كاتب – صحفـــــــــــــــــي
يقترب الخامس و العشرون من فبراير ذكرى مشروع ثورة أو حراك
للتغيير أو الإصلاح، ذلك المشروع الذي حتى الآن لا يبدو قطع مرحلة التشكل و البحث عن الذات و التيه في معطيات
سياسة و ساسة في بلد تنخره عقلية القبيلة و عقلية الرجل الذي لا يرى عن نفسه
بديلا. التيه في معطيات و أرقام مربكة و مرتبكة في معطى سياسي تحكمه الضبابية و
الببغاوية. يبدو أن هذا التاريخ بشكل و بآخر سيسجل هذا العام أنه سيكون بداية موسم
النزول إلى الشارع من جديد بعدما قال قائل ذات مرة أن المطالبين بالتغيير و الرحيل
يمرون بحالة استراحة أو أخذ نفس، ربما هي حركة من حركات الثور وقت العراك، حيث
يعود خطوة أو اثنتين ليعود بقوة. لكن ثورنا كان يعود كل مرة خطوة أو اثنتين ليعود
أضعف مما كان و أكثر ارتباكا. موسم النزول للشارع يبدو اقترب لكنه هذه المرة بنمط
مختلف، يعتمد النزول فرادى ... فرادى. فبعد فترة من العمل الشبه منسق معا تحت
يافطة منسقية أحزاب المعارضة، تبدو هذه الأحزاب تعود لحالة العزف الفرادي كل يغني
على ليلاه و يحمل شعاره و لشعاره موسيقيته اللغوية و إيحاءاته الخاصة. و التساؤل
المشروع هو ما لم تحققه هذه الكيانات المهترئة اهتراء فكر الرجل السياسي
الموريتاني ما لم تحققه معا هل سيكون بإمكانها تحقيقه متفرقة، حتى ولو اعتمدت
سذاجة مجتمع يهب مع من هب و يدب مع دب في تجل لحالة اجتماعية سائدة مؤداها
"الفراغ".
موسم النزول للشارع يأتي بعد فترة عرفت فيها موريتانيا
تطورات كثيرة ، وتعرف فيها المنطقة فوق ذلك تطورات أكبر، فهو يأتي في مرحلة يشهد
فيها النسيج الاجتماعي حالة من التوتر في ظل إدارة غير حكيمة من الساسة و تعامل
ساذج من الصحافة مع حالات تشذ عن المبدأ القائل بأن لحمة الكيان الاجتماعي هي
الهدف الأسمى، و الخطر الذي يتهددها هو خطر وجودي لا يجوز اللعب عليه كوتر سياسي و
لا التهليل له كمادة صحفية. لكن يسهل ذلك في بلاد المثقف المشغول بسياسة يتجاذبها
خمسة اشخاص يتخندق الباقون خلفهم حسب الإنتماء القبلي و الجهوي ، إلا إذا ما كان
هنالك من سيقنعني أنه جاء لقناعة فكرية أو استراتيجية برؤية سياسية معينة، لأن حتى
الذي لا ينظر إلا بعين واحدة سيكتشف أن الرؤية منعدمة بكل معانيها.
أحداث تلاحقت...
يأتي الحراك هذا بعد حادثة رصاصة السبت و كل ما أثير حولها
من مواضيع و ما سال فيها من حبر لم يقدم و لم يؤخر، تلك الرصاصة التي رغم انشغال
الجميع بأخبارها و أصلها و فصلها لا نعرف عنها الآن إلا ما قالته عنها الدولة و
الذي شكك فيه الجميع و لم يأتنا بقصة دقيقة بديلة غير تلك التي يتداولها ركاب
الباص و التاكسي المنتجة من خيال "مجتمع الفراغ"، و يأتي بعد أشهر باريس
و التي أثبتت أن حقا صناع التغيير يمرون
بفترة راحة يستحيل قطعها و أنهم يبدون بحاجة حقيقية إلى الراحة. و يأتي الموسم بعد
"رصاصة بدر" لا يحسبن أحد أن مثل هكذا أشياء على تفاهتها لا تؤثر في
معطى سياسي يتخبط كل اللاعبين فيه بين ألعاب لا يعرفون من قواعدها شيئا و لا
يعرفون كيف استخدام أوراقها يعتمدون الحدس و اللامبالاة واضعين الوطن في عين إعصار
جهلهم و تحجر العقلية على معطيات القبيلة. ثم في ظل الهدوء الذي شهدته الساحة و
الذي كان يعكس حقيقة واحدة أنه ليس في موريتانيا ساسة و لا أحزاب و لا كيانات
يعتمد عليها في صناعة التغيير ليس فقط تغيير الجنرال كما يبدو البعض مهتما جدا، بل
تغيير كل ما من شأنه أن يمنح الفرصة لبناء دولة تستجيب لاحلام و طموحات أبنائها.
