Monday, March 28, 2011

دون أن أقصد الإساءة، هل لنا إعلام ؟!


 ََسؤال شك وجواب يقين 


يراودني هذا السؤال كثيرا ، وكلما هجرني زمناعاد ليطرح علي نفسه بإلحاح وشدة أكبر ، يهجرني حين أرى إرهاصات أو بوادر ميلاد جديد أرى ما يتخيل إلي دوما أنه مخاضه ، ولكن عجيب أنه كلما يراودني هذا الشعور يرتب القدر زيارة مرة إلى مقر التلفزيون و أخرى إلى مقر الإذاعة وبين هذه وتلك الجرائد والمواقع التي كثيرا ما أكون إما شاهدا على واقعها أو متنفسا يفرغ فيه عامل في تلك الجريدة أو كاتب في ذلك الموقع المرارة التي يشعر بها ويحاول أن يريح ضميره بأن يحدثني ببواليه ،  وكانت آخر حادثة حدثت معي حين دعاني صديق لي لأحضر معه تسجيل حلقة من برنامج تلفزيوني لسيدتنا المخرفة ، ويأتي هذا بعد ما كنت دائما ومن وقت لآخر لأنظر ما إن جد جديد واضعا في حسباني أن تلك الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس المحترم إلى مقر التلفزيون لا شك سيكون لها مفعولها ، تلك الزيارة التي رأينا خلالها مختطفات من محاربي التلفزيون القدامى وعيونهم شاخصة والارتباك باد على ملامحهم وهم وحدهم البالون أكثر من أجهزة التلفزيون ، ولكن على العكس بدل أن تغيرهم الزيارة إلى الأفضل بدا أن الرئيس كان يبدى إعجابه بالعمل الإبداعي والمذهل لإعلاميينا وتلفزيوننا ، عودة إلى الحادثة وصلت التلفزيون وزميلي في الميعاد المحدد لنا بالدقيقة والثانية ، دخلنا قاعة الانتظار وبعد فترة طويلة خرجت  وزميلي لنستريح من طول الجلسة ما بدا أنه ضايق مضيفينا مع أنهم لم يعطونا البديل ، بدا الجو مرتبكا ففضلنا الخروج إلى الملعب الاولمبي جولة استمرت ساعة ثم عدنا وجلسنا في باحة
التلفزيون ، لنكتشف الأمر بعد ما التقينا ضيفا آخر يعيش نفس مأساتنا فحيث سيصور معه مشغول وهي نفس حالتنا ، فالاستوديوهات كلها مشغولة ، ولا تسأل عن الاستوديوهات فهي ساحات في الهواء الطلق في إلى جانب بناية التلفزيون وهذا هو سر الرداء الأسود في الخلفية لجل برامجنا وهو سر خلل الصوت فالكثيرون يلاحظون أن الريموت الآلي لا يتحكم في صوت تلفزتنا لا يزيده ولا ينقصه ، وهو سر أيضا أبواق سيارات كثيرا ما تسمعها تتخلل وقفات البرنامج التلفزيوني، جلسنا ومن المفارقة أن عمال التلفزيون يبثوننا أحزانهم ومآسيهم ربما هو نوع من الاعتذار عن وضعية الانتظار التي دامت الثلاث ساعات تزيد ، ومن فضلك لا تتخيل ضيفا على مكان آخر ولو ليس تلفزيونا حتى تستطيع استيعاب الفضيحة ، كانت كاميرا و مصباح في كل جانب وكأن كل برامج التلفزيون تسجل في ليلة واحدة وجعلني هذا أتساءل ماذا يفعل هؤلاء في النهار ، وفهمت لاحقا أن المسألة تتعلق بالتصوير ففي ذلك الهواء الطلق لا يمكنك التصوير نهارا بأية حال ، حضر المقدم بعد الميعاد المحدد بحوالي أربع ساعات قضاها الضيوف ينتظرون لا احد فسر لهم ما يجري إلا أن أغلبهم تحمل لأن قلبه رق لحال التلفزيون ، بدأت الحلقة بعد ساعة من تردد الجهاز الفني للبرنامج حيث الفني يتصل بآخر ليقدم له الاستشارة  وكادت الحلقة تنتهي  مع ضيف الشرف لولا قليلا  وكان على الذين انتظروا أربع ساعات أن يذهبوا لميعاد آخر ، وكان ما كان مما ليس من الإعلام ولا تقنيته بمكان وفبركت الخز عبلة واختصرت في دقائق تحمل المشاهد كل سقطاتها كما يفعل دائما ، وكان نفس الأمر حدث معي مرة سابقة في مقر الإذاعة حين دخلت ليتم التسجيل معي فوجدت أن الصحفي يبحث عن مفتاح الاستديو الذي علمت لاحقا أن الحارس أيضا يسأل عنه لنلاحظ أنه مفقود ، وليعثر عليه بعد ساعات من البحث تحت فراش صغير عند بوابة المدخل الرئيسي ، وهكذا وبهذه الطريقة دائما يعود نفس السؤال .

