عبدالله أحمدمحمود
كاتب إعلامي –
اسطنبول
تابعت مساء يوم ماضي حلقة من برنامج على التلفزيون الوطني يستضيف بعض
الأشخاص من العاملين على التحضير و تنظيم للقاء الرئيس ولد عبدالعزيز مع الشباب. ما ركز عليه المتحدثون هنالك هو أن اللقاء هو
لقاء غير تقليدي، و أنه مفتوح للشباب
للتعبير فيه عن آرائه و للقاء القاعدة الشابة الصانعة للتغيير و القمة.
أول ما أعلن اللقاء و قدم موقعه الإلكتروني حيث يمكن للراغبين في المشاركة
ملأ استمارات الكترونية، بدأ التعليقات و كانت في مجملها سلبية، تنظر للقاء كفكرة
جديدة للمتاجرة بالشباب و استغلالهم و لذر الرماد في العيون و لا تعدو مجرد لعبة.
هدات الأمور في بدايتها و لم ينل اللقاء اهتماما كبيرا في الوسط خاصة الشبابي
الناشط. هي الثقافة السياسية السائدة في مجتمع وجد نفسه في لحظة ما مضطرا لأن
يبتلع ثقافة سياسية ما في مرحلة واحدة تماما كما ابتلع المدنية و ابتلعته. دون نظر
إلى أي تفاصيل و لا متعلقات من ناحية آليات ووسائل و الطريقة التي سيتم تسيير
العملية بها. بحالة عدمية سطحية بدأت التعليقات الرافضة للأمر في شكله. و هذا جزء
لا يتجزأ من ثقافة مترسخة في الوعي السياسي حتى النخبوي منه.
فثنائية المعارضة و الأغلبية التي عرفها البلد منذ الإستقلال ظلت دائما قائمة
على ضرب كل ما يقوم على الجانب الآخر في الصفر. و من الأسباب هي ان الانتماء
السياسي قائم على أسس قبلية و جهوية و عائلية بعيدة عن المنطق السياسي المنضبط و
الناضج. ثم بعد انفجار الكتروني و حركة النشاط و التدوين و المرحلة التحولية التي
يشهدها البلد من حالة المليون شاعر للمليون موقع الكتروني و المليون ناشط. هذه
الجزء من الثقافة السياسية المنتشرة و التي مع الأسف بدل أن يتضاعف إيماننا بأن
تلك حالة ستزول مع جيل ننتظر بقارق الصبر زواله عن المشهد السياسي الموريتاني الذي
جثم عليه طيلة عقود من الزمن. بدل ذلك فإن نفس الثقافة انتقلت إلى الجيل الجديد من
الناشطين وا لسياسيين الذين ينتظر أنهم يحملون الامل الجديد في سياسة وطنية تخبطت
منذ ظهورها في غياهب و "سكمارات" القبيلة. إن الدولة لن تقطع خطوة واحدة
للأمام كما هو حاصل مادام بالنسبة للمعارضة لا شيء من الأغلبية ياتي يستحق غير
الرفض و بالنسبة للأغلبية لا شيء يأتي من المعارضة يستحق. و يظل وطن الإنتظار بين
الإثنين يعدم كل لاحق ما قام به سابق من خربشات دون النظر إن كان فيها ما يفيد على
قلته.
