Monday, November 5, 2012

المخنثون و الشواذ...و مجتمع يضحك ببلاهة



عبد الله  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

أحيانا يكون على المجتمع أن يعترف ولو بمرارة بالهزيمة ، مع أنه يحق له أن يرفضها و يتهرب منها ما وسعه الأمر، في مجتمع لا يحكمه القانون و النظام بقدر ما يحكمه العرف القبلي و التقليد الإجتماعي، خرجت من خلف الكواليس ممارسات فوق طاقة العرف و التقليد و القانون. هي لحظة يشعر فيها المجتمع بالعجز و الضعف، لكن هي أيضا لحظة يواجه فيها هذا المجتمع الحقائق على صعوبتها و مرارتها، من تلك الحقائق و الممارسات التي ظهرت في المجتمع و لم تعد قادرة لتختفي لا خلف الجدران المغلقة و لا الأقنعة المتقنة التركيب و لم يعد وجه المجتمع المنمق قادرا على إخفائها. سواء كانت هذه الظاهرة نتاج سلوكيات و انعكاس حالات اجتماعية أو كانت مسبب سلوكيات أخرى، هي حقيقة لتتم مواجهتها.
في عالم يريد فيه الجميع أن يكون ديمقراطيا و أن يكفل و يضمن لكل شخص حق اختياراته و يحترم له خصوصياته، في عالم المعايير المزدوجة و قوانين السيطرة المفروضة. في عالم كهذا لم يعد موضوعا كالشذوذ و تجاوز الأجناس و الخنثوية مطروحا بأي شكل من الأشكال كون تشريعات دول كثيرة تجاوزت حتى وصلت حدود قوننة زواج الرجال ببعضهم البعض و النساء ببعضهم البعض و حق الشخص في اختيار أي جنس يريد أن يكون. ولو أن الكنيسة رفضت هذا في وقت من الأوقات، لكن يبدو أن "الديمقراطية" كانت أقوى من الكنيسة في هذه أيضا.
إلا أن التناقض الذي تقع فيه مجتمعات اليوم على غرار مجتمعاتنا هو التردد و الحيرة أمام وضع كهذا و مكانته من القانون. الظاهرة محرمة بنصوص مفصلة محكمة و الشريعة الإٍسلامية تصنفها في خانة المتشبهين بالنساء و المتشبهات بالرجال و اللواط و السحاق و غيره من أمور تعتبر من أكبر الكبائر في الدين الإسلامي. و في دول إسلامية مغلوبة على أمرها لم تعرف بعد هل تعتمد الدين  أو غيره و مشغولة بمواءمة الدين مع الديمقراطية و إثبات أنهما متطابقان، دول غير قادرة أيضا بفعل كسلها و بفعل التبعية التي حتى الآن هي مجبولة عليها لم تستطع صياغة ديمقراطية تتماشي مع خلفياتها الثقافية و الفكرية و التاريخية و تتماشى مع تعاليم دين تعتمدها كل الدساتير فيها تقريبا على أنها المصدر الاول للتشريع (بالنص على الأقل). في دول كهذه تبدو الظاهرة بصدد إسقاط قناع أو اثنين و كشف حالة تناقض كبرى. و كون بعض المجتمعات العربية ، شهدت حالة الإنفجار القيمي و أصبح موقفها واضحا من الظاهرة و استطاعت أن تتجاوز تبعات ذلك الموقف. فنحن الآن بصدد نفس التجربة، أن نتخذ موقفا واضحا من القضية و نكون مستعدين لتحمل عواقبه و نترك عنا تجاهلها و محاولة افتراض أنها لا توجد.

مجتمع يخلق الظاهرة
في الأعراس الاجتماعية تتجلى الظاهرة بل و صارت مصدر استحسان و كل "فنان" له صاحبه المعين، و المجتمع كل بملتزمه و منحله و غيره ذلك تجده يتفرج عليه و لا يبدو الإنكار إلا في القلب إن كان هنالك إنكار.فأصبح مما يزيد دخل و شعبية "الفنان" أن يكون له "مخنث" يحمس حفلاته و يجمع الأموال التي يغمره بها الغباء الإجتماعي. و في الشوارع لم يعد مستغربا مثلا أن ترى اثنين يضعان المكياج و عطور النساء و في كامل حلتهما بيدين متشابكتين يتمايلان في الشوارع و كأنهن في شوارع مدريد.  إذن المجتمع بدل أن يحارب الظاهرة مثلا فهو يحب أن يبدو لا مبال، لكنها حقيقة لا مبالاة بطعم التشجيع، فالصمت علامة الرضا كما يعتنقها ذلك المجتمع الصامت المنضغط. ففي البيوت الفاخرة و الأسر الكبيرة مثلا أصبحت ترى لكل أسرة واحد معتمد يحضر تجمع المرأة و البنت بصديقاتهن و يجلس بينهن فهو مؤدي مونودراما مثلا بالنسبة لهن، و يبدأ صناعة الشاي. و تجده يرافقهن للتسوق و إلى محلاتهن التجارية مثلا، لاحظ متاجر المواد النسائية .لكن هذه الأسر استشعرت الخطر ففي بعضها صار المخنث يُكون الأبناء الصغار فهو بالطبع يريد حماية جنسه من الإنقراض و ضمان استمراريته، و لا حظت بعض الأسر أن الأبناء يتأثرن عميقا بذلك المشهد حتى أن أسرا خسرت أبنائها بذات الطريقة، أبناء تلاحظونهم في المدارس الخصوصية يعيشون نوعا من الارتخاء الجسدي و الحديث و الحركات الأقرب لأحاديث و حركات النساء.
وفي الأسر المتوسطة و الضعيفة تحضر الظاهرة أيضا، فالمخنثون أصلا و في غالبيتهم هم من الأسر الفقيرة و المتوسطة - و لو أنه في السنوات الأخيرة خلقوا طبقة جديدة فيهم قادمة من الميسورين و جلبوها إليهم بعد أن كانت تعمل عمائلها في بيوت الأباطرة و السادة بعيدا عن العيون و الألسن-  كون أصول غالبيتهم من الطبقات المتوسطة و الضعيفة لم تسلم هذه من نيرهم فلهم صديقات و أصدقاء في تلك الطبقات يجالسونهم و هكذا تنتشر الظاهرة في المجتمع بكل طبقاته و في نوع من الصمت الأبله. أما ظاهرة الشذوذ الجنسي فانتشار هذه أكبر لكن مساحة الصمت المحيطة به أيضا أعمق و أكبر لسببين فهو خاص جدا و السبب الآخر أن أغلبية من تجرؤا عليه حتى الآن من الطبقات التي لا تطالها يد القانون و هم رجال متزوجون هانئون برغد من العيش و نساء متزوجات تاجرات، و مؤخرا حدثني صديق يعيش في دولة أجنبية معروفة بقبول هذه الظاهرة أن موريتانيين  و موريتانيات صاروا يقومون بسياحات جنسية للغرض نفسه لا أكثر ثم يعودون لأرض الوطن.

