Wednesday, March 23, 2011

الإعلام الموريتاني: مياه راكدة



إن الإعلام وبصفته مرآة المجتمع والعنصر الأكثر فعالية في التغيير ،والعامل الأهم في معادلة التنمية لأي مجتمع وأية أمة ,يجعلنا نتساءل أين إعلامنا في خضم هذه التغيرات العالمية المتسارعة التي لا ترحم المترددين والذين لا يفهمون فهما صحيحا ,ولا يقرؤون الواقع قراءة متأنية،في هذا العالم الذي لا يجد فيه قوم لايزال إعلاميوهم نائمين على آذانهم ،على أقلامهم الخائفة المرتعدة والكسولة ،وكاميراتهم صدئة وأصواتهم خافتة لحد الصمت
لا يؤثرون ولا يتأثرون لا يغيرون واقعهم والواقع لا يغيرهم،فمن القلم والكلمة إلى الكاميرا مأساة واحدة معاناة واحدة لا أرباب ولا عباد ألف علامة إستفهام وألف ألف سؤال أمام مايسمى بحق أو مجازا الإعلام في موريتانيا .
فمن تلفزتنا الوطنية وما أدريك ما تلفزتنا الوطنية؟ أخطاء فنية صارت ضمن موادها الأساسية ،برامج مملة طويلة طول شريط الأنباء الذي يتهجى به هناك ويقص هنا حوارات باردة في مواضيع لا تطرق إلا جوانبها الجليدية ،مقدمون من دون خبرة ولا تجربة استقدم جلهم على أساس معايير نعرفها جيدا فهذا قريب ذاك وذلك يعرفه هذا،طواقم فنية وتقنية لاتزال تبحر بتلفزتنا في زمان ما قبل التصوير إن صحت العبارة ،وتقع في أخطاء من الدرجة الأولى ،بحثنا عن الأعذار وتساءلنا فلم نجد من ولا ما يجيبنا ولمن يريد علاجا شافيا لسيدتنا المريضة والمخرفة هذه فعليه أولا أن ينظم دورات تكوينية لأولئك الذين  يظنون أن التقديم مجرد التهجي بما على الشاشة ، ووجه عابس ،وجلسة متصلبة ،ودورات تكوينية لمخرجينا وليستغلوا أكثر من كاميرتين على الأقل ناهيك عن الكاميرات المتحركة ،وفنيي الصوت حتى يوافقوا بين المؤثرات الصوتية ،ثم القيام على تجهيز استوديوهات والبحث عن نمط آخر من البرامج يعطي لتلفزتنا معنى التلفاز والذي هو مشهد وإثارة .
ودفع أولئك القدماء للأتيان بجديد.وآن لتلفزتنا أن تقدم لنا ما يشدنا آن لنا أن ننظر إليها باشتياق أن نقلب جهاز التحكم ناحيتها متحمسين.
أما إذاعتنا الوطنية ورغم قفزاتها الرمضانية المحمودة والمشتركة أحيانا ،إلا أنها تبقى إذاعتنا بكل ما نعرفه عنها ولا تعرفه عنا مما خلف كواليسها من مشاكل بدائية من اتكالية وفوضوية في الأداء وعدم موضوعية في الطرح والروتين القاتل ،وفي تجربة شخصية دخلت مقر الإذاعة فلم أعرف أن أميز بين المقدم والمهندس والمعد والمنتج والبواب....وكل ما يصلنا من مواد فقيرة وهزيلة لا يأتي إلا بعد كثير من الإرتباك والخلبطة .
وعن الإعلام المقروء والجرائد والمجلات بالذات فحدث ولا حرج   كم هائل على حساب الكيف ،تنتقل بين صفحات الاعداد فيلقاك سيل من المواضيع المكررة والكتابات اللا موضوعية والتي لا تخضع لأي  معايير ،وقلما تلقى موضوعا  يثيرك أو فكرة تنتبه لها فغياب المفكرين السياسيين وحتى الإجتماعيين والثقافيين   يجعلك تطالع كل هذه المنشورات  دون أن تجد فكرة جديدة من خبير أو رؤية من مجرب ،فكل هؤلاء هواة ،وأما التحقيقات  والتي من المفترض أنها  الأكثر  أهمية وإثارة فلقد صار التحقيق مقالا تكتبه من علا مكتبك لا يخضع لأي أسس ،فواقعنا يقتله الروتين ويسوده التيار الواحد والوجهة والرؤية الواحدة ،فلا تجد مواضيع خصبة تتفاعل معها ولا حقائق نادرة أو أسرارا مكشوفة  فالوجوه الكامنة خلف الوجه الظاهر لاتزال أشباحا مخيفة لإعلاميينا وأبوابا يخاف طرقها .وكثيرا ما يكون ما يلفت انتباهك هو المواضيع المسحوبة من مواقع الأنترنت ،حتى أنك إذا ركزت جيدا فإن الجريدة تنشر الموضوع اكثر من مرة  لاعبة لعبة قذرة  على القارئ دون أن يلقي له بالا ولمتابعته رغم برائته .
هذا ويبقى العامل المشترك في إعلامنا بأنواعه خلط بين المهام وهزالة المادة المقدمة وفقدان عنصر الإثارة وعدم طرق الابواب المستعصية والسردية المملة واللامفيدة ،وعدم احترام المشاهد ،والهواية والهواة الذين يطغون عليه .مع ما يصاحب ذلك من انعدام المختصين وعدم تلبية هذا الإعلام لحاجة المواطن البسيط ولا ذاك الآخر ،ويبقى إعلامنا إعلام رضوخ واستسلام لواقع لا ينطلق منه ولا يمتلك أية استراتيجية لتغييره ،والمؤسف حقا أن إعلامنا  جزء من واقعنا الماساوي  ومع كل ما طرأ من تحسن طفيف لحد الإنعدام يبقى إعلامنا رافضا الخروج من نفق مظلم يتخبط فيه منذ زمن ،
هذا ويعتبر غياب المنافسة سببا رئيسيا لحالة الركود هذه الغارق فيها إعلامنا ،ذلك أن اليتيمة كانت على مر السنين تضرب وحدها بوقا مطبلا مزمرا للسيد   ثم حاولت لاحقا الخروج من ذلك الواقع إلا أن الخروج من واقع كذاك أثبت لنا واقع كهذا أنه صعب جدا على مجد فما بالك بصوتنا وصورتنا المذبوحين .
أما إذاعتنا فهي يتيمة أخرى رغم كثرة بناتها إلا أنهن مطيعات وقد ربتهن هي جدا ،وإلى أن يجد جديد فتجد كامرتنا يد مصور لتحملها ومشاهدنا مخرجا يرتبها وينظمها ،ونشراتنا وبرامجنا مقدمين خفيفي الظل لا يعيشون في سيبيريا يبتسمون حينا ويجاملون أحيانا لا يسقطون في الهفوات البدائية آخذين بفنية التقديم .
ونجد أقلاما قادرة على أن تأتي بجديد أو بتنظيرات منطقية وقراآت وتحليلات واقعية لواقعنا السياسي  و الاقتصادي والثقافي والأجتماعي والواقع العالمي نبقى ننتظر ،لاندري ماذا ولا إلى متى ؟ ونبقى نتساءل أين هي تلك الحجرة الكبيرة التي ستحرك هذه المياه الراكدة.