عبد الله محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي
إن قوام أي مجتمع هي أسرة متكاملة متزنة يؤدي فيها كل
واجباته كما يلزم، أسرة توفر للأبناء أرضية يكونون فيها أكثر قدرة على العطاء و
فهم متطلبات و ضرورات الحياة التي هم مقبلون عليها. و حين نريد الحديث عن بنية و
تكامل الأسرة، فسنبدأ حتما بالضوابط و متطلبات زواج يفضي لأسرة سعيدة هانئة مستقرة
تشكل عنصرا إيجابيا في مجتمع لا تنقصه السلبيات. إذن الزواج ليس أمرا قابلا للحصر
في متطلبات دينية أو متطلبات اجتماعيه بل هو أكثر من ذلك أساس بنية اجتماعية قائمة
و بقد ما يكون لبنة تشد منها هو معول يهدها. إن التشكل الأسري في موريتانيا يتأثر
بعدة اختلالات تبدأ من ليلة الدخول و لا تنتهي يوم إعلان الطلاق.
إن الزواج في موريتانيا لا يخضع فقط لمسطرة دينية محددة، أو
اجتماعية محددة أو اقتصادية محددة بل مزيج من كل ذلك حيث شوه كل منه الآخر فشوهت
المتطلبات الاجتماعية القواعد الدينية، و الاثنان شوههما العامل الاقتصادي و لم
تنصهر الأجزاء في إطار تكاملي انسيابي بل إطار فرض فرضا.
إن الإختلالات التي تحكم نظام الزواج في المجتمع الموريتاني
عصية على الحصر، كونها تختلف من منطقة لمنطقة و جهة لأخرى، و لكن إذا أردنا العمل
على أبرزها المشترك، فإنه الفارق العمري و و المجاملة و المصلحة و القرابة و
التفكير في عالم اليوم بنمط التفكير قبل مائة عام ، و عدم الاعتراف باختلاف
المتطلبات و الحاجيات و الضوابط من جيل لآخر و المشكلة الأكبر أن جيلا يتصرف نيابة
عن جيل فيما يتعلق بمستقبله و حياته.
شيء من الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواقع
فقط بالأمس عرفتها، كانت تركض إلي في فستانها كلما رأتني
أمام المنزل تطلب إلي الحلوى و تحدثني أحاديث الطفولة ،أقول لها: أنت أبنة من؟ من اشترى لك هذا الفستان؟ و هكذ....
مضت أعوام قليلة و لبستْ الملحفة ثم صارت بعمر الخامسة عشرة
تقريبا. مرة و أنا عائد بعد غياب أشهر، سألت عنها، قالوا: لقد تزوجت. طفلة الأمس
اللعوبة ما إن صارت تتلمس طريقها نحو الأنوثة حتى جاء شيخ أكبر من أبيها قليلا، و
طلب يدها، و أعطيت له. الرجل شيخ قرية من قرى نواكشوط و ذا مال و جاه، اختطف طفولة
و براءة الصغيرة . لم يتركوا لها أن تهنأ بطفولتها و صبا أنوثتها. إن زواجا من هذا
النوع ليس أبدا قابلا للصمود لأنه لا يقبله منطق، غدا ستكبر هي و تلاحظ ذلك الفراغ
العميق في حياتها و تلك المرحلة من عمرها التي استلبت استلابا و سوف تجد نفسها أما
شخص من عالم آخر لا مشتركات بينهما، بل كل ما بينهما يفرقهما، نمط تفكير مختلف و
نمط حياة مختلف...و إلا هل سترد هي شيخا ستينيا لا تحبه و لم تره إلا ليلة الدخلة
ترده شابا عشرينيا يداعبها و يلبي حاجاتها كامرأة شابة. أم هل تحكم هي على نفسها
بالموت السريري و الصمت السرمدي و تعيش حالة الكآبة ، حال نساء موريتانيات كثيرات
ألقت بهم يد المجتمع إلى سجن من هذا القبيل يحرسه شيخ هرم مخرف هو الزوج حيث ما إن
بدأت ترى الحياة حتى حكم عليها بالموت. هذا مشهد من ذلك العمل الاجتماعي الدرامي
الكبير.
