Sunday, February 24, 2013

الشركات الأجنبية فساد على فساد رشى ... إهانة مواطن .... و احتقار وطن


عبدالله محمد عبدالرحمن
كاتب – إعلامي

في الأعوام الأخيرة و في قطاع المعادن و استخراجها و استغلالها، شهدت موريتانيا ثورة استثمارية أدت لدخول شركات مصنفة في الرتب الأولى عالميا في مجال العمل المنجمي، على غرار كينروس و فيست كوانتيوم. كما منحت موريتانيا رخصا للتنقيب و البحث لشركات و مكاتب مختلفة عاملة في المجال. تدفق هذه الاستثمارات و ما تجنيه من أموال طائلة و أرباح خيالية، لم تنعكس بعد بشكل مباشر و حقيقي على حياة المواطن البسيط و لا على وجه البلد عموما، لا في صيغة تطور معماري و لا على المستوى المعيشي، و لا في صيغة استراتيجيات محكمة لتطوير البنى التحتية و مرفقي الصحة و التعليم و غير ذلك، رغم بعض الخطوات التي تبدو متواضعة جدا بالتناسب مع عنفوان ذلك الحفار الذي ينخر على مدى 24 ساعة عباب الأرض مستخرجا بل ماسحا ما بها من خيرات. إن الاستراتيجيات التي يعتمد عليها في هذا المجال هي تلك التي تريك الصورة و تقول لك هذه موريتانيا بعد 20 عاما أو نواكشوط بعد 5 أعوام على الأقل ما دمنا في دولة "في انتظار انقلاب" على المشاريع و الاستراتيجيات ليس فقط الرؤساء و الحكام.
إن الأموال التي تجنى من استخراج الذهب و النحاس و الحديد و غيره من المعادن في انحاء مختلفة من البلاد و  ما يتحدث عنه من احتياطيات في دولة على غرار موريتانيا كفيل بأن يوفر حياة رخاء للوطن و المواطن، أو على الأقل يكفي ليتيح بناء دولة بمرافق عصرية متطورة و بعاصمة على المستوى من حيث توفرها على ما يتيح تصنيفها كمدينة و كعاصمة لدولة و الكف عن الأغنية القديمة مدينة فتية و عاصمة بعمر الخمسين. إلا أن أمورا كثيرة تمنع كل هذا، أمام صمت من الجميع، فالعقود الموقعة مع هذه الشركات لا تتيح الإستفادة بالقدر الكافي، بل غير منصفة بالمطلق رغم ما حصل مؤخرا من تغييرات عليها، كونها تعتمد معطيات مغلوطة، فهي عقود عقدها قوم لا يعرفون عن المجال شيئا و فيها كثير من الغبن. فالنسب المخصصة للدولة  و مدى مشاركة هذه الشركات في التنمية المحلية و الحضرية و الوطنية عموما و مدى نشاطها في مجال سوق العمل من استقطاب للعاطلين و تطوير للسوق حتى تستوعب الجميع من متعلمين و متوسطي التعليم و غير المتعلمين، كل هذا لم تنص عليه هذه العقود و إن كانت نصت على بعضه فيسهل التخلص منه أمام إغراءات الرشوة و "الكومسيون". كما أن تواطؤ هذه الشركات مع رجالات موظفين و معنيين و ذوي صلة من مفتشين إلى مدراء و غيره جعل تملص هذه الشركات من التزاماتها في العقود أسهل ما يكون.
