عبــــــــدالله
محمدعبدالرحمن
كاتب صحـــــــــــــــــــــــفي
اندلعت
منذ أيام الحرب في الدولة الجار مالي، طلعات عسكرية فرنسية في الجو و قوات افريقية
على الأرض. و بين مشارك و مستعد للمشاركة بشرط و رافض للمشاركة قابل بعبور الطائرات
الفرنسية. انطلقت الحرب بعد فترة قال
البعض أنها تحضيرية كانت قوات الإكواس تستعد خلالها و تعد العدة و العتاد، فيما
كانت فرنسا تنتظر دون إفصاح عن ما كانت تنتظره بالتحديد. المهم جاء قرار مجلس
الأمن المؤيد لتواجد القوات الإفريقية و أعلنت دول غربية مساندتها للتدخل العسكري
و حتى استعدادها لتقديم يد العون متمثلة في الدعم الجوي، لا تبدو أي من تلك الدول
مستعدة لخوض المعمعان على الأرض. قوات الإيكواس التي كانت مبادرة بالدعوة للتدخل
العسكري، دعوة ربما كان لفرنسا يد فيها ولو أنها أرادت أن تظهر كمتلقف فقط للخبر،
نعم فرنسا تحن للعودة لتلك الأراضي التي غادرتها بداية الستينات، لربما أرادت عودة
ليس على متن طائرة عسكرية لكن على كل حال هي عودة و لربما لا يكون العود أحمد هذه
المرة.
أمام
اندلاع حرب كهذه في تلك البؤرة في شمال مالي و الموجودة بين الجزائر و مالي و
موريتانيا فهو فعل لا يمكن لأي كان أن يجزم بعواقبه و لا أن يتنبأ بنتائجه. فتلك
المنطقة شهدت على مر سنين أجواء من التوتر بدأت مع بداية محاولة الرئيس المالي
موديبو كيتا تطبيق النظام الإشتراكي و توحيد مالي في إطار لا يعترف بالقوميات و
الإثنيات و هي محاولة تسببت في إراقة دماء كثيرة خاصة في الشمال المالي و في
المنطقة الأزوادية التي جابهت و بقوة ذلك التوجه. و ظل الشمال المالي يعزف على وتر
خاص به طيلة عقود حتى خلصت مالي المركز في
باماكو منه نجيا، و جاء ذلك تصريحا حين اعلنت الحكومة عن عجزها عن السيطرة
على ذلك الركن من أرضها الصحراوية الشاسعة. فبقيت تلك الصحراء على سعتها فضاء مرنا
مفتوحا بطريقة أو بأخرى خارج على النص و السياق، فمورست فيه عمليات التهريب و
التدريب و التخريب من البضائع المحرمة للمخدرات ليتحول ملكية بلعورية خاصة في فترة
من الزمن بعد الحملة التي شنتها الجزائر على الجماعات الإسلامية على حدودها مع
مالي فحصرتهم في الشمال المالي وفي تلك المنطقة بالخصوص. لتتطور الممارسة هنالك
إلى نمط اختطاف الرهائن.
جاء
الإنقلاب في مالي و زاد هشاشة جيش و دولة هشتين على ما فيه، و في لحظة ما كانت
دولة مالي لتكون ريشا في مهب عاصفة تقودها جماعات بخلفيات و أهداف شتى فأنصار
الدين تريد تطبيق الشريعة و بناء دولة إسلامية خالصة و حركة تحرير أزواد تريد دولة
أزوادية مستقلة و الجيش المالي لم يجد من حل أمام هذا الهجوم إلا العودة إلى باماكو
في خطوة لم يكن على إطلاع بكل حيثياتها كون الحقيقة الأكيدة حينها و قبل ذلك و
بعده أن مالي لا قبل لها بأحداث الشمال. بدت الجماعتان تهاجمان و تستوليان على
المدن في نسق ما محدد فكسر ألئك مباني و قبور و محلات و بدؤوا تخليص المدينة من كل
قذارات الشرك و الضلال حسب رأيهم و بدأوا برفع راياتهم ، ثم كانت الجماعة الأخرى
تكتفي بالتقدم و رفع راية جمهورية أزواد المستقلة حسب رأيها أيضا و بين هؤلاء كانت
هنالك جماعة يحلو للغرب تسميتها بالإرهابيين، لا يعرف أحد إن كانت تقاتل ضمن صفوف
هؤلاء أو أولئك أم في الصفين معا و لها هي الأخرى مآرب أخرى ليست دولة إسلامية و
لا جمهورية أزوادية، و ربما عرقل تقدم هذه الجماعات لحظات تصادم ثنائية شهدتها ولو
لم تتفاقم لحد كبير. في ظل وضع كذلك كان العالم يتفرج ، و بعض الانشغالات تأخذ
اللاعبين الأكبر في هذا البابا فرنسا و المرشد أمريكا لعل أبرزها كان الإنتخابات و
تبعاتها. كانت دول غرب افريقيا تجتمع و تقرر و ربما كانت تتلقى إملاءات من أطراف
ما لكنها كانت تقرر و هي تنظر و تنتظر القرار القادم من هناك من الإليزيه و البيت
الأبيض.