الإذاعة فضيحة ... والتلفزيون أم الفضائح

حين تتساءل مثلا أين مشكلة التلفزيون تقول صحافة هواة دون تكوين أكاديمي أو دورات علمية فكانت المادة هزيلة وتقديمها مبتذل يثير الاشمئزاز ، وهذه المادة عصية على الابتلاع لثخنها و ثقلها وقلة تنوعها ، وحين تنظر برامج التلفزيون الآن تجد نسبة تسعين في المائة منها حوارية باردة مملة ساذجة سطحية تعالج نفس المواضيع ينفس الروح والنكهة مع تعدد الأسماء ، هذا بغض النظر عن المقدمين ، ثم حين تبحث جيدا تقول ربما المشكلة المعدات التقليدية والمهترئة وهنا أيضا لن تجد من يكذبك فهي معدات بالية لسببين كون كل جهاز جد فالمدير وحاشيته أولى به و كونها قليلة أيضا الأجهزة الجديدة ، ثم ستصل في مرحلة ما إلى أن المشكلة في الفنين وهو أمر وارد أيضا كون أكبر مخرجي التلفزيون ومهندسيها ممن تلقوا دورات لمدة أشهر في المغرب أو الجزائر أو ما إلى ذلك وكلنا نعرف أن هذه تخصصات تطلب أعواما وأعواما من العمل الجاد والمضني ، ثم ستقول الإمكانيات وهنا يجب أن نتوقف قليلا فهل الدولة لا تدعم أم أن الإدارة لا ترحم خاصة حين يتعلق الأمر بالميزانية ، وفوق كل هذا وذاك تقول إن المشكلة ربما في أن هناك مصورون جاء بهم قريب لهم من الشارع لا يعرفون عن التصوير شيئا وهناك فني بنفس الحالة وصحفي أيضا فلا غرابة إذن في أن ترى طواقم جديدة مع كل مدير جديد مثلا ، كل هذه أسباب حقيقة وواردة ولكن المشكلة الحقيقية هي التلفزيون بذاتها كلها على بعضها بمحاربيها القدامى وتجب في حقها عملية تأهيل شاملة تقلع جراثيم هنالك من أصولها حتى يسلم جسم التلفزيون المريض والمعتل والمثير للحنق والشفقة في آن معا ، وما يذكر لها ربما هو أنها تخلصت من الطبل والمزمار الذين لطالما احترف  عمالها العزف عليهما ، أما عن الإذاعة فلا شيء غير تلك الاسطوانة المشروخة التي تتكرر من زمن نفس البرامج نفس المعالجات والممارسات ، وهي مجرد حقل تجارب لشباب ما إن يدخلوا حتى يلقى على عواتقهم  بالعمل الكلي ، وهنا يجب أن يفهم أن الفرق بين التلفزيون والإذاعة شاسع جدا فالميزانيات ليست متقاربة والََِمتطلبات ليست متساوية ، ومع ذلك فالتلفزيون و الإذاعة تعيش نفس الوضعية ، فحال تلك من حال هذه .  أضف على ذلك مقاطعات الضيوف ببدائية فجة مضافا على انقطاعات البث المتوالية  وانقطاع الصوت مرة والصورة مرة أخرى ،
الجرائد الزبونية والقبلية ،
مواضيع مكررة ومقالات فقيرة و عناوين مبتذلة

