يعيش العالم العربي اليوم حالة من انتظار الغد و التخلص من ماضي الدكتاتورية
البغيض و حاضر التشكل بكل ارتباكاته و أسئلته كل تلك الحالات اختصر في مصطلح
الربيع العربي. الربيع العربي بكل تلك الرومانسية و المغازلة اعطوه ذلك الاسم و
فرضوه بطريقة سحرية على وسائل الإعلام ابتداء بتلك العربية منها و التي ينظر إليها
المواطن العربي كوسيلة و انعكاس ذاته و شعوره. يبدو الغربي متمسكا بالجانب
الرومانسي اتجاه كل ما هو شرقي. عصر الأنوار و ثورة العبيد و النهضة و غيرها على مر
تاريخ البشرية كلما أسماء تبدو قوية و تعبر عن حالة إنسانية استثنائية من خروجه عن
صمته و انتصاره لإنسانيته و لحقه، و تمزيقه لباس استعباد أو أغطية جهل. أما مصطلح
كالربيع العربي فهو تعبير عن حالة وقتية و هبة مؤقتة و ذلك ما تمليه سنة تعاقب
الفصول. أيا كان و رغم أن كلمة كالربيع العربي تبدو باردة جدا بالنسبة لسخونة دم
البوعزيزي و هويضرم النار في جسده رفضا للذل و الإهانة و الامتهان و انتصارا
لمواطن عربي لطالما أن تحت وطأة دكتاتورية تبيع فيه و تشتري دون مراعاة لإنسانيته
على الأقل، و بالنسبة لدماء خالد سعيد و لا كل أولئك الشهداء من الرجال و النساء و
الشباب الذين كانوا بحق في ربيع عمرهم ، دماء أولئك الذين أرادوا أن يبعثوا الإنسان
العربي من حالة انسحاق و موت فكري من حالة
كان فيها المواطن العربي يتعرض لشتى أنواع الذل و المهانة تحت أحكام جائرة بائسة
متسلطة تتاجر به و بقضاياه و تستولي على خيراته و تعامله كقطيع خراف.
ترى هل ينتظر أولئك فقط نهاية الربيع و ينظرون للأمر كسحابة عابرة تستظل بها
المنطقة لفترة ما تفتؤ حتى تخلي بينهم و شمس الاستبداد الحارقة بل و التي اعتادتها
أجسادهم زمنا ؟ و هل وضعوا في الحسبان أن شباب الساحات و الصفحات والميادين قادر
على أن يقلب حتى معادلات الطبيعة و معطياتها.
بغض النظر عن التسميات الراهنة فإن الحالة العربية الراهنة هي حالة صحية و حدث
له ما بعده و انتفاضة عربية ستتمخض عن دول لا ترضى شعوبها الذل و تصنع مصائرها و
قراراتها بأنفسها، تلملم ذاتها و ثقافتها و حضارتها، شعوب ترقى بمستوى قرار دولها لتكون رقما هاما و
صعبا في المعادلة الدولية التي لطالما ظلوا فيها رقما مكملا أو زائدا في الأحكام
البائدة.
ما إن حلق بن علي فارا نهارا جهارا و انطلقت الحناجر صادحة متجردة من كل خوف
من ميادين التحرير و ساحاته حتى حملق المواطن العربي في الشاشات مشدودا مشدوها لا
يصدق ما يحصل، تلك الأجيال التي ولدت وهذا الحاكم حاكما هي التي أسقطته و هزت عرشه
من تحته أشياء لم تقدر عليها أجيال تأقلمت و تعلمت أن تتعايش و وقوانين الطوارئ و
أن تعش حياة الحظيرة لم يصدق الإنسان العربي ما يرى مع أنه من صناعته يده، كانت
حالة إنسانية تتجلى لا تتحمل مسارات التحليل و لا ارتباكات القراءة. الإنسان ينتصر
لإنسانيته حينها بدأت تكبر أحلام المواطن العربي و و يرتفع سقف تطلعاته كلما
امتزجت أصوات المحتجين و اختلط بعضها ببعض
أهازيج لم تهز فقط قصور الحكام بل شكلت زلزالا شقق الأرض تحت مسار كان ينزلق فيه
التاريخ للانهاية. لحظة من فضلك، في ذلك الركن القصي من العالم هناك فيه شعوب تريد
وقفة معك، لم تقدر معارضة سياسية لا مقيمة و لا في المنفى على إسقاط نظام عربي أو
إصلاحه كانت المعارضة في المنطقة العربية بعيوب الأنظمة او تزيد قليلا. كان الغرب
حينها و في البدايات يتفرج يريد أن يتموقع في معلم لا يبدو يملك من نقاطه أو
محاوره شيئا ، يريد أن يحدد طبيعة رقمه في معادلة تبدو كل أرقامها في أيادي الشعوب
الثائرة. لم يكن الغرب ليفكر حينها إلا في أمرين اثنين مصالحه في المنطقة من النفط
لأمن اسرائيل للدور الذي كانت تلعبه تلك الأنظمة في استراتيجياته كلها الجيوسياسية
و الاقتصادية في المنطقة. و الأمر الثاني كيف يستخدم شعارات من قبيل حقوق الانسان
و الحرية و الديمقراطية و حق الشعوب كيف يستخدمها لضمان الحد الأدنى من تلك
المصالح. من السذاجة بمكان أن ينخدع مواطن عربي و قد فار التنور، و من السذاجة حد
الغباء أن تظن حكومات الغرب أن بإمكانها أن تضحك على جيل الميادين كما ضحكت و
استعبدت عجزة القصور.
ما كان عاقل و لا حتى ساذج أن يظن أن تأييد الغرب لثورة تونس أو مصر و تدخله في
ليبيا ووساطته في اليمن أن يظن أنها من أجل سواد عيون المواطن العربي و لا طول شعر
الفاتنة العربية. لأنه ببساطة يعرف ما فعله بالمواطن العربي و أوطانه حين كان خير
حليف و نصير للأنظمة التي اسقطت أم هل أنه سيدعي أنه لم يكن يعرف أن شعوبها تكرهها
لهذا الحد، أم أنه لم يدر ما كانت تسوم شعوبها من سوء عذاب....سقطت الأقنعة و
احترقت بجسد البوعزيزي. لا مبادئ في عالم الاستراتيجيات و الصراعات على النفوذ و
لا في عالم السياسة إنها الشعارات التي ضحك علينا بها رغما عنا عقودا و حقبا لكنها
تحترق هي الأخرى الآن. لم يكن شباب السموات المفتوحة ليحتمل زاوية سجن الحاكم
الضيقة و ليس الغرب بسطحي حتى يدافع عن أنظمة يراها تهوي سحيقا خاصة و أن أوراق
اللعبة كانت تتبعثر من يديه، لكنه كان من الحذر بمكان حتى يساير الأحداث متشبثا
بعمود الانتظار في أحيان كثيرة، لكنه انتظار لا يفتؤ حتى يفصح عن دور.
..................يتواصل
..................يتواصل