Saturday, January 14, 2012

أزمات تخنق ... سيد الإليزيه


منذ بداية العام الماضي و بعد حادثة وزيرة الخارجية الفرنسية الشهيرة مع الثورة التونسية و التي أطاحت بها ليحل محلها  آلن جوبيه، والسياسة الفرنسية الخارجية تشهد حراكا و حضورا ليس بالضرورة إيجابيا و لكنها تحشر نفسها فى كل شاردة و واردة، وبدت سياسة من حيث هي متناسبة مع حركات ساركوزى، و حركات رأسه أثناء لقاءه كلماته.
كان قدوم أوباما للسلطة و سياسته الخارجية المختلفة ولو قليلا عن سابقه و رحيل بلير، و فترة الفتور و التعب و الانحطاط التى شهدتها سياسة البلدين لخارجية (آمريكا و ابريطانيا) فى ظل الخسارة و الارتباك من العراق، و اللإحصائيات القادمة في أفغانستان و الغير مشجعة و الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية داخل البلدين، كلها أمور جعلت الخليفتين (أوباما و جوردان براون ) ينهجان سياسة خارجية تعتمد التغاضي الإنتظار فى أحيان كثيرة، كان فى هذه اللحطة لا بد من بديل، و لم يكن حينها ليكون غير المراهن السياسي ساركوزى و الذى كان متحمسا أنذاك و لكن على غير هدى، فشكلت خطوة تعيين جولة بالنسبة له فرصة إنقاذ حقيقية . جولة كان مرحلة حاسمة فى فترة ساركوزى و طوق النجاة الذى سهر على ضبط تصرفات المراهق و عقلنتها.
ساركوزى و الوجوه السياسية المتعددة و المتملق الأول بدأ راقصا على مسارح الخطابات و الكلمات فأثار ثائره مكون رسمي و كبير لفرنسا المهاجرين، كان الواقع أقوى من خطابات و شعارات ساركوزى، ثم مراهقته السياسية ما كانت لتدعوه ليفكر أنه فى وقت تختار فيه أمريكا و أبريطانيا التأخر قليلا عن المشهد، ليقل ما إن كانت فرنسا فى استعداد تام لحمل المسؤولية و لعب الدور. سيد الاليزيه لم يكن يوما أكثر من ظاهرة صوتية تفتقد أي انجاز على أرض الواقع.
فرنسا سعيها لسد الفراغ و لعب دور المبادر فى التفاعلات الإستراتيجية، كان ساركوزى ينتقل بين العواصم ثم أخذ صوتية اللواء فإذا به حاشر بنفسه فى كل شاردة و واردة، ففرنسا حضرت فى ليبيا مخلصا و داعية حقوق و حرية و نصر شعوب مظلومة، ثم ها هي تحضر فى سورية، و فى كل منطقة منددة و مؤيدة أحيانا و طالبة استفسارا و توضيحا و كأن شرطي العالم تقاعد مسلما الدواء لفرنسا، إلى أن المشكلة أن فرنسا و رغم كل شيء لا تمتلك المقومات الكافية لا اقتصاديا و لا عسكريا و لا سياسيا .
و الأزمة الاقتصادية الأوروبية كانت هي الأخرى سؤالا ملحا و عسيرا كان من الضروري أن يجد له زعيم أوروبا الجديد و العائد بها للريادة جوابا، إلا أن واقع ساركوزي كان أقل بكثير من أحلامه أو على الأصح هرطقاته، و لم تكن ميركل امرأة ألمانيا بكافية لإنقاذ أوروبا و يوروها، ففرنسا و على أثر الأزمة تتخبط الآن في فوضى اقتصادية تحكمها البطالة و المعاناة و القلق و الارتباك. أشهر فقط تفصل ساركوزي عن الانتخابات لكن ما لا يعلمه قصير اوروبا و لا أميرته البيزنطية الفنانة الحالمة ، هو أن الأحلام و المكر لا يستطيعان حكم العالم و لا قيادة الأمم خصوصا العريقة منها و التي لا يزال منتصبا فيها تمثال ديغول بخطوته الطويلة و قامته الفارعة. ورغم فعل قضية دومينيك ستروسكان و الضبابية التي تشهدها الساحة الفرنسية ، فلا أعتقد أن مسألة انعدام البديل  وحدها كافية ليجدد الفرنسيون ثقتهم في خطابات فارغة من حالم متهور.

عبد الله ولد محمد عبد الرحمن
كاتب موريتاني