Thursday, February 23, 2012

مواجهة التقدم بالتغني بالامجاد


بلد المليون شاعر قالها قائل في يوم ما حينما حط الرحال في شنقيط فاذا بهدير امواج المحيط يردد الاشعار وصدي الرمال ينشد القوافي، واذا بكل خيمة من الشعر تلتحفها قصائد الشعر، واذا بكل ابن شاعر رضع الشعر من ثدي امه، ولكن السؤال هو هل استطعنا نحن حفظ ذلك الارث الثقيل في هذا العصر الضائع والمضيع في عالم من السرعات التي تفوق الخيال، وهل حافظنا علي ذلك اللقب شكلا ومضمونا ذا معاني ودلالات.
لا يختلف اثنان علي ان الشعر في موريتانيا ورغم كل ما شابه من الشوائب وزاحمه من مؤثرات كادت تخرجه من اطاره الجمالي او اخرجته احيانا، لا زال بألف خير والمليون ان لم يكن ازداد فانه لم ينقص، الشيء الذي قد يبدو لأي متتبع اننا وحتي الآن مقصرون او عاجزون عن ترجمته وذلك لعوامل عدة واسباب متعددة اهمها واوجهها اننا في زمن له املاءاته وضروراته بعيدا عن زمن ضرب اكباد الابل في الصحاري وعن غمس القلم في قاع الدواة بعيدا عن زمن الحافظات البشرية في زمن حافظته الوحيدة هي آلة القرن العجيبة، حيث بموازاة هذا تنعدم انعداما كاملا دور النشر والوسائل التي تتيح لك الفرص لترسل صوتك الشعري بريدا سريعا الي اصقاع الدنيا، ما يجعل مصير القصيدة والمنتج ايا كان قراءه علي مسامع الاصدقاء وطي ووضع في خزانة الكاتب حيث هناك ينام ويصمت الي اجل غير مسمي، هذا اضافة الي امور اخري جعلتنا نفشل الي حد ما في ايصال صوتنا وحمله لنقطع به حدودنا ولكن فشلنا هذا ليس عجزا عن الانتاج بقدر ما هو انعدام كامل للاخراج، ويبقي للبيوت والشوارع والصحاري والرمال والشطآن صوت واحد يثبت ان للشناقطة لغة يتقنونها جيدا هي الشعر. الا ان الحقيقة التي علينا كموريتانيين ان لا نتجاهلها هي اننا مؤخرا اشتغلنا شيئا ما بالتغني بالامجاد وربما لم نسع بما فيه الكفاية لنفجر تراكماتنا هذه حتي تصل شظاياها مديات بعيدة تنزل فيها بلسما شافيا لكل باحث عن كلمة عذبة جميلة وصورة بلاغية وصوت شعري يهد الكيان. صوتا يعج بعطر شنقيط وجمال همس الصحراء في اذن المحيط، ولعل الظاهرة الادبية الاخيرة التي اتت بها قناة ابو ظبي الفضائية تعتبر فرصة حقيقية لا ليكون امير الشعراء موريتانيا ولكن ليصل اولئك الذين لم يسعوا كثيرا ليسمعونا صوتنا من خلال صوتينا الصادحين الآن من علا مسرح شاطئ الراحة ذلك الغيض من هذا الفيض والموريتانيون يدركون اكثر من غيرهم ان ابا شجة وولد الطالب في موقف لا يحسدان عليه فهما يحملان صوت طفل في العاشرة من عمره ينشد الدواوين خلف شياهه في الصحراء تاركين صفير رياح يلحن الشعر وصدي حصا رمال يردد القصيد وحصير نسجته الكلمات ومخدات تملؤها العبارات وعمامات مدورة علي القوافي وملاحف تلتحفها بيوت الشعر وهضبان وكثبان وتلال ووديان تنساب فيهم بحور الشعر، فهل ينجحا لا في ان يكون منهم امير الشعراء لانهم قادمون من امارة شعر كل اهلها امراء ولكن في ان يمثلوا قوما قال قائلهم

ونحن ركب من الاشراف منتظم
اجل ذا العصر قدرا دون ادنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
بها نبين دين الله تبيانا
وقد يكون السؤال المشروع لاولئك الاقرب الي الخليج منه الي المحيط هو هل يعتبر هذا الظهور نهاية لزمن التغني بالامجاد ام بداية زمن التباكي علي الاطلال، نقول لا هذا ولا ذاك ذلك لاننا لم نتغن لدرجة تجعل الواحد منا يطل علي هذا العصر الهائج الامواج من علا تلة واضعا كفه علي خده قائلا كان ابي، تغنينا تغنيا مشروعا في هذا الزمن الذي ينسي كثيرا ويتناسي، اما الاطلال فبيت الشعر الذي اسس له الاجداد وحتي الآن لم يسقط منه حجر بل يرتفع شامخا في عنان السماء رغم كل المعيقات التي تبطؤه احيانا الا انه يرتفع متماسكا.
فابناء شنقيط هم ياجوج وماجوج الذين يمتصون الستة عشر بحرا وزيادة لا لينهوا الدنيا وانما ليملؤها جمالا وخيالاوشعرا وسحرا وخمرا حلالا، ان فينا ايمانا اسمه الشعر وانا به لصادعون، اننا نكفكف دماء اليواقيت من علا الارصفة في سواد الليل ونسبح في مديات الجمال دون نهايات، ويقسم الشعر بالليالي العشر انه تحت خيمة الشَعر يشعر بالامان.