          سفير المخنثين في "الأمم المتحدة" : من أجل كرامة المخنث
قبل مغادرتي البلاد بحوالي أسبوع نشر موقع موريتاني خبر أن المخنثين و الشواذ في موريتانيا اجتمعوا في بيت في تيارت، و هو اجتماع عمل مغلق حيث كانوا بصدد إنشاء إطار قانوني يكفل لهم حقهم و هيبتهم و كرامتهم، كنت ما إن أحدث شخصا مثقفا في غالب الأحيان عن القضية حتى ينفجر ضاحكا و كأنه لا يصدق. طبعا فنحن في مجتمع سيموت ضاحكا: "الدنيا ما جاها حواش" لكنه حقيقة يضحك على نفسه، لأن هذه الضحكة لا تترجم ملامحه العابسة التائهة. و في متابعة للقضية حيث حاولت الحصول على مصادر أخرى. فإن من يسمي نفسه : سفير المخنثين في الأمم المتحدة و ينظرون هم إليه كمفكر و مرشد روحي، في حديثه قال أن هذه الطبقة حقوقها و حرياتها مضمونة و تكفلها كل القوانين و قال أنه مستعد للدفاع عنها حتى في الامم المتحدة، و انفضت الجماعة لكونهم لم يتفقوا على أمين عام. و قال "السفير": أنهم سيعلنون عن أنفسهم دون خجل و سينزلون للشارع مطالبين بحقوقهم. و أكد أن هنالك مثقفين و إعلاميين سيدافعون و يناضلون معهم حتى تكفل كل حقوقهم، و كان الإجتماع قد حضره العشرات. و الحقيقة حتى و إن لم نقبلها أن هؤلاء يدعمهم إعلاميون كبار و رجالات  و أبناء وجهاء و نافذين فضلا عن الفنانين و حفلاتهم الذين يشكلون مصدر الدخل الدائم فيما الآخرون مصادر دخل غير منتظمة. و بالمناسبة هؤلاء لديهم الآن ما يمكن تسميته بالحكومة الموازية و في لقائهم كانوا جد منظمين بحيث بحثوا عن من يمكن أن يساعد من الناحية السياسية و سموا سياسيين يمكن الإعتماد عليهم ، و مصادر تمويل معينة و رجال إعلام و حتى مثقفين يمكن الإتجاه إليهم أو على الأقل مصارحتهم بالامر. و امتد الاجتماع حتى ساعات متأخرة من الليل، و كان الاتفاق أيضا على اعتماد محامي أجنبي مختص و برامج لقاءات مشحون للوصول لنتيجة. و ربما ما يغيب عن البعض أن هنالك 6 من هؤلاء معروفين جدا و هم يعني رواد الاعمال في المجال فتعاملاتهم مع السلك الديبلوماسي و الوفود من الطرازات الرفيعة و هم مرجعيات في كثير من الأمور و الأخطر أن اغلبهم أجانب، لكن تمكنوا من خلال صلاتهم من أن يصبحوا مواطنين.

سيادتنا و قيمنا أو تصنيفاته
فإذا انطلقنامن الدين، فالظاهرة محرمة تفصيلا و إجمالا، و حينها ستصنف تلك الدول على السلم الأمريكي و الغربي و تصنفها الأمم المتحدة في قائمة الدول القمعية و الإطضهادية التي تقمع ليس فقط حرية الفرد بل حرية الجماعات، كون القوم اليوم فينا صاروا جماعة و ليست أفرادا. و حينها مثلا سيكون هنالك شح في الدعم الإقتصادي و في تمويل برامج ديمقراطية و تنموية و مجتمع مدني. و إذا انطلقنا من تشريع يقوم على الديمقراطية مثلا بحالها اليوم، فمن حق أولئك أن يلبسوا ملاحفهم و أن تلبسن هن فضفاضاتهن،و إن أراد رجل أن يتزوج رجل فربما قريبا يكون بإمكانه دعو إمام الجامع الكبير ليعقد القران.
القضية أنه مثلا، لنفترض أن الدولة لم تصدر تشريعا واضحا يجرم الظاهرة ، سيظل هؤلاء يقولون : القانون لا يجرم ، خاصة و أنهم بصدد أن يدعموا و يؤطروا من الخارج ما إن يخرج صوتهم للعلن و قد خرج. الدولة مثلا قالت أن الظاهرة مرفوضة استنادا على تأويل نص قانوني أو اعلنت أنها غير مقبولة حينها أيضا، هذه موجة يركبها هؤلاء فيجد بعضهم فرصة الإقامة في أوروبا كلاجيء و تلك أجمل من كل الاغاني التي رقص عليها يوما، و من هنالك سيظل يصيح و يصرخ و دولة القمع و الإرهاب و الجوع و ...و ...و و سيجد من يسمعه بل من يدعمه و يشكل مصدر دعم للموجودين بالداخل الذين سوف لن يهدؤوا هم أيضا و إذا سجن أحدهم سيجعل منه أولئك في الخارج بطلا قوميا و قائدا روحيا. و أمام هكذا وضع يبدو الحل حراكا اجتماعيا واعيا و متفهما لأبعاد اللعبة كلها، حتى يعمل على إيصال رسالته بهدوء، ففي عالم المعايير المزدوجة و الأنظمة و الشعوب المغلوبة على أمرها، و الحقوق و الحريات شعارات ووسائل سيطرة يتحكم بها البعض في البعض لابد لكل حراك من حسابات دقيقة. في هذا الصدد هنالك مبادرة لا للإباحية و هي مبادرة تكون مؤثرة ما ظلت متزنة، بحيث لا تدخل في أمور يختلف عليها المجتمع ولو قليلا، و تركز على ظاهرة مرفوضة بالأغلبية المطلقة حتى تظل وسيلة تحد من انتشار الظاهرة. لكن كل ما نزلت هذه لمستوى أن تتحدث في شكل الملابس و نوعيات السلوك كل السلوك فإنها ستفقد فعاليتها في مواجهة ظاهرة من هذا النوع. و لا يستبعد هؤلاء يوما يقف فيه هم عن يمين باب القصر باللافتات و الشعارات و يقف هؤلاء عن يساره، و لا أعرف حينها هل سيتخلى بعض العلماء عن محاباة  و لي أعناق الأحكام و التشريعات و ماذا سيكون وضع الديمقراطية حينها، قد يبدو الأمر سهلا حين يكون هنالك قرار حاسم و جريء من دولة سيادية لها قوانينها و نظمها. 