ربما لا تصدق لأنك لا تتخيل أنه في زمن كهذا يقف رجل مثقف محترم وهو ينوي تأسيس جريدة فيجتمع بما يسميه نخبة القبيلة قائلا ما هذه إلا جريدتكم وجريدة القبيلة تشكل جزء من نفوذها و تواجدها ، ولكن صدق، فأكثر من شخصين موثوقين أعرفهما عاشا تجربة من نفس النوع ، أما عن الزبونية فدعونا ودون مجاملات ولا تنميق كلمات نقول أننا كصحافة موريتانيين لا نحترم أنفسنا ولسنا أفضل من شرطة جباية 200 أوقية  بشيء إلا لكونهم يفعلونها في الشارع أما صحافتنا فتفعلها في المكاتب المكيفة والفيلات الفاخرة بائعة الضمير والتوجه تلقاء العطية ، فتصور مثلا أن الحدث ليغطى لا بد له من ثمن قل أو كثر والأمر ليس محصورا على صحافتنا العاملين في مؤسسات وطنية بل وحتى العاملين في مؤسسات وشبكات عالمية و أنا عشت تجربتين شخصيتين  لمراسلي مؤسستين من أكبر و أهم المؤسسات العربية وهم يتقاضون أجر التغطية ، أما عن المادة المقدمة في الصفحات الثمانية  اليومية والأسبوعية  على كثرتها وتشعب أسمائها فالمواضيع هي ذاتها و أكثرهم جدا تلك التي ستنقل لك  ما ورد في الانترنت ، أو تنقل لك أحاديث الشارع ، أما أن تجد تحقيقا حقيقيا يكشف حقائق ما أو تقارير تزيل الستار عن قضايا مهمة ، أو دراسات ومقالات جريئة لا ترغب إلا ولا ذمة لا يهمها إلا أن تعبر فهذا درب من المستحيل ، فالتحقيقات مقالات يعدها من يدعي انه صحفي وهو إما جالس في بيته أو على مكتب لساعة وكأنه موضوع مقالة سترتجل بلا مبالاة مزرية تركيب لغوي ضعيف وارتجالية مخلة، وأقل ما ستجده هو مقالات الرأي لأن الجريدة تخاف فلانا والجهة كذا وتطمع في فلان وفي الجهة كذا فهي مصدر الرزق ، وهكذا تفقد الرسالة الإعلامية والصحفية نبلها و أهميتها ولتتأكد انتبه للجرائد فستجد أن ما ينشر لك هو مجرد صياغات مختلفة لموضوع هو المصدر المشترك للجميع ، مجرد كومات من القمامة لا تسمن ولا تغني من جوع ، وليس فيها ما يستحق آن تصرف فيه مائة ولا ما يستحق أن تأخذه إذا ما وجدته مجانا إلا ما رحم ربك وصدقا صدقا قليل ما هم إلى حدود الانعدام  ، ولكن لا يهم هذا فالرزق مضمون بوسيلة أخرى ليست العملاء التجاريين ولا الإعلانات ، فلا يهم إذن ما إذا كثر القراء أو قلوا والمهم أن تظل تلك الجريدة حين يكون فلان بحاجة لنشر خبر ولا شك أن ما سيدفعه سيفي بالغرض لفترة، وأن تجد جريدة تشدك اهتماماتها ومواضيعها ومعالجاتها فهذا لا زال حلما صعب المنال فالجرائد لها في دولتنا معنى آخر واهتمامات أخرى وتوجهات أخرى وديدن آخر مختلف فهي في واد والإعلام ورسالته في واد آخر ويا آنت اقرأ أو لا تقرأ، فالعدد إن سلم من الإفلاس الذي يؤدي دائما إلى انقطاع في الجريدة إن سلم من ذلك فسيستكمل أحيانا بموضوع من الأرشيف قبل سنتين أو ثلاث ولكن من ليهتم بذلك ؟!      

النقابة والرابطة، على ماذا يا سادة ؟!