المشهد الآخر هو: تزوجي ابن عمك.... و هنا ليس هنالك أي
معيار آخر يقاس عليه لا التوافق العمري و لا التفكيري، فقط بن عمك و كل التنازلات
الآخرى تقدم. ثم تقبل الفتاة ابن عمها، و بعد فترة قليلة تشعر أن لا شيء يجمع بينهما
إلا كونه ابن عمها، ثم يضيق هو بطقوس زيارات أهلها و زيارات أهله و ضوابط حين تلقى
الأم و قوانين حين ترى الأب. و يشعر أنه ليس فقط زوج بل مؤدي طقوس دينية و حامي كنيسة
قبلية. و يتضايق ثم تتضايق هي، و حين يريدون إنهاء الزواج فتلك الطامة الكبرى، كل
منهما محمل أكثر من طاقته بل من طاقة الجبال. وبدل أن يصير زواجا سعيدا يصبح نارا
في ملائكة غلاظ شداد هم الطقوس و التقاليد. فأحيانا هروبا من تلك النار يقرران
البقاء معا جسدا بعيدان عن بعضهما روحا، و انعكاسات هذا النوع كثيرة، حيث أحيانا
لا تنتظر أسرة لكي تبدأ تحريض ابنتها على ترك الدراسة و العمل إلا أن تجد إبن عم
لها، فابن العم طلباته واجبات ربانيه إن طلب أن تترك العمل ستفعل و تترك الدراسة
ستفعل. نفس العقلية التي أدت إلى نوع عميق من درجة الجهوية و لا تسمح بتجاوز عامل العنصرية حتى في
نفس العرق فكيف في الأعراق الأخرى. مجتمع تكاد فيه نسبة الزواج بين الأعراق تنعدم.
و الآخر أن يكون الزواج على أساس مصالح قد لا تكون قبلية و
لا مادية و لكن معنوية، فمثلا تجد الرجل يجبر إبنه على أن يتزوج فلانة و يكون لا
زال في سن مبكر لحاجة في نفس يعقوب ، كصفقة مثلا أو شراكة أو شيء من هذا القبيل و
هذا النوع ينتشر بكثرة في الأحياء الأرستقراطية.و حين يرفض تبدأ حالة من الحصار الاقتصادي ثم الهجر ثم يجد الشاب نفسه مرغما على الزواج
منها. فيتزوجها و ليلة الدخلة يذهب للتسكع مع بعض أصدقائه ثم شيئا فشيئا يجعله
تفهم هي أنه ليس زوجا و تجد مبررا هي الأخرى فتتصرف أيضا على اساس أنها مطلقة و
هكذا يتسرب الخلل.
هذه الحالات لا تحصر بأي حال من الأحوال ما نشهده على
المستوى الاجتماعي من ممارسات و طقوس تخل بشكل كبير و خطير بالنسيج و النظام الاجتماعي.
و إعطاء أمثلة هو فقط لتعميق الصورة عن الوضع، و دائما الخلل ما يبدأ ثم ينتج
عوامل ثانوية، مثلا في المجتمع اليوم صارت هنالك نسوة تعمل على إغراء الشيوخ لأنهن
تستفدن منهن و تبتزهن معتمدات على عقدة العمر.و فيه أخريات تسعين للزيجة الأولى
فقط و لا يهمهن حتى إن كانت فقط لشهر، لأنهن تشعرن أن تلك الزيجة و بعدما تتطلق
ستحظى بنوع من الحرية في بيت أهلها و الاستقلالية.
ما تؤدي إليه حالات كهذه هو نساء تتسكعن و تعاشرن الرجال و
هن متزوجات، نساء تبحثن عن تلك السعادة المفقودة و عن ما يملؤ ذلك الفراغ بنوع من
السعي للإنتقام من المجتمع الذي فعل ذلك بهن و الذي تنظرن إليه كالمسؤول الأول عن
تلك الحالة التي يعشنها، فتلتئم تلك العوامل النفسية و تجعل من المرأة امرأة تمارس
كل أنواع الرذيلة فهي تنتقم. أو في الاتجاه تقتل المرأة قلبها نهائيا و تفترض أنها
مجرد شيء و جسد يتحرك و تعطل كل محركات العاطفة فيها، و تحرق كل اجهزة المشاعر و
الأحاسيس و تدخل عالم الأنا الكئيبة المجتمع المسؤول.
جحيم رجل ...خير من لظى
تلك النظرات
و الأدهي من كل ذلك مجتمع لا يحتمل أمرأة في العشرين غير
متزوجة، في حال أن عمر العشرين ليس كاف لأمرأة أيا كانت لكي تستقر على المستوى
العلمي و المهني، ما يمكًن المرأة من أن تعيش حالة من الاستقلالية قبل الزواج و
أثناءه و حتى بعده. بل تحت ضغط المجتمع تضطر للتفكير في الموضوع ثم يضغط المجتمع و
يبدأ يقدم عروضه و صفقاته المريضة حتى يلقي بها إلى الزواج فتجد نفسها غير قادة
على إكمال دراستها و الزوج في أحيان كثيرة
لا يقبل فكرة بحثها عن عمل و إن قبل فظروف الأسرة و متطلباتها لا تقبل. و ما إن
تصل المرأة العشرين حتى تبدأ مرحلة النضال النفسي تلك التي لا يشعر بصعوبتها و
مرارتها إلا هي. و قليلات اللاتي يستطعن المقاومة حتى النهاية. فالبيت و الأقارب
سيتحولون إلى أمكنة لا تطيق العيش فيهم و يصير أي رجل قادم لأخذك ولو إلى الجحيم
أرحم من النظرات التي تتلقينها و الوضع الذي تعيشين فيه. حينها أحلامك و جمالك و
طموحك كلها أمور كفيل بها أول قادم من الباب ينكس رأسه قليلا أمام الوالد أو
الوالدة. و بعدها يلقيك في جحيم ما و سوف تظل العائلة تقنعك بأنك أنت المخطئة خاصة
حين يكون الرجل من الأقرباء و سيقنعوك أن جحيمك الذي تتحدثين عنه ما هو إلا جنة
مؤجلة. ثم بعد ذلك تعتادين الوضع و تتملكك حالة اليأس و تنعزلين و تكرسين نفسك
للأبناء و تنسين أنك إنسان و تلعنين اليوم الذي حلمت فيه بأن تكوني امرأة ناجحة
مستقلة لها أعمالها.
