Sunday, February 17, 2013

الفيسبوك و المستخدم الموريتاني: العلاقة الساذجة




عبدالله محمدعبدالرحمن
كاتب – إعــــــــــلامي

حقق فيس بوك و يحقق منذ بروزه كظاهرة كونية اجتاحت العالم، حقق أرقاما قياسية على كل الصعد ، حيث قارب المليار مستخدم في العام الماضي . و حين وضع في البورصة حقق أرباحا تقارب الخيال. يشكل حقا الفيسبوك دليلا واضحا على الأمور التي تبدأ صغيرة جدا جدا ثم تكبر و تكبر. ما كان مارك . زوكربيغ يفكر أن ذلك "البلات فورم" الذي وضعه للتواصل مع أصدقائه في المدرسة و التبادل حول دراستهم و شؤونهم، ما كان يفكر و لا حتى خيالا في أن يصل ذلك الموقع ماهو عليه الآن حيث صار محور تواصل في عالم يعمل على زعزعة معطيات الزمن و اختصارها بأكبر قدر ممكن. اليوم الفيسبوك شبكة تمتد خيوطها جاعلة من العالم كتلات بشرية مترابطة، تلك الخيوط كان من الطبيعي أن تصل ولو بلدا نائما يستمتع بهمس محيطه في أذن صحرائه يتقاسمه ضياع العرب و شحوبة ملامح الإفريق.
 شهدت موريتانيا دخول الانترنت و اعتمادها عام 98 بالضبط ، عامان بعد ذلك تم انشاء كتابة للدولة مكلفة بالتقنيات الجديد و انيط بها نشر استخدام الانترنت في موريتانيا، في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي عن تقنية المعلومات 2007/2008م تم إصدار تقييم لـ 129 دولة حول العالم من خلال مؤشر الاستعداد الشبكي Networked Readiness Index NRI، وهو مؤشر يقيس مستوى البنية التحتية لمجتمع المعلومات في القطاعات الرئيسية الثلاثة: الحكومي والخاص والأهلي، ومستوى تأهل الأفراد والأسواق، ومدى تجاوب التشريعات القانونية والتنظيمية مع مجتمع المعلومات.وحسب هذا التقرير احتلت موريتانيا المرتبة (97) عالميا و هي المرتبة ما قبل الأخيرة عربيا. نفس التقرير يذكر بأن عدد مستخدمي الإنترنت في موريتانيا بلغ 30 ألفا  عام 2009. مقابل سبعة آلاف سنة 2001. تعود هذه الإحصائيات إلى تاريخ 2009 فمن الصعب اليوم وبعد 3 سنوات أن تجد تقريرا حديثا دقيقا يقف على إحصائيات حول الإنترنت في موريتانيا اليوم و إن وجدت و قد أعدتها جهاتنا المعنية ، سيكون تقريرا قديما توضع عليه أرقام تخمينية شأن كل التقارير و الإحصائيات التي لدينا. في بلد لا استراتيجيات فيه طويلة الأمد، فكل استراتيجية عرضة لغضب قبيلة أو نزوة جنرال أو طمع سياسي جاهل متحجر العقل و العقلية لا مكان لإحصائيات دقيقة بل لا تبدو الحاجة إليها ملحة.
متابع صفحات الفيسبوك اليوم في موريتانيا و نشاط الموريتانيين على الفيسبوك لا بد أن يقف معبئا بأسئلة ملحة، حول عدد سكان موريتانيا و عدد مستخدمي الإنترنت فيها و مدى اعتماد الإقتصاد فيها و الأعمال على الأنترنت و على استخدامات الفيسبوك في المجال. لأنك ببساطة ستجد حوالي كل شخص يتواصل مع 4000 شخص ، ستسأل عن طبيعة عمل هذا الشخص و ماهي الأعمال التي يقوم بها على الإنترنت؟ و ما مدى اعتماد دخله الشهري على الإنترنت. ستجد أبطال هوليوود أسماء و صورا و أبطال بوليوود أسماء و صورا و كل لاعبي العالم أسماء و صورا و جميلات ووسيمي العالم كله،فالواحد في موريتانيا حين  يلقي نظرة على صفحته ستجد نفسه صديقا لكثير من "مشاهير العالم".