Sunday, November 4, 2012

التفكك:حين يكون الزواج دراما مجتمع



عبد الله  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

إن قوام أي مجتمع هي أسرة متكاملة متزنة يؤدي فيها كل واجباته كما يلزم، أسرة توفر للأبناء أرضية يكونون فيها أكثر قدرة على العطاء و فهم متطلبات و ضرورات الحياة التي هم مقبلون عليها. و حين نريد الحديث عن بنية و تكامل الأسرة، فسنبدأ حتما بالضوابط و متطلبات زواج يفضي لأسرة سعيدة هانئة مستقرة تشكل عنصرا إيجابيا في مجتمع لا تنقصه السلبيات. إذن الزواج ليس أمرا قابلا للحصر في متطلبات دينية أو متطلبات اجتماعيه بل هو أكثر من ذلك أساس بنية اجتماعية قائمة و بقد ما يكون لبنة تشد منها هو معول يهدها. إن التشكل الأسري في موريتانيا يتأثر بعدة اختلالات تبدأ من ليلة الدخول و لا تنتهي يوم إعلان الطلاق.
إن الزواج في موريتانيا لا يخضع فقط لمسطرة دينية محددة، أو اجتماعية محددة أو اقتصادية محددة بل مزيج من كل ذلك حيث شوه كل منه الآخر فشوهت المتطلبات الاجتماعية القواعد الدينية، و الاثنان شوههما العامل الاقتصادي و لم تنصهر الأجزاء في إطار تكاملي انسيابي بل إطار فرض فرضا.
إن الإختلالات التي تحكم نظام الزواج في المجتمع الموريتاني عصية على الحصر، كونها تختلف من منطقة لمنطقة و جهة لأخرى، و لكن إذا أردنا العمل على أبرزها المشترك، فإنه الفارق العمري و و المجاملة و المصلحة و القرابة و التفكير في عالم اليوم بنمط التفكير قبل مائة عام ، و عدم الاعتراف باختلاف المتطلبات و الحاجيات و الضوابط من جيل لآخر و المشكلة الأكبر أن جيلا يتصرف نيابة عن جيل فيما يتعلق بمستقبله و حياته.
شيء من الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواقع
فقط بالأمس عرفتها، كانت تركض إلي في فستانها كلما رأتني أمام المنزل تطلب إلي الحلوى و تحدثني أحاديث الطفولة ،أقول لها:  أنت أبنة من؟ من اشترى لك هذا الفستان؟ و هكذ....
مضت أعوام قليلة و لبستْ الملحفة ثم صارت بعمر الخامسة عشرة تقريبا. مرة و أنا عائد بعد غياب أشهر، سألت عنها، قالوا: لقد تزوجت. طفلة الأمس اللعوبة ما إن صارت تتلمس طريقها نحو الأنوثة حتى جاء شيخ أكبر من أبيها قليلا، و طلب يدها، و أعطيت له. الرجل شيخ قرية من قرى نواكشوط و ذا مال و جاه، اختطف طفولة و براءة الصغيرة . لم يتركوا لها أن تهنأ بطفولتها و صبا أنوثتها. إن زواجا من هذا النوع ليس أبدا قابلا للصمود لأنه لا يقبله منطق، غدا ستكبر هي و تلاحظ ذلك الفراغ العميق في حياتها و تلك المرحلة من عمرها التي استلبت استلابا و سوف تجد نفسها أما شخص من عالم آخر لا مشتركات بينهما، بل كل ما بينهما يفرقهما، نمط تفكير مختلف و نمط حياة مختلف...و إلا هل سترد هي شيخا ستينيا لا تحبه و لم تره إلا ليلة الدخلة ترده شابا عشرينيا يداعبها و يلبي حاجاتها كامرأة شابة. أم هل تحكم هي على نفسها بالموت السريري و الصمت السرمدي و تعيش حالة الكآبة ، حال نساء موريتانيات كثيرات ألقت بهم يد المجتمع إلى سجن من هذا القبيل يحرسه شيخ هرم مخرف هو الزوج حيث ما إن بدأت ترى الحياة حتى حكم عليها بالموت. هذا مشهد من ذلك العمل الاجتماعي الدرامي الكبير.
المشهد الآخر هو: تزوجي ابن عمك.... و هنا ليس هنالك أي معيار آخر يقاس عليه لا التوافق العمري و لا التفكيري، فقط بن عمك و كل التنازلات الآخرى تقدم. ثم تقبل الفتاة ابن عمها، و بعد فترة قليلة تشعر أن لا شيء يجمع بينهما إلا كونه ابن عمها، ثم يضيق هو بطقوس زيارات أهلها و زيارات أهله و ضوابط حين تلقى الأم و قوانين حين ترى الأب. و يشعر أنه ليس فقط زوج بل مؤدي طقوس دينية و حامي كنيسة قبلية. و يتضايق ثم تتضايق هي، و حين يريدون إنهاء الزواج فتلك الطامة الكبرى، كل منهما محمل أكثر من طاقته بل من طاقة الجبال. وبدل أن يصير زواجا سعيدا يصبح نارا في ملائكة غلاظ شداد هم الطقوس و التقاليد. فأحيانا هروبا من تلك النار يقرران البقاء معا جسدا بعيدان عن بعضهما روحا، و انعكاسات هذا النوع كثيرة، حيث أحيانا لا تنتظر أسرة لكي تبدأ تحريض ابنتها على ترك الدراسة و العمل إلا أن تجد إبن عم لها، فابن العم طلباته واجبات ربانيه إن طلب أن تترك العمل ستفعل و تترك الدراسة ستفعل. نفس العقلية التي أدت إلى نوع عميق من درجة  الجهوية و لا تسمح بتجاوز عامل العنصرية حتى في نفس العرق فكيف في الأعراق الأخرى. مجتمع تكاد فيه نسبة الزواج بين الأعراق تنعدم.
و الآخر أن يكون الزواج على أساس مصالح قد لا تكون قبلية و لا مادية و لكن معنوية، فمثلا تجد الرجل يجبر إبنه على أن يتزوج فلانة و يكون لا زال في سن مبكر لحاجة في نفس يعقوب ، كصفقة مثلا أو شراكة أو شيء من هذا القبيل و هذا النوع ينتشر بكثرة في الأحياء الأرستقراطية.و حين يرفض تبدأ حالة من الحصار الاقتصادي  ثم الهجر ثم يجد الشاب نفسه مرغما على الزواج منها. فيتزوجها و ليلة الدخلة يذهب للتسكع مع بعض أصدقائه ثم شيئا فشيئا يجعله تفهم هي أنه ليس زوجا و تجد مبررا هي الأخرى فتتصرف أيضا على اساس أنها مطلقة و هكذا يتسرب الخلل.
هذه الحالات لا تحصر بأي حال من الأحوال ما نشهده على المستوى الاجتماعي من ممارسات و طقوس تخل بشكل كبير و خطير بالنسيج و النظام الاجتماعي. و إعطاء أمثلة هو فقط لتعميق الصورة عن الوضع، و دائما الخلل ما يبدأ ثم ينتج عوامل ثانوية، مثلا في المجتمع اليوم صارت هنالك نسوة تعمل على إغراء الشيوخ لأنهن تستفدن منهن و تبتزهن معتمدات على عقدة العمر.و فيه أخريات تسعين للزيجة الأولى فقط و لا يهمهن حتى إن كانت فقط لشهر، لأنهن تشعرن أن تلك الزيجة و بعدما تتطلق ستحظى بنوع من الحرية في بيت أهلها و الاستقلالية.
ما تؤدي إليه حالات كهذه هو نساء تتسكعن و تعاشرن الرجال و هن متزوجات، نساء تبحثن عن تلك السعادة المفقودة و عن ما يملؤ ذلك الفراغ بنوع من السعي للإنتقام من المجتمع الذي فعل ذلك بهن و الذي تنظرن إليه كالمسؤول الأول عن تلك الحالة التي يعشنها، فتلتئم تلك العوامل النفسية و تجعل من المرأة امرأة تمارس كل أنواع الرذيلة فهي تنتقم. أو في الاتجاه تقتل المرأة قلبها نهائيا و تفترض أنها مجرد شيء و جسد يتحرك و تعطل كل محركات العاطفة فيها، و تحرق كل اجهزة المشاعر و الأحاسيس و تدخل عالم الأنا الكئيبة المجتمع المسؤول.

جحيم رجل ...خير من لظى تلك النظرات
و الأدهي من كل ذلك مجتمع لا يحتمل أمرأة في العشرين غير متزوجة، في حال أن عمر العشرين ليس كاف لأمرأة أيا كانت لكي تستقر على المستوى العلمي و المهني، ما يمكًن المرأة من أن تعيش حالة من الاستقلالية قبل الزواج و أثناءه و حتى بعده. بل تحت ضغط المجتمع تضطر للتفكير في الموضوع ثم يضغط المجتمع و يبدأ يقدم عروضه و صفقاته المريضة حتى يلقي بها إلى الزواج فتجد نفسها غير قادة على إكمال دراستها  و الزوج في أحيان كثيرة لا يقبل فكرة بحثها عن عمل و إن قبل فظروف الأسرة و متطلباتها لا تقبل. و ما إن تصل المرأة العشرين حتى تبدأ مرحلة النضال النفسي تلك التي لا يشعر بصعوبتها و مرارتها إلا هي. و قليلات اللاتي يستطعن المقاومة حتى النهاية. فالبيت و الأقارب سيتحولون إلى أمكنة لا تطيق العيش فيهم و يصير أي رجل قادم لأخذك ولو إلى الجحيم أرحم من النظرات التي تتلقينها و الوضع الذي تعيشين فيه. حينها أحلامك و جمالك و طموحك كلها أمور كفيل بها أول قادم من الباب ينكس رأسه قليلا أمام الوالد أو الوالدة. و بعدها يلقيك في جحيم ما و سوف تظل العائلة تقنعك بأنك أنت المخطئة خاصة حين يكون الرجل من الأقرباء و سيقنعوك أن جحيمك الذي تتحدثين عنه ما هو إلا جنة مؤجلة. ثم بعد ذلك تعتادين الوضع و تتملكك حالة اليأس و تنعزلين و تكرسين نفسك للأبناء و تنسين أنك إنسان و تلعنين اليوم الذي حلمت فيه بأن تكوني امرأة ناجحة مستقلة لها أعمالها.