أنحصرت الانتقادات الموجهة للقاء، في نقطة التاريخ و كونه جزء لا يتجزأ من
حملة الرئيس الانتخابية، و تساءل النقاد لماذا الآن بالضبط و لماذا لم ينظم سابقا
، و تساءلوا أيضا عن النتائج و متابعة توصيات قادمة صدرت من منتديات التعليم و
لقاءات أخرى مختلفة لم يتم تنفيذ أي شيء منها قائلين أن نفس الأمر سينطبق على هذا
اللقاء الذي حمل إسم "أنتم الأمل" الذي يبدو في حقيقته شعارا مكررا
ساذجا و على رأي الكاتب السابق الذي قال أن عبارة "You are the future " هي ضحك على عقول الشباب كونها حقيقة مطلقة تمليها طبيعة
الحياة. لكن ما يحتاجه الشباب هو خطوات تعينه على تشكيل ملامح هذه المستقبل. قد لا
أتفق مع بعض جزئيات اللقاء كهذه التسمية مثلا التي تبدو تقليدية جدا على عكس ما
أخبر به مسؤول الاعلام و قومه في ذلك المساء التلفزيوني رمادي غامض الألوان. لكن
أيضا لا أتفق مع منتقدي اللقاء في أشياء تبدو لي أكثر. فكون اللقاء يدخل في إطار
الحملة الانتخابية ، أظن ان الأمر مشروع لحدما ، و النقطة هنا هي في التعامل معه
للوصول به إلى نهاية خاصة و أننا لا نملك الآن أي دليل على أن المختارين هم فقط من
الأغلبية و لا انهم من جهة معينة او توجه معين. لماذا هذه الأحكام المسبقة الساذجة
التي لا تدخل في المعطى السياسي بتجاذباته و استراتيجياته في شيء. إن رفض اللقاء
لمبرر كهذا لا يعدو كونه حالة تجلي بسيطة لحالة القصور الوعي التي انتقلت وراثيا
من الجيل الذي لا يزال يرفض أنه يكون سابقا إلى الجيل الحالي. إن الهدف من
المعارضة و الاغلبية أصلا هو منافسة ايجابية تخدم الصالح العام للمواطن. و اللقاء
على كل سقطاته المتوقعة و التي يتفنن البعض في رسم خطوطها، هو الآن يتبع أسلوبا و
برنامجا سليما قائما على صفحة الكترونية مفتوحة للجميع خاصة و أننا جميعا أصبحنا
ناشطين، و لا أرى لمقاطعته من مبرر فبدل أن تصرخ على الصفحات و الشوارع و غيرها و
التي هي صرخات الهدف منها فقط من المفترض أن يكون وصولها للأغلبية و المعارضة و
غيرهما من اجل التغيير و تحسين الواقع بدل ذلك هذه فرصة تقف فيها مباشرة أمام أحد
المعنيين و تصرخ في وجهه بكل انتقاداتك و مآخذك على كل المسار الديمقراطي و
التنموي للبلد. لا أرى مبررا من أي نوع يجعل الواحد يرفض أن يوصل رسالته ووجهة
نظره بشكل مباشر و امام الرأي العام كله. حين يحصل إقصاء أو تقمع او ترفض فكرتك او
وجهة نظرك تلك هي الساعة التي يشرع لك فيها الرفض و الاحتجاج. و المقاطعة لا تكون
حلا خاصة في دولة لا زالت في خطوات الأولى لما تستوي بعد. إذن حين نتجاوز نقطة أن
اللقاء يدخل في إطار الحملة الانتخابية للرئيس الحالي، و التي حتى و إن كانت فيبقى
أيضا دخولك فيها و رفضك و تعليقك و رأيك مهما فيها لإقحامها و توضيح كل مساوئها.
حين نتجاوز هذه ماذا يبقى من المآخذ؟ يبدو هذا سؤال قد يقود لتفكير منطقي.
بالنسبة لي ببساطة، مهما كثرت سلبيات اللقاء فإن الحالة الاجتماعية و
الاعلامية و الثقافية و السياسية بكل خصوصياتها تجعل لقاء من هذا القبيل في قمة
الأهمية. خاصة في ظل حالة انفتاح ترفض الوصاية على تفكير أي شخص او وجهة نظره. و
حين نفكر بمنطقية بعيدا عن هواية الرقص في الطرقات و عبادة كهنوت القبيلة و
توجهاتها التي لا تعبؤ ببلد و لا وطن نجد
أن اللقاء حتى و لو كان ليوم واحد و انتهى و لم تتابع توصياته و لا توجيهاته يبقى
مهما، لأنه شكل نقطة يمكن أن تصرخ انت فيها و انا في وجه الرئيس رافضين بعض
السياسات و مقترحين بعض الحلول و ناظرين بموضوعية يمليها الوعي الثقافي و السياسي
لخدمة البلد.