نقابة الصحفيين الموريتانيين هي كيان تأسس حديثا يتميز بطابع شبابي يبرز فيه العامل الأكاديمي يذكر له على الأقل بالنسبة  لي  أنه جعلني أعرف أنه كان يوجد كيان يسمى رابطة الصحفيين وهو الأمر الذي كان غائبا عني وربما يعود الأمر لقلة إطلاعي ، وأقول هذا وأنا لست إلى هؤلاء ولا إلى أولئك ولست بمذبذب بينهما وإنما أعرف أني عرفت أولئك ولا حقا سمعت بخلاف لهم عرفت أنه مع هؤلاء وحين تحريت وجدت انه يمكن إرجاع القضية إلى سببين رئيسيين أولهما دخول النقابة دون مسار محدد ولا رؤية واضحة للتعامل مع الإعلاميين والإعلام و  المعايير التي وضعتها النقابة للانتساب إليها لما سماه البعض انعدام التوازن فيها والشروط الغير منسجمة التي لم توضع آخذة بعين الاعتبار التجديد في الساحة الإعلامية الأمر الذي كان سيكفل لها أن تبقى بعيدة عن الكيان الآخر وثانيهما أن الرابطة تمثل مجموعة طالما جالت وصالت في عالم الإعلام الموريتاني ورأت أن في هذا الكيان الجديد نشازا و سعيا لان يعرج بمسارها إليه كونه لم يحدد مسارا مستقلا له هنا ، لا يهمني هنا بذلك القدر من الأهمية هذا الخلاف بين الاثنين بقدر ما يحزنني  أننا منهم نسمع فقط ونسمع ، ولم نر بعد ذلك الإسهام الذي كان منتظرا منهما للنهوض بالقطاع اللهم إلا إذا ما كان للنهوض معنى آخر في قواميسهم ونحن معتادون على تعدد القواميس في هذا المجال  ،و أنا لا ادري على ماذا خلا فهم ؟ لم لا ينتظرون حتى يشكلوا ما عليه يتفقون أو يختلفون إن الطامة أن يتنازع هؤلاء العدم، وأقول العدم وأنا اعرف من إذا سألته : هل تعمل ؟ يقول لك: ليس تماما أفعل شيئا لا أدري ما هو ؟ ثم لا حقا تعرف أنه على جناح كبير في مؤسسة إعلامية كبيرة ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على خجل هؤلاء من مهنتهم مع أنها كان من المفترض أن تكون مصدر فخر واعتزاز لكنا من فعلنا بها هذا في وطننا فتحول صحافتنا إلى متسولين على أبواب الوجهاء وطماع على موائد ذوي السلطة ومرتزقة على الكلمات الشاردة والنظرات الواردة .   
رجاء... حتى لا نضيع

كنا نقول  دائما الصحافة السلطة الرابعة  فإننا في عالم اليوم يفرض حقيقة أن الإعلام هو كل شيء وكل السلطة ، إن عالم السموات المفتوحة والحدود المهملة عالم الصوت والصورة العابرة عالم له ضرورات ومستلزمات وقوانين قاسية ، والذات التي لا تتشكل فيه كيانا قابلا للصمود تتميه وتضيع في تيار كاسح يمسح آثار التاريخ ويمسخ الهوية ويغسل الأدمغة البشرية ويمزق معطيات الجغرافية  ، إنه عالم إعلامي متوحش قد يلعب دور الأم فيربي أبنا في أقاصي أدغال افريقية على عادات تمارس في أعالي أبراج عالم أوروبا البراق ، يلعب بتاريخ الأمم كما يشاء فإن شاء مسحه وإن شاء فبركه و  أبسطها أن يسرقه ، كما انه قادر على رسم الجغرافية كما يشاء ، يزرع الأفكار و يغير شكل القمر ويرسم ملامح المستقبل كما تشاء ريشته عالم يبدي لك صورة براقة ليخطف بصرك فلا ترى بعدها ويعزف لك اللحن الأروع ليسرق سمعك فلا تسمع بعدها يعطيك ثم يعطيك إلى أن يأخذك كلك إن الزمن لم يعد يرحم المرتبك ولا المتردد ولا اللاهث على الأثر والعربة الأخيرة مصير ركابها الهلاك اليوم ، ولا شيء أخر ، إن الهوية أمامه تتلاشى في متاهة الشعارات وبريق المناظر ، ما لم يتشكل ذلك الكيان الإعلامي القادر على الردع ثم الصمود ، والقادر على فك رموز الرسالة وإرباك شفرة المشهد كيان قادر على أن يضع مقاسات ومقاييس خاصة به تحفظ له وجوده رقما مؤثرا في المعطيات الرقمية الجديدة ما لم يتشكل هذا الكيان فسيظل هذا المجتمع ذلك الصدر العاري أمام الطلقات حتى تلك منها الشاردة والتي لم تكن موجهة إليه أصلا ، ونعرف نحن انه تلزمنا سنوات وسنوات من العمل فقط لندخل الإطار ثم نفكر بعد ذلك في الخطوة الأخرى . وكلكم تعرفون ما هو الإعلام نظريا، ورأيتم تأثيره واقعا
فودعونا نسأل بكل موضوعية، هل لنا حقا إعلام ؟!!!