في مجتمع يخلق الأقاصيص و الروايات من العدم، في مجتمع اجتماعات الشاي الطويلة، لا تترك أ] أسرة لتعيش حياتها كما تشاء و هذا إشكال آخر، مجتمع لا يعترف بالخصوصيات و لا الأمور الشخصية. مجتمع اعتاد طول الساعات في يباب الصحراء، يجعل من المرأة موضوعا للحديث و يبني على تحركاتها القصص من خيالاته فيحكي عن لبسها و طريقة مشيها، و يحكي عن الزوج و شكله و لونه و طعمه و رائحته. في مجتمع كهذا لا تشعر أي أسرة بعالمها ذلك الصغير و قصرها الزمردي الصغير الذي لا يسعها إلا هي و تصير لا إراديا في حالة صراع مع قوى اجتماعية تظلهم في غرفة الطعام و غرفة النوم. و في مجتمع ليس له في ثقافة التجوال و الإستجمام ، و لا يساعده وسطه على شيء من هذا النوع في مجتمع كهذا لا مكان إلا لحالات الكبت و الكمد.
الإستثناء الأكبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
ولو وجدت استثناءات بحيث أن بعض الأسر لم تعد تثق و لا ترغب في زواج الأقارب إلا بشرط أن يتم حسب معايير محددة، و حيث أن يعض الشباب من الجيل الجديد صار على مستوى من النضج يعرف فيه أن هذا مصير و حياة و ليس من المقبول إلا أن تكون خيارات شخصية صادرة عن قناعة مطلقة. و لو أن البعض أيضا يقول أن البنات صرن و كن في مستوى يسمح لهن برفض العرض ، إلا أن هذه النقطة فيها أيضا ما يقال بحيث أننا نعم نفترض أن المرأة يمكن أن ترفض لكن السلطة الوهمية القائمة تقول أنه من الصعب على فتاة أي يقدم لها أبوها أمها عرض فترفض هي من قرارة نفسها في الواقع لابد أن أحد الاثنين يؤيد رفضها و في الغالب لأن لديه بديل جاهز. و بحيث أن سلطة معينة جعلت بعض الأسر مثلا يشعر نوعا من الحرج أمام البعض حين تتحدث عن تزويج ابنتها رجلا بعمر أبيها حيث دائما ما ينظر الموضوع بمنطق مادي بحت. و لو وجدت استثناءات بحيث أن بعض الأسر صارت تحاول التحرر من قيود و سجن المجتمع الكبير و قوانينه الخرافية و قواته الأسطورية الوهمية إلا أن الاستثناء الاكبر حتى الآن في الموضوع هو أن تجد رجلا  وامرأة التقيا صدفة و أحبا بعضهما و عاشا فترة حتى خبر كل منهما الآخر و تأكد من أن ما يتخذه الخيار الصائب و أن هذا شخص يمكن أن يعيش معه كل حياة و لديه ما هو في حاجة إليه من صدر يستند عليه وقت الضيق و منديل يمسح دمعه وقت البكاء. و شخص يعتمد عليه لينجح في علميا و عمليا. ذلك الاستثناء الحقيقي في المجتمع اليوم.
البطلة القومية...
لا يستغرب في وضع كهذا أن نعيش في مجتمع مطلق و في مجتمع يجعل من المطلقة بطلة قومية. و مجتمع يقيس رجولة الرجل على سلم القسوة و الصلابة العالمي إنه مجتمع يكيل بمعيارين ليملأ فراغ وقته.
إننا نعيش في مجتمع من النساء الكئيبات الصامتات الميتات سريريا أو المنتقمات اللاتي ترين كل الأسلحة مشروعة للأخذ بثأرهن من المجتمع. و الرجال الجليديين القادمين من مدن الثلج و الملح و التبغ أو الرجال اللامبالين الذين يستخدمهم المجتمع غرابيل لمتطلباته و ضوابطه. و ما نحن بحاجة إليه رجال و نساء يؤمنون بخياراتهم أكثر من الإيمان بضوابط مجتمع متملق لنجعل منهم أبطالا قوميين و هم يخلقون التغيير لبناء مجتمع قابل للحياة.  نعيش في مجتمع من الأسر التي تختصر الزواج في خطوبة و عقد و إنجاب أبناء. مجتمع لا يعترف بالبعد الروحي والعاطفي و النفسي للزواج.

