و أنت تتصفح مواقع الكترونية موريتانية كثيرا ما تصادفك صفحة تشير إلى خطأ في الصفحة أو توقف في الخدمة أو في أحسن الأحوال صفحة سليمة ولكن مضت أشهر على آخر إضافة أو تعديل فيها. الظاهرة استشرت لدرجة صارت تشكل فيه سؤالا كبيرا، ففتح موقع الكتروني لا يتطلب الكثير في موريتانيا اليوم لكن لا يقوم موقع بما يجب أن يضطلع به من مسؤوليات فالأمر يبدو لك مجرد نوع من الهواية التي لا تستمر. تتعدد مسميات المواقع الالكترونية كما تعددت في يوم من الأيام مسميات الجرائد الورقية حيث صار تقريبا لكل موريتاني ترخيص جريدة في جيبه تصدر مرة أو اثنين في أحسن الأحوال ثم تتوقف. نفس الأمر مع المواقع الآن ، تجد العمل في موقع لأسبوع أو اثنين ثم يتوقف . العامل المشترك الوحيد بينهم هو أن مصممي المواقع في موريتانيا يعدون على أطراف الأصابع و كلهم أو أغلبهم من الهواة ، هواة التصميم الذين لم يجربوا الاحتراف و لا مقاعد الدرس في المجال ما يكون دائما سببا في ثغرات أمنية و فنية مختلفة ، فتجدد التصاميم على كثرة المواقع كلها متساوية و كأنها جملة واحدة تتكرر و في المحتوى لا تجد فرقا يذكر.
فالمواقع على كثرتها و لو كانت تعبر عن حالة من حرية التعبير و إتاحة الفضاء الإعلامي ، و لو أنها في ظاهرها يجب أن تكون تعبيرا عن حالة إعلامية صحية و تعبيرا عن مجال مفتوح للإبداع و الابتكار، إلا أنها تحولت إلى حالة تراكمية مرضية أضرت بالجسم الإعلامي شكلا و مضمونا. فصارت الساحة الإعلامية في موريتانيا مشوهة به فضاء يموج فيه كل من هب و دب دون معرفة ولا دراية بالمجال. فالساحة الإعلامية اليوم في موريتانيا و بسبب مواقع من هذا القبيل يدعي القائمون عليها الإعلام و الصحافة و هي مجالات منهم براء. مستخدمين المجال كنمط جديد من الصحافة المرتزقة و المسترزقة، مستغلين النظرة الاجتماعية العامة التي ينظر بها إلى الصحافة و الإعلاميين الموريتانيين و التي تعتبرهم فئة غير جديرة بالاحترام وهي نظرة ترسخت مع بعض الأنظمة السابقة التي ربت أجيالا من الصحافة و الإعلاميين من دون أي خلفية إعلامية و لا أي احترام للمهنة و قيمها، هم الذين يتحكمون اليوم في وسائل الإعلام كلها على اختلافها بداعي التجربة و الأقدمية. و صاروا بمثابة ديناصورات و محاربين قدامي يصطدم بجدارهم كل جديد على الميدان ينوي التغيير للأحسن، فصاروا آلة قمع صدئة للفكرة المتنورة والنيرة. هذه النظرة التي انسحبت على بعض الإعلاميين المتميزين الذين يمارسون المهنة باحترام، و صار عصي عليهم الخروج منها هذه أصبحت اليوم صارت ساحة فوضى عارمة قاتمة.
