Saturday, June 8, 2013

ثورة "الأفـــــــــــس EFES" - الجزء الأول


بين الإعلام الغربي بكل أباطرته و امبراطورياته  و الإعلام العربي بكل أصنافه قطريه و سعوديه و سنيه و شيعيه يكثر الحديث الآن و تتداول "المانشيستات" على اختلافهما بكل اللغات، الكل يعرف ما يحدث في تركيا الآن و ما سيؤول إليه الوضع فيها. ففي إعلامنا العربي بدأ البعض المقارنة بين ميدان تاكسيم و ميادين العرب التي يبدو أنهم ضاعوا في معالمها مؤخرا و اختطفت منهم كل أشيائها لم يبق لهم منها إلا ذكريات الليالي الجميلة على مراراتها و اللحظات القاسية في ظل اختطاف كل تلك الحراكات و العبث بها على أيادي دخلت في البداية لتعرف أن تتحكم في النهاية. الميادين التي نظر إليها المواطن العربي البسيط بصيص أمل في نهاية نفق مظلم تخبط فيه جوعا و قهرا و ظلما و استعبادا عقودا من الزمن، ليكتشف ذات المواطن لاحقا أنها ككل أشيائه التي سرقت منه و التي أخذت جهارا نهارا، هي الأخرى قد أخذت بليل اختطفها دعاة و عبدة الشعارات الفارغة. و تركوا له منها ويلات هو يتخبط فيها الآن فلا عاد للساحة و الميدان و لا قنع بما هو كائن و يملؤه الخوف مما سيكون و البعض صار ولو في صمت يردد "رحم الله فلان ما أعدله". نفس تلك الوسائل التي أحالت ربيع العرب صيفا حارا قاحلا و موسم حرب باردة بين "قطبين " عربيين يتحركان بأجندة و لأجندة خارجية. هي نفسها التي تريد الآن خلق ربيع تركي. فتطالعك "ليبراسيون " الفرنسية مثلا: أجواء ربيع في تركيا. لا أدري لماذا الصحافة الفرنسية تبدو مهتمة بالطقس و الفصول بشكل كبير جدا. و لماذا مثلا لم تجد فيما حدث في اليونان و اسبانيا ربيعا و لا خريفا و لا صيفا و لا شتاء حتى ؟  و علقت نيورك تايمز و الغارديان و البي بي سي  و غيرها من مؤسسات اعلامية. فين طامع في ثورة و حراك يطيح بالنظام و بين متخوف من سقوط نظام ينظر إليه مثلا أعلى و نموذجا حيا لإمكانية تحقيق مشروعه بين هؤلاء و أولئك كان الجميع ينظر و يترقب و البعض منشغل بالتحليل و التاويل حسب هوى خلفيته . من الطبيعي أن لا يكون حدث مثل هذا في دولة كهذه تصعد السلم بكل ثقة و أناة حديث العالم اجمع و ان لا يكون محل تأويلات و تحليلات و تفسيرات و محاولات للتوجيه، بل عكس ذلك هو الغير طبيعي في عالم يدير الإعلام دفته اليوم. الشيء الوحيد المؤكد هو أن العرب يعرفون فقط كيف يهللون للبعض و يصفقون ثم كيف يلتهمون أحلامهم أم بالأخرى أوهامهم و لديهم قدرة فائقة على  استيعاب الصدمات و مواساة الذات خاصة في ظل التمتع بكتاب و محللين يميلون بدقة و بسرعة البرق حيث تميل الرياح. فبالأمس مثلا كان نصر الله البطل القاهر و اليوم الخائن الغادر و مع ذلك يعرف العربي الذي هلل بالأمس له كيف يواسي نفسه اليوم فيه، ما دام الامر يتعلق فقط بالتحليلات و التأويلات و مراكز البحث الفاشلة على غرار كل المشاريع. تماما ذات العربي الذي نظر لأردوغان يوما مخلصا و رجل مواقف ، هو ذاته سهل جدا أن ينظر اليوم إليه كمخادع و عثماني غادر و طامح للحكم و السيطرة عليهم من جديد. مشكلة العربي ان تفكيره مشبع دوما بأن الآخر يريد السيطرة عليه، فقط لأنه يعاني عقدة الضعف المطلق و يعرف ان السيطرة عليه أسهل ما يمكن القيام به في عالم اليوم. حينما لا نتجاوز العقد نتصرف دائما بطريقة قمة في الغباء و السطحية.
تصادفت هذه الأحداث مع مجموعة أحداث وقعت و تقع في المنطقة و العالم و لعل أهمها الأحداث الجارية في سوريا و المنحى الخطير الذي تأخذه في ظل حالة صراع ثنائية عربية و طائفية عرقية و الحضور الإقليمي و الاستراتيجي الفظيع في القضية.
إن أخطر ما يمكن أن يعانيه أي سياسي حالة الإفلاس و اليأس، حين تجتمع هذه الثنائية فانتظر كل شيء خاصة حين يكون الخلاف إيديولوجي.