Friday, November 2, 2012

شباب ينهشه الإدمان ... في مجتمع يقتله الصمت



عبد الله
  محمد عبد الرحمن
كاتب صحفــــــــــــــــــــي

كانت الساعة تشير لحوالي دقائق عشر بعد منتصف الليل و أنا و فنجان قهوة أخذ منه البرود و أشيائي في زاوية من المكان و من مرة لأخرى يأتي إلى صديقي صاحب المقهى حسب توافد الزبائن. هنالك بعيدا عن حيث يتواجد غالبا مثقفوا و صحافة موريتانيا و يصدعون الرأس بالأحاديث في السياسة والأعمال في وقت يفترض أنه وقت الراحة و الاستجمام و الأحاديث التلقائية بعد يوم طويل و شاق من التنقل في مدينة الغبار، و طرقها العبثية. بينما أنا جالس إذا بذينك الشابين اللذين بالكاد بلغا الحلم و هما يترددان جيئة و ذهابا على صديقي صاحب المقهى، و قبل أن أسأله ، سألني و تعلو وجهة بسمة الممازح : هل تبتاع جهاز بلاكبيري بعشرة آلاف أوقية. قلت له ممازحا: لا حقيقة يبدو لي جهازا غريبا. ثم نادى على الشابين و أخذ منهما الجهاز و أعطانيه، كان جهازا طبيعيا بل جديد جدا، ثم أخذه و سلمه لصاحبه و قال له: أخي لا أنا ليس لدي ما أشتريه به. ولى الشابان و الخيبة تعلو ملامحهما.
قال لي صديقي: هنا في هذا المكان كل ليلة كل مساء يأتيني شباب بل أطفال صغار يحملون تارة أجهزة كومبيوتر و أخرى هواتف و ملابس و كل شيء و يبيعونه بثمن بخس ثم أردف ضاحكا لكن عزيزي أنا لا أشتري مثل هذه الأشياء أخاف منها. حاولت أن استوضح منه: قلت بالتأكيد هم شباب يسرقونها من أهلهم ثم يبيعونها لإقتناء بعض أغراض الأطفال، قال لي :نعم و لذلك أخاف منها. خاصة أن هؤلاء أبناء نافذين كبار من رجال المال و السلطة و أنت تعرف نحن أبناء الأحياء الشعبية، ثم أضاف: أنا هنا في بقعة هي أكثر بقع موريتانيا فسادا في الأرض، الخمر و السكر و الزنا و المجون ....قلت له كيف؟ قال تعرف لماذا يبيع هؤلاء كل هذه الأشياء ؟  نعم لإقتناء المسكرات و المخدرات و بعضهم يبيعها لبعض. ثم بدا لي الموضوع جذابا. و نادى زبون على صديقي ، على فكرة كل زبناء هذا الصديق من كبار الشخصيات و المشاهير. و مع ذهابه عني رجع أحد الشابين سكرانا محمر العينين لا يبدو في كامل اتزانه و قال لي: كم تعطي ثمنا لهذا الهاتف، أي ثمن؟ أصر صديقي و انتهره ، قلت لك: لا نشتريه....و جاء صديق الشاب و بدأ معه بتسويق السلعة ، أعطنا أي ثمن و خذه و يطمإن صديقي على أن الهاتف ليس مسروق و أمره واضح و كان ذلك الإصرار يزيد صديقي أنا هروبا من الصفقة.
قررت وحدي أن أتعقب الأمر و أستجليه. أتردد دائما على مقهى صديقي ، بل بدا لي مكانا مذهلا و مصدرا رائعا و نادرا لكثير من الأخبار بدل الجلسة  هنالك حيث كل يترصد ليعرف إيديولوجيتك و انتماءك السياسي و آخر مشاريعك لا ليدعمك فيها بل ليكبلك.
و ذات ليلة جاءنا آخر بعد ليلتين من تلك الليلة و أنا أترصد كل الحركات، جاء يحمل جهاز آي فون و هنا قلت لصديقي: و الله فرص مغرية يا صديقي،لكن لم يكن متحمسا للفكرة فهو أدرى بالمكان و أهل المكان. حاولت انا محادثة الشاب وحدنا و قلت له أني سأشتري منه الجهاز، و بدا سعيدا و لكن أبديت له تخوفاتي من أن يكون مسروقا و إن كان بإمكانه إعطائي ضمانا و كنت في زي مريح لمثله حيث أرتدي ملابس رياضية خفيفة. أردت أن أستدرجه ليطول الحديث و يجلب لي آخرين و بدأت أقول له : تبدو محتاجا جدا لهذا المبلغ و أضحك و أحاول أن أكسر الحاجز بيننا ، نادى على ثلاثة من أصدقائه كانوا في سيارة فاخرة في ظلمة خلف المقهى ، جاء منهم إثنان و أكدا لي أنه جهازه و أنهم بحاجة لذلك المبلغ. و بدأت أحاول و أستخدم كل ما في وسعي من أسلحة، و قلت له أوكي لكن لا أظن هذا المبلغ يكفي لشراء أي شيء. قال لي أحد أصدقائه : أنت ستشتري أم لا؟ و بدا خبيرا بالشأن وطلب من صديقه أن يتركني و يلحق بهما و ذهبا. قلت له : حتى لا أخسر قربه مني إن كنت تريد فيها مبلغ كذا، هاهو و كان أقل بكثير مما طلب لكن فقط لأبدي له أنه كنت على استعداد للشراء. المهم لم يلتفت و ذهب.
عدت لصديقي و حدثته ، و بعد حوالي ساعة عاد و طلب المبلغ، قلت له: خلاص اشتريت منه العشاء و لم يبق إلا ....، قال : هاته. أحرجني الرجل، لم أعرف ماذا أفعل فأنا حقا لا أريد الشراء. تدخل صديقي وقال له: هو لم يعد يريد الجهاز. بالتأكيد خسرت مشروع الصديق ذاك الذي كان يفترض أن يكون مصدر  و كان إبن شخصية نافذة.

يتعاطون المسكرات في الرابعة عشرة من العمر ...الأمر طبيعي
أًصِلُ للقصة الليلة الموالية حيث رابطت في المكان غير بعيد من حيث كانت سيارتهم تلك الليلة،ووجدت حركة غير طبيعية بين سيارتين فيها مشروع الصديق و الإثنين في الليلة الأولى وغيرهم كلهم شباب في مقتبل العمر. لم أرد أن أجازف و عدت إلى مقعدي. ثم التقيت بشاب يبدو عليه أنه مهذب منذ بدأت أتي إلى ذلك المكان هو يأتي كل ليلة و يتناول عشاءه و ينصرف أحيانا مع أصدقاءه و أخرى وحده و كان صديقي قد زكاه لي مرة، كان صديق الجماعة و هجرها حسب قوله لما أرادت أن تجتره لذلك الأمر. حسب ما قال لي: الامر يتعلق بمجموعة من الشبان الصغار من أبناء طبقات نافذة تجعلهم في مأمن من أي ملاحقة يتعاطون أنواعا مختلفة من المسكرات، تصلهم حسب شباب آخرين من نفس الطبقة يكبرونهم بقليل يحصلون عليها من مزودين في منطقة الميناء و السبخة و حتى دار النعيم قال لي. ثم يأتونهم بها هنا و يوزعونها عليهم و حين يكون الواحد في حاجة لمال هو يبيع كل شيء للحصول عليه، سألته : عن أهاليهم، في الغالب أهاليهم أسوأ حالا منهم.
إذن حالة من التواصل بين الأجيال في التعاطي و إعتماد طرق فعالة لنشر هذه الممارسة في المجتمع من خلال استهداف النشأ، و أذكر هنا ان تقارير اخيرة أشارت إلى أن تجارة المخدرات و المسكرات تزدهر مع افتتاح المدارس لأن طلاب المدارس الثانوية يعتبرون السوق الحقيقي لهذه التجارة. شباب في الخامسة عشرة و الثالثة عشرة و دون ذلك و فوقه يتعاطون المخدرات في ظل إهمال تام لهم من أهاليهم. في المنطقة المذكورة تذكر مصادر أن أغلب الأسر تعيش حالات السهر الليلي و الأخدان و تعاطي الخمر، و هذا مصدر الخطر أن الأسرة ذاتها غارقة في هذه الممارسات و تاركة أبنائها للضياع في متاهات الإدمان. انتشار الحالة لم يعد يحتاج لتدقيق فأن يدخل عليك السكران و المتعاطي محمر العينين غارقا في الهذيان أصبح أمرا طبيعا حتى في المناطق الفقيرة حيث يتعاطى الشباب مسكرات مصنوعة محليا من قبيل العطور و خلطها بمواد تؤدي إلى السكر. تعطي هذه المتابعة صورة عن الدرجة التي وصل إليها تعاطي المخدرات و الإدمان في نواكشوط، و إن كنا في مناطق كهذه نشاهد هذا فماذا عن مناطق أخرى تعتبر المصدر الأول لمثل هذه التجارة. و إن كان فئة الأجيال الصاعدة المفترض أن تكبر على حب الوطن و القيم هي المستهدف الاول بها و مصدر استهلاكها الأكبر لا شك فنحن أمام تحد و خطر داهم.

مزودون و متعاطون لا تطالهم يد القانون
إن الحل لا يكمن فقط في متابعة التجار و المزودين و الذي يحقق فيه مكتب مكافحة المخدرات انجازات تذكر فتشكر، بل في اعتماد سياسة لا تترك أحدا في مأمن من المتابعة و الحساب و العقاب ، لا رجال أعمال و لا نافذين ، الكل يوضع امام مسؤولياته و القانون وإلا فهنالك مزودون و تجار و مروجون سوف لن يطالهم العقاب لأن أيادي عليا في الجيش و السلطة ترعاهم و تحميهم. نفس تلك الأيادي التي لن تترك العقاب ينال أبناءها. حين تذهب الوالدة للتسكع و يذهب له الأب فماذا يبقى للأبناء ؟ إن الأسرة هي المسؤولة الأولى عن حالة كهذه ثم يأتي النظام و الدولة فأن يحتمى تجار و متعاطي ممنوعات من القانون برجال الدولة فذاك الفساد بعينه في إحدى حالته المتقدمة التي لا تمس المجتمع و كيانه في صميمه. و في مجتمع لما يعترف بعد بطب النفس فهل يعترف بمراكز مكافحة الإدمان. أو سيظل يزود المدمنين بالعقاقير و الحبوب في بيوت النوم في الدور المغلقة. إن المعلومات التي استوضحتها أن كل أولئك الشبان الذين بلغوا حوالي العشر كانوا أبناء رجال من رجالات الدولة و الجيش خصوصا. و أنهم كانوا يتصرفون و هم في مأمن تام من أي مداهمة أو ملاحقة أو عقاب.