و بإمكان القائمين على هذا اللقاء ليس فقط استهلاكه محليا و الأخذ به كأساس
حقيقي لإشراك حقيق و جاد و فعال للشباب في المسار التنموي للبلد، إن كانوا جادين
حقا في الأمر، لكن جديتهم هي أمر يحكم عليه لاحقا. مادام ليس هنالك ما يخسر حاليا.
فضلا عن ذلك هذا لقاء إذا ما نجحت الدولة الموريتانية في تسويقه إقليميا و محليا
فهو رائد من نوعه فكرة و جميل أن يصاحبها تنفيذ لائق. خاصة و ان موريتانيا الان
رئيس للاتحاد الافريقي و الحراك الافريقي الشاب الآن في أوجه. فبه قد تقدم
موريتانيا مثلا آخر يحتذى في سبيل التعاطي مع المعطى الأفريقي الصامت، و يحتذى
كخطوة فعالة في صناعة تغيير حقيق أساسه الشباب و أفكراه و رؤاه التي تتماشى مع
الواقع و انتظارات المستقبل بشكل ربما أنضج جدا و على الأقل تثير نقاط قد تتناسها
أجيال افريقية من القادة عبدت دوما
الكراسي و العمولات و الاستماع لإملاءات المستعمر. ربما تفتح موريتانيا عصر
الإستماع للقاعدة الشعبية الشابة و استخدامها كقوة داخلية قادرة على ان تهزم كل
الاستراتيجيات و الضغوط الخارجية.
لقاء الشباب كفكرة و كرؤية خطوة تستحق الإشادة، كل ما تحتاجه أن يتوقف
الضائعون بين السياسة ومتطلباتها و النشاط
و مهنيته و يفكروا بمهنية و موضوعية و نضج يضع صالح البلد فوق كل اعتبار. و
اظن أن الشباب الموريتاني اليوم وصل مرحلة نضج كفيلة بان تجعله يعرف كيف يلعب
اللعبة السياسية بحنكة مع الجميع أغلبية و معارضه، فيعرف كيف يستغل أنشطتهم بدل أن
يسمح لهم بإستغلاله فيها. مادمنا نحن الأمل و المستقبل فاللعبة السياسة هي لعبتنا
ليست فقط لعبة شيوخ المعارضة و الأغلبية. و ما دمنا طرفا في هذه اللعبة فالطريقة
الأفضل للعبها ليس باعتزالها فذلك فقط يتيح لهم مساحة أكبر للتصرف و يربك أكثر و
يبطؤ خطوات وطن بالكاد يخطو و لا يعرف أصلا إن كان يخطو إلى الأمام أو إلى الخلف.
إذن فليدخل الشباب هناك و ليلعب بكل نضجه فتخاريف الأجيال السياسية المعمرة لم تعد
قابلة للحياة لكنها تحتاج جيلا يلعب اللعبة بطريقة مختلفة ليس جيلا يستخدم وسائلهم
هم التي يعرفونها جيدا ليهزمهم بها لأن ذلك مستحيل فتلك وسائل خبروها لعقود. اما
الشباب كجيل جديد فهو محظوظ لان لديه وسائل أكثر و أسهل و أقدر و لا أدل على ذلك
من "النشاط"... إذن لندخل و نلعب معهم اللعبة بنضج يخدم مصلحة الوطن
بعيدا عن كل تلك التجاذبات الضيقة التي حكمت و تحكم عقولنا و تفكيرنا و نشاطنا.