Saturday, January 4, 2014

الإنفجار القيمي - هل حانت الساعة

الناظر لحال المجتمع الموريتاني يجده مجتمعا نائما على كثير من الأورام الخبيثة القادرة على البطش به ، من العرقية و الطائفية المتجذرة في العقليات ، و المنطق القبلي ، و مرجع الخلل كله في حالة اللبس و الخلط التي يقام عليها بين العادة و العرف و التقليد و الدين، ما يهدد الثوابت الدينية بشكل حقيقي و خطير.
مرة ماضية في مقال بعنوان : مجتمع على عتبات الانفجار القيمي، تحدثت عن حالة انفجار قيمي المجتمع على مشارفها، هنا فقط لأوضح النقطة أحاول خلق مقارنة بين المجتمع الموريتاني و المجتمع السعودي مثلا، في السعودية هنالك قيم و ضوابط تصور مثلا غير مسموح لغير مرتديات العباءة بالدخول ناهيك عن ضوابط حتى لا تمت للشرع بالصلة في أحيان كثيرة متجذرة في المجتمع، لذلك ما إن يغترب أي سعودي حتى يطلق لنفسه العنان بشكل فظيع، الفرق في موريتانيا هنالك الضوابط العرفية ربما أقوى حتى من الدينية و في مرحلة ما تستخدم الدين لتتقوى به، ما يجعل الدين في موضع لا يليق به يدخل في اطار تجاذبات عرفية و تقليدية. في السعودية مثلا لا أحد يأبه لحرية التعبير و التصرف و و و غيرها من تلك الاغاني، فالعرف و التقليد و المتعارف عليه مربوط بالشخصية الملكية من ناحية ما. أما في موريتانيا فنفس حالة الكبت المتأسس على اعراف و تقاليد أسهل ما يكون الخروج عليها، لكن في مساحة حرية تتسع و كلما اتسعت دون ضوابط و دون وعي مجتمع تخلق مساحات و هوامش لناس على أبهة الاستعداد اصلا ربما ليس للخروج على الدين و ضوابطه بقدر ماهو الخروج على العرف و التقليد و تكسير الاصنام الاجتماعية و التابوهات، ينهض المجتمع المنتصر لعرفه و تقليده و يقحم الدين، فتخلق حالة اللبس.
حاصل الأمر أن الانفجار القيمي يحصل الآن، ففي مجتمع تعبث به الفوضى، و يتلبس بحالة حرية يتغنى بها الجميع و انفتاح، من المستحيل أن تظل بعض التابوهات الاجتماعية حاكمة و ضابطة تماما كما يصعب معالجة مساحات الحرية التي قد يستغلها البعض بشكل لن يقتنع أي طرف ما إن كان خروجا على الدين أو العرف والتقليد. في ظل حالة "الدايلاما" هذه و الاشكالية الاجتماعية القوية، طبيعي أن نشهد ما سأذكر به في حالة سلسلة ، خاصة في ظل حالة الصمت و التكتم أيضا التي اتقنها المجتمع و يتقنها طيلة سنوات حفاظا على صورة وهمية نمطية لم تعد تمت بصلة لواقع منفلت أيما انفلات، نبدأ : من اوكار الدعارة التي عرفتها موريتانيا دوما و شيوخ قبائلها و جنرالاتها و رجال اعمالها في ظل صمت مجتمع يخاف على تابوهاته، ثم بدأت سلسلات الاغتصابات حتى في الأسر الواحدة، و التي بدأ مؤخرا يعلن عن بعضها كحالة اغتصاب المدرس لبعض طلابه و قد حصلت كثيرا مرات سابقة و أنا على علم بحالات تم التستر عليها، ثم وصلنا درجة القتل العشوائي للابناء و الاسر فاجتماعات المخنثين و زواجهم على رؤوس الاشهاد في بيوت في تيارت و حفلاتهم في مباني في تفرغ زينة، ثم تدحرجنا الى القتل جهارا نهارا في الشوارع، فما إلى ذلك من جرائم بشعة و ممارسات تنخر جسد المجتمع. في ظل هذا عاش المجتمع حالة هستيريا أمام واقع أصبح خارج السيطرة و خارج دائرة التكتم في ظل انفجار فوضوي للمعلومات و الحريات، و صار يترصد حتى أمورا أبسط بكثير من تلك الخافية و كأن قناعته أن الامر مادام في السر فلا ضير فيه. ففي الآونة الأخيرة ، شهدنا الهجوم الذي تلقاه فيديو كليب ما يسمى "ستارتد فروم نواكشوط" و لربما لم يكن الفيديو يستحق تلك الهبة التي قال البعض أنها وقائية فيما جاءت ردتها انعكاسية و صارت استفزازية استدعت إقدام البعض على ما هو أشنع منها، فلا أدري مثلا إن كان المقال المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم إبان أيام ذكرى مولده بأشنع منها عند معشر المفتين الذين يعج المجتمع بهم.
فوق ذلك جاء فيديو أخير قام عليه هواة سطحيون ظاهر من فكرة الفيديو و الكلمات ، لم يكن شيء فيه منسق على الاطلاق، و حينها نتباكي على "ستارتد فروم نواكشوط" الذي كان على مستوى فنيا و من ناحية الفكرة ربما عالي جدا بالمقارنة. هب الجميع هنالك و صرخ و حاكم و سير المسيرات و حشدها، لكن بخصوص الفيديو الآخر الذي بالنسبة لرأيي المتواضع لا يرقى لدرجة أورد اسمه هنا، لم يحرك أي ساكنا ، و كلما ما وجدته بخصوصه مفتيه و بعض المفتين يتحدثون "عن عورة الحر و عورة العبد قالوا هم" مع تبرئي من المصطلحين. و آخرين استخدموا عبارات من قبيل" سواو" السؤال هو هل نحن هنا و هل المجتمع و حماة عقيدته و قادته إلى جنة الرضوان إن شاء الله ، يهتمون بالدين أم بعرف و تقليد اجتماعي ن لنعرف فقط المستند و الاساس الذي نتحرك من خلاله. فهل مثلا نقبل لجانب من المجتمع أن يدخل النار فيما نفعل ما بوسعنا حتتى درجة تفجير انفسنا مثلا لنضمن الجنة لجانب آخر. هي جدلية تصب في اتجاه واحد أن المجتمع في اتجاه المرحلة الحاسمة و التي لا بد منها شرا كانت أم خيرا، مرحلة انفجار قيمي ، بحيث سيصدح كل بوجهة نظره، فغير المصلين سيصدحون بها و الراقصون و الشاذون و قد فعل جلهم أصلا، سيفصح اليساريون و الماركسيون و الملحدون و و و و عن توجهاتهم كما مثلا هنالك اسلاميون ، و سيحصل كل شيء بدواعي الحرية و حرية التعبير و حين يبدأ التحرك ، ينادى لدولة أصلا في عمق المعمعة الحقوقية على المستوى الدولي بدواعي مختلفة قطعا أنا لا استبعد "اسرائيل" في معطياتها.
و ستتوالي الفيديوهات و الأغاني و و و و و . و لا أدري حينها كيف سيكون مجتمع الفوضى.
من وجهة نظري البسيطة، الحل يكمن في العمل على فصل الدين عن الاعراف و التقاليد الاجتماعية، لنحفظ للدين هيبته ، بدل أن ينعكس كل شيء سلبيا. فمثلا بالنسبة لي فيديو " ستارتد فروم انواكشوط" من الأمور التي يجب ان تحفظ لها سقطاتها والملاحظات عليها لكن ليس بتلك الدرجة من التجنيد التي لن تولد إلا ما هو أدهى و أمر.