصر المختار ولد داداه على أن تدار شؤون موريتانيا من موريتانيا وعلى أن يكون العلم والنشيد الوطني لما يمثلانها من رمز سيادة واستقلال وهو الغاية كانت آنذاك ، ومعروف أن الأراضي الموريتانية أراضي صحراوية تنتشر فيها الرمال وتجتاحها ظاهرة التصحر، الشروط التي وضعت آنذاك كمعيار لاختيار العاصمة هي أن تكون قريبة من جميع الجهات ولها منافذ على كل التراب الموريتاني ، عملية بسيطة تقوم على الإقصاء اعتمدت آنذاك حيث وضعت لائحة وتم إقصاؤها واحدة واحدة إلى أن تبقت نواكشوط ، تم إقصاء المناطق الأخرى إما لعامل البعد أو لعامل الجفاف و ووعورة التضاريس، اختيرت هذه المنطقة حيث كانت شيدت قديما في الأعوام الأولى من القرن التاسع عشر قلعة فريرجان في منطقة هي سجن النساء الآن الكائن بلكصر كانت هذه القلعة هي أول ما شيد على هذا الحيز الجغرافي ، إذن تم اختيار نواكشوط ليكون عاصمة رغم انه كان آنذاك أرضا رملية ، بدأت عملية التشييد بالتعاون مع الفرنسيين وبإشراف مهندسين فرنسيين ووضع مخطط معماري تدمر لاحقا بعد فترة جفاف السبعينات الشديدة
التي جعلت الجميع يتداعى إلى نواكشوط بعد ما جفت الأرض والزرع والضرع حينها كانت الكميات الهائلة من البشر التي جاءت إلى ضواحي نواكشوط تدمر كل المخططات المعمارية وتبطش بكل الدراسات والتوقعات والاحتياطات التي أخذت بعين الاعتبار ، آنذاك تم تشييد مناطق حية كالبريد والمستشفى و شارع أو اثنين و مباني أخرى من ما يثير الحنق أنها إلى فترة قريبة وبعد حوالي خمسين عاما من الاستقلال كانت هي القائمة وهي التي تمثل الرمز الحضاري المعماري في نواكشوط ما يشي بضعف شديد في مستوى التطور المعماري للعاصمة ضعف لدرجة الانعدام ، فالمستشفى الوطني مثلا لا يزال كما بنته فرنسا وغيره كثير ، فخيرات هذا البلد لم توجه يوما لتطوير بنيته المعمارية . إذن شيدت نواكشوط على الساحل و عمل ولد داداه على تعبيد وبناء طريق الأمل الذي يشكل صلة الوصل الوحيدة آنذاك بين أطراف الدولة الحية والحيوية .شيدت نواكشوط في ذلك الظرف التاريخي الضاغط ، واليوم لا تزال نواكشوط تصارع لتصل إلى مستوى تكون فيه بمستوى عاصمة تصارع أمرين يبدوان حتى الآن كقدرين : أولا الفساد الإداري وسوء التسيير وانعدام الأولويات التي جعلت هذه العاصمة تتعاقب عليها الأجيال والحكومات أعواما على أعوام دون أن يغيروا شيئا في معطياتها المعمارية فلا حكم ولد الطابع ولا ما سبقه ولا ما لحقه رد الانتباه إلى أن هذه العاصمة يجب أن يعمل على أن يوفر لها ابسط مستوى يخولها أن يكون فيها ابسط معيار من معايير العاصمة ، كانت خيرات البلد تنهب و المشاريع عرضة للالتهام من طرف الأفراد والأشخاص والمعدن والحديد والسمك وكل تلك الخيرات التي تستخرج من هذه الأرض لم يكن لها يوما حظ منها فالبنايات التي تراها شامخة وحتى فترة قريبة كانت من ما بني أعوام التأسيس، إلى أن جاءت عمارة الخيمة وبعدها تدخلت سذاجة تعاطي رجال الأعمال مع المشاريع الاقتصادية وهي سياسة المحاكاة وخدمت المظهر العام للعاصمة من ناحية، ثم بعد ذلك بنايات الوزارات وما إلى ذلك من المشاريع التي سلمت للصين مؤخرا