ظل الإعلام الموريتاني منذ نشأته الأولى حتى هذه
اللحظة فضاء لا يحكمه نظام و لا قانون و لا مهنية و لا موضوعية. رغم تعاقب
الحكومات و الأنظمة واختلاف تعاملها مع الإعلام عموما حسب الخلفيات الانقلابية و
الانتخابية و المدنية و العسكرية. ظل الإعلام والإعلاميون دوما تلك المؤسسات و
الشخوص المتسولة على أبواب الإدارات و المديرين و ذوي السلطة و النفوذ. حتى وصل
الأمر درجة صار فيها لقب "صحفي" أو " إعلامي في موريتانيا يعادل
أقسى عبارات السب و الشتم و الذم.
ضوابط و محددات ظلت دوما تحكم الإعلام
الموريتاني بمؤسساته و هيئاته على غرار كل مؤسسات و هيئات الدولة الأخرى حتى
الوزارات، يمكن حصر هذه المحددات في الحضور القوي للقبلية و الجهوية و انعدام الحس
الوطني و الواجب أمام الضغط القبلي. فكما وصلت موريتانيا مرحلة تصنف فيه البنوك
على السلم القبلي و الشركات و حتى الوزارات فالوزارة كذا للفلانيين و وزارة كذا
للفلانيين، كانت المؤسسات الإعلامية هي الأخرى تصنف ذات التصنيف فالمؤسسة كذا و
الموقع كذا للفلانيين. رغم صعوبة أن تجد حتى في تلك الكومة الاعلامية الهائلة ما
يمكن ان تطلق عليه مؤسسة بكل ما تتطلبه المؤسسة من شروط. بسبب طابع الفوضى و
الاهمال و العبثية الفجة من الصعب بمكان تصنيف مراحل مر بها هذا الإعلام بشكل جديد
في طريقه ليس للتطور بل للعبثية المطلقة الأكثر اتساعا. إلا أن أهم المراحل يمكن
تصنيفها كالتالي:
الجرائد الورقية
... استنفذت قاموس اللغة
فترة الدفق الورقي التي كان فيها بإمكان كل شخص
ترخيص جريدة ورقية ناطقة بالعربية أو الفرنسية أو الصينية حتى كل ما يحتاج إليه
شخص في وزارة الداخلية و آخر يتابع في العدل و فوق ذلك إن دفع حوالي عشرة آلاف
أوقية يحصل على الترخيص بين صباح يوم و مساءه. في هذه المرحلة استنفذت الجرائد
الورقية قاموس اللغة العربية على سعته، حتى صرت تجد أسماء غريبة فجاء النهار و
الليل و الصباح و الظهر و العشاء و الفجر و الشمس و القمر و ربما هنالك عطارد و
المريخ و زهرة ......و الأجمل أن كثيرا من هذه الجرائد لا يرى إسمها إلا في ورقة
الترخيص أو بطاقة مهنية يضعها شخص في جيبه يتجاوز بها الشرطة أحيانا و أحيانا يكون
لا مناص من "200" أوقية في ذلك العصر الذهبي "للجرائد
الورقية" عن تلك التي تنشر لا تجد فيها ما يمت للصحافة بصلة غير إبداعات شباب
يهوى الكورل درو أو الفوتوشوب و يعملون
بالمجان تقريبا.
بعد هذه الفترة أنتبه بعض الذي اختاروا طريق
الصحافة فاختارت الصحافة طريقا موازيا في الناحية الثانية ، انتبهوا للإعلانات
خاصة مع وصول بعض الشركات و شركات الإتصال خاصة، فصار في الأمر مردود و لو أن
العمولات ستضعفه جدا جدا، فكل ما تحتاجه الآن هو أن يكون لك قريب في شركة اتصال
مثلا أو إقامة افتتحت مؤخرا أو محلا تجاريا، قريبا سيوفر لك إعلانا و لا يعبؤ
بمستوى مبيعاتك بل يمكن أن تطبع عددا واحدا من الجريدة توصله للشركة يظهر فيه
إعلانها حتى إن لم تفعل القبيلة و القريب هنالك دائما للتدخل. هنا وجد البعض نفسه
مضطرا لوضع بعض الأمور في تلك الأوراق الخاوية على عروشها فصار بعض الصحف ينشر
المقال و الموضوع في 3 أعداد بشكل متتابع، و يبعث في قمامات الجهاز
"الكوربيل" و في الأرشيف عن أي شيء يملؤ به تلك الصفحات. فيما ينشغل
المديرون بالمدح و القدح في مجالس الشاي و الانتظار عند بعض البوابات لالتقاط شائعة أو اختلاق واحدة. في هذه الفترة كانت كل
مؤسسة إعلامية متمثلة في مدير.و نجاحها بمستوى علاقاته و خبرته في النفاق و الكذب
و التزلف و المدح و القدح و العامل الأهم مدى اتقانه للزمان و المكان الذي يجب فيهما
استدعاء القبيلة و سبر أغوار القرابة من بعيد. فيقول للمسؤول مثلا أو المدير: أمي
كانت تقيم في بيت رجل أبوه أخو أمك من الرضاعة و و و .... في النهاية : أنت ابن
عمي و أنا لم أعلم بذلك.