النتيجة الوحيدة التي أسفرت عنها حالة الهدوء هي حقيقة أن من يريد التغيير و
الإصلاح حقا في هذا الوطن يجب أن ينزل للشارع مطالبا برحيل الجميع.... أغلبية و
معارضة و مطالبا بتهذيب و تدريب بعض الصحافة و بتوضيح الفرق الدقيق بين أن تكون
صاحب قضية أو ساعي خلف هدف خانتك معالم الطريق إليه و سلمت نفسك لأدلاء يعرفون
معالم طريق تؤدي فقط إليهم هناك. حيث يتم الطبخ و عليك الإلتهام فأنت في حالة من
الجوع و التعب لا تسمح لك بالرفض.
ثم يبدو الموسم الجديد و الذي لا أعرف حقا المعيار الذي
يتحدد به، غير أن حالة من الإفلاس تعيشها الأطراف تجعلها تتحين أي مناسبة يمكن أن
تكون مقبولة لتستند عليها فتعلن عن حشد و
مهرجان خطابي ترفع فيه شعارات فارغة و يتبادل البعض على كلمات تشي بحالة الإفلاس
المدقع فكريا و لغويا و تنتهي و يعود الجميع لحاله. لا قديم يعاد و لا جديد يذكر.
يبدو أنه سيأتي في فترة أيضا تشهد حالة الخلاف بين ولد عبد العزيز و الرجل الذي
تبناه إبان أيام البحث عن الشرعية، حيث كان دليلا مخلصا بين مواد قوانين محلية و
دولية إلى أن وصل به. خلاف مرده قضية ضرائب أو تصفية حسابات ، مبررات كثيرة و
تخمينات طرحت و طرحها أيضا المفلسون.... و مثقفوا القبيلة
لا تباشير في ملامحكم بتغيير.....
سواء كان ذكاء من الجنرال أو غباء من الساسة أو خبط عشواء
من الإثنين، فإن الجنرال حتى الآن نجح دائما في امتصاص هبات الساسة التي تأتي على
طريقة "طربة الراعي" مع كل مناسبة حتى يضطرون أحيانا لخلقها من اللاشيء،
و لا يبدو جنرال القصر الآن يولي اهتماما كبيرا لفرقعات حتى المؤمنون و الساعون
للتغيير وصلوا رويدا رويدا لقناعة أنها هي و الشعارات صار من الضروري أن ترافق
الجنرال إذا ما كانت هنالك نية للرحيل أو إرادة حقيقة لفرضه. السياسة على الأقل
مواقف ، و حين يكون الكيان السياسي بلا مواقف يسقط هنا و يقف هناك فهو يعيش حالة
موت سريري غير قادر إبانها على صناعة شيء و لا قيادة شيء.
الحزب السياسي الموريتاني تجل واضح لحالة الضياع و المتاهة
التي تترنح فيها موريتانيا. إن غياب الحزب السياسي و السياسي و انشغال المثقف
بأشباه الساسة و الأحزاب دون تجاوزها و كل ملحقاتها الرجعية و ملامسة الواقع
المعاش و تأثيراته على المواطن البسيط و تحليله و الكتابة عنه و اقتراح البديل عن
الأغلبية و المعارضة أو اقتراح الحلول عليهما أولا لتصحيح أنفسهما و التعديل من
حالهما حتى يتشكلوا احزابا حسب المعايير و ساسة حسب المعايير، غياب تلك الأمور
بفتح الباب لهرج و مرج المتفرغين. و إلا يدرك هذا المثقف ضرورة تشكل تلك النواة
البديل عن قوم أصبح رحيلهم شرطا و ضرورة للخطو بهذا المجتمع و مشروع دولته إلى
الأمام. إن نقاشات هؤلاء الساسة و خطاباتهم و ما يحدث تحت سقف البرلمان تجل واضح
لحالة الانحطاط و الحضيض الذي يتخبط فيه الوضع السياسي لهذا البلد من ردح من
الزمن.
