Tuesday, May 10, 2011

بن لادن ملأ العالم ... ورحل في صمت ( الحلقة الثانية)



القاعدة تعلن عن نفسها

من خلال عدة عمليات في مناطق مختلفة من العالم قدمت القاعدة بزعيمها أسامة بن لادن أوراق اعتمادها تنظيما على مستوى من النضج الفكري واللوجستي والتنظيمي يخوله قيادة وتنفيذ عمليات نوعية ومخططة لها من هذا القبيل عابرة للحدود من حادثة العبارة الأمريكية للسفارة الأمريكية في كينيا ، لعمليات أخرى عديدة ومختلفة الأمكنة والوسائل، بدأ الرجل الذي كان يبرز من وقت لآخر و لو ليس بشكل كبير، كان يظهر وهو في هدوئة وبندقيته يتجول في سفوح جبال عادت لتصبح عملية تحديد أسمائها ومكانها صعبة، نظرا لأن الرجل لم يكن يكشف ابسط معلومة بسهولة، أصبح ذلك الرجل ينظر من زاوية أخرى ليس النحيل الأسمر سمرة فاتحة كث اللحية رزين البسمة عميق ومتأني النظرة ، بل ذلك الشخص الذي يشكل تهديدا حقيقا لمصالح غربية في مناطق كثيرة، بعد ما قدمت القاعدة أوراق اعتمادها سفيرة فوق العادة و فوق المعتاد قليلا سفيرة عسكرية لفكرها العقدي ، كان لزاما الاستماع لسفارتها إما في صيغة تفجير يحول مبنى إلى ركام، أو في صيغ أخرى مختلفة، قويت القاعدة و اكتسبت ثقة بالنفس هائلة، وهي ترى أوراق كثيرة تقدر على اللعب بها في عالم تبدو أوراق أباطرته ضعيفة جدا، وطريقته في اللعب مكروهة وممقوتة من الكثيرين حول الطاولة وبعيدا عنها، كان رجل الأعمال المهتم بالأعمال الاغاثية يغرق حتى الأذنين في عالمه الجديد الذي فصله على مزاجه وحسب متطلبات وضع يبدو له غير مقبول وشرع في سبيل تغييره وسائل كثيرة، كانت القاعدة بزعيمها تحصد تعاطفا إسلاميا كاسحا، سيكون له الدور الكبير لا حقا بعد ما كان قد قدر أن القاعدة هي التي ستخطو الخطوة التي ستغير سرعة مسير و اتجاه ووجهة العالم كله، وتغير معطيات الزمان والمكان فيه ، تلك الخطوة التي لم تكن مجرد حدث من سلسلة أحداث شهدتها صفحة الصراع القاعدو-امريكي.
11 من سبتمبر قاعدة بن لادن تهز قمة العالم