كانت في هذه الفترة المطبعة الوطنية المرهقة هي
الأخرى تلعب دورا ما دام كل شيء يتعلق بالورق لم لا يكون لي أنا حظي، فبدأت
باستغلال نفوذها و التعامل مع الجرائد حسب الجهات التي ترعاها و القبيلة التي
خلفها و الشخص الذي يدعمها. و كانت بيئة صالحة لذلك بحبرها وورقها الرمادي. و حسب
وساطتك يمكن أن يسقط عنك السعر الرمزي الذي يدفع مقابل أعداد معينة من جريدتك.
ثم جاءت محاولة من دولة مرهقة بمعطيات القبيلة
والوساطة لتنظيم الاعلام كما قالت: فاشترطوا أن تكون لكل مؤسسة عنوان و مقر،
انواكشوط مدينة غير معنونة من السهل أن تضع مثلا شارع ديكول عمارة جاك شيراك و تضع
حتى رقم هاتفك كرقم البيت. صار كل يضع في الشوراع و الارقام تماما كما يضع في العناوين
في جريدته. في احدى المرات اهتتمت باحصائية و لو تقريبية لكم جريدة مرخصة وصل
العدد حوالي 250 جريدة كان حينذاك يمكن رؤية 4 إلى 5 منها تصدر بشكل متقطع.
إذن لم يتعلق الأمر يوما حتى هذه اللحظة
بالصحافة و الإعلام أما المهنية و الموضوعية و الصياغة و ما يتعلق بذلك من أمور هي
بذخ لسنا في سياقه في هذه الفترة، في هذه الفترة كان المجتمع السائب و منطق
القبيلة الرجعي يقول للصحفي: "امسيكين ما إيكر احديدة الا يزكنن" . لكن
هو من أعطى عن نفسه تلك الصورة. بملابسه التي تشبه ملابس المتسولين و حضوره
المستحي بكل كاريزما الطامعين و الخائفين. و اهتمامه بمكان الحدث و ما إن كان فيه
غداء أو عشاء أو قنينة عصير أكثر من اهتمامه بالحدث نفسه و لا حول ماذا يدور؟ إلى
هذا الوقت اقتصر حضور بعض الشباب ممن درسوا الإعلام أو ابجدياته على الأقل يقتصر
على لمسات يضيفونها في الكواليس مكتفين بقطعة خبز حافية مع كأس شاي لاستهلاك
الوقت. كانوا يلتهمون أحلامهم مع قطع الخبز شيئا فشيئا. و أمام مطالب المدير
المستجيبة لثنائية الخوف والطمع كانوا يمحون من ذاكراتهم كل ما تعلموه عن الاعلام
و تقنياته و ضوابطه.