أضف إلى ذلك أن الإعلامي و الصحفي الموريتاني لم يقدم لهذا المجتمع شيئا حتى الآن غير خبر يرد في سطرين بعد أن تداولته الناس و لاكته الألسن، يرد بكثير من المغالطات في كثير من الأحيان. ففي دولة المحسوبية و الجهوية و الفساد و الاستيلاء على المال العام و التوظيف دون معيار و الزبونية و في دولة كانت اليد الطولى فيها دوما على مدى سنوات بل عقود لمزوري الشهادات و مستغلي السلطة و ملتهمي الميزانيات و المشاريع في دولة كهذه لا يذكر لأي صحفي موريتاني كشف عملية تزوير و لا عملية توظيف و لا متابعة عملية استيلاء و لا تنوير يالرأي العام بما يحصل خلف الكواليس و لا تقارير مالية أو صحية ولا تحقيقات تكشف صدقا أو كذبا أو تنور الرأي العام حول قضية غائبة عنها و مغيب هو عنها. و تلك لا تحصل إلا بالسلطات و الحقوق التي يكفلها القانون للصحفي إلا أنه للأسف لا يستخدمها إلا للتقرب من رجل الأعمال هذا و التزلف من هذا و القدح في هذا . يحصل كل ذلك في الوقت الذي يعتبر به الصحفي و الإعلامي عنصرا مهما من عناصر التغيير و النضال ضد الممارسات المخلة و المضلة و المضللة في أي دو أو مجتمع
المواقع الالكترونية يمكن أن ينظر إليها على أنها شكلت في بداية استخدامها بديلا لأولئك الشبان الذين لديهم نظرة جديدة للإعلام ورؤية مختلفة للممارسة، إلا أن ذلك البديل لم يكن بمنأى عن دخول الفضوليين و الأميين إعلاميا ممن يعتمدون على علاقة ستضمن لهم إعلانا أو اثنين يمضي به الحال لأجل مسمى. ثم ما يفتأون حتى يدركوا أن الأمر أكثر تعقيدا مما تخيلوا قليلا. فهم كانوا ضائعين أصلا و ضيعوا من جديد. الدولة تتحمل المسؤولية فليس من المعقول مثلا أن لا تكون هنالك معايير ليست فقط للانطلاقة بل للمتابعة، فتسهيل قضية الترخيص شيء مطلوب و مهم، لكن المتابعة أمر بسيط وسهل و لتحافظ الدولة على وجه إعلامي مشرق يجب أن تستمر دائما في غربلة الساحة ، ليست الدولة فحسب بل النقابات الإعلامية كون الأمر يضر بها أولا فوجود البعض في الساحة ممن يشوهون الإعلام و الساحة الإعلامية يضر بهم و عليهم الوقوف ضده بحجب العضويات ثم توقيفها. حتى يحافظوا على سمعتهم وسمعة الدولة.
فاقم القضية كونه في موريتانيا يغيب ما يسمى "صحافة المواطن" فكانت لو كانت حاضرة لتشكل بديلا حقيقيا لأولئك دون اللجوء إلى المواقع الالكترونية ، مكتفين بالشبكات الإجتماعية لإثبات فعاليتهم و التعبير عن أرائهم و إبداعاتهم. فالصحفي المواطن الذي جاء مع الثورة الإعلامية الأخيرة أثبت فعاليته في صنع التغيير و الخلق. و هو لا يزال غائبا في موريتانيا و لا يدرك الكثيرون حتى من الإعلاميين أنفسهم خصائصه و لا مزاياه.
الأمر ظهر جليا قبل و أثناء ترتيبات
كون موريتانيا تصنف الأولى عربيا في مجال حرية التعبير لهو أمر مفرح و مدعاة للأمل، إلا أن الأمر يطرح تساؤلا ربما لا يكون مطروحا لأولئك الذين صنفونا. هذا ما قدمت الدولة للإعلام و الإعلاميين و الناشطين مثلا فضاء حر للتعبير، لكن ماذا قدم الأعلاميون و الصحفيون و الناشطون للدولة، أين هو إعلام الكتروني يرقى بالمواطن و المجتمع و يراقب ويقيم مسارات الدولة و الحكومة؟ أين هو إعلام يتميز بكفائته و فعاليته؟
عبد الله ولد محمد عبد الرحمن
كاتب صحفي