في زيارتي الخاطفة الأخيرة إلى موريتانيا ، و لأقف على بعض ما كنت أتابعه على صفحات التفاعل الاجتماعي مباشرة، التقيت بعض الشباب ممن يحسبون على النخبة المثقفة الشابة في وطن الفوضى العارمة. كنت على صفحات التفاعل الاجتماعي و خاصة بعد "لقاء الشباب" لاحظت ان قاعدة هامة من النخبة الشابة بشكل أو بآخر أخذت نفسا عميقا قبل أسطر من التهجم و الشتيمة متخلفة و لا تمت للثقافة و لا للوعي بصلة ، و لفت الامر انتباهي.
بالنسبة لي شخصيا، اظن "لقاء الشباب" جاء في وقت حاسم و خدم الرئيس و الاغلبية على صعد كثيرة، فلا يختلف اثنان على انه امتص الغضب الافتراضي و الثورة التي حولها بعض المتمسكين بها و لو اصطلاحا حولوها الى صفحات مواقع التفاعل الاجتماعي. نعم امتص حدث لقاء الشباب الحراك الافتراضي بشكل كلي بعد ان امتصت المعارضة و شيوخها من شيوخ القبائل و والوجهاء بعد ان امتصوا الحراك على ارض الواقع ايام فبراير رحمها الله و اسكنها فسيح مزبلات التاريخ.
فجأة اعلن قدر لابأس به من الشباب الذي تمسك دوما بمعارضة النظام و التهجم عليه ، اعلن تأييده لولد عبدالعزيز أو على الأقل إيمانه بمساره، و كان المبرر الذي اورده كثير منهم هو أن المعارضة لم تقنع لا بخطاب و لا بقول و لا بفعل. فهي خانت مواقفها كثيرا و في المواقف كلها كانت متذبذبة متنافرة غير قادرة على الوصول الى نقطة التقاء الا الرحيل الاجوف و الطواف بين مسجد المغرب و ساحة بن عباس.
حين نحاول قراءة هذه الحالة بنوع من المنطقية نجد أن الحراك الشاب حاول في البداية خلق خط ثالث يتبنى أفكاره و رؤاه ، نعم وقع في اخطاء اثناء عمله على بناء هذا الخط من بينها أنه قفز على واقع البلد و بدأ بتنبي افكار "الربيع العربي" الذي اجتاح المنطقة حينها الفكرة التي لم تجد ارضية ليس فقط لتقبلها بل للالتصاق بها، فجأة هجمت المعارضة و حراكاتها انذاك و مطالبها بالرحيل على هذه التكتلات الشابة التي كانت قيد التشكل و كانت تعيش حالة من عدم اليقين أو الشك المطلق في مسارات حراكها، تبنتها المعارضة جهارا نهارا و استخدمت كالعادة طرقيها الرجعية المقيتة القائمة على الجهويات و القبليات و غيرها من ما تحسن معارضتنا استخدامه بعيدا عن الخطابات السياسية الناضجة. هنا ترك النظام الساحة لتتم عملية الامتصاص بشكل كلي ، فكفت المعارضة النظام قتال و مواجهة ذلك الحراك الشاب الذي كان ليكون اكثر تأثيرا و نضجا و عقلانية.
كانت تلك النخبة الشابة أو بعضها على الاقل لا يزال متمسكا بشكل من حلم تبدد ذات مساء في ساحة بن عباس حيث كانت بشكل اسبوعي تقتل احلام اي مواطن موريتاني في الحصول على سياسيين ناضجين أو خطابات ناضجة. سايرت مسار معارضة يبدو متعرج و غير واضح و متردد، يتحين أي فرصة ليؤدي طوافا بدا ركنا من أركان سياسته بين مسجد المغرب و ساحة بن عباس. كان ذلك الطقس السياسي الوحيد. و كانت ذلك الحراك الشاب يساير و يطوف هو الاخر متمسكا بحبل امل. اقتنصت الاغلبية بنظامها فرصة حاسمة في وقت حاسم ، كانت فيه النخبة الشابة تلك قد بدأت تكره كرها مطلقا ذلك المسار المعارض المتردد و بدأت تنفصل مكتفية بصفحات التفاعل الاجتماعي كفضاء ليس كساحة بن عباس التي بدت ملكية خاصة لقادة المعارضة و مهرجاناتها و مطالبهم المتهالكة بالرحيل. بدأ حراك محموم على صفحات التفاعل الاجتماعي و كان مؤثرا لدرجة كبيرة و دفع الجميل للتفاعل معه. كان حينها الجيل الشاب من الناشطين يعلن ببساطة وفاة و موت المعارضة السريري، خاصة منه النخبة الشابة التي تفصل بين السياسة و القبيلة و الجهة و بين رجال السياسة و رجال القبيلة و بين السياسة و القبائل، بالطبع بقت "نخبة" للأسف شابة بالنسبة لها السياسي و رجل القبيلة نفس الشيء.
اطلق النظام حينها مشروعه لقاء الشباب، و حاول ما وسعه الجهد احاطته بنوع من الشفافية اقنعت الكثيرين من الشباب خاصة من تلك النخبة الشابة التي عرفت ذلك المسار الذي مكنها ان تجرب خيارات كثيرة. نعم نجح اللقاء و القائمون عليه في اقناع قاعدة شابة عريضة معارضة بالمشاركة. و كان كل ما حصل في ذلك اللقاء يحسب للرئيس ولد عبدالعزيز و نظامه. الأسئلة و اجوبتها و النقاشات الجانبية و الانشطة الموازية. النخبة حين وضعت في الواقع و امام مسؤولياتها كان باد عليها الارتباك ما لعب دورا بارزا في هذا النجاح الذي حصده النظام من ذلك اللقاء. وجدت النخبة نفسها فجأة بدل صفحة فيس بوك الافتراضية وجدت نفسها امام صفحة وجه رئيس الجمهورية. و هذه اللحظة لتصرخ مباشرة في وجهه هنا زوكبيرغ ليس وسيطا بينكما، انت و القاعة و الميكرفون، كان ذلك امتحان فشل فيه كثير من نخبتنا المناضلة و المعارضة و غيرها.
على إثر هذا اللقاء اختفى الحراك الافتراضي بشكل كلي، و فوق ذلك اعلنت نخب شابة كثيرة تبنيها مشاريع الرجل، واعلان كفرها المطلق بالمعارضة و حسمت حالة التردد.
كان سؤالي الملح امام الحالة التي لاحظتها ، اعلاميون، كتاب، فنانون رياضيون خريجون شباب ... يخبرونني وبوضح انهم الان انضموا لصف ولد عبدالعزيز، تساءلت هل أطعم الرجل القوم، ذلك سؤال يتبادر لذهنك حين يأتيك شاب معارض ويقول لك هؤلاء ناس تم شراؤهم و تم تقريبهم من النظام بطريقة أو بأخرى. لم يكن هذا الجواب ليقنعني لأنني ببساطة وجدت من الشباب من لا أومن بأن سؤق النخاسة السياسة يمكنني ان يغريه بأسعاره التي قد تكون حقا مغرية.
فهل أن الرجل أقنع القوم؟ لن أقول نعم بالمطلق ، لكن سأقول بثقة أن خطاب معارضتنا السياسي و خطاب معارضينا العدمي بالتأكيد ساعدوا السيد ولد عبدالعزيز في اقناع تلك النخبة الشابة خاصة في ظل وقوف هذه المعارضة ايضا في وجه أي خط ثالث، يمكن قيامه