التلفزيون و الإذاعة هنا استديوهاتنا المركزية
كانت أنذاك تلفزيوننا الوطني مكب نفايات . كان المعيار الوحيد أن لا يكون لك صلة بالإعلام و ملحقاته. كل من لم يحصل على الباكلوريا و يكتب أسمه في الوورد مهندس جنريك، و كل من يعرف أن يزيد الصوت أو يخفضه مهندس صوت، و من يعرف استخدام كاميرا سوني يدوية من الحجم الصغير مصور تلفزيوني. و الإضاءة أضغط أقرب "كونتاكت" إليك و الاستديوهات تشبه مطابخنا الموريتانية. كان كل شيء بلية حتى الضحك. و كانت كل ما يهم تلفزيوننا زار فلان و طار فلان. و لا شيء يخضع لفنية و لا تقنية. و كان هنالك رجالات يخلقون البرامج حسب طلبات التمويل و كل مساء يطالعك برنامج جديد باسم جديد بشخص قديم. و يطالعك الخلل الفني من لحظة لأخرى ثم استبشر الجميع خيرا مع وصول
جيل شاب تلقى معظمه تعليما في الخارج و تم تأهيل بعض الكوادر الفنية و الاستعانة
بآخرين، لكن ما إن بدأ هذا الجيل يظهر و يقنع حتى برزت ناب القبيلة من جديد معززة
بخبرة المحاربين القدامى، فتم التضييق على هؤلاء و عزلهم مهنيا و استمر القادة من
فرسان فترة الانحطاط في البروز و تكرار ذات السيناريوه برامج تافهة سخيفة و اكتفوا
باعداد ورقة على أنها دراسة برنامج جديد اعتدت قراءة عند صديقي حيث يعد معظم هؤلاء
تلك الأوراق مستعينين بخبرة صديقي حتى في كتابة صفحة من الوورد. لم أتفاجا و أنا
ألتقي بعض المديرين هناك يعدون دراسة برنامج للأسف ستقع عيني صدفة على حلقة منه
الأسبوع الموالي. رويدا رويدا اختفى ذلك الجيل و توارى مستبدلا بجيل جاء على
الطريقة التقليدية القبلية معززا بمافيا من رجالات العمولة و القبيلة. و عادت
حليمة لعادتها القديمة.
من حسن حظ إذاعتنا أنها حظت بأصوات و رجالات
تحملت الويل و الألم و الظلم على مضض فظلت أصواتها تنساب عبر تلك الامواج المموجة،
تعطي صورة جميلة عن أشياء قبيحة تحصل داخل ذلك المبنى المنبسط على شارع جمال عبد
الناصر. لم تكن كل سوءاتها و عوراتها مكشوفة. و ظلت دائما تخرج خرجات تحسب لها. لا
يعني ذلك أنها لم تعاني كغيرها من العمولة و القبيلة و أشخاص يحترقون لا يجنون
واحد على مائة مما يجنيه شخص جاء به قريب مدير أو رئيس قطاع لا يعرف بين الألف من
الباء. بل كان ذلك يحصل و كانت تلك الأصوات بصبر و صمت تؤدي واجبها محتملة أجرا قد
لا يصل مع نهاية الشهر و محتملة سنوات بل عقود من العمل دون عقد عمل و دون أبسط
الحقوق.
و لكل هاو موقع ألكتروني
دخلت موضة المواقع الألكترونية الاخبارية بشكل
مفاجيء و انتشرت بسرعة فظيعة حتى صارت تقريبا تظهر بمعدل 3 مواقع يوميا. حطمت رقم
الجرائد الورقية لعوامل عل أهمها أن الموقع الألكتروني لم يكن يتطلب ترخيصا، كان
يكفي أن تفتح موقعا لتكون صحفيا. و تجلس و تقول أنا محرر في موقع كذا أو كاتب صحفي
في موقع كذا. بدأت المواقع في استنساخ أسماء الجرائد الورقية خاصة أن تلك أصبحت
تبدو و كأنها موضة قديمة.كانت المواقع تتدفق و ينقل بعضها عن بعض و لا فرق بين
الخبر من التقرير من العاجل من البطيء. كانت المساحة الأكبر في كل موقع "ساحة
إعلانية" تظل فارغة إلى أن يتم تعيين قريب في شركة أو منظمة فيقنع القائمين
عليها للإعلان في موقع قريبه.