بالنسبة
للغرب كثير من الرهائن و الملايين ضاعوا هنالك و بعد أحداث ليبيا المنطقة صارت أشد
خطورة فانتشر السلاح و الشباب المنخرط في التدريب في تزايد و الجماعات تقوى شيئا
فشيئا و بالنسبة لمنطقة الساحل والصحراء هي منطقة هشة على جميع الصعد سياسيا و
عسكريا و اقتصاديا و لاقبل لها بمشكلة أخرى. إلا أن ما وضعته هذه الدول في حسبانها و يؤرقها بالتأكيد
و لربما سيظل لفترة. هو ما ستؤول إليه تلك
الحرب. ففي النهاية هم سيبقون هناك و الطائرات الفرنسية و الغربية و غيرها لن تكون
قادرة على محو الخطر خاصة و أنه غير معروف حاليا هل هو جماعة تحرير أزواد أم أنصار
الدين أو جماعات ارهابية مسلحة أخرى. و كيف السبيل للفصل بين الثلاثي هذا في صحراء
شاسعة ينتشر فيها الجميع دون حدود فاصلة. و ربما يتحد الآن كله ما إن يستيإس
الأزواديون من أن العالم يفكر في تلبية رغبتها في إقامة دولة مستقلة، ثم يستيإس
أنصار الدين من أن مطالبهم تلقى آذانا صاغية و تأتي على ذلك جماعات مسلحة تتمتع
الآن بقاعدة بشرية و اقتصادية درتها أموال الرهائن و التجارة المشروعة و الغير مشروعة؟
إن
الحرب لا تكون أبدا مهما كانت حربا خاطفة، حتى إن اقتصرت ضرباتها و قصفها على أيام
فقط فإن تبعاتها و تبعات أي حرب مهما كان طولها أو قصرها طويلة معقدة. من نزوح و
جوع و ضحايا أبرياء، أضف إلى كل ذلك أن القتال ضد جماعات متفرقة منتشرة في المنطقة
و تعتمد سياستها على عمليات متفرقة. و التعايش السلمي لا يمكنه إحلاله بالحرب، لا
يمكن إحلاله قسريا، و التفكير في تخليص صحراء بتلك السعة و الانبساط من جماعة
يعتبر ضربا من السذاجة، يزيد تعقيده إذا ما تعلق الأمر بأن الحرب في جانب من
جوانبها تتعلق بمحاربة فكر و عقيدة غرست لسنين في عقول شباب نهش منه التهميش و
الجهل و الفقر فترة.