مثلا كمواقف كثيرة يسقط فيها أحزابنا بمواقفهم المقيتة، في
موقف الرصاصة، لما يتبين موقف أي حزب بوضوح ، فالذين علقوا الحراك إنسانية منهم
علم لاحقا أنهم كانوا في اتصالات حثيثة مع جهات دولية و اقليمية في بحث دؤوب عن
بديل لغائب ربما يحتضر في مستشفيات باريس و كان الساسة و دعاة الديمقراطية في ظرف
من الظروف ينتظرون انقلابا عسكريا، بعد ما فشلت مساعي لقاءات الديبلوماسيين و
السفراء. الأخيرون لم يخف الكثير منهم استياءه من حال المعارضة الموريتانية و حالة
العبثية و الفوضوية التي تشهدها و ضبابية الرؤية، ربما ليس حبا في عزيز حينها لم
يتفاعلوا مع ساستنا، بقدر ماهو العجز عن وجود بديل، في رجالات معارضة يتسابقون في
ماراتون مقيت إلى السلطة يركبون الدعوة إلى الإصلاح و يقودونها بمطلب الرحيل، لكن
دون دراية كافية بمعالم الطريق.
المثقف ... منتَج سياسي
و ما دام المثقفون يبتعدون بأنفسهم ، مبحرين في مقولات
الفلاسفة و المفكرين و يتبارون في جمال التعبير و رصانة اللغة بعيدا عن تقديم فكرة
بسيطة يمكن للعامة و النخبة فهمها ووضعها في إطار يجعلها تخدمهم و تخدم واقعهم.
مادام المثقف يتخبط في عقدته و يستسلم لمتطلبات مجتمع لا يعرف المثقف ما لم يعمل
على تمجيد قبيلة أو جهة و لا يعرف المثقف ما لم يدعم حزب قبيلته أو الحزب الذي
تدعمه. ما دام المثقف لا يعرف أن يكون حياديا و يحلل و ينقد بموضوعية فلا أمل في
مجتمع المليون كاتب و المليون مثقف.
والمثقفون الذين يشغلهم تصنيف الأشخاص على كل أساس أكثر مما يشغلهم تصنيف
المشاكل التي يتخبطون فيها و من ورائهم مجتمعهم. اجتاحتهم الأدلجة كموضة تماما كما يجتاح منتج
براق سوقا مقفرة كانت مغلقة الأبواب. فتجد الماركسي الذي لا يعرف عن ماركس إلا لحيته
الكثة و آخر إسلاميا لا يعرف عن الإسلام إلا تقديس فلان و فلان و آخر ملحدا حتى من
غير سبب. مجتمع هذا حال مثقفية طبيعي أن يكون في حالة الضياع و الإنفصام تلك
فالهوة واسعة بين نخبة لها عالم ضائعة فيه و قاعدة لها عالم هي الأخرى ضائعة فيه،
و بين الضياعين وطن أضيع. إن المثقف الموريتاني لم يواكب يوما تطورا اجتماعيا و لا
حراكا سياسيا بما يليق و ماهو مطلوب منه من تحليل موضوعي يضع الأمور في إطارها و
ينير الطريق للرأي العام، لم يتدخل المثقف الموريتاني يوما إلا طرفا يبرر و يحلل
على هوى الجهة و الوجهة و القبيلة و الحزب. فمنذ أيام معاوية ولد سيداحمد الطايع،
و المثقف يعتنق عقيدة التدجين و يهرب من مواجهة عقده و مشاكله في مجتمع كالمجتمع
الموريتاني يهرب منها إلى الإرتماء في أحضان هذا أو ذاك _يعرف جيدا ضحالة مستواهم
_ انتظارا لمنصب أو حظوة، أو يرسم لنفسه و
قلمه و صوره منهجية تجعل لديه رصيدا كافيا يكفيه للمطالبة بلجوء سياسي في مكان ما،
أو يكفيه ليضغط حتى يتم تعيينه في منصب ما. فيهاجم هذا رغبة منه في صداقته لاحقا.
في نخاسة مقيتة بالفكر و الكلمة.
