في الوقت الذي تحوم فيه الطائرات الفرنسية في السماء و
تنتشر القوات الإفريقية على الأرض، و تشتعل نار حرب لا يعرف أحد مداها و لا ما قد
تطاله شظاياها، و الجميع ينظر للمؤيدين لفظا و المؤيدين فعلا، أقدم تنظيم القاعدة
في المغرب الإسلامي على خطف مجموعة من الرهائن من منطقة بترولية في الجزائر ، و
قال أن عمليته تأتي ردا على سماح الجزائر للطائرات الفرنسية باستخدام أجوائها لضرب
القاعدة و شن الغارات في المنطقة. حملت الخطوة رسائل عدة في بداياتها، تفيد في
أكثرها فصاحة أن التنظيم متوغل في الدول المجاورة و قادر على تنظيم أكثر من عمليات
خطف و حرق و غير ذلك، و استهداف مصالح كل المشاركين في الحرب. ما إن تمت العملية
حتى بدأ الحراك الديبلوماسي متخوفا من طبيعة الرد الجزائري الذي لطالما تعامل مع
فعل من هذا القبيل أمنيا مستبعدا نهائيا الحل القائم على المفاوضات و الفديات و
غيرها كما حصل في حالات كثيرة في السابق.
كان من ضمن المختطفين أمريكيون و بريطانيون و فرنسيون و
يابانيون و آخرون من جنسيات مختلفة ضمت دولا أعلنت دعمها ولو على الأقل لفظيا
للعملية العسكرية التي تشنها فرنسا بدعم من و لدعم القوات الإفريقية و قوات
الإيكواس خاصة. إن لم تكن القاعدة قد أحست خطرا و تهديدا حقيقا جراء العمليات في
أيامها الأولى و أرادت فقط حدثا يعطي الحرب منعرجا جديد في أي اتجاه حتى يتسنى لها
ترتيب أوراق جديدة فأقدمت على هذا الفعل، إن لم يكن هذا هو الامر فإن الخطوة في
طريقها لفتح باب إلى جهنم لهذه الحرب الطريق إليه و الطريق منه رمال متحركة قادر
وحلها على طمر الجميع.
الجزائر ترد بطريقتها
ما إن تمت العملية، حتى طوق الجيش الجزائري منطقة احتجاز
الرهائن، فجاء رد المختطفين في صيغة مطالب متسلسلة على رأسها ، تراجع الجيش
الجزائري كليا و إخلاء المنطقة حتى يتسنى لهم التفاوض مع الدول فهم يريدون أن
يجدوا مساحة زمنية و مكانية لإدارة
صفقاتهم بشكل محكم. بعد العملية بقليل مطالبات و اتصالات ساخنة تمت على مستويات
عليا تطالب الجزائر بالتريث من اليابان إلى ابريطانيا و غيرهما، لكن فجأة و على
الطريقة الجزائرية الأمنية الصرفة، تمت المعاملة مع الخاطفين بغض النظر عن أي ضغط
تحدث عنه المحللون، الذين قالوا أن الموقف الجزائري أمام خيار صعب شاق بين وفاء
للموقف الجزائري التقليدي القاضي برفض التفاوض كليا و مطلقا مع الجماعات المسلحة و
حساسية جزائرية شديدة تجاه ملف أرق الجزائر و حكوماتها و شعبها طويلا و بين ضغط
غربي مكثف للحفاظ على حياة الرهائن. الطريقة الجزائرية لم تعط وقتا كثيرا للتفكير
و أرادت أن تؤكد بشكل لا يقبل الشك و فاءها لطريقتها الأمنية، فطوق الجيش المكان و
صب عليه النار من جهات مختلفة فقتل الراهن و الرهينة. و أطبقت حالة من الصمت و
الإنتظار على الصوت الغربي الرسمي و ردات فعله. ربما كان في حساب الجماعة أن الجزائر
لن تقدم على خطوة من هذا القبيل لأسباب من بينها الضغط الغربي ، حيث أن الصفقات
السابقة أسالت لعاب الجماعة، الثاني رهانها على أن الجزائر ستفعل المستحيل و لا
تقف إلى جانب مستعمرها السابق الذي تشهد علاقاتها معه حتى فترة قريبة حالة تشنج
حادة مردها رفض الأخيرة الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية السوداء. رهان بدا أنه لم
يكن في محله.
الجزائر و على لسان بعض مسؤوليها أعلنت إنتهاء العملية
العسكرية ، و يبدو بشكل واضح أن هنالك محاولة منها حثيثة للفصل بين العملية و ما
يجري في شمال مالي و تريد النظر إليها على أنها قضية تتعلق بالأمن القومي و
السيادة الوطنية. و بهذا تحاول أن لا يقرأ أحد عمليتها على أنها قبول أو ورقة
خضراء للمشاركة في الحرب. أما الردود الغربية فكان في أولها تصريح لوزير الخارجية
الفرنسية قال فيه أن هنالك إمكانية لإرسال دول غربية جنودا للمشاركة في الحرب
القائمة الآن في مالي كان من الطبيعي جدا أن تؤثر عملية من هذا القبيل على مواقف
طبعها نوع من التردد.
فالجزائر كصاحبة شأن بطريقة أو بأخرى بدا موقفها صلبا ثم
يلين و يلين إلى أن وجدت نفسها تشن عملية، فبعد رفض مطلق بالوجود الغربي خاصة
الفرنسي في المنطقة و جدت نفسها تفتح أجواءها أمام طائراته، ثم لربما و كضريبة على
فعلتها سيحاول الغرب إقحامها بشكل أكبر في الحرب حتى يتجاوز عنها.