إن
الحرب التي اندلعت هناك، أصبحت اليوم شر لابد منه خاصة بالنسبة للدول التي لها
حدود مع مالي، فالجزائر و بعد ماراتون طويل مع فرنسا حول عملية التدخل العسكري و
مشاركة الجزائر فيه و بعدما كانت رفضت بشكل قطعي المشاركة في الحرب، في النهاية
وجدت نفسها مضطرة حتى الآن للسماح للطائرات الفرنسية باستخدام أجوائها لشن غاراتها
الجوية، و لربما تتطور المشاركة لتصل مراحل أخرى. بالنسبة لموريتانيا الأمر مختلف
لعوامل عدة، ففي الفترة الأخيرة نظر إليها من طرف هذه الجماعات كبديل للتمدد و نشر
الفروع خاصة بعد العملية العسكرية الجزائرية ضد الجماعة و شهدت عمليات عسكرية نفذت
ضد جنودها. و هي ليست أمام خيارات كثيرة، فهي إما تهاجم أو تدافع . في حال هاجمت و
شاركت في الحرب فعليا فهي بادرت و هنالك تعريض للجنود الموريتانيين و
الاقتصاد أيضا و تضيف مشاكل لمجموعة مشاكل داخلية متراكمة. و في حال لم تشارك فهي
على الأقل مطالبة بحشد قوي جدا على حدودها، و في حال اشتدت الحرب و اشتعلت فلن تجد
مثلا تلك الجماعات بدا من محاولة اقتحام الأراضي الموريتانية غير مبالية بشيء ففي
النهاية هو القصف الجوي في صحراء مكشوفة أفضل منه الالتحام أرضا مع أي كان و حينها
تنعدم كل الخيارات و ربما يتذكر البعض أن الهجوم خير وسيلة للدفاع عن النفس، و في
هذه الحالة ستندم موريتانيا لأنه لم تشارك في الحرب من بدايتها. يضاف إلى ذلك أن
موريتانيا في منظومة تكتلات إقليمية كلها تخضع بطريقة أو بأخرى للضغط الفرنسي،
فإذا احتملت موريتانيا ضغط فرنسا فسيكون
من الصعب تفهم موقفها من الأطراف الأخرى خاصة أنها متضررة و في المقام الأول من
عدم الإستقرار في المنطقة هنالك. في الحالتين موريتانيا في مأزق و في وقت تحتاج
فيه وقوف مثقفيها و استراتيجييها وقفة حازمة و
موضوعية تستحضر و تقرأ و تستقرؤ كل أبعاد و حيثيات القضية.
و
حتى الآن يبدو الموقف الموريتاني يتسم بحالة من الإتزان و الرزانة المحمودة في
مقام مثل هذا، كأن ينقل عن موريتانيا قولها بقبول التدخل في حال طلبت مالي، و في
ظل رفض داخلي للحرب المرجو أنه غير متأثر بحالة الحراك السياسي التي كانت قائمة و
ترتكز على عملية لي عظم بحيث ترفض
المعارضة كل ما يأتي من الأغلبية من قرارات و العكس. فعلى الأقل هنالك أصوات في
المعارضة سوف لن تعلي صوتها كثيرا مطالبة بعدم التدخل و ذلك لحالة ولاء قديمة
تتمتع بها لفرنسا خاصة في ظل قيادتها الجديدة. و الضغط الذي لن تستطيع الجزائر
تحمله من الطبيعي جدا أن يكون صعبا على موريتانيا تحمله. خاصة حين يضغ ولد عبد
العزيز أمام ناظريه خيار الثمن الذي قد يدفعه إذا ما انتهت الحرب دون أن يشارك
فيها فلقد يصبح غير مرغوب فيه و حينها يأتي ضغط من نوع آخر ربما ولد عبد العزيز
مستعد لدفع أي ثمن لتفاديه.
و
في النهاية ربما الخيار الذي لدى كل من الجزائر و موريتانيا هو محاولة اتخاذ
القرار الصائب مع التمسك حتى آخر لحظة بخيار التفاوض و الحل السلمي. لأنه هو
الطريق المستقيم إلى حالة استقرار من أي نوع في تلك المنطقة الساخنة هناك. فالحرب
أولها شر و آخرها شر و في النهاية إن كانت في بعض جوانبها تستهدف توحيد مالي أو
السماح بدولة أزوادية خاصة بعد أن أعلن الأزواديون استعدادهم لدعم فرنسا أو كان
هدفها القضاء على الجماعات المسلحة هنالك، فهنالك أهداف أخرى لها ربما ينجر عنها
قوة أممية أو تواجد غربي دائم و لا ننسى موارد في دولة مالي تستخدمها فرنسا في
محطات الطاقة لديها و الحلم الفرنسي بالوجود إلى جانب البنت المعشوقة. و البقاء
غير بعيدة من اخواتها السمراوات. و لا ننسى حلما أمريكيا أيضا بالتواجد هناك. ربما
صحراء شمال مالي ليست كجبال افغانستان لكن موارد و خيارات هؤلاء هنا لم تكن أبدا
متاحة لآولئك هناك فالمرجح أن الحرب قد تطول و أنها لن تخلص المنطقة و بؤرا ساخنة
ستبقى سنكتوي نحن بنيرانها. في حين تعود طائرات فرنسا لمدارجها هناك هذه حالة و
الحالة الثانية أننا سنعود من جديد دول تحت الوصاية ليست فقط الاقتصادية بل
العسكرية من جديد و بشكل واضح ووقح.