من فترة لآخر سيصله طلب صداقة من شخص بإسم مستعار و صورة طبيعيا مستعارة و سيقبل الطلب، ربما لأن عدد أصدقائه سيصبح 3001 ربما لم يجد من يسأله : ماذا يفيد إن أضاف شخصا لن يزيد من إزدهار أعماله إن كانت هنالك أعمال. و إن كانت الصفحة فقط للاستمتاع و استهلاك الوقت فذلك أمر آخر. لكن المؤسف في الأمر أن أغلبية الواقعين ضحية لهذا الاستهلاك الساذج الغبي للفيسبوك من النخبة المثقفة و المعول عليها، ثم إذا ما  كانت مشاهدة أصدقائك متاحة للجميع فلن تعدم يوما يراسلك فيه صديق أجنبي ، أنا الآن تصلني كثير من طلبات الصداقة من موريتانيا و من أشخاص لا أعرفهم و يسألك عن التفسير ، لا تفسير هل ستقول له عفوا صديقي لكنه "مجتمع السيبة" لن يفهم. ستضطر لإخفائهم حتى لا يراهم أحدا و ستتأسف لأنه سيرى تعليقاتهم و تفاعلاتهم على صفحتك و أيضا سيبعث لهم طلبات. هل هي قوة مجتمع الفراغ تطغى أيضا هنا على معطيات أوراق المثقف.
إن ما يحصل في موريتانيا و طبيعة استهلاك المستخدم الموريتاني لمادة الفيسبوك مطبوعة حد التملك بطابع السذاجة و العبثية و الفوضوية، فلا ضوابط تحكم مرسل الطلب و لا شروط لدى مستقبله و لا هدف محدد من صفحة ما. يوم جلس إلي المدون التونسي و سألني عن سر ذلك الكم الهائل من الأصدقاء لدى الموريتانيين عموما؟ لم أجد إجابة كالعادة. قلت له مداعبا: روحهم الطيبة. بعد إضافتي له بأسبوع وصله حوالي ثمان  طلبات كما قال من موريتانيا على حد قوله و أغلبهم لديه ما فوق الثلاثة آلاف صديق . الأمر يشي بحالة يمكن تسميتها "شغلة أهل لخيام"  لكن أن يكون من أشخاص تنتظر منهم مستوى أرقى فالأمر حالة مرضية تستحق الوقوف عندها.
ربما لا أبالغ حين أقول أن المستخدم الموريتاني وضع حالة خاصة للفريق الأمني في الفيسبوك ، فلم يعد يعرف على أي أساس تبنى علاقاتهم و روابطهم في الفيسبوك، استخدامات عائلية اقتصادية اكاديمية أم ماذا؟
 و ربما و رغم أنهم فقط 3 مليون شخص تبلغ نسبة الأمية فيها حوالي 60 في المائة و عن الأمية الالكترونية حدث ولا حرج. رغم هذه الأرقام ربما وجد فيسبوك نفسه في حيرة أمام دولة بهذا الحال مع ذالك الكم من الحسابات و العلاقات، فهنالك من هوايتهم فتح الحسابات فقط فتجد الواحد بعشر حسابات و إن كان ناضجا و مثقفا تجده بحسابين إلى 3 على الأقل. أمام حالة كهذه طبيعي جدا أن تصلك رسالة من عداد فيسبوكي مربك و يقول لك تم إغلاق حساب و لديه ألف سبب، من بعث طلبات لأشخاص لا تعرفهم و هذه أولى البنود التي ينص عليها الفي سبوك ان تراسل من تعرف أي نوع من المعرفة و يعطي حيزا لذوي الصلات المهنية و العملية بحيث يسمح لهم ببعث طلبات متعددة قبل أن يحذرهم. من ذلك  إلى وجود عدد كبير من الحسابات المعطلة ضمن أصدقائك، طبيعي جدا ما دمت تضيف كل أحد. إلى تواجدك في مجموعات كثيرة مختلفة الاتجاهات و المشارب و الاهتمامات.... و غير ذلك كثير .
رغم أنها 3 مليون اكثر من نصفها أمي، ربما أكثر الدول التي توجه إليها تحذيرات و تعلق من إرسال الطلبات هي موريتانيا، و كل من أراد أن يضيفك لمجموعة يفعلها و كأنك حسابه الثاني. هل سبق و استشارك شخص هل أضيفك للمجموعة كذا؟ لا طبعا. و مع هذه الموجة الهائلة المقبلة على استخدام الفيسبوك فإن خلفها أمية مطلقة بالحالات الأمنية البسيطة و أمية مطلقة في التعاطي مع البيانات العام منها و الخاص و سذاجة في إدراك حالات الخصوصية الشخصية و الأمنية. في الأسابيع القليلة الماضية أغلق الفيس بوك بعض الصفحات لمستخدمين موريتانيين، آخرهم صديقة أخبرتني بالامس أن حسابها تم إغلاقه و آخرين كثيرين. إن الفيس يحذرك مرات ثم في مرة يأخذ قراره.
