آخر مواضيعي الصحفية: مقال تحليلي عن الوضعية السورية
عام يزيد مر على أحداث الثورة السورية، لا جديد يذكر و لا قديم يعاد غير أحداث التنكيل و القتل و التدمير و القمع الوحشي الذي واجه به النظام السوري الهبة الشعبية. الأسد و جيشه يستأسدون أمام شعب أعزل يعملون فيه الحديد و النار ليل نهار، قتلا و اعتقالا. تأخذ المحطة السورية وقتا يبدو كبيرا و جهدا أكبر من قطار الربيع العربي، الذي لا يزال يثبت اختلاف محطاته عن بعضها البعض و عدم إمكانية تطبيق عملية الإسقاط على طريقة الرياضيات لنظام على الآخر. فلا ربيع الأبيض المتوسط كربيع النيل كربيع ، كربيع طرابلس كربيع صنعاء و لا كل هؤلاء كربيع الشام الذي يبدو في مرحلة التشكل و تنبؤ المعطيات القائمة بمخاض له بصعوبة مخاض الشرق الأوسط الجديد، بل و لعبة بقواعد لعبة تجاذب الأقطاب.
المحطة السورية ...في قلب الاستقطاب
عوامل كثيرة سياسية و جغرافية و جيو ستراتيجية و معطيات ساعة تجعل الوضع السوري أكثر صعوبة و تجعله مختلفا، ففرنسا ساركوزي تبدو اليوم مشغولة بمستقبل قصيرها الذي يحاول أن يحظى بفترة رئاسية ثانية، لا تبدو حظوظه حتى الآن بالوافرة للفوز بها، و أوباما الرجل الذي فضل منذ مجيئه أن لا تدخل أمريكا إلا من بوابة الناتو، معلنة هدنة صامتة غير معلنة بعد فترة اضطراب طويلة شهدتها السياسة الخارجية الامريكية في ظل السلف، حتى هو الآخر يعد نفسه مترشحا لفترة ثانية تبدو حظوظه في الفوز بها أكثر بكثير من فرص ساركوزي، باقي دول أوروبا مشغولة بأزمات قائمة و أخرى محتملة و أسئلة أفغانية عالقة و وضع باكستاني متذمر، و ربيع لما تتشكل بعد معالم و لا ملامح المناخ السياسي بعده، و لا تبدو بوادر تشكلها مبشرة حيث يبدو صعود التيار الإسلامي و كأنه قدر ربيع بحت، تيار لا يبعث ماضيه و لا خلفيته على ما يمكن أن يشكل مصدر طمأنينة أو تفاؤل بالنسبة للغرب عموما. كوكتيل الأحداث هذا لا يبدو مشروبا يخفف طبخة النظام السوري لشعبه، الطبخة المشبعة نارا و حديدا و دمارا، و لا يبدو حتى مساعدا على تخفيف تركيزها و توابلها الوحشية.
إن وجود سوريا و صورتها التي سبقت الربيع كآخر قلاع العروبة و كحاضنة للمقاومة سواء منها الفلسطينية أو اللبنانية أو غيرهما ووجودها لا عبا قويا في المنطقة الساخنة، حيث كانت مخاضات ميلاد الشرق الأوسط الجديد و الشرق الأوسط الكبير و التي كانت كلها مخاضات دون ميلاد، كلها أمور تشكل خلفية مربكة للتعامل مع الوضع أو للتعاطي معه على المستويين الإقليمي و الدولي، أضف إلى ذلك الحلف ما سمي حلف الممانعة أو حلف الشر، حلف تعتبر إيران أو اعتبرت من طرف الغرب على الأقل كقلب له و عنصر هام فيه، هذا الحلف كله بوزنه القانوني الدولي و الاستراتيجي ووزنه الديبلوماسي يقف إلى جانب النظام السوري، و وجود سوريا كممر للمؤن و العتاد إلى حزب الله المتمسك بخيوط اللعبة اللبنانية المعقدة، و المتغلغل في معطياتها السياسية و العسكرية، ووقوف هذا الحزب اللا مشروط و الطبيعي إلى جانب النظام السوري سيترتب عليه الكثير في حالة الحرب الداخلية و الاقتتال و حتى في الحالة الراهنة.