في المواقع كانت
ظاهرة الهواية هي الشعار الأبرز فالمصمم هاو و الصحفي هاو و الخبر هاو بل ساقط
أحيانا. نفس التبويبات و المواضيع تتداول بين جميع المواقع . و الساحات و المساحات
الإعلانية تنتظر على أمل. يفتح اثنان موقع فيختلفان فيفتح كل منهما موقع و هكذا و
بطريقة تبدو جينية و كأنها تتزايد المواقع حتى شهدت انفجارا. كان له متلقفيه ففي
مجتمع السيبة و الفراغ و الشائعات من السهل جدا بناء قصة مرتهلة لغويا و بنيويا و
ملفقة بشكل قبيح و تعطيها عنوانا لا يمت لها بصلة و تدعي أنك تبدع إعلاميا. في ذات
الفترة كان الجميع ينفتح على الفيس بوك تماما كما تنفتح خيامنا على الصحراء. و كان
السباق على أشده في حصد آلاف الأصدقاء ثم بعد ذلك مئات "اللايكات"
للمواقع. فما إن تدخل حتى يصفعك أحدهم برابط و إسم جديد و يطلب إليك أن تضع
"لايك". تماما كما حصل مع الجرائد الورقية حصل مع المواقع الألكترونية
الفرق الوحيد أن الواحد كان يدفع من أجل ترخيص الجريدة و الآن بحاجة لصديق أو
للدفع أيضا لتصميم الموقع. و ليس غريبا
مثلا أن تجد و احدا من أضعف و أفقر هذه المواقع و قد وجد ما يضعه في بعض المساحات
الإعلانية ، فمعنى ذلك أنه منخرط في الضوابط القبلية جيدا و ذا خبرة في العمولة و
علومها.
مع انطلاق الحراك في
العالم العربي و ما رافقه من تطور كبير في استخدام وسائل الاعلام الاجتماعي و جد
القائمون على هذه المواقع انفسهم ينشغلون بالفيس بوك مثلا أكثر من الموقع و رويدا
رويدا بقيت تلك المواقع روابط تدخلها فتجد اخر تعديل عليها منذ أشهر ثم بدا أن
البعض فقد حتى كلمة السر للدخول إليها. و بقي بعضها صامدا بكل وسائله المرهقة لغة
و تصميما و معلومة.
أمام ذلك الوضع كانت
أوضاع الموهوبين و المهتمين و حتى الدارسين من الشباب المنشغلين في الاعلام لا
تزال حبيسة الاستغلال المفرط من أباطرة العمولة و كأس الشاي، فيأتي الواحد المؤسسة
و يكتب و يصمم و يضع اللمسة الفنية ثم يجود عليه المدير و رئيس التحرير و المالك
ببضع آلاف لا تخضع لنظام و لا عقد و تبدو صدقة أكثر من كونها راتب مع أنه هو من
عمل كل شيء. انقسم هذا الشباب قسمين : قسم رأى في موقع خاص به ربما حلا و آخر حين
بدا له الأمر أشبه بافتتاح دكان أعوام التسعينات في العاصمة نواكشوط ثم كافتتاح
عيادة أسنان عام 2000 و الاعوام الموالية لها. حين بدا لهم الأمر كذلك فضلوا
واقعهم السابق على رداءته و بقوا يعملون و يكدون في الظل و يجني المدير و ابن العم
و التاجر و السمسار ثمار سهرهم أمام الشاشات. الذين افتتحوا مواقع أو شاركوا في
أخرى لم يشفع لهم ربما تميزهم لأن السوق كانت رديئة لحد لا تميز فيه الخبيث من
الطيب. و تحت ضغط واقع ان المعيار كم قريبا لديك ؟ و من أي قبيلة أنت؟ و ما مدى
خبرتك في مجال العمولة و السمسرة. تحت ضغط ذلك استسلموا و سلموا و عادوا للأوكار
الأولى. مع ثورة لكل هاو موقع ظهرت اتحاد للاعلام الالكتروني أو اثنين إلى ثلاثة
على ما اعتقد، كان قبلهما صراعا حادا يدور بين النقابة و الرابطة نقابة الصحفيين و
رابطتهم الفرق بين الاثنتين أن الرابطة تضم فيلقا من المحاربين القدامى لا بأس به
من المعتزين و المفتخرين بتجربة طالت لسنين لا أعرف بالتحديد إن كانت في الصحافة
أم في في السمسرة أما النقابة فهي تضم بعض
الشباب في الغالب أو من محاولي الخروج على النص، و بعض الهواة كما يحلو للآخرين
نعتهم أحيانا. المضحك في الامر أن الاثنتين كانتا تتصارعان في حين لم يكن هنالك
إعلام يستحق ذاك الصراع .
ثم حرر الفضاء السمعي البصري...
كانت مشكلة الإعلام
في موريتانيا أكثر تعقيدا من أي يستطيع أي كان تحليلها و أكثر بساطة من أن يشغل أي
كان نفسه بتحليلها. بساطتها تكمن في ان تنظر إليها ليس على أنها إعلام . بل شؤون
قبلية و علاقات عامة و عمولة و سمسرة و شيء من ذاك القبيل. فحين تنظر من هذه
الزاوية تفهم كل شيء و حين تنظر من الزاوية الاخرى لن تفهم شيء.