إن المستهدف طبقة حساسة في أي مجتمع و ما لم يقم المجتمع لأبنائه بحيث تراقب كل أسرة تصرفات أبنائها و تقم الدولة بمسؤولياتها بحيث لا تستثني أحدا من العقاب و القانون. فإن شريحة كبيرة و أساسية من المجتمع يرمى بها لأيادي الإدمان لتبطش بها. و تتيه في متاهات المخدرات و المسكرات في مجتمع يتيه في صمته. اليوم عيون محمرة فعقار فحبة أو اثنتان فبيع جهاز أو اثنين أما غدا فبكاء و صراخ ثم إجرام فقتل و انتحار.

Monday, October 29, 2012

مقتطف من : حوار خفيف مع الناشط الحقوقي: عبيد ولد اميجين


    السيد عبيد ولد ايميجن هو ناشط حقوقي و صحفي أعرفه من فترة بعيدة ، لكن لما تتسنى لنا الفرصة لنلتقي من قريب دائما، كان قد سجن لأشهر على خلفية ذات صلة باعتقال رئيس حركة إيرا متعلقة بقيام الأخير بحرق مجموعة من الكتب الفقهية.
  • Oubeid Imijine
    اوكي انت تعرف اننا في صراع مع القوى الرجعية التي تنكر حق لحراطين في الوجود والتحرر
    ونحن بحاجة لك
    بحاجة لكل المثقفين والاحرار
    • Abdellahi Med Abderrahmane
      بالمناسبة صديقي اسمح لي ان احييي فيك استحضارك الدائم لقضيتك و قضية الانسانية جمعا
      انا بالمبدا ضد انكار أي حق لأي كان و حقيقة وضع الحراطين في موريتانيا تعمقت فيها جدا و ناقشتها مع شباب لكن تعرف الموضوع هذا لا اناقشه الامع من لدي ثقة مطلقة بمستواه و قدرته على وضع الافكار في طارها
      بالنسبة لي هنالك شقان علينا جميعا الوقوف عليها
      الأول: الانكار
      الثاني : الارث التاريخي
      • Oubeid Imijine
        جيد
        هذا نحن متفقان فيه
        واحب اسلوبك
        ومنهجك
        لست مؤمنا برمي كل البيضات في سلة واحدة
        كما يقال
        • Abdellahi Med Abderrahmane
          شكرا عزيزي نعم فقط لأوضح : من حيث الانكار اظن من ينكر اليوم حق انسان اي كان في اي مكان هو شخص أتفه من أي يعيره مثقفون و حقوقيون أي اهتمام
          فانكار حق الحراطين في موريتانيا اوكد انه في النخبة المثقفة او هكذا ارجو قليل
          وي وجد على مستوى شيوخ قبائل رحعيين بل ما قبل الرجعي
          هم خراب ليس فقط حقوق الانسان بل دولة بأكملها
          و انا لا يستحق عندي من يمكن ان يلفت الي ويقول لي هذا حرطاني و لايستحق كذا و كذا
          شخص مثل هذا لا يستحق بالنسبة لي أي شيء لانها درجة من التفاهة الابجدية
          إذن قضية انكار الحق امر متجاوز اذا تاكدنا أن النخبة الحية ترفضه جملة و تفصيلا
          الارث التارخي هذه الاشكالية الكبرى عزيزي
          في حقبة من زمن و ربما حتى اليوم هنالك فئة لم يتسن لها أن تقرأ و لا تعمل و لا تحصل الاموال ولا ولا ولا بحكم كونها حراطين
          تلك المشاكل هي التي تعاش تباعتها اليوم نعم فيه حراطين قرأوا و تعلموا و نجحوا لكن الاغلبية الساحقة و التي هي الاساس القاعدة لم تتمكن بحكم أيضا ممارسات معينة من بيض كانوا معهم لم يرغبوا في تعلميهم و لا في أن يكونوهم للحياة القادمة التي لا عبودية فيها
          اخاف اني اكثرت عليك يعني تمنيت لو تباحثنا في الموضوع مرة عن قرب
          ليس عبر البحار و الحدود
          المهم ما يجب ان يشتغل عليه تخليص تلك الشريحة من ايادي تملكها بحكم حاجتها إليها

