مساء أمس ، التقيت أولاين صديقا عزيزا علي و بعد الحديث في كل أشياء أصدقاء ثانوية فرقتهم السنوات و عبثت باحلامهما الصغيرة الاتجاهات، دخلنا نقاشا جديا حول المجتمع الموريتاني وسلوكياته، بدأ صديقي بطرح جميل حول المجتمع مشيرا إلى أن هنالك ثوابت و متغيرات في أي مجتمع، و أن الثوابت مثلا هي القيم الدينية و العقدية، و ان المتغيرات هي ماعدا ذلك من أعراف و تقاليد.
علقت ، نعم نواقف هذا الطرحن لكن مشكلتنا ان مجتمع خلط الثوابت بالمتغيرات و العادات بالعبادات و التقاليد بالقيم و يستخدم هذا كوسيلة لضمان استمرار تلك الاعراف الرجعية التي تقضي على كل أحلامنا بوطن و إنسان موريتاني و اعي.
إن المشكلة تنحصر في أمور منها: ماهي المشكلة التي يواجههاالمجتمع، هي النفاق ، مجتمع يكذب على ذاته و يرى في الصمت على كل شيء دينا و تدينا، فيما في عمقه تنخره الممارسات التي لا تمت لدين و لا عقيدة بصلة. إن الأخ الذي يعاقب اخته على مشاهدة أغنية لفيروز على أنها ماجنة هو نفسه المتسكع بين مواقع الخليعة ، و الأب الذي يحمل مسبحته و يغض بصره في البيت و يبدو كملاك، هو نفسه المتكسع بين بيوت الدعارة و العشيقات ليلا، و حراس الفضيلة في المجتمع من علماء و غيرهم هم قادة الزواج السري و عقيدته ، و البلاء كل البلاء في الشيوخ و الوجهاء، الذي يتزوجون بنات بعمر بناتهن و يقايضن تشغيل الابناء و البنات و توظيفهن بالزواج و غيره. مجتمع في صمته تجد فيه أبشع الممارسات التي تهد البنية المجتمعية فالإبن ليس غبيا لدرجة لا يلاحظ ان أباه ذاوجهين و جه ملائكي و آخر شيطاني و سيكون هو على طريقه، و البنت تعرف عن أخيها و هكذا يكبر مجتمع يتوارث ممارسة أقبح العادات و الممارسات في صمته و يأتيك أدعياء الفضيلة حتى لا تشيع الفاحشة. إن المجتمع الموريتاني إما يستمر على هذا و نعترف كلنا اننا في مجتمع متهالك سينتهي به المطاف متعفنا في مزبلة خاصة بالمجتمعات الغير قابلة للحياة في سياق اليوم، حيث يتعفن هنالك ببناته المتزوجات ممن لا يحببن و لا صلة لهن به و لا مشتركات معهن ، و بنات متزوجات مع رجال بعمر أبائهن و بنات يتاجر بهن في صفقات القبيلة و ابناء العمومة، و رجال يدمون الخليعة و يحملون المسبحة و شباب يعتنق فكر أبيه فيمارس كل شيء في سره حتى لا تشيع الفاحشة و يظل المجتمع متغطيا بذلك الشعار الفارغ مجتمع محافظ و متدين إلى أن يأتي اليوم الذي لا يجد الغطاء ما يغطيه أصلا أما شباب مدمن و بنات محطمات و رجال منافقين و شباب يعيش بعقليات قبلية و عادات بالية حقيرة.
نعم هنالك من يخدمه استمرار وضع كهذا ، فهو مثلا يخوله الزواج بابنة عمه و لو كان فاشلا متغطياا بابن فلان و من هو فلان رجل تهالك و رحل أ و امرأة فقط لأنك فاشل و لا شيء تتمسك ب "ابن فلان" تعرف أن من مشاكل العرب الكبرى أن الواحد فاشلا غارق في الخمر الأحمر حتى الأذنين لا يعرف اتجاه القبلة و حتى متدين يقيم الليل لكن لا يفعل شيء مكتفيا ب الرسول صلى الله عليه وسلم عربي. نعم عربي و بعدين..... أن تظل واقفا هنا كتلة فشل متحركة لا عقل و لا فكر و لا رؤية خارجة عن اطار العقل القبلي الرجعي مكتفيا أنا ابن "فلان" ذلك مستوى من الحقارة صعب الوصول إليه. و هناك أخرين ينتفعون من الامر فيوصلهم للشغل و الوظائف دون مستوى و هنالك الوجهاء الذي يستظلون بالامر لتزف إليهم كل مساء بنت صغيرة من بنات القبيلة و لسحقا لهؤلاء لعمري ما أكثرهم و في بتلميت و الاك و ازويرات و اطار و في كل بقعة من بقاع ذلك الوطن المدنسة بالعقليات الرجعية.
