Sunday, January 19, 2014

من ربيع العرب إلى صيف تشرد بنات الشام

عندنا في موريتانيا الصحافة صحافة مواسم مكررة اللون و الطعم و الرائحة. لفترة و منذ شهر تقريبا قبل حادثة و لد مخيطير و غيره، انشغلت بالمشردين السوريين في شوارع نواكشوط ، و خصوصا الفتيات في عمر الزهور المتسكعات في شوراع عاصمة كانت مكتظة أصلا بالمتسولين و الطماع و آخرين ينتهجون في شوارعها طرقا قددا. 
موريتانيا آخر نقطة في العالم العربي المستقرة على ضفة المحيط الأطلسي ، كانت مقصدا للسوريين و السوريات المشردات ، عاثرات الحظ  ضحايا ربيع العرب، كل شيء يتعلق بالعرب يصفر حتى فصول السنة. الصحافة عندنا موسمية لأنه حين مثلا أعالج أنا موضوعا أو قصة هنا سيلمحها هاو و يخط حروفا فيها و بعدها يلمحها هاو آخر في موقع آخر ثم آخر و آخر و في يوم تجد المواقع كلها نفس الاخبار و نفس القصص و نفس الاهتمامات.
في البداية أشيع أن السوريين الفارين من الحرب تم إيصالهم إلى موريتانيا إثر عملية منظمة الهدف منها إيصال رسالة حول ما يحصل في سوريا و هنا تجدر الإشارة إلى أن بشار الأسد يحظى بتأييد لا بأس فيه في موريتانيا خصوصا أن سوريا و لسنوات بل عقود حتى استقبلت طلاب موريتانيين شبعتهم بالفكر و منحتهم الشهادات و يدينون لبشارها و بعثها بولاء منقطع النظير، أضف إلى ذلك عقلية الرئيس التي أحب فيها عنادها ولو يأتي أحيانا بشكل أحمق.  ثم بعد ذلك أشيع أن الشباب الموريتاني و بسبب غلاء المهور في موريتانيا و الاعتبارات العائلية و الطائفية و غيرها أصبح يتهافت على المشردات (ولا أحب استخدام هذا المصطلح) الفارين من الحرب و يعقد قرانه بهن بمبلغ يصل 20000 أوقية ، كل هذا قد لا يعدو كونه إشاعات هواة الإعلام في بلاد هواية الفوضى و فوضى الهواية. ثم أعلن رجال أعمال سوريين و يوجد منهم عدد لا بأس به في موريتانيا منذ سنوات و يسيطرون خاصة على تجارة القماش، قالوا أن بيوتهم مفتوحة لكل هؤلاء ، لكن أردف بعضهم أن معظم هؤلاء لا يريدون و رفضوا دعوتهم، فيما تحدث بعض الناشطين بأن هؤلاء يسكنون شققا مفروشة و يجنون مالا ، و لا أدري مصدر هذه المعلومة فشوارع موريتانيا أصلا لا تدر بذلك القدر من المال و أنا بها و بمتسكعيها عليم، لكن لربما يريدون أرجاع الامر إلى دائرة المؤامرة . 
الدولة باردت لإقامة مخيم خاص باللاجئين ووفرت فيه وسائل مقبولة، إلا أن بعض تقارير أيضا ذكرت أن بعض هؤلاء رفض التوجه إلى المخيم أو على الأصح كلهم ، المخيم المكون من 50 خيمة أقيمت في مساحة المعرض، و خصصت الحكومة حوالي 300 مليون من ميزانية العام له، لم يستقبل أي لاجيء في النهاية، ما أثار لغطا و جدلا حول أن الأمر يتعلق ببعض الغجر الذين قدموا في مهمة تحيط بها قضية اتجار بالبشر و ما إليه، أو أن جهات عملت على الامر لتري العبرة من الربيع العربي و تستهدف تلك الحراكات و ترهب المجتمعات و تقدم لهم الحالة كعظة.
بين هذا و ذاك الحقيقة الأليمة و التي يدمى لها القلب و تدمع لها العين، هي أن عذارى الشام وصلوا أقصى نقطة في العالم العربي و تجاوزوا حدوده فهم الآن تعج بهم شوراع اسطنبول و المداخل إلى محطات متروهاتها و محطات متروباصاتها و شوارع العامة و أزقتها ، مؤلم أن ترى شابا بشماغه العربي في ساعة متأخرة من ليلة ماطرة باردة إلى جانب زوجته الشابة التي تحتضن طفلا في سنواتها الأولى و تعرف أن تلك الليرات التي ستودعها يدها لا تكفي و لن تمنح لها غطاء و لا بيتا.
أعرف أن الميلاد له مخاضات و قد تطول مدتها و تتعقد معطياتها ، و أعرف أن المنطقة تمر بمرحلة مخاض لكن يبدو أن كلا يريد أن يودع " منيه" ليكون له من الوليد نصيبا، و أعرف أنه إن كانت الشبيبة العربية هي التي صنعت ما أسماه ذلك الفرنسي الماكر "الربيع العربي" فهي التي سمحت بالتدخل من الآخرين و قبلت أن يتم تأطيرها في ملتقيات و مؤتمرات للمجتمع المدني و الديمقراطية و التغيير تقودها منظمات لا يخفى بأي شكل من الأشكال لها مأرب و كنت شاهدا.
فعلى العرب و الأفارقة أن يعرفوا أن التغيير لن يأتي إلا منهم و منهم فقط ، و أولئك الذين نمد أعناقنا إليهم طمعا في إصلاح حالنا هم صناعه و تغييره يعتبر نهاية لأحلامهم الكبيرة. نحن لسنا في عالم يحلم بوضع حد للفقر و الجهل و المرض و البؤس نحن في عالم تهمه فقط موازنة من أي نوع يكون فيها ذاك و ذاك القوي و المتبوع و هذا و هذا الضعيف المحتاج التابع.