          مجتمع على عتبات الانفجار القيمي


          عبد الله ولد محمد عبد الرحمن
           اسطنبول - تركيا

          لا يزال كثيرون يتمسكون يقينا أو جهلا أو تجاهلا أو اعتباطا بمصطلح المجتمع التقليدي و المحافظ و الذي يأخذهم خيالهم من ورائه إلى أنهم يعيشون في المجتمع القيمي و الأخلاقي الفاضل. و يرتبط مصطلح المحافظة و التقليدية لديهم مع التدين.
          في حين أن المجتمع الموريتاني و إن صدفة جاءت الملحفة أكثر سترا من الجينز و الفضفاضة أقرب للملابس في العهد الإسلامي الأول فإن ذلك لا يعني أن الملحفة و الفضفاضة مثلا كأزياء تم اعتمادهم من المجتمع الموريتاني لأنهم الأقرب لملابس السنة، بل لأن تاريخ موريتانيا و جغرافيتها جعلت هذه الملابس هي الأنسب لها في حين ما من زمان و مكان لتعتمد ملابس رسمية للمجتمع في ظل غياب التأثير الثقافي الاستعماري في السلوكيات لحد بعيد. و كثيرا مما يلتبس عند البعض و ينظر إليه على أنه قرب من الدين و محاولة لتطبيق تعاليمه و هكذا قد يبدو ظاهريا كثير من ذلك هو في الحقيقة لا يعدو كونه عادة أو تقليدا اجتماعيا سار عليه العرف حتى تحول مع الزمن ليس عبادة أو معتقدا بل بدرجة أسمى و لا يسمح إطلاقا بالمساس منه كون رقيبه المجتمع قائم الذات و السلطة. و صرنا في مجتمع يعيش حالة لبس حقيقية بين ماهو عادة و ماهو عبادة و ما هو عرف و ماهو تعاليم دين.
          و تتجلى حالة اللبس هذه في كثير من المواقف و الطقوس الإجتماعية المعروفة في الزواج مثلا و التجارة والطلاق...و غيره.
          مجتمع فاضل أم نفاق قاتل...
          فوق ذلك نحن لا نعيش حالة المجتمع الفاضل بأي مقياس من المقاييس، بل نعيش حالة المجتمع المتفاصل و المجتمع الصامت و مجتمع المظهر المخادع، مجتمع يكذب على نفسه حتى يصدق نفسه. إن المجتمع الموريتاني يعيش حالة من التمزق و الانكسار الصامت قد تهوي به سحيقا، إن المجتمع الفاقد الثقة بنفسه هو المجتمع الذي يعيش حالة الكذب على الذات فاليوم لا يمكن أن تثق بشخص انطلاقا من سلوكه فالقناعة الراسخة في ذهنية الكثيرين حتى و إن أرادوا رفضها هي أن ما ترى في هذا المجتمع ليس بشكل من الأشكال جزء و لو بسيط من حقيقته. و في حالة كهذه تكون الاختلالات القيمية و الممارسات المنحرفة و الشاذة أبشع و أشد بطشا من تلك التي نراها و نعايشها في مجتمعات أخرى، كون أولئك يمارسونها في العلن فالراقص في الحانة يرقص و شارب الخمر يشربها و الذي لا يصلي لا يصلى ......و هلم جرا. أما في المجتمعات الصامتة على غرار مجتمعنا هي تلك التي تنخرها ممارسات بدرجة أشد و أقوى من الوقاحة و الشذوذ و الانحطاط كونها تجري في السر خلف الأبواب المغلقة و في البيوت المجهزة و في الأماكن البالغة السرية و كون أصحابها يخرجون بعد الإنتهاء منها بدقيقتين بوجه الملاك البريء المدافع الأول عن القيم و التعاليم. و يتلقفه المجتمع بسذاجة صارت رغما عنه من كثر ما كذب بها على نفسه و يفترض له البراءة  و الطهر تماما ولو علنا على الأقل و إن كان نفس المجتمع هو الذي سيتحدث عن قلة وضوحه و إمكانية أنه ليس مستقيم كما يبدو و هذه حالة نفسية تتملك المجتمع الموريتاني عموما كونه لا بد أن يجعل منك موضوعا إيجابا و بعد أن ينفذ الإيجاب يفتح احتمالات السلب فقط ليطول الحديث و يكثر الإسهاب و الإطناب. فتتجلى حالة نفاق اجتماعي شامل كامل يكون الوضع أمامها مجتمع يكذب على نفسه و تنخره حقائقه المرة و سلوكياته الشاذة في الصميم.
          إن حالة ما يمكن تسميته الإنفجار القيمي، هي حالة مرت بها كل المجتمعات الإسلامية و العربية خصوصا من بداية العشرينات و على امتداد عقود، هي حالة صعبة و امتحان عسير كونك لا تعرف عن ماذا ستكشف و لا إلى ماذا ستفضي.
          لكن المؤكد أن هذه الحالة ستأتي يوما من الأيام و أن النفاق الاجتماعي و الكذب على الذات ليس إلا حالة من إطالة سكرات النهاية، و السؤال هو هل عاجلا أم آجلا . في الحالتين سيكون من الصعب على مجتمع كذب على نفسه عقودا و الصق بنفسه شعارات و ميزات جافة خاوية تتردد هنا و هناك لما تتجدد كونها في مجتمع رغم أنه أخصب البيئات للدراسات الإجتماعية فهو أقل بيئة زرع فيها، و لا توجد أي دراسة تقف بقدر من الدقة على أي واقع من الحياة والمعطيات الاجتماعية المربكة و المعقدة في مجتمع الريف المدني و المدينة الريفية و الدين العفوي و العفوية الدينية ، مجتمع يعبد بالطبقية و مقسم بالعرق بين علماء و مقاتلين و فنانين و صناع و خدم.
          و إذا المجتمع انفلق...
          إن حالة الانفجار هي تلك الحالة التي توقف فيها المجتمع عن الكذب على ذاته و صارحها و صادقها، قد ينظر البعض للأمر على أنه ماهو إلا نوع من نشر الرذيلة أو يقرؤه البعض على أنه نوع من تجاوز سلطة المجتمع بغير عدة. لكن مهما قرأه البعض فليس المهم أن تقرأ و تؤول بل أن تتعامل مع واقع و أن تضعه في الحسبان. ففي مجتمع يلبي رغبات فئاته بإسم الدين، و يستخدم الدين كوسيلة للسيطرة و العيش ....فهو لا يعرض فقط لحمته الاجتماعية بل أيضا كذبته الدينية لصرخة اجتماعية مدوية.
          في المجتمعات التي انفجرت قيميا، أصبح كل شخص و سلوكياته معروفة، لا يكذب على المجتمع ولا يضطر المجتمع لمحاكمته. الأدهى أنه في المجتمع الموريتاني ليست القضية هل أنت متدين؟ أم لا؟ بل القضية هل تلك العادات و التقاليد و الممارسات المفروضة اجتماعيا بإسم الدين ، هل تتقيد بها؟ إن كان الجواب نعم، فلا مشكلة في أي شيء و طريقك للجنة أبيض. أما إن تخليت عن واحد منها أو رفضته فستشاع في المدينة مارقا خارجا عن الملة تابعا سنن اليهود و النصارى و الضالين. فالمرجعية في المجتمع ليست الدين بل العادة و التقليد التي تفرض بإسمه.
          خياران أحدهما مصير
          و الإشكالية أن الخيارين أثنين أحلاهما مر، فأما أن يظل مجتمع في حالة كهذه يكذب على نفسه و يعيش حالة من التناقض الذاتي تنخره، فتلتهمة الممارسات الجنسية الشاذة في عمقه و بين نخبته ، و يلتهمه إدمان المخدرات و الخمر و المسكرات و السرقة و الاحتيال و القتل و الإغتصاب و و ترك الصلاة و كل ما قد يخطر على بالك من الكبائر و الآثام و التي حين تذكرأحدها امام فرد في المجتمع تتجعد نواصيه و يرميك في وجهك: العياذ بالله بشكل تلقائي و يكون هو في نفس الوقت من أكثر المدمنين على ممارسات من هذا القبيل ، لكن سجل فيه المجتمع بشكل تلقائي إنكار حقيقته. لا أظن إن كان لا زال يوجد في موريتانيا حتى اليوم ساذج يتصور أنه لا يوجد في موريتانيا كل هذه الممارسات و السلوكيات المخالفة للدين و الضارة بالمجتمع و نسيجه و صحته. ليس فقط توجد بل و بأبشع مما توجد في مجتمعات ينظر إليها المجتمع الموريتاني الآن على انها مجتمعات منحلة و تخلت عن الدين و الملة. نعم في موريتانيا عالم سفلي يعيش حالة انحطاط و سقوط حر و يمزق قعر السفينة الفاضلة التي تحمل كل شعارات الملائكية و الطهر على أشرعتها. الصادم أن المتدينين و أولي القيم في تلك المجتمعات طهر و و بريئون و يعيشون الحالة النفسية و الروحية التي يمليها التدين ، على عكس الغالبية عندنا التي و كتأثر بالموجة المتدين في الظاهر عندنا يقوم بأعمال أسوأ مما تفعل عاملة في ملهى رقص ليلي في سره، و تبرز في حالة كذه حكمة من حكم المجتمع الشائعة التي يمرر من تحتها و يحاول أن يغطي بها على حالته القيمية المهترئة: عليكم بالظواهر. حتى حين ننظر للأحاديث النبوية الشريفة نجد المجتمع يتداول منها أحاديث معينة و مقولات أثرية معنية منتشرة يرثها الإبن عن أبيه.
          الخيار الثاني و الذي إن كان خيارا اليوم فهو ضرورة غد بل محطة لا بد منها، اليوم الذي سينفلق فيه البحر فيعلن الذين لا يصلون أنهم لا يصلون و يبدؤون يصيغون مبررات من فلسفة اللاهوت و دراسات الخطاب الديني تطوره و غير ذلك ، و يعلن آخرون شرب الخمر و تفتح بيوت الدعارة الصامتة الآخر و الداخلة في الأحياء الضيقة و الفاخرة حتى لكن دون أسماء تعلق عليها اللافتات و لائحة بالأسعار.  و يصير الخمر بضاعة للاستيراد و يسقط القناع و ينكشف الستار فيذهب الجنرالات في سياراتهم الفاخرة إلى الحانات و ينظمون حفلات ماجنة معلنة في بيوتهم و يذهب الأبناء لتعاطي الحشيش، و تبرز الصورة الخلفية لمجتمع الظواهر، لا أتوقع حالة صدمة أجتماعية كبيرة و إن كان لا بد منها بالطبع ،لكن حالة إحباط و تأثر لدى الكثيرين  ممن لم يكن همهم أصلا الدين و لا تعاليمه بل كيف كانوا يستغلونه لتمرير رسائلهم و الحفاظ على توازنهم الإجتماعي.
          البلد الوحيد الذي يقف إليك صديق تفوح منه رائحة الخمر، تقول : أف رائحة خمر هنا يقول لك: العياذ بالله لقد فسد هذا المجتمع و هذه الدولة لا حول و لاقوة إلا بالله ثم يقول: تجد صاحب هذه البقالة يبيع الخمر و يبدأ الحديث...أنا حقيقة لا أعرف متى تسقط هذه البنية الإجتماعية الخواء التي و إن كانت فيها أعمده صلبة فهي تسمح للسوس بالدخول إلى أساساتها. و المشكلة الأدهى و الأمر أن الطبقة الأوروستقراطية هي التي تتصد قوائم السوس الذي ينخر جسد المجتمع و هي حيث كل السلوكيات الإنحلالية تنتشر بكثرة، و الطبقة الوسطى هي التي تسحق سحقا و ينتشر فيها الدين المجتمعي الغير مطابق إطلاقا لدين الله كما أنزل.
          إن الصمت على حال كهذا هو صمت سنندم عليه يوما حين تكتشف كل أسرة موريتانية أن أبنها أو ابنتها مدمنة مخدرات أو عاملة لدى متاجر بالجنس و أن ابنها سكير في بيوت تفرغ زينه و تتفاجؤ كل أسر الطبقات المطحونة بأن بناتها عاملات بدوام كامل و رسمي في بيوت دعارة محترمة و تصبح لدى كل أسرة خمسة أبناء نتيجة اغتصاب بناتهن على يد أصدقاء أو أقرباء و يتطلق كل زوجين فلكل واحد منهما زوج او زوجة أخرى. و حين تتكلم يقال أنت داعي لنشر الرذيلة و من ينشرون هذه الدعوى ضدك هم في الغالب الغارقون في ذلك العالم السفلي حتى النخاع و الذي تراهم رواد مساجد و مقيمي صلاة، تماما كالمخنث و مدير وكر الدعارة حامل المسبحة و المتجهز لصلاة الجمعة.
           و لا يكونن أحد على يقين أن المجتمع الموريتاني في ظل ما يحصل فيه حاليا سيظل على هذه الحال سنفجر الصمت و فجأة نجد أنفسنا في مجتمع منحل خال من كل القيم حتى قيم البداوة و الصحراء، مجتمع يمارس الرذيلة تماما كما يمارس المدنية. ستنفجر القنبلة  و قد بدأت التباشير فما حالات القتل و الاغتصاب و الجرائم المسجلة كل يوم و بشكل متسارع و فظيع إلى بوادر تلك الحالة الانفجارية.

