Monday, June 10, 2013

ثورة "الأفـــــــــــــــــــــــــــــــــس EFES / الجزء الثالث


بين خوف من فشل المشروع و طمع في إفشاله
قرأ البعض هذه الخطابات ما يحصل بأن حزب العدالة و التنمية ربما يعيش داخلية حالة توتر أو تجاذب، مرجعا الأمر إلى أن مطالب برزت في الحزب تطالب اردوغان باتاحة الفرصة لشخصية أخرى من الحزب. لكن المنطق ربما يرجع قراءتها في اتجاه آخر خاصة و ان الحزب و لعشر سنين ادار دفة البلاد بحكمة و توازن. الاتجاه الآخر هو أن هذه مناورة لاستيعاب الجميع لكن دون أن يبرز عامل ضعف من أي نوع، بحيث يتم القيام بنوع من تبادل الادوار الذي لا تضيع فيه إطلاقا نية الحكومة تنفيذ ذلك المشروع. و هذا نوع من السياسات يعتمد في العالم أجمع و لعل أكبر الدول التي تعتمد الولايات المتحدة خاصة حينما يتعلق الامر بموقف من قضية دولية بحيث تجد مستشار الرئيس يتحدث بلغة ووزير الخارجية بلغة أخرى ثم الرئيس أحيانا بلهجة أخرى و الجميع يصب في اتجاه واحد سيبرز لاحقا.
جون كيري أقحم نفسه مرات في الوضع، نعم فهذه من الفرص التي لا تكتفي فيها أمريكا بالتفرج إطلاقا ، و علق تعليقات ، جاء الرد عليها مستندا على قاعدة يحق أو لا يحق، و مؤكدا على الحالة الديمقراطية التي تعيشها تركيا. في الخطابات المضادة ، جاءت كلمات كمال كيليتشداراوغلوا  رئيس حزب CHP أهم احزاب المعارضة، بحيث اكد أن تدخل الشرطة جاء استنادا على تعليمات صادرة من أردوغان نفسه، و أكد أنه لا يفهم لماذا أردوغان هو رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و رئيس البلدية و المتحكم في كل شيء. و قال أن المتظاهرين كانوا يقرؤون الكتب و يتسامرون و دون سبب أو سابق انذار تدخلت الشرطة. وقال أنه يجب السماح للشباب بأن يعيشوا حياتهم كما يشاؤون و كما يرغبون. و كمظاهر لما يحصل و من بداية الحراك كل مساء وقت الغروب تفتح بعض الأسر نوافذ بيوتها و تدق الطناجر مرددة المطالبة باستقالة أردوغان. الأمر الذي رد عليه الاخير في الخطاب الذي ألقاه عند وصوله عائدا من شمال افريقيا قائلا: نحن لا نحمل الطناجر بل نحمل الحواسيب لنواصل بناء دولتنا. و قال : هذا شيء رأيناه من قبل و سوف ينتهي.