صبيحة الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر سنة
2001 استيقظ العالم والأمريكان و نيوركيون خصوصا على يوم حسبوه كسائر الأيام سيحتسون فيه قهوة الصباح ويتبادلون القبل عند أبواب المنازل ثم يتجهون إلى العمل ويعودون مساء ليحلوا ربطات العنق ويغيروا سروال الجنز الضيق، لم يعرفوا أبدا أنه يوم سيغير معطيات عقود، وثلاثاء ستشكل يوما فارقا في التاريخ الاستراتيجي والجيوسياسي للعالم اجمع، أمريكا تحت النار، وطائراتها هي التي تدمرها، في بيتها وفي عقر دارها تستجدي السماء رحمة، برجا التجارة العالميين فخر التكنولوجيا المعمارية وفي دقيقة وبضع ثوان و أمام أنظار العالم أجمع ينهدون ينهارون وكأن العالم ينتهي، أمريكا القوة العظمى في حالة ذهول ، من كان يتصور حتى في سيناريوهات الخيال التي كانت في تلك الفترة تشهد ازدهارا في هوليوود لم يخطر ببالها فكرة من هذا القبيل خارجا عن الكاتب الذي تخيل أمريكا تتعرض لهجوم ولكن ليس بهذه القوة ولا بهذه المفاجأة، كل معطيات التكنولوجيا الاستخباراتية، و القوة اللوجستية العسكرية، كل أمريكا بما أحاطت به الاسم من هالة تنحني بكاء، قاعدة بن لادن وفي وضح النهار، وبالتدبير والتخطيط وبالعمل الاستخباراتي تهد قمة العالم، ويسألوك عن منفذي الحادي عشر من سبتمبر يقولون تسعة ثامنهم او ثمانية تاسعهم، لا بل تسعة عشر عشرونهم إيمانهم هكذا قالت القاعدة ، و قال زعيمها وهو يعلن مسؤولية القاعدة الكاملة عن العملية، تخطيط فتدبير فتفكير فضربة أذهلت العالم، القاعدة في أبهى فتراتها، القاعدة تضرب أمريكا. العيون الأمريكية تدمع في ألم، ثلاثاء اسود، والنصر العظيم وثلاثاء الرد هكذا نعتته القاعدة ، وبين هذا وذاك هو ثلاثاء أعلنت فيه القاعدة نفسها ليست مجرد تنظيم عادي بل قوة، قوة ضاربة يحسب لها حسابها، مات من مات و أنقذ من أنقذ و سحابة الذهول كست الكرة الأرضية، كل فتح فمه  ووضع يده عليه واتسعت عيناه وهو ينظر مشهد البرجين من علوهما الشاهق ينهاران حطاما ركاما رمادا ، من فعل ذلك كانت الإجابة الوحيدة بن لادن او القاعدة، كانت العالم الإسلامي والعربي خصوصا حينها يعيش حالة حنق وكره شديدة لأمريكا، التي تعيث فسادا في أفغانستان وتضرب  الطالبان والتي تؤيد إسرائيل بشكل أعمى، بسرعة وكانعكاس لشعور الكره ذلك تحول بن لادن إلى زعيم فمن لم يكن مقتنعا به فكريا، اقتنع به كرجل قضية نجح في ما كان يعتبر إلى وقت قريب، فكرة جامحة مبدعة قد تجود بها مخيلة كاتب سيناريوهات خيال بارع، أمريكا تحت النار أمريكا تتعرض لهجوم، أمريكا تضرب عناوين كثيرة اختارتها حينها وسائل الإعلام الغربية ، لكن العنوان الذي عبرت عنه القاعدة هي ان العملية مجرد عملية رد على ما تفعله أمريكا بالمسلمين في أنحاء كثيرة من العالم، تحول أسامة إلى الاسم الأول في العالم والأكثر استخداما بين في كل وسائل الإعلام وبين الصغار والكبار، ثم تحولت صورته إلى صورة نجم غناء غربي تلقاها في كل مكان على زجاجات السيارات وعلى جدران البيوت وحتى في بعض الشوارع تحولت ماركة تجارية و أداة تسويق ، لماذا ربما ليس لأنه الرجل المنادي للحرية ولا الرجل الذي اقنع فكره الشركات الغربية التي لا يهمها إلا حسابات أخر العام المالي، بل لأنه الرجل الذي هز أمريكا، وما أدريك ما أمريكا آنذاك تعيش حالة شعور بالعظمة طاغية ، القاعدة الرقم الأهم والأصعب والأشد حسما في معادلة السياسيات والاستراتيجيات العالمية والأمريكية خصوصا، القاعدة تغير العالم ، فالعالم قبل الحادي عشر من سبتمبر ليس هو العالم بعده بتاتا، جاء ما يسمى مكافحة الإرهاب وقوانينها وجندت أمريكا كل العالم للانتقام لها تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وجاء الخطاب الشهير لبوش من ليس معنا فهو ضدنا، وأعلنت الحرب على الإرهاب والقاعدة في الرتبة الأولى وراس بن لادن الرأس الأغلى في العالم، وأمريكا في جنون ألمها تفكر في كل شيء، ثم بعد ذلك هدأت الأمور و بن لادن من مرة لأخرى يطل من علا قناة الجزيرة يتجول بين جبال قيل مرة أنها تورا بورا وأخرى جبال أخرى، وفي رزانته وهدوءه يمرر رسالته ، وتأخذ الرسالة ما تستحق وأكثر من القراءة والتحليل على وسائل الإعلام وفي البيت الأبيض بالتأكيد، فترة قليلة وأمريكا تنسف جبال تورا بورا نسفا، ولا احد وأسامة مطلوبا في وقت بدا فيه استخدامه كشماعة أمرا رائقا للإدارة الأمريكية لتحقيق بعض الأهداف السياسية. أعلنت القاعدة عن خيوط العملية التي بدت متقنة ومتداخلة ومخططة لدرجة تفوق التخيل، من الرسائل المشفرة للتنقلات للتدريبات السرية، بدت القاعدة تنظيما يستحق "الاحترام" وارتبكت أمريكا وهي تشتاط غضبا، بن لادن في حماية الطالبان وفي جبال وتضاريس من الوعورة بمكان.


أمريكا تبحث في غضب ...وبن لادن الفزاعة والشماعة.....