و هنالك شباب يدرك كل السوء في ذلك و يدرك انحطاط المستوى الذي هو فيه و هو يردد أنا ابن اهل فلان، لكن ما بيده حيلة فدون ذلك التعريف هو لا شيء، لان القبيلة عملت على أن تربط ذلك التصور بوجدانه و شخصيته و عقله فاصبح من الصعب عليه وجود ذاته بعيدا عنه.
و هنالك نوع آخر يدرك كل ذلك لكنه مدين حتى الآذنين للقبيلة/
- فهي التي دفعت مثلا، و اشترت له الباكلوريا من إحدى عصابات بيع الثلاثة المشهورة و التي يسيرها جنرالات و رجال اعمال هنالك في انواكشوط .
- أو هي التي اشتغلت و اتصلت حتى انتزعت له منحة طالب في حي فقير حاز عليها بعرق جبينه و بدل أنها كانت إلى المغرب جعلوها مثلا إلى فرنسا، نعم القبيلة.
- و حين عاد هي التي اتصلت حتى ضمنت له وظيفة ما كان ليحصل عليها في بلد السيبة و القبيلة و العقلية الرجعية دون وساطة و علاقة.
لذلك هو لا يمكن ان يقف اليوم و يقول لا يجب أن نوقف القبيلة و يجب و يجب ، لأنه من هو أًلا دونها فالشهادة التي لديه من باكلوريا مزورة مشتراة من جماعة استثمار في فساد التعليم الوطني.
مرة حاول صديق عزيز أن يقنعني بجانب إيجابي للقبيلة، و قبلت معه فأحيانا لا يكون لدي مزاج لنقاش مواضيع المجتمع البائس، و رغم أنها عادة سيئة أن لا اتفاعل معه، قال أن هنالك حالة تكافل في إطار القبيلة تكون مفيدة ، و هو أمر أيضا أسمع الكثير من المثقفين يتحدثون فيه، لكن الجوانب السيئة المترتبة على ذلك الجانب الذي يمكن وصفه بالايجابي بالنسبة لهم تمسح كل شيء، فكمثال حين تشتغل القبيلة على جمع أموال لابتعاث الابناء للخارج، ما يحصل أن الولاء للقبيلة يتقوى على حساب الولاء للوطن و أن أولئك سيعودون ولاؤهم للقبيلة التي جمعت لهم الاموال و ليذهب الوطن للجحيم ، جحيم سيتمثل في تشغيلهم للاقرباء و ابناء العم و تفضيلهم على كل شيء و تختفي ثقافة المواطنة بشكل كلي، و نكون في وطن من دويلات قبلية و كل قبيلة ستحاول لسهمها من الكعكعة ان يكون أكبر فأي فائدة في ذلك. يقول لك أحدهم ماهو البديل؟ إن كانت القبيلة تعطي لأبنائها أكثر من الدولة. الجواب و هل تركت القبيلة أًصلا دولة تقوم. و أين هي الدولة أمام العقلية القبلية الحقيرة يا ابن اهل فلان.
بعد تفحص لحال الوطن و اعلامه و مثقفيه و كل شيء فيه، تجد أن المشكلة تبدأ من القبيلة و تنتهي بها، فلنكن إذن مجتمعا منافقا تحكمه أعراف القبيلة ووجهاء ذوو العمامات و المسبحات الخداعة مضاجعو بنات الخامسة عشر و موقعوا عقود زواج السر و مرتادو بيوت الدعارة و العشيقات ، مجتمع يحكمه الأئمة مرتادو الاحياء الشعبية و مدمنو شاي بناتها، مجتمع تنخره كل الامراض و العلل الاجتماعية فيأتي أيام يقتل فيها الاباء ابنائهم و يغتصبون بناتهم و يتناحر الاصدقاء و ينتحر المنتحرون و يظل كل ذلك تحت يافطة البؤس القيمي ، مجتمع محافظ و تقليدي. و حينها ستأتي حالة انفجار غير متوقعة ستقلب الطاولة على كل المنافقين و تكشق كل الاوراق الخافية لحراس و دعاة الفضيلة.
أو لنبدأ نبني مجتمعا قيميا متصالحا مع ذاته.
لا زلت أذكر منتفخ الشدقين ذلك بعد ذلك اللقاء ، حين التفت إلي و قال: خوي أنت من أي الناس؟ لم أتمنى أن اصفع أحدا كما تمنيت لو صفعته ذلك اليوم.
ألا فلتصبح على خير يا وطن البؤساء ، من عبدة الأعراف البائدة و ذوي العمامات المخادعين.