تجدر الإشارة إلى انه بعد الأيام الاولى من الحراك، تدخلت فرقة تسمى "تشارشي" و هي من مشجعي فريق بشكتاش  و لعب الدور الأهم في الأحداث التي حصلت بعد ذلك و تحصل، و ينتشر الآن في شوراع اسطنبول باعة أقنعة الغاز و نظاراته كما كل الجدران و الأضيات تم صبغها بالألوان المختلفة و تمت كتابة شعارات مختلفة عليها، و فيما يرى البعض ان الأحداث لن تطول و سيتم التوصل إلى حل بشأنها، و بأن القضية قضية أيام، يرى البعض الآخر انها ستأخذ وقتا خاصة و أن الفترة فترة الصيف و بداية العطل. و في انتظار ذلك يعاني ملف اسطنبول المقدم لاستضافة أولمبياد 2020 ، و الأشغال متوقفة كليا في منطقة تاكسيم و النقل من و إلى المنطقة صعب بل أحيانا غير ممكن. و يأتي الامر في بداية موسم سياحي كان الكثيرون فيه حول العالم يحزمون حقائبهم إلى اسطنبول.
و عند عودته و في ساعات فجر الجمعة الاولى ، بدا و كأن حزب العدالة و التنمية أراد أن يبعث بطريقة أو بأخرى برسالة إلى الجهة الأخرى، فاحتشد حوالي مائة ألف شخص حول مطار أتاترك لإستقبال أردوغان. و في كلمة له دامت دقائق أكد على أنه و انصاره لا يريدون الصدام مع  و عرج على قضية الخمسين في المائة و قال انه يتحدث إلى اكثر من سبعين مليون تركي. التجاذبات لا تزال في أوجها و الإعلام يحرك كل شيء. على المستوى الخارجي في البرلمان الأوروبي الانتقادات لحزب العدالة و التنمية تتزايد و جون ما كين من امريكا اكد أن اردوغان يتصر كالديكتاتور حسب قوله.
و الحراكات لا زالت متواصلة خاصة في انقرة و ازمير و اسطنبول ، و يرجع المتابعون الأمر إلى أن انقرة و ازمير تضمان العدد الاكبر من مؤيدي المعارضة. و لليوم الحادي عشر الآن تتواصل هذه الأحداث. و انكار الدور الاجنبي و إن كان بشكل غير مباشر لا يمكن تبريره، ففشل حزب العدالة و التنمية يعني إعلانا رسميا لوفاة المشروع الإسلامي السياسي و هو امر يخدم الكثيرين من معارضي هذا المشروع و مناهضيه و حتى المعتقدين بالمطلق في عدم نجاعته. كما أن استمرار هذا المشروع هنا و نجاحه في تحقيقه كل أهدافه على المستويين المحلي و الدولي يبعث برسائل ربما يقرؤها البعض على أنها خطيرة و قد تخل بالتوازن الإقليمي و الدولي القائم على استراتيجيات رسما القوى الحاكمة في العالم و لا تريد أي معطى اقتصادي أو سياسي او ثقافي او اجتماعي يخل بها.
و بين متخوف من فشل المشروع و طامع في ثورة تقتلعه من جذوره، تبقى عشر سنوات تزيد شاهدة على مشروع كل أسهمه خضراء و نهض بأمة و يشهد له أنه الوحيد في المنطقة الذي يتجه للمستقبل. عشر سنوات تشهد على أن هذا المشروع نجح في أن يوازن بين كل المتناقضات و يصهرها كلها في قالب ديمقراطي دستوري يضمن حقوق الجميع.
الديمقراطية ... الثورة .... الديكتاتورية
إن الثورة قيمة أعمق و معطى أدق من أن لا يكون لها سبب وجيه. الثورة ليست وليدة لحظات و لا شعارات و لا خطابات، بل وليدة ظلم و قهر ووضع قاس وليد تشكل بل حالة طحين حد الإنعدام. لا يمكن خلق ثورة من الفراغ. فهي أغلى من ان نبتاعها أو نبيعها في سوق نخاسة سياسي غير نزيه. و الديكتاتورية أوضح من أن ينخدع أي كان بتفسيرات واهية لها و نعوت لا تقوم على أي أساس، و الديمقراطية مهما بلغت مرونتها و مهما أتقن اللعب بها و لي عنقها يبقى لها معنى ناصعا متمثلا في احترام الدستور و الوصول بشرعية إلى الحكم و العمل على مشاريع إنمائية و البراء من اللعب او التلاعب بموارد و مقدرات الشعب و ضمان أفضل مستوى عيش ممكن للمواطن. و إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية محاطة بالثلاثية هذه و تجلياتها نجد بوضوح أنه لا مبرر لثورة إلا إذا كانت ثورة على الديمقراطية و التنمية و التطور، و لا مبرر لإطلاق مصطلح ديكتاتور إلا إذا كنا نحن في افريقيا لا نعرف ما يعنيه أن تكون ديكتاتورا كان عليهم أن يسألونا فلقد جربنا كل انواع الدكتاتوريات. و الديمقراطية كمعطى هي معطى يعيش فيه مجتمع على اختلاف  ايديولوجياته.

تكون مظاهر الثورات مشبعة بشعارات تعدد سلبيات و سيئات الوضع المثار عليه، لكن أن تكون الشعارات فقط  شعارات عامة و المظاهر تتمثل في انتشار قناني الأفس و تداولها مصحوبه بالألعاب النارية و التصفيق و الرقص فالوضع أقرب ما يكون لإحتفال عادي مع قدوم صيف 2013 أكثر من كونه ثورة لولا تخلل الوضع تخريب بعض المصالح العامة و تعطيل مركز حيوي من مراكز مدينة حيوية كانت تستعد لاستقبال زوار صيفها. مع ذلك فإن الوضع يستدعي تفهما و حنكة في تسييره حتى لا ينفلت .

الجزء  الثالث