25 فبراير ....روضتْها القبيلة و ركبَها الساسة؟
إبان الحراك الذي شهده العالم العربي ما بين عامي 2010 و
2011 و الذي لا يزال يعاش و تعاش بعض خلفياته مشاهد أليمة قاسية رغم ما تحمله في
عمقها من أمل لما يتلاشى بعد في تشكل دول على مقاس أحلام و طموحات الشهداء الذين
راحو في الميادين دفاعا عن حق أجيال في العيش بحرية و كرامة . إبان تلك الحركات تشكل
ما يسمى "حركة 25 فبراير" كانت أملا في تغيير تقوده نخبة شابة مثقفة تضع
كل شيء في إطاره و تقرأ المعطيات بما يخدم هدفا ساميا هو بناء مجتمع بعيدا عن
عقلية القبيلة متخلص من سدنتها و من ملتهمي المال العام و يخلص وطنا من ممارسات و
سلوكيات تراكمت عقودا من الزمن، كانت ثورة اجتماعية اخلاقية بأهداف سامية واضحة
لتكون مجدية جدا و تضعنا على المسار الصحيح، لو أن شبابا أدرك الخصوصيات و حدد
الأولويات و رسم الأهداف بعيدا عن أي تأثير خارجي كان أو داخلي غير قناعة مطلقة
متفق عليها بضرورة التغيير ووضع خطة للوصول لهذا الهدف متسلحا بقوته كصوت حر واع
إذا ما نزل للشارع.
لكن سرعان ما اختطف الحلم و احترق و تفحم و بعد مرحلة
التفحم تكون إعادة التشكل صعبة جدا دون تشوهات. سرعان ما اختطفت القبيلة الحراك ثم
تخطفه الساسة و تخطفته الأهداف الضيقة و الرؤي القريبة الأمد حد الضيق. و بدل حركة
مستقلة شابة برؤية ووسائل جديدة، إذا بالجميع أمام مجموعة يكثر بها الحشد في
مهرجانات هذا و لقاءات ذاك. و إذا بها أداة تستخدم في لي الأذرعة بين هذا و ذاك، و
إذا بشباب يبحث عن صورة تخلده في معركة صارت قذرة حين بدأ فيها استخدام كل ما كان
يفترض بها أن تحاربه.
رقصت الحركة على ألحان هذا و ذاك و نسيتْ لحنها أو وعدها،
تخلتْ عن مقطوعة كانت الأحلام تتراقص حولها بوطن جديد بمعطيات جديدة يبعد العسكري
و المدني أو يفرض عليهما الرضوخ لمطلب مشروع و دقيق وواضح . هو وطن لنا ليس وطن
لرجال يتقاسمونه و يتصارعون عليه بعقليات بائدة لم يعد لها مكان ، بل صارت مثيرة
للإشمئزاز في عالم اليوم. هكذا تم اغتيال حلم 25 فبراير بعدما كان في أحاديث
القادة خلف الأبواب تظهر نقاشات بغيضة تدخل عوامل ضيقة من ضمن أسباب الحراك عوامل
لم و لن تخدم يوما وطنا يتشظى في جفاف فكري، و بعدما صارت القبائل تتنافس على دعم
الحركة. و غير ذلك من السقطات و الإسقاطات التي لا تضع في الحسبان ضرورة دقة
المقاييس، إلى الإنزلاق مع تيار القبيلة إلى الرقص على لحن المعارضة و الأغلبية و
اللاتي لا يحسن رجالاتهم شيئا كما يحسنون استغلال الآخرين. و عدنا لدولة الحسابات
الضيقة و التأويلات الساذجة من هنا و هناك. و انتصرتْ القبيلة من جديد.
مبادرة مسعود...
اتفقنا أم لم نتفق فإن هذا الرجل في العقود الأخيرة كان
رجلا بارزا في المعطى السياسي الموريتاني بمواقفه و خرجاته سواء كانت عندنا في
المستوى أو دونه، المهم أنها تعكس شيئا مما على رجل السياسة أن يتحلى به، من تقديم
موقف و الدفاع عنه و من اتخاذ قرار و تحمل مسؤولياته و من محاولة لحلحلة الأزمات
ولو بأفكار كانت في قمة السطحية و السذاجة بالنسبة لنا. المهم أن هذا هو ما ينتظر
من رجل السياسة. الموقف و القرار و الرؤية حتى لو كان كل هؤلاء في قمة الظلامية و
السخافة. ليس هذا فقط في العهد الحالي بل قبله و من أيام ولد الطايع. لكن لنفس
الحالة المرضية التي يعيشها المثقف الموريتاني ، فإن مواقف و تحركات الرجل و التي
كانت تستحق التحليل و والوقوف عندها، تم تجاهلها دوما. فالمثقف عندنا لم يتخلص
فكرة من البرمجة الاجتماعية. هذا لا يأتي منه خير و ذاك لا يأت منه شر.