يوم الثامن و العشرين من الشهر الجاري و الاعمال مستمرة في في مشروع تطوير منطقة تاكسيم و ساحتها معماريا من خلال بناء نفق و بعض العمارات، في مشروع تقرر منذ فترة و كان الجميع ينتظر نهايته في أقرب أجل، خاصة و أن تاكسيم تعتبر منطقة سياحية حيوية  في مدينة تعيش على السياحة و بدأت صيفها يكشف عن كل سحرها و إثارتها. كان العمال يصلون الليل بالنهار و بدت الأعمال آئلة للنهاية في أقرب أجل. مساء ذلك اليوم اتجه العمال للجانب الآخر ليبدؤوا العمل عليه، كان قبل ذلك من فترة لأخرى يتجمع بعض الأشخاص أمام محطة المترو و كان من ضمن مطالبهم إنهاء الأشغال بسرعة لأنها تعطل المدينة لدرجة ما. في ذلك اليوم و في ميدان غير بعيد من ميدان تاكسيم حيث ينتصب تمثال ل "أتاترك" و حين ينتهي يبدأ شارع الأستقلال و توجد محطة مترو تاكسيم التي تصل أهم جهات المدينة، ميدان يقع على بعد حوالي عشرة أمتار تقريبا إلى عشرين تجمع البعض من الناشطين البيئين محتجين على جانب المشروع المتمثل في إقامة مجمع تجاري، و محمية عسكرية و بعض الملحقات. في اليوم الموالي بدأت المواجهات بين الجانبين حين أرادت الشرطة تفريق المتظاهرين ثم أراد المتظاهرون توقيف العمال عن العمل في الجانب المحاذي حيث كانوا يعملون على اللمسات الأخيرة للنفق و الطريق.

كان ذلك اليوم و الذي تلاه أياما صعبة شهدت مناوشات و صراعات بين الشرطة و المتظاهرين. كانت أول ملاحظة يسجلها متابع بسيط مثلي وضعت الأقدار هذه الأحداث في طريقه بمر بها كل يوم مرتين على الأقل، دخلت السياسة على الخط بسرعة البرق ثم جاءت التراكمات. ففي اليوم الأول كتب المتظاهرون الجمهورية التركية بقناني الخمر الفارغة، ثم في اليوم الثاني رفع قنينات الخمر الفارغة في مسيرة راجلة . صادف الامر تراكمات في الفترة الأخيرة، يمكنها حصرها في خطوات ثلاثة إلى أربعة،. حيث يرددون دائما انه في أحد خطاباته قال: أنتم استمعتم إلى كلام شاربي خمر فلماذا لا تستمعون إلى اوامر الله. و فهم المتابعون أن اللذين تحدث عنهما هنا هما أتارتك و الذي تلاه "إنينو". ثم بعد ذلك قانون كان بصدد الصدور لتنظيم استخدام الخمر في الأماكن العامة، ثم كانت قضية انفجار "الريحانية" الذي راح ضحيته بعض المواطنين الأتراك ثم أعلن نوع من التعتيم الإعلامي حوله يتيح دستور الجمهورية التركية في أحد بنوده للصالح العام. و جاءت قضية تسمية الجسر الذي كان قيد الإنشاء على السلطان ياووز سليم. ثم أضف إلى ذلك تصريحات أردوغان مؤخرا و التي كانت تحمل نبرة التحدي بطريقة أو بأخرى، لكن حقيقة أن كل ما تقوم به الحكومة خاضع لقانون الجمهورية و مطابق لنظامها و يخوله القانون لا أحد يمكن ان ينكرها، إلا لربما سيدة أكاديمية كتبت في مقال لها أن المهم ليس كمية المصوتين بل نوعيتهم ووضعت مقارنة بأن صوتها هي مثلا لا يساوي صوت مواطن بسيط مصنفة مجتمعها ببساطة إلى مواطنين من الدرجة الاولى و الثانية. ..... يتواصل في الجزء الثاني