Wednesday, June 27, 2012

الربيع العربي و الدور الغربي - الجزء الثاني


لم يكن شباب السموات المفتوحة ليحتمل زاوية سجن الحاكم الضيقة و ليس الغرب بسطحي حتى يدافع عن أنظمة يراها تهوي سحيقا خاصة و أن أوراق اللعبة كانت تتبعثر من يديه، لكنه كان من الحذر بمكان حتى يساير الأحداث متشبثا بعمود الانتظار في أحيان كثيرة، لكنه انتظار لا يفتؤ حتى يفصح عن دور.

... و أراد الشباب و أراد الغرب

أراد الشباب العربي أن يسقط الأنظمة سلميا من الميادين و ينشيء أنظمة تعبر عنه حسب أسس و وقواعد تتماشى و العالم العربي ثم يبدأ مساره الذي سيضع كل معالمه، و حين وجد نفسه أمام آلة موت نهمة تلتهم الأجساد بسلاسة آلة قتل لا تتمتع بأبسط حس وطنية أو قيم انسانية يسيرها عجزة و طواغيت ارتبط وجودهم بالكرسي و الحكم، وجد هذا الشباب نفسه في معركة مفتوحة لا رجعة و لا تول عنها غير متكافئة كل الوسائل فيها مشروعة، لم يجد بدا من الاستقواء بكل ما يمكن أن يشكل قوة ولو مؤقتة و قد دفع بنفسه إلى الساحات و الشوارع و الميادين يصرخ و ينتزع كرامته و انسانيته و حريته من تحت أقدام من داسوها. أصرت الأنظمة البائدة أن تتركه في إشكال حتى و هي تحزم حقائبها و يُرمى بهما معا إلى مزابل التاريخ. فبقي بعدها في إشكالية طبيعة الصلة بأولئك الذين دعموه و ساندوه حتى أسقط النظام أولئك الذين دعموا لا لوجه الله بل طمعا و بحثا مستمرا عن دور. و همهم الآن أصبح أن يُنظر إليهم غدا كشركاء في الثورة ليسمح لهم لاحقا بلعب دور. سياسة التقسيط. متحررا و محررا من أغلال الصمت و السجون و الذل واصلت الساحات هزيجها، و عكر الغرب صفو أجواء الربيع، و ربما ما لا يعرفه الكثيرون أو لديهم حوله شك هو أن ذلك الجيل الذي استطاع أن يهزم خوف عقود و يلقي بالتاريخ خلف التاريخ هو جيل قادر على أن يؤثر في المناخ و اتجاه الريح و يعرف جيدا قواعد لعبة عاش عقودا تحت نير و ازدواجية معايير ضوابطها و غش لاعبيها.
نظرة بسيطة توضح تفاصيل مشهد لم يمنح الربيع العربي الغرب  فرصة لحبك سيناريوهه بدقة تربك المتلقي العربي خاصة في وقت تنفجر فيه مواهب هذه المتلقي و قدرته على اللعب و الفهم.


فكيف لعب الغرب ؟...

في تونس احترق البوعزيزي، لم يعرف الغرب حينها أن الذي احترق هو خوف جيل و معطيات حقبة زمنية قضتها أجيال عربية خلف التاريخ و خلف الشمس تائهة في جغرافيا الخوف و القهر. لم يفهم الغرب في البداية ما يحصل ربما ليس ضعف قدرة منه على الفهم بقدر ما هي قوة الصدمة و ووقع الذهول، و حين فهم لاحقا و هو يرى طائرة بن علي تحلق فرارا ترك شباب تونس و شعبها يواجهون مصيرهم ، ببساطة لم يكن في تونس نفط و لا قاعدة عسكرية امريكية بل بالعكس كانت بلد استجمام و سياحة و راحة و هي أمور قد يستغني عنها الغرب خصوصا في فترة فيها الازمات المالية و الاقتصادية و عليها الأزمات السياسية.  و فوق ذلك تونس بعيدة نسبيا عن اسرائيل و أشياء الشرق الأوسط على ارتباك و اختلاط معطياتها.