و في حالة كهذه
المواقف التي لا تمتاز بصلابة مطلقة عرضة لأن تتغير في أي وقت و تحت أي ظرف.
فلربما تقدم الجزائر على المشاركة في الحرب مستخدمة عملية الاختطاف كتهديد لأمنها
كمبرر ثم ساعية لإرضاء الدول التي لم تعطيها فرصة لنقاش كيفية تحرير الرهائن، و هو
أمر أشار إليه بطريقة أو بأخرى الجانب الفرنسي، الذي صرح بإمكانية حصوله.
الموقف الأمريكي من بدايته جاءت موافقته على استحياء
فلأمريكا تجارب كثيرة في مجال كهذا، و لها نظرة مختلفة و لو قليلا حول الجماعات
الإسلامية في شمال مالي و في المنطقة و ربما مصدر تخوفها تغلغل هذه الجماعات في
ساكنة المنطقة من الناحية القبلية و العرقية، أضف إلى ذلك حالات التحول التي
تشهدها المنطقة في الشمال الإفريقي. لكن لا يمنع ذلك أن تتخذ أيضا من الأمر مبررا
فتبعث ببعض طائرت أو تعلن مشاركتها من الناحية الإستخباراتية ففي النهاية فرنسا
قادرة لتؤثر على بعض أوروبا و أمريكا لن تجد ضيرا في تقديم أي دعم دون النزول بالقوات
إلى الأرض.النقلة التي قد نشهدها الآن هي أن الدول التي وافقت على العملية لفظيا
قد تشارك فعليا و تلك التي صمتت و كانت دون مواقف قد تعلن نوعا من التأييد لها. و
الجزائر قد تقدم على المشاركة في الحرب تكفيرا عن ما ينظر إليه الغرب كخطيئة. و
فوق كل ذلك لا يجب أن يتناسى المشاركون مصالح لهم عدة في تلك المنطقة في المتناول
و استهدافها لا يتطلب الجهد الكبير من جماعة خبرت المنطقة و صحراءها و شعابها.
و نفس الأسباب بدرجة أقل تعقيدا ربما جغرافيا و أكثر تعقيدا
عسكريا و ميدانيا نفس الأسباب التي حولت ضربة عسكرية خاطفة تحدثت عنها أمريكا منذ
سنين في افغانستان حولتها إلى سنين لا زالت افغانستان و جوارها يعيشون ويلات
تبعاتها حتى اليوم. نفس الأٍسباب قائمة. فإن كانت أسبابا استراتيجية دفعت أمريكا
فهناك أخرى استراتيجية تدفع فرنسا. و إن كانت أهدافا اقتصادية فهنالك أهداف
اقتصادية و إن كان ما آلت إليه تلك الحرب بسبب توغل المقاتلين و اختلاطهم بالساكنة
المحلية، فهنا أيضا.
لو استفاد الإنسان مرة
من التاريخ.....
و قد علمنا التاريخ الحديث أن الدول الغربية لا تشن أي حروب
لمصالح الشعوب الأخرى، بل تشن هذه حربا لمصالحا فيؤيدها أولئك لمصالحهم، لأنها هي
ستصوت مثلا في مجلس الأمن و تشارك معهم مؤيدة لهم في حرب أخرى. فهل جلبت حرب
أمريكا رخاء و نماء لافغانستان بكل ما رفعته من شعارات مكافحة الإرهاب و الجماعات
المنظمة و التهريب؟ و هل جلبت رخاء و هناء و استقرارا لشعب العراق الذي يتخبط
اليوم في ويلات البؤس و الشقاء و الموت و الدمار و الهلاك و التهالك رغم كل شعارات
الحرية و الديمقراطية؟ و هل جاء أي تدخل غربي في أي دولة أجنبية لصالح شعوب هذه
الدول من الحروب الأولى حتى اليوم، لا يسجل التاريخ حربا واحدة من هذا القبيل.
كلها حروب لمصالح استراتيجية و اقتصادية ضيقة. و يتبين بعدها أنها كانت بسبب رغبة
في تشييد قاعدة عسكرية أو زيادة في كمية صادرات النفط أو السعي لكباح دولة تبدو
تنمو بشكل خارج السيطرة. و للأسف و في كل مرة ينقسم العالم بين مؤيد و معارض، حتى
الشعوب الفقيرة و المتضررة من هذا الحروب تجد فيها إنقساما من هذا القبيل و في
النهاية تضع اليد على الخد و تبقى يتفرج شعوب
اممزقة و إقتصادا متهالكا و تكون الصفقات حينها كلها قد تمت و المصالح المرجوة من
الحرب في مجملها قد تحققت كونها لم يكن ضمنها مثلا أن يستقر شعب أو يزدهر. و نفس
الحالة تتكرر مع مالي. فكل الدول ستدعم فرنسا الآن و تعينها في صياغة الشعارات لكن
ذلك فقط كنوع من رد الجميل ففرنسا قد فعلت معهم المثل في مرات سابقة.
إن تدخلا من هذا القبيل يؤمل منه شيء حين يتم من دول ليست
لها مصالح مباشرة و لا تاريخ استعماري مقيت. خاصة بعد الحراك السياسي و الإقتصاد
الذي شهده العالم كان لتلك النظرة أن تتغير. لكن المشكلة ليست في هذا و لا ذاك،
المشكلة في نظام عالمي قائم على هذا الأساس لم يعد هنالك بد من الوقوف في و جهه
بإرادة الشعوب في التحرر من التبعية من أي نوع.