          Thursday, October 25, 2012

          أحلام سعيدة : أيها النائمون على آلامكم

          أحلام سعيدة Happy dreams 
          كان يوما صيفيا حارا من أيام نواكشوط، الشمس في وسط السماء و أنا أتصبب عرقا حين مررت إلى الشمال من عمارة الخيمة الممتدة في مركز نواكشوط كواحد من أبرز المعالم المعمارية في العاصمة، اثارت انتباهي تلك الكتلة التي لم أعرف أن أميزها في البداية، ثم وقفت رغم أني كنت مسرعا جدا، حين نظرت وجدتني أمام امرأة محاطة بأبنائها الثلاثة بشكل تلقائي و كأنهم كانوا في الانتظار ثم ناموا من غير قصد، واحد عند رأسها و الأخر في حضنها و ثالث عند قدميها، لم يكن حتى رداؤها الذي افترشته كافيا ليأويهم جميعا. ثم كانت الشمس تقترب منهم، لحظات فقط و يجتاحهم حرها. أحذية مقطعة مرمية هي الأخرى بشكل عبثي. استوقفني المشهد، استخرجت كاميرتي الصغيرة التي اصطحبها دائما من اجل مواقف سريعة كهذه، كانت المهنية قيد الصيانة تلك الأيام.
          ألتقطت الصورة، و كان المشهد مؤثرا جدا، ثم تذكرت برنامج مكافحة التسول و إيواء المشردين الذي كان الحديث عنه يكثر تلك الأيام و الذي وجد تمويلا و تشرف مفوضية حقوق الانسان و العمل الانساني و العلاقات مع المجتمع المدني على تنفيذه.
          يقضي البرنامج بإيواء المتسولين و المشردين و توفير سكن لهم و حتى معونة شهرية . لم تستفد هذه السيدة من البرنامج ذلك و الحقيقة أنه لا أحد رأى من نتائجه الكثير.
          ففي تلك الأيام كان المتسولون و المشردون ينتشرون في شوارع نواكشوط بشكل كبير أسر كاملة من غير مأوى بأبنائها يقضون الليل و النهار على أرصفة عامة في حر الصيف. البرنامج المذكور تجسد في انتشار سيارات تابعة للشرطة تقوم بجمع المتسولين في بعض المناطق ، تحدثت لأحد هؤلاء قال أن البرنامج لا يوفر لهم شيئا فميزانيته قد تم التحايل عليها و لم يجدوا من نتيجته إلا تلك السيارات التي تجمعهم و تلقي بهم كأكوام أشياء.
          كان أنه في نفس تلك الفترة أيضا تم استدعاء مفوض المفوضية و وجهت إليه تهم بالفساد و الاحتيال على بعض ميزانيات المفوضية، دخلت في القضية الحسابات السياسية و القبلية و يعتبر تأثير الاخير قويا لدرجة لا يقف في وجهه عرف و لا قانون و لا عدل، ففي دولة لا زالت القبلية تجتاحها بشكل كبير تعتبر القبيلة و أعرافها و القبائل و صلاتها القوة الأولى و القانون الذي لا قانون فوقه.
          حتى الآن لا يعرف أحد شيئا عن تلك القضية و لا مآلها و أين ستتجه، كل ما هو معروف هو أن تلك الأسر لا زالت تنام هكذا و تعتبر هذه الصورة من أصدق التعبيرات التي قد تعكس حالة وضع يتفاقم بسبب إهمال تطبيق القانون و متابعة المشاريع و النزاهة و الشفافية في تسيير الميزانيات.

          اسطنبول ...لحظة صمت

          اسطنبول هاهي تمتد تفتح كل أذرعها لكن دون ابتسام، بصمت مقلق ترمقني بنظراتها، اكتشفت هذه المرة أن المدن أكبر دوما من قلوبها، و أن المدن لا تعرف إلا من يعرفها و صعب جدا أن تستدرجيها بسهولة إلى شرب كأس في مقهى أو رقصة في ملهى على أنغام موسيقى محلية هادئة، تحسبين أنها تعطيك كل شيء لكن الحقيقة أنك أنت التي تأخذين منها كل شيء. إلا الأشياء التي لا يمكن أخذها بالقوة.
          لكن لا تفهميها خطئا فهي 
          كما هي لا شيء يمكن أن يغطي سحرها، فقط دلال الجميلات، يحببن في البداية أن يجدن طريقة يفرضن بها إيقاعهن الذي يردن التمايل عليه بدلع. سأروض اسطنبول و ستشرب معي القهوة الساخنة على جسرها و تجلس إلى جنبي تعبث الريح بشعرها نجلس في باخرة تحملنا بين نصفيها، و ستقف إلى جنبي و تسقط على صدري حينما يباغتها مترو الانفاق بانعراج حاد سريع قبيل وصول المحطة. و ستحتمي من المطر معي تحت مظلتي السوداء التي اشتريتها منها بالأمس. و سأجعلها تتصل بك في أقرب وقت لتتعرفي عليها. لكن يا أمي هي امرأة تحب لكن لا تتزوج.