رغم الكميات الكبيرة و تلك الأموال لا يجني المواطنون المحليون و لا تجني موريتانيا الآن غير بضع دولارات لا تمثل شيئا بالنسبة لتلك الكميات المشحونة، كما تجني مخلفات تشكل خطرا حقيقيا على البيئة على المديين المتوسط و البعيد، غير آبهة بتلك الأثار مكتفية بمعاملة خلف باب مغلق مع وصي أو ذي صلة، و حين أثير الموضوع مؤخرا أكتفت هذه الشركات بلقاء بعض أشخاص ممن يدعون النشاط المدني و بتحويلات مالية بسيطة يتم احتواء غضبهم المصطنع. حلقة من سلاسل الفساد و هي الأشد فتكا بالبلد تلك التي يتواطؤ أصحابها مع هذه الشركات لأكل و التهام مقدرات الدولة و تحويلها للخارج و السماح بالمغالطات الواردة في التقارير حول الكميات المصدرة و حول كميات الاحتياط و غير ذلك.
فمثلا لم يحقق أحد في ممارسات السماسرة و بثهم للرشوى كوسيلة للفوز بصفقة أو اثنتين و لم يتحدث أحد عن مفتشي الشغل الذين يتقاضون الرواتب و العطايا من مديري و مسيري هذه الشركات، و لم يتحدث أحد لا في الصحافة و لا المجتمع المدني عن الأرقام و التقارير المغلوطة و المعاملات المشبوهة حول الكميات المصدرة و حول الإلتزام ببنود العقود، و كل من تحدث يكفيه لقاء واحد بسمسار خلف باب مغلق. و تتفرج دولة يعاني ساكنتها غلاء الأسعار و تعاني هي حالة بنى تحتية مهترئة و وضع معماري مثير للشفقة، و رغم كل ذلك الحديث عن المقدرات الاقتصادية الهائلة فنواكشوط حتى اليوم تبدو كضاحية من ضواحي عاصمة من عواصم العالم الثالث، مع أن بنائها كلها لا يكلف شركة من هذه الشركات نصف ما تجنيه من شحنة واحدة.
شركات تغرق في عالم من الفساد الذي يطال كل نشاطاتها من تشغيل و حقوق إلى استخراج إلى تصدير كل شيء، فكل شركة تملكتها جماعة من رجالنا المعروفين بالخبرة و الحنكة في عالم الفساد و صاروا وصيين عليها و أدخلوا مديريها في دائرتهم المغلقة و أفهموهم الوضع و ساروا معهم غير خائفين عقابا و لا حسابا من دولة مفتشيها يعاملون كموظفين من الدرجة الرابعة في هذه الشركات يتقاضون أجرا شهريا يأتيهم هو و التقرير الشهري الذي كان من المفترض أن يعدوه هم عن نشاط و حركة هذه الشركات يأتيهم من الشركات نفسها مصحوبا بإفادة بأن تحويلا بنكيا وصل الحساب. و كان نتاج ذلك ما تشهده هذه الشركات من حراكات تذمرية دائمة كثيرا ما يتلقاها الديناصورات و الذي يملكون نواصي اللعبة كلها و نواصي المسؤولين فيها و عنها و يبدؤون باستيعابها و تأتي دولة نائمة على خلايا فساد لم يتم بعد حلها تأتي في جانب هؤلاء، و ما أحداث أم سي أم الماضية منا ببعيد.
إخلال بكل بنود العقود، صفقات لا تعتمد الكفاءة و لا المنافسة بقدر ما تعتمد المتاجرة الضيقة ، حتى وصلت حد استخدام بائعات الهوى، تصدير كميات لا يعرف أحد قدرها، دفع رشاوي لكل الجهات أمام مسمع و مرأى من الجميع، ثم فوق كل ذلك و الأخطر سحق المواطن العامل سحقا و احتقاره و المتاجرة به و بحقوقه في ظل ما يعرف بالمقاولة. إن المقاولين الذي تستخدمهم هذه الشركات و يستغلون حاجة العاطلين إلى العمل فيلتهمون أكثر من نصف مخصصاتهم و حقوقهم في العلاج و الراحة و حتى في الغذاء و يقومون بابتزازهم أمام نقابات كالمفتشين يتاجر قادتها خلف الأبواب المغلقة بالقضايا و يبيعونها بأثمان بخسة كتشغيل قريب أو تحويل مبلغ مالي، و الدولة نائمة على آذانها.
رغم أن هذه الشركات تقوم على جهود و عضلات هؤلاء  الذين يسهرون الليل أمام الحديد الساخنو يقضون النهار أمامه و  تحت الشمس الحارقة حافرين في الصخر مطمورين في أرض وطن لهم كتب عليهم أن يتعبوا في استخراج خيراتها دون مقابل ليأخذها آخر و يذهب بها دون حساب. و المستفيد ثلة من المفسدين المتاجرين الذي دأبوا على سرقة و أكل حقوق الشعب و الاحتيال على مشاريع و مقدرات الدولة. إن من يدعي محاربة الفساد يجب أن يبدأ بفساد من هذا الحجم، تخسر فيه دولة الملايين و المليارات و تخسر كرامة و حقوق أبنائها و نخسر كرامتها و احترامها كدولة لها قانون و مواطنون و موظفون.
لن أنسى ذلك الأجنبي  الذي جلس إلى جانبي مرة في رحلة له عائدا إلى دولته، و حين تحدثنا قال لي ساخرا: للأسف دولة من المقدرات بمسؤولين غير مسؤولين و غير عمليين و حكى قصصا عن رجالات المقاولة و عن معاناة أولئك الذين يستخدمون تحت بند المقاولة، لم يرد التوسع كثيرا رغم الحاحي فهو لا ينتمي لمجتمع السيبة ، حيث كان لي صديق قديم كان يفخر ويتفاخر أمامي بالطريقة التي كانت عائلته كابرا عن كابرا تعتمدها للإحتيال على تمويلات المشاريع. سأتذكر المستثمر الهندي الذي تم الاحتيال على رأس ماله في موريتانيا من ثلة من المحتالين و تلاعب به القضاء و المحامون و الدولة المحترمة، و نظر إلي بكل جرأة و عبر عن رأيه القاسي و هو يسرد سلسلة رحلاته و معاناته حتى في وجود فندق محترم للإقامة. فهل ننتظر بعد ذلك مستثمرين؟ سأتذكر أبدا ذلك المقاول الذين يرشي أحد المديرين الأجانب ببنات وطني لسن بائعات هوى بقدر ماهن راكضات خلف لقمة عيش لا يطرح مستوى كرامتها مشكلة كبيرة هذه الأيام. ليستفيد منه صفقة. سأتذكر أولئك الذين يوظفون في هذه الشركات أقارب لهم أميين أو أشباه أميين في مناصب سامية فيما الكفاءات يلفحها لظى الفساد تحفر و تحمل و تكد و يلتهم المقاول أكثر من ثلاث ارباع راتبها الشهري المستحق و هو نائم في قصره المكيف، و يتحدثون عن حقوق و مواطنين. سأتذكر أن كل شركة تصدر أضعاف ما في العقد من ذهب و نحاس و معدن أرضي و يكذبون حول كميات الاحتياط الموجودة  و الامر يحدث بتواطؤ بعض الأوغاد من المقدمين قبليا في المنطقة و الأوصياء، و المقدمين لخبرتهم في مجال الاحتيال على الأموال و أكل مال الشعب و الدولة دون حساب و لا عقاب. ولن أتحدث عن الأرقام، فقط نحن نصدم لما تعطي شركة رقما من عشرة ارقام تزيد قليلا و تحت هول الصدمة لا نفكر، فيما أرقام و أرقام مسحت من التقارير و غولطت؟
 هؤلاء هم الأحوج لمفتشين و لجان تفتيش مشبعة بمباديء قادرة على أن تتفوق على عروض خيالية ستلقاها عند مدخل المدينة حيث تقع أي من هذه الشركات. و تعود بتقارير على أساسها تؤخذ قرارات حاسمة صارمة مع هذه الشركات و المتعاونين معها في الممارسات الغير قانونية لتحفظ الدولة حق مواطنيها و احترامها  و هيبة قانونها.
http://abdallahimaur.blogspot.com/2013/02/blog-post_24.html