الآن يقدم مسعود
ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية أيضا لحل
الأزمة السياسة القائمة في موريتانيا، مبادرة تأتي بعد ما سمته الأغلبية حوار مع
المعارضة استجابت له اطراف فيما رفضت أخرى. في هذا الظرف الذي فيه تحلل مبادرة
مسعود و تفسر و يحاول البعض إقناع الاطراف بها ، مبادرة حتى إذا ما تم تبنيها لن
تكون أكثر من مهديء لحالة مرضية مستمرة لما تجد بعد من يستأصل جرثومتها عن دراية و
بحكمة. كل من وجدت شباب يشتعل حماسا استغلهم رجال عن علم أو غير علم ليشعلوا بهم
ما لم يعودوا بقادرين على إشعاله فالخطابات الحماسية عليها السلام و ما صوت مبحوح
متردد، خلفيته موقف متذبذب بقادر على أن يلهب حماس الجماهير. المبادرة في المستوى،
دونه، خطة من الأغلبية، عبقرية من مسعود، رؤية معارضة ، المهم أنها مبادرة من رجل
سياسي في المشهد السياسي ، وجودها يعطي إيحاء باحتمال وجود ساسة على الأقل،
مواسم تأتي بالصدفة...
في العادة يخرج السياسي و الحزب حين تكون لديه رؤية جديدة
للتعاطي مع جديد كخطة اقتصادية أو رؤية سياسية اجتماعية أو احتجاج على خطوة أقدمت
عليها جهة سياسية أخرى أغلبية كانت أو منسقية. أو لربما في تفكير سياسيينا لصناعة
ثورة، إلا أن القضية، أن المثبت أن الأحزاب لا تصنع الثورات، وحدها الشعوب المخولة
بذلك، و الثورات مادامت الأحزاب تبحث عن قيادتها و إشعالها لن تكون بالمطلق. في
موريتانيا يأخذ الأحزاب الراحة الصيفية مثلا أو الخريفية ثم يعودون للفصل الدراسي
المفتوح و يقف رئيس الحزب "الأب و المعلم" و يلقي درسا كل عناوينه
الرحيل دون تصور عن ماذا بعده و ماذا قبله و ماذا سيحصل حينه، لو أن حزبا وضع
استراتيجية أثبت فيها أن الرحيل صار الحل الوحيد ووضع خطة واضحة لما سيسبقه و ما
سيحدث أثناءه و كيف تصير الأمور بعده، و حاول بهكذا خطوة أن يقنع الجماهير كان
جميلا. لكن أي حزب و أية جماهير. إنها السياسة على الطريقة الموريتانية.
"مهرجان قريبكم اليوم" يأتي من لم يهتم يوما إلا ب "ليونيل
ميسي" و "ريال مدريد" و تأتي من لم يشغلها يوما إلا "مسلسل
تركي" و إذا كان حاضر أحد من "أهل الخيام" يؤتى به. و هكذا من
الطبيعي أن هؤلاء لا يهتمون لسياسة و لا برنامج حزب و إذا كان هنالك من مهتم
فليبحث عن حزب ينشط في دولة أخرى.
الآن يجد الساسة من جديد الحراك المنتظر ل 25 فبراير ، و
الذي يجب أن تسبقه مراجعة للذات من هذه الحركة إذا ما أرادت أن تكون حركة تغيير ،
فتتخلص من إملاءات القبيلة و ملحقاتها و تتخلص من تقريب الساسة و موائدهم. نعم
وجدوا الحراك ففي اليوم الذي قبله مسيرات و يومه بالذات و في اليوم الذي بعده. و
المشكلة أن هذه المسيرات ستؤثر على الحركة و نشاطها فالقوم سيستجيبون لنداء
القبيلة التي بالنسبة لها حزبها و حزب حلفائها أولوية. و لا أستبعد أن تنخرط هذه
في تلك و تلك في هذه و لا يعرف الحابل من النابل. في مثل هكذا مرحلة يتم تحليل
أسباب اختيار وقت الحراك و ما مدى تأثيره على المعطى؟ لكن هذا يحلل حين تعرف أن
هناك من اختار وقتا أو طرح استراتيجية لأي شيء، كل شيء يأتي على الطريقة
الموريتانية. يخرج رجالات