كانت إبر ساعة عمري الحائطية تتدحرج نحو الرقم الزمني المنتظر، كنت أتأملها بدقة تسير تصدر صوتا خافتا يحمل رنين الأمل و طنين الخوف في رحلة انطفائه. و حيدا على المكتب في ركن الزاوية و الضوء خافت انخفات الصوت تغشاه نوبة الانخطاف. مشتبكة يداي منضمتان إلى صدري، غير بعيد مني إلى يميني ينبعث صوت ام كلثوم تارة و سيلين ديون أخرى. فجأة تتحدث سيلين ديون عن يوم جديد أتي، فيما قبلها تماما كانت أم كلثوم تحكي عن ألف ليلة و ليلة. كنت أقول ردا على سيلين و عام جديد يأتي ، لا فرق في هذه اللحظة بين إن كان الآتي يوما أو سنة ما دام الأولى الوحدة المركبة للثانية و ما دام أول يوم فيها بتقويم ساعة عمري الحائطية. يبدو الزمن سريعا و تبدو أيامه لحظات خاطفة و أحداثه مجرد مشاهد خاطفة.
تتصاعد الأنغام جواز سفر زماني يتيح اختراق الزمن في ظل وحدة المكان. ترحل و تتحول الغرفة لقاعة سينمائية ثم فجأة تتجمد العيون و تهدأ الحركات و تبدو الأحداث شريطا سينمائيا غير متقن التركيب تكمن جمالية في فوضوية مشاهده. تتنوع اللقطات تبرز اللحظات الدرامية و التأملية و العاطفية و التراجيدية. و تجد فجأة نفسك بطلا حقيقيا لما يبدو و كأنه برامج واقع. تتجسد الحياة مسرحا حقيقيا و أنت تجد نفسك بطلا في كل تلك الأحداث التي تتوقف بك عند ناس توقفت بهم إبر الزمن تماما قبل هذه اللحظة فهم الآن يعتمدون تقويما جديدا، و تتوقف بك عند لحظات تجتاحك فيها رغبة عارمة في البكاء لكن يبدو التسلسل الزمني أسرع من أن يعطيك تلك الفسحة، تتذكر لقاء حدث و لن يتكرر مثلا، تتذكر شخصا دخل و غادر. ثم تغمرك العاطفة بكل مشاهدها المتداخلة، لحظات الوصول و وقفات التعثر و أسئلة الحيرة، و ملامح المجهول تبرز شبحا مخيفا في لقطة رعب. نعم من هنا مر ناس عبروا حملوا كل أشيائهم ، و مر آخرون حفروا في زوايا القلب كلمات و جمل و عبر و تركوا شيئا من العطر و شيئا من التاريخ و شيئا من كل شيء. هؤلاء تحملهم معك للعام القادم، ثم مر آخرون كانوا أقل من أن يعطيهم الشريط أكثر من لقطة سريعة لا تسمح لك حتى باستذكار ملامحهم. و بين كل ذلك تبرز الأحداث و اللحظات و المواقف الخالدة، و يستعرض الشريط أبطالها كلهم و ملامحهم و أسمائهم و زمانهم و مكانهم و تبدو لك أجندة الأحداث تحتفظ لهم بكل شيء.
حتى العرض الأخير للعام يبدو في نهايتة و إبر الزمان كلها من ثانية ليومه لشهره لسنته تضرب موعدا للقاء أرفع نظري للساعة لأجد أنه حان. فقط قبل ثانية من الآن كانت 25 و الآن هي ستة و عشرون.
قبل تتوقف إبر ساعة عمري الحائطية هناك ، أسترق من الزمن السيار هذا لحظة توقف أشكركم فيها جميعا و أعبر لكم فيها جميعا أنكم كنتم و ستظلون أشياء جميلة تحتفظ بها أشرطة السنين و تجدد مشاهدها. اسمحوا لي أن أعبر لكم عن حب لا يرتبط بمعطيات الزمان و عن أحلى و أجمل أماني لا ترتبط بمعطيات مكان. و اسمحوا لي أن أنصرف فإني أريد أن أوظب للعام الجديد حجوزاته و أرسم له معالم الطريق الجديد المحتملة، فالقادم لا يتعامل إلا بلغة الإحتمالات.
كل عام ووطن الأسئلة بخير، و أنا التشكل في تقدم و أنتم في نجاح و سعادة.
أنا رجل فيك يا سيدتي بعمر المائة.......... فلا تربكك الأرقام.