مصر دولة لها وزنها في العالم العربي و لها حدودها مع اسرائيل و لها غازها و فيها مبارك وسيط الغرب عند العرب أو على الأصح مبعوث الغرب في المنطقة، فوق ذلك مصر قوة عسكرية لا يستهان بها و لها تأثيرات شاملة على الأوضاع. ماذا فعل الغرب؟ تفرج ثم تفرج ففي غرارة نفسه يعرف أنه لا يمكن أن يجد مع أي كان من مصالح خدمة له و لإسرائيل بقدر ما كان يجد مع مبارك. تفرج على الموت و هو يتمنى فشل الثورة، و حقيقة كان يتفرج على قطار الثورة يتقدم و يتمنى لو مر هذا القطار بدول أخرى غير مصر بعد تونس ليجد فرصة يخطط فيها و يتوقع. لكن الظاهر أن أجهزة توجيه قطار الثورة و قائده لم يكونوا على صلة بأجهزة السي آي أيه و لا ساكنة البيت الأبيض تم الأمر بسرعة أكبر من قدرته على التخطيط و لم يجد بدا – و الأصوات من الشوارع و الميادين و البيوت تتعالى مطالبة وبالرحيل لم يجد بدا و مصر التاريخ تستعد لتلقي بكل خونتها إلى ما خلف التاريخ. لكن ماذا فعل ليوقف آلة مبارك و بطانته، لا شيء. ويوم سقط مبارك بادر يهلل و ينتقي عبارات الشكر و التفحيم للشباب المصري، كان يريد أن يعوض عن جريمة صمته لأشهر، لكن تهليله لم يطل و تأكد له خطر الغد عليه و حينها هاهي مصر. تعيش تحت حكم عسكر يقود ثورة مضادة و يضرب الثورة المصرية كل على رأسها ضربة قاسية. و من هذه نلمس بوضوح حضور الغرب. منذ سقط مبارك وثورة مصر و شباب مصر يعيشون صراعا خافيا و ظاهرا ضد عسكر لا يريد له الغرب أن يترك بين الثائرين و الغاز و اسرائيل و نفوذه في منطقة الشرق الأوسط خصوصا. من الدستور للجنة التأسيسية للانتظار للانتخابات للمحاكمة للحكم كلها سيناريوهات عمل العسكر على رسمها بدقة لاختراق الثورة و جدارها و لكن يأبى ميدان التحرير.
في ليبيا وجد الغرب فرصته ليضرب أكثر من 100 عصفور بحجرة واحدة، أولا يعوض العرب عن صمته المقصود تجاه مصر و تفرجه على تونس، ثم يضع يده على نفط ليبيا و مستقبلها و فوق ذلك يتخلص من شخص غريب الأطوار بغباء و ديكتاتورية القذافي الذي يحمل الخيام و الجمال إلى قصورهم و يبتزهم بأمواله و علاقاته و الذي يجعلهم غباؤه ينفتحون عليه أكثر من اللازم فعرف عنهم أمور كثيرة هدد في نهاية حياته بكشفها، لا أمن ليبيا و لا سلامة شعبها كانت على لائحة أسباب التدخل. صار قزم كساركوزي يدخل بلاد العرب فاتحا يستدعي صورة نابليون، حتى هذه الخطوة ندم عليها الغرب لاحقا و مرد ذلك دائما أن حركة قطار الثورة أسرع دوما من تفكير و تخطيط الغرب، فليبيا فتحت سهبا و نهبا للقاعدة و أزواد و غيرهما. و تعيش فوضى سلاح اليوم لم يضعها الغرب في الحسبان.
في اليمن، هنالك غير بعيد القواعد العسكرية الأمريكية و الخليج و نفط الخليج، و ما أدريك ما الخليج بالنسبة للغرب خاصة و أن تجربة مصر و تونس لم تكن مشجعة بهذا الاتجاه فسارع الغرب لما سماه حلا توافقيا، لم يكن حلا توافقيا بقدر ما كان رغبة غربية حقيقية التقت برغبة أخرى خليجية من طرف الملوك و الأمراء الذين طالما صلوا ليتجنبهم قطار الثورة و يختار له محطات بعيدا منهم بحيث لا يسمعوا أصوات محركاته التي تغض مضجعهم. سخر الغرب كل الهيئات و المنظمات الدولية التابعة له ووسيلة سيطرته وتولى الخليج الجانب المادي المالي و التجاري و خرجوا بما سموه اتفاق، اتفاق يعلم اليمنيون و العالم رغم صمته أنه جائر في حقهم و حق ثورتهم و شهدائها، قبلوه على مضض و لم يعدم الغرب وسيلة لاقناعهم و إسكاتهم فمن جائزة نوبل كما حصل يوما إلى أشياء أخرى. و اليمن اليوم قاعدة و ارهاب و صراع، كانت لتكون أفضل لو استمرت الثورة فيها لكن لم يرد الغرب ذلك.