في مجتمع يخلق الأقاصيص و الروايات من العدم، في مجتمع
اجتماعات الشاي الطويلة، لا تترك أ] أسرة لتعيش حياتها كما تشاء و هذا إشكال آخر،
مجتمع لا يعترف بالخصوصيات و لا الأمور الشخصية. مجتمع اعتاد طول الساعات في يباب
الصحراء، يجعل من المرأة موضوعا للحديث و يبني على تحركاتها القصص من خيالاته
فيحكي عن لبسها و طريقة مشيها، و يحكي عن الزوج و شكله و لونه و طعمه و رائحته. في
مجتمع كهذا لا تشعر أي أسرة بعالمها ذلك الصغير و قصرها الزمردي الصغير الذي لا
يسعها إلا هي و تصير لا إراديا في حالة صراع مع قوى اجتماعية تظلهم في غرفة الطعام
و غرفة النوم. و في مجتمع ليس له في ثقافة التجوال و الإستجمام ، و لا يساعده وسطه
على شيء من هذا النوع في مجتمع كهذا لا مكان إلا لحالات الكبت و الكمد.
الإستثناء الأكبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
ولو وجدت استثناءات بحيث أن بعض الأسر لم تعد تثق و لا ترغب
في زواج الأقارب إلا بشرط أن يتم حسب معايير محددة، و حيث أن يعض الشباب من الجيل
الجديد صار على مستوى من النضج يعرف فيه أن هذا مصير و حياة و ليس من المقبول إلا
أن تكون خيارات شخصية صادرة عن قناعة مطلقة. و لو أن البعض أيضا يقول أن البنات
صرن و كن في مستوى يسمح لهن برفض العرض ، إلا أن هذه النقطة فيها أيضا ما يقال
بحيث أننا نعم نفترض أن المرأة يمكن أن ترفض لكن السلطة الوهمية القائمة تقول أنه
من الصعب على فتاة أي يقدم لها أبوها أمها عرض فترفض هي من قرارة نفسها في الواقع
لابد أن أحد الاثنين يؤيد رفضها و في الغالب لأن لديه بديل جاهز. و بحيث أن سلطة
معينة جعلت بعض الأسر مثلا يشعر نوعا من الحرج أمام البعض حين تتحدث عن تزويج
ابنتها رجلا بعمر أبيها حيث دائما ما ينظر الموضوع بمنطق مادي بحت. و لو وجدت
استثناءات بحيث أن بعض الأسر صارت تحاول التحرر من قيود و سجن المجتمع الكبير و
قوانينه الخرافية و قواته الأسطورية الوهمية إلا أن الاستثناء الاكبر حتى الآن في
الموضوع هو أن تجد رجلا وامرأة التقيا
صدفة و أحبا بعضهما و عاشا فترة حتى خبر كل منهما الآخر و تأكد من أن ما يتخذه
الخيار الصائب و أن هذا شخص يمكن أن يعيش معه كل حياة و لديه ما هو في حاجة إليه
من صدر يستند عليه وقت الضيق و منديل يمسح دمعه وقت البكاء. و شخص يعتمد عليه
لينجح في علميا و عمليا. ذلك الاستثناء الحقيقي في المجتمع اليوم.
البطلة القومية...
لا يستغرب في وضع كهذا أن نعيش في مجتمع مطلق و في مجتمع
يجعل من المطلقة بطلة قومية. و مجتمع يقيس رجولة الرجل على سلم القسوة و الصلابة العالمي
إنه مجتمع يكيل بمعيارين ليملأ فراغ وقته.
إننا نعيش في مجتمع من النساء الكئيبات الصامتات الميتات
سريريا أو المنتقمات اللاتي ترين كل الأسلحة مشروعة للأخذ بثأرهن من المجتمع. و
الرجال الجليديين القادمين من مدن الثلج و الملح و التبغ أو الرجال اللامبالين
الذين يستخدمهم المجتمع غرابيل لمتطلباته و ضوابطه. و ما نحن بحاجة إليه رجال و
نساء يؤمنون بخياراتهم أكثر من الإيمان بضوابط مجتمع متملق لنجعل منهم أبطالا
قوميين و هم يخلقون التغيير لبناء مجتمع قابل للحياة. نعيش في مجتمع من الأسر التي تختصر الزواج في
خطوبة و عقد و إنجاب أبناء. مجتمع لا يعترف بالبعد الروحي والعاطفي و النفسي
للزواج.