Wednesday, October 24, 2012

لقطات : و لم يبق إلا صوت الماكينة المرهق

يجلس في حديث صامت إلى ماكينة خياطته يتفرج بنظرات فارغة على نوبة الحركة الجنونية المسائية التي تنتاب الشارع . شاحب الملامح تبدو يد الزمن و قد عبثت بملامحه و الحد الفاصل بين الجلد و العظم قد انعدم. و قد احمرت عيناه و برز خداه من الكد فهو كظيم. و آثار سياط القسوة لا تزال ترى عليه. يضرب بأصابعة بريتم حياة قاسية روتينية على طاولة الماكينة بيده اليمنى و يده اليسرى تحت فكيه الذي تهالكا من طول ما كسروا صخور الزمن بينهما لا تكاد اليد المرتعشة تقوى على رفع الفك المتهالك. جالس في صمته إلى ماكينة خياطته الجامدة و العمر قد جرى بها ردحا و قطع به مسافة أوهنت العظم و التهمت اللحم. تستجدي نظراته الرحمة في عنفوان و يتوسل صمته بعظمة و يرسم في هدوئه مشهد الصراع الأزلي بفنية انسانية. و كأن ماكينة خياطته قد تعبت من المناداة هل من مخيط؟؟؟ كما تعب هو من المناداة هل من محيص؟؟؟ لا جديد بالنسبة له شارع مشرعة ابوابه في كل الاتجاهات و مارة يبخلون بكل شيء إلا نظرة معبأة بالشفقة أحيانا و باللامبالاة احيانا أخرى.
و كأنه يردد و هو يلقي هذه النظرة البانورامية على المشهد من حوله، نفس الأشياء ككل يوم أنا و الماكينة و الصمت و إيقاع الأنامل تضرب لا إراديا على سطح الطاولة. نظرات فارغة تفيض يأسا يتكشف عن وميض أمل يبدو من بعيد و كأنه مستمد من رماد التجارب و احتكاك حقب الصبر، جلد دبغته مناخات الحياة القاسية و المتغيرة. خطوات لم تعد تقوى على التوازن و قد بطش برشاقتها ثقل الأيام المتعاقبة، هكذا بدت تتهادي حينما وقف و هو يحاول استنقاذ قطعة قماش من نسيم المساء الهاديء. على بعد أمتار منه كنت واقفا أحدق فيه كمن يحدق في الشمس لحظة غروبها و هي ترفض الإنطفاء ترفض الاختفاء. هكذا بدا لي انسان يرفض النهاية، و يستخدم كل أسلحته للكفاح. ربما هنالك فرق كبير بين الأشياء التي تستدعيها إلى الذاكرة شمس تُلوح تهم بالمغيب و الأشياء التي يدعوها  منظر شيخ تخور كل قواه و هو يرابط خلف ماكينة الخياطة و قد نال منهما الزمن و أرهقهما معا. لكن يستدعي الإثنان معا إنسانا يتأمل.
بدا لي خلف الماكينة كحراس صناديق البريد، الفرق الوحيد أن هؤلاء ينالون نصيبهم من النوم أما أولئك فيرفض الانتظار منحهم فرصة كتلك. فالماكينة قد تضرب موعدا مع القماش في أي وقت ولو أنه و في بعض الأحيان تبدو و كأنها متحررة من كل المواعيد و الالتزامات بعض الأحيان كالحين الذي أتيت إليها أنا فيه، بدت لي و كأنها تعيش حالة فراغ، و العجوز نسي أن يملأ فراغات النساء و الأشياء فذلك عصر ولى.
كنت أتأمل حركات العجوز، رعشة يديه نحافة وجهه بروز عظامه  فراغ نظراته