Friday, August 23, 2013

هل يكون التدخل في سوريا عودة لحلم الشرق الأوسط الجديد؟



                    عبدالله أحمد محمود
                             abdallahima@live.fr        
                               كاتب مستقل - اسطنبول


لجنة أممية للتحقيق في سوريا، اجتماع اوروبي في باريس و لقاء في نيويورك، حراك غير مسبوق تشهده هذه الأيام على مستوى القوى التي كان الجميع ينظر إليها على أنها تملك مفاتيح الأزمة الجارية في سوريا. فبعد موقف متذبذب غير واضح، لم تكن أمريكا تحاول به إرضاء الجميع على عكس ما يظن البعض بأنها أرادت الجميع فاغضبت الجميع، بل موقف مرده أن حالة التدمير الذاتي في سوريا هي حالة تخدم الوضع بشكل كلي خاصة الحليف المقرب إسرائيل، الاتحاد الأوروبي كعادته ينتظر حتى يعرف أين تتجه البوصلة الأمريكية و يعرف الموقف و اتجاهاته فيبدأ التحرك. الأمم المتحدة بدأت من لجنة للتحقيق حول استخدام الأسلحة الكيمائية. السؤال الذي قد يتبادر لمواطن بسيط في هذا العالم، ماذا كان كل هذا العالم ينتظر ليتدخل؟ و لماذا الآن بالذات؟
بعيدا عن نظريات الاسقاطات التي تعتمد دائما تخوين طرف على حساب آخر، إن أحداث التفجيرات التي شهدتها لبنان و لغة التصعيد التي تحدث بها نصر الله ، إضافة للوضع في مصر و الطريقة التي جزت بها السعودية بنفسها في الأمر، كلها أمور جعلت الرأي العام أمام اجندة تتعقد، فأصبح العالم الغربي  بدل طمعه في استغلالها كلها لتحقيق اهدافه ، اصبح خائفا أن تضيع منه. حينها قرر التدخل. عودتنا أمريكا على استغلال الأمم المتحدة فقط خدمة لأهدافها و تطويعها لتنفذ بها استراتيجياتها، ليست الأمم المتحدة فقط بل الاتحاد الأوربي، ما سيحصل الآن هو أن التحقيق معروف مآله أصلا. فما عودتنا عليه الولايات المتحدة الأمركية هو أن التقرير سيخرج و استنادا عليه ستتخذ امريكا خطوة قادمة، لها خياران العسكري و السلمي ، فالأخير قد يكون من خلال قرارات ضد الحكومة السورية و رموزها في الامم المتحدة  و مجلس الأمن كما قد يضم حصارا، و في هذه الحالة لابد من التنسيق مع روسيا و الوضع في الحسبان العامل الإيراني الحاضر جدا في المنطقة، و في حال ما كان هنالك تدخل عسكري من أي نوع فإن اسرائيل و إيران في اللعبة أيضا  بطريقة أو بأخرى.
التركيز على الأحداث الجارية في سوريا الآن أيضا له بعد آخر هو لفت الانظار و الانتباه عن ما يجري في مصر، خاصة و ان كل التعليقات من جانبي الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الأوروبي ما زالت تدخل في إطار التعليقات الفارغة من قبيل نطالب و لابد و و و دون أخذ اجراءات فعلية وواقعية، و امريكا بدأت تشعر أن الحبال تتقطع في يديها، فالمنطقة ساخنة و وتموقعها فيها بدرجة من البرودة حتى الرأي العام الأمريكي امتعض منه، فلا قرار حازم بشأن سوريا و لا بشأن مصر على ماتعنيه المنطقتين للوجود الإسرائيلي مثلا و ما تمثلانه كعناصر مهمة في محور الشر و الخير على الطريقة الامريكية. ما يحصل أن أميركا و الدول الغربية ستركب التقرير حصان طروادة، ففي استخدامه لغرض التدخل نقاط مهمة، أولا قد يسأل سائل لماذا التدخل الآن فقط، فيكون الجواب، لأنه الآن فقط اكتشفنا أنه تم استخدام اسلحة كيمياوية ، فلا بأس إذن ما دامت الناس تموت باسلحة غير كيمائية تبرير طبعا واه، حتى الحديث عن الموضوع جاء بعد أن اتخذ القرار بالخطوة القادمة، ثانيا: أن التقرير سيستخدم ليكون التدخل ذا طابع دولي أممي بمعنى ليست فقط امريكا و لا ابريطانيا ولا غيرهما هما المعنيين بل الرأي العام. في هذه الحالة لا تملك الجامعة العربية البائسة في ظل هذه الفترة العصيبة التي الدويلات العربية فيها مقسمة على ذاتها كما كانت دائما يدعم بعضها بعضا ضد بعض و حتى حكومات ضد شعب، لا يملك العرب قرارا كما ما ملكوه أبدا بخصوص ما قد يحصل في سوريا. لا قرارا في السلم و لا قرارا في الحرب. و لا يملك مثلا مواطن بسيط تطحنه آلة الموت في سوريا إلا أن يصفق و يهلل لذلك التدخل و هذا أحد الأسباب التي أجلت تدخل الغرب و تؤجله، فمن ناحية كان التفرج على التدمير الذاتي يتمتع بنوع من الإثارة خاصة و الجار الإسرائيلي غير بعيد و لديه رؤية أوضح على المشهد، ثانيا ليصل المواطن السوري تلك المرحلة التي لا يهمه فيها من تدخل و لا لماذا تدخل و لا كيف سيتدخل بل يريد فقط من يرفع عنه سوط العذاب  و آلة الموت التي تسومه أناء الليل و أطراف النهار.
فرنسا صرحت أنه إذا ثبت استخدام السلاح الكيميائي في سوريا فإن تدخلا عسكريا يصبح ضرورة، إذن فابيوس بدأ الحديث عن استخدام القوة ، و كما تعودنا دائما فإن امريكا إذا قررت التدخل العسكري فصافرة انطلاقة التصريحات و تمهيدها يأتي من الجانب الأوروبي كان في السابق ابريطانيا و مؤخرا صارت فرنسا، و بدأ الحديث أيضا عن امكانية امريكا لتدمير السلاح الجوي السوري، و اتصالات جرت بين كل من موشيه يعالون و تشيك هيغل و زير الدفاع الاسرائيلي و نظيره الأمريكي بشأن سوريا. فيما يبدو جليا أن الغرب بصدد اتخاذ قرار بالشأن السوري ، فلا يعرف كيف سيكون الرد من جهة الحلفاء خاصة في ظل توتر و برودة غير مسبوقة تشهدها العلاقة الامريكية الروسية و أيضا فترة اعلان حرب على التكفيريين كما سماها حزب الله بعد الانفجارات التي حصلت في لبنان، السيناريوهات المطروحة كلها تصب في اتجاه واحد لن تستفيد منه سوريا و لا السوريون و لا تتحدث عن جامعة الدول المتعادية، فإذا ما بطريقة أو بأخرى تمكن التدخل من إيقاف ما يحصل في سوريا فربما تكون الضريبة أكبر من ناحية الضحايا أولا و من ناحية تسيير ما بعد التدخل ثانيا، خاصة و أنه لن يحصل في تلك المنطقة إلا ما يرضي أسرائيل بل فوق ما يرضيها فهي فرصتها التاريخية للانتقام لسنوات ظلت فيها المنطقة ليست فقط سوريا مثيرة للقلق و أيضا فرصة لتوجيه صفعة قوية لحزب الله و خطوط تموينه و إيران، و لا يستبعد أن يتزامن الأمر مع عمليات في الجنوب اللبناني و لا يجب أيضا أن نستبعد إيران ، فالأمر أساسا يعتمد على ردات فعلها خاصة و أن حكومة جديدة تسير البلد، ليس الرجل الذي طلب مرة بمحو اسرائيل من الخريطة كجرثومة مشؤومة على حد قوله.
احد أهم السيناريوهات المطروحة، أن التقرير المعروف مضمونه سلفا سيصدر، و سيقدم حتى ولو على طريقة كولن باول في العراق أدلة على أن اسلحة كيمائية استخدمت بل لربما يتحدث عن مفاعلات نووية كبرى في سوريا من يدري؟ بعدها يجتمع مجلس الأمن و هيئات الأمم المتحدة و تستصدر بعد القرارات التي ستستخدمها أمريكا و الحلفاء، و لربما يكون ضمنها قوة إلى سوريا أو عمليات نوعية، ثم بعض القرارات ستستهدف تقييد الحراك الروسي و الإيراني حتى يبدو أي تدخل منهما أنتهاك للقانون الدولي و المنظومة القانونية للأمم المتحدة، و يأتي التدخل و بعدها يصير مشروعا الحديث من جديد عن حلم رايس بشرق أوسط جديد أو كبير أو أي كان خاصة و أن أحداث مصر قابلة للتوجيه في ظل حالة الفوضى العارمة التي تشهدها الآن. مع أن الميلاد لن يكون إطلاقا بالسهولة التي قد يتصورها البعض حتى ولو نجحت امريكا في أن تضع الأمم المتحدة إلى جانبها حليفا لتوفير التغطية القانونية لكل أفعالها. فحزب الله مثلا ليست دولة ملزمة بالتقيد بقوانين الأمم المتحدة كروسيا و إيران. و من هذه الناحية فتذكية حرب حزب الله التي أعلنها على التكفيريين واردة جدا و لربما يقحم فيها مواضيع و طوائف أخرى و تعود للبنان للدائرة الأولى. و لن يكون سهلا أيضا لأن موجة من الاحتجاجات و الرفض تجتاح الحس الشاب العربي ، مع الحاجة الماسة لهذا الشاب إلى أن يتعلم من التاريخ ، الأمر الذي لم يحسنه العرب يوما. فلدغوا من نفس الحجر آلاف المرات...