وتم تنفيذ اغلبها ، ومشاريع الإضاءة والكهربة و مشاريع مد أنابيب المياه والصرف الصحي الذي مازال أحلاما تراود المواطن مع ما يقال انه تم إكماله منها ومدينة نظيفة الذي ظل شعارا تلصقه سيارات البوزورنو على عرباتها وشاحنتها وهي تنظف صباحا دون قوانين أو عقوبات تمنع من رمي الأوساخ ودون وعي أو وطنية تردع هذه الممارسات ، ومع ذلك يبرز عامل آخر يجرد هذه العاصمة من معيار آخر ألا وهو العقلية البدوية الطاغية في هذا المجتمع والتي لم تعتد التعاطي مع متطلبات وضرورات المدنية ، فحتى حين نتجاوز مشكل المعمار ونشيد العمارات والطرقات والمشاريع الضخمة فعقليات المواطنين ليست مهيأة بعد للمارسات المدنية التي تحفظ وتصون تلك المكتسبات والتي تعطيها قيمتها المدنية والعصرية. أضف إلى ذلك انه شيئا فشيئا يتكشف أن اختيار هذا المكان جغرافيا لم يكن موفقا فأولا العاصمة على الشاطئ وهو خطأ إستراتيجي قاتل في حالة الحروب و الاعتداءات ، ومن مشاكل البحر الأخرى أن نواكشوط لم تكتف بكل التناقضات و المعجزات والخوارق التي تمتلكها فهي فوق ذلك عاصمة فوق الماء تمشي وتنام وتسير فوق الماء ، ففي نواكشوط ومن فترة لأخرى نلاحظ انفجارات وتجمعات مياه كنا نقول دائما أنبوب ماء منفجر ، إلا أنها في بعض الأماكن والمقاطعات صار واضحا أنها لا تعود لأنابيب الماء ، وأمر آخر وهو المناخ المتقلب ومعروف انه من المعايير التي تختار على أساسها العواصم اعتدال المناخ ولو أن المناخ المعتدل عملة نادرة على عموم التراب الموريتاني، وما نحتاجه الآن كحلول عملية أن نجرب إن كان هذا المواطن قابل للتأهيل مدنيا و نحاول تدمير هذه العقليات البدوية فيه المتنافية مع متطلبات المدنية و والعصرنة ، وبناء عقليات قادرة على التماشي مع ضرورات المدنية ومتطلباتها، بعدها نقف مع أنفسنا وقفة تقوم على التحدي و على دراسات علمية وعميقة ونقرر إما أن هذا العاصمة لدواعي علمية وجيواستراتيجية يجب أن يتم نقلها لمكان آخر ، أو أننا نتفق على أنها هي العاصمة وأنها قادرة على أن تتوفر بها أهم المعايير لتكون عاصمة دولة من ناحية الأمن والمعمار ، وحينها نضع خطة متكاملة لبنائها من جديد أو على الأصح التركيز على مركزها فنبني طرقا راقية وعمارات ونطلق مشاريع معمارية محترمة، ونحدد منطقة تكون مركز المدينة لان نواكشوط حتى الآن تقريبا هي العاصمة الوحيدة في العالم التي ليس لها مركز وأول ما يسأل عنه من المدينة مركزها فمثلا في العالم كله وفي جوارنا الذي يعتبر فقيرا بالنسبة لمواردنا و مقدراتنا وموارده ومقدراته حتى في المدن غير العواصم تجد مراكز المدينة ، ولا أريد العودة بالبلد إلى عقدة المقارنة ولكن لا بد أن نقف عليه لنعرف ما نحن عليه وأين كان بإمكاننا أن نكون ، لو أنا يوما عملنا لهذا الوطن ومظهره و اسمه وصورته في الداخل والخارج، نواكشوط عاصمة لا تتوفر على أي معيار من معايير العواصم ربما المعيار الوحيد وجود القصر الرئاسي و مصالح وإدارات الدولة التي تشكر المحاولة الأخيرة لوضعهم في أماكن لائقة بعد ما كانوا قابعين في البنايات الصفراء والبيضاء التي خلفها المستعمر منذ حوالي خمسين عاما .