إن استخدام الفيس بوك مفتوح لغايات عدة لكن الحبل ليس على الغارب و ككل شيء لابد من ضوابط، و الضوابط طالما كان من هوايات مجتمع "السيبة" تكسيرها و محاولة القفز عليها. إما أن تستخدمه لبناء مجتمع تريد تقديم مادة له أدبية اقتصادية سياسة أي شيء و في هذه الحالة طبعا أنت مهتم ببناء أكبر مجتمع لك على الإنترنت و لهذا الغرض وضعت خدمة صفحة، أو للتبادل مع مجموعات معنية حول أفكار معينة و مواضيع و لهذا هنالك المجموعة ، و حين تلقي نظرة على عدد المجموعات التي أنت عضو فيها ستجدها المئات و في هذه هنالك عذر فلم يأت فيس بوك بطريقة بإمكانك بها  الخروج من المجموعات بسهولة كما أن خصوصياتك لا تمكنك دائما من منع الآخرين من إصافتك لها، فصار لكل قبيلة مجموعة و لكل شخص مجموعة و المجموعة في غالب الأحيان لا تخدم على جميع المستويات. و وجود الصفحة و المجموعة لا يعني أنه لا يمكنك استخدام حسابك لبناء هذه العلاقات لغايات اقتصادية عملية و علمية و حتى شخصية ، بل يمكن ذلك حسب معايير محددة تحدد فيها من يخدمك كمتفاعل و كمستهلك لمنتجك.
و إن كان الإستخدام شخصي عائلي فمن الطبيعي أن لا يكون في صفحتك إلا أصدقاؤك و عائلتك و ناس تعرفهم، تتبادل معهم في كل شيء حتى المزاح و فقط استهلاك الوقت إن أردت. و ربما تبحث عن صداقات مع أشخاص تعجبك مشاركاتهم و لكن في حدود، ليس أن تضغط "أضف صديق " كل ما رأيتها أمام صورة أعجبتك.و إن كان الإستخدام للعبث فقط و الفراغ، فحينها هذا حساب يستحق التوقيف و عليك أن لا تضيفه ضمن قائمة أصدقائك، لأنه لا يعتبر مستهلك لمادتك و لا منتج لمادة قد تفيدك.
عن الحالات الأمنية ، من العبثية في عالم اليوم أن تضع خصوصيتك في حماية أربعة أرقام أو حتى عشرة ، هي الأرقام السرية. تفرض متطلبات الحماية اليوم أن تستخدم رقما سريا معقدا متنوعا شيئا ما. و ربما لا يعرف الكثيرون أنه هنالك مقاهي انترنت في العاصمة حين تدخلها يمكن أن تجد حتى الإيميلات مفتوحة و عن تحميل الوثائق و الملفات حدث أيضا ولا حرج، حتى تلك منها الحساسة و المعقدة فالواحد يحمل الملف و ينسى محوه من الجهاز او ربما لا يعرف. إضافة لسذاجات ليس فقط في الفيسبوك بل في استخدام الانترنت عموما، و سبب الحديث عنها أن الواقع فيها نخبة، أو من يفترض أنهم نخبة. و ما دمت تضيف الجميع و أول رابط وصلك تضغط عليه، لا تأمن أن تكون مرة ضحية انفجار فيروسي حارق ماحق. لكن الله لطيف بعباده فهذه الأمور ليست مطروحة على الأقل حاليا بشكل كبير، ربما في انتظار ان تتطور العقلية و تتخلى عن سلوك "السيبة".
المهم أن المطلوب من الفيس بوك ليس المنافسة في عدد الأصدقاء، و كثرة الأصدقاء لا تعبر عن حالة نجاح و تفوق بقدر ما تعبر عن حالة من الجهل و السذاجة، خاصة إن كان نسبة من تعرف منهم أقل من الثلث. فتحديد الهدف في كل شيء مطلوب . حدد هدفك من تلك الصفحة و اعمل بما يحقق لك ذلك الهدف في حيز محاط باحترام الذات ، ذاتك كمستهلك واعي و مثقف  و مستخدم ناضج.