في مرحلة ما قال
البعض أن المشكلة تكمن في انعدام الكفاءات و الاعتماد فقط على الهواة في المجال
الفني الاعلامي و المجالي الاعلامي الصحفي، إلا أنه في تلك الفترة كان بعض الشباب
من دارسي الإعلام او العلوم ذات الصلة قد بدأوا يتوافدون من الدول المجاورة مع ذلك
لم يتحسن الإعلام و جرف بعضهم التيار القائم فمنهم من ساير التيار و رضي بإيقاعه و
منهم من استعصى على التيار و استعصى عليه. فإما وجد مخرجا و قليل ما هم و إما بقي
متمسكا بضميره على هامش من المشهد يتأمل و يجرب أحيانا في حيرة. ثم بعد ذلك
قيل في ان الفضاء السمعي البصري رهين
للحكومة متمثلا في الاذاعة الوطنية و التلفزيون الوطني و أن تحرير هذا الفضاء لا
شك سيأتي بإعلام على المستوى و إعلاميين على المستوى بعيدا عن الطاولات المستديرة
و المستطيلة و أمام الميكرفون و خلف الميكروفون و مخرجين لا يشبهون ذلك الذي بلاني
الله به ذات مساء في تسجيل لحلقة مع التلفزيون الوطني فأردا التحكم في الأصبع الذي
علي أن أضع فيه خاتمي و الطريقة التي علي أن أنظر بها و كيف أتثائب مثلا و كيف
أتكلم و كيف أصمت و كيف أنظر و المصور الذي كان يعاملني و كأني "لانس"
كاميرته.
تم إعلان تحرير
الفضاء السمعي البصري و تم الترخيص لقنوات و إذاعات حرة، في خطوة تستحق الذكر و لم
يذكرها إعلام لا يفرق بين الذكر من الكفر مالم يكونا مصحوبين بعشاء عند الأهل و كأس
من الشاي و سويعات ضائعة. افتتحت القنوات و الاذاعات، و بعدها عذرنا التلفزيون
الوطني فبدا و كأنه كان قمة من الناحية الفنية و من ناحية الفكرة و المواضيع و
البرامج. و بدا مخرجوه و منتجوه من خيرة ما قد ينتج أو يخرج حقا. و بدت إذاعتنا هي
الأخرى هامة إعلامية أخرى. كان و كأن هدف كل هذه القنوات و الاذاعات فقط أن تقول
لنا : يجب أن تحمدوا الله لان لديكم التلفزيون الوطني و الإذاعة الوطنية. أصيب
الإعلاميون الشباب و الطامحون بخيبة أمل فظيعة و هم يتفرجون على حلمهم يتحطم على
شاشات اعتمدت هي الاخرى نفس الأساليب قنوات للقبيلة و عمال يكتتبون حسب معايير
القبيلة و لا مكان للكفاءة حين يتعلق الأمر باستمارة القبيلة في رأسيتها. رغم ذلك
لم تجد هذه القنوات بدا من الإستعانة بشباب احترق أعواما يكابد الإعلام في بلد كله
ساسة و صحفيون و شعراء و كله فراغ و سيبة. و لم يجد هؤلاء بدا من الاستجابة لدعوات
هذه القنوات و حتى و التسابق إليها. الساحل و شنقيط و دافا و المرابطون و كوبني و
الاخبار و التنوير موريتانيد و و و
في اول لقطة اهلكت
إحدى القنوات الشباب، أشهرا جيئة و ذهابا في شمس نواكشوط و غبرائها و في النهاية
قال لهم اذهبوا غير مأسوف عليكم و ألقي بالمدير هو الآخر فقط لأنه أراد الخروج على
قوانين القبيلة في التسير و الإدارة. و أراد أن يمارس الإعلام لم يعرف أن الأمر لم
يتعلق يوما بالإعلام.
ثم بقي شباب آخرون
يتحملون العمل دون عقود، بل حتى ينفقون من جيوبهم لإعداد التقارير و الاخبار و حين
يتكلمون يقال لهم قريبا، تأتي العقود و يتم تنظيم العمل نحن فقط نجرب، و تظل تلك
قريبا إلى أن يملوا هم و يتعبوا فيذهبوا أو ينتظروا ليرمى بهم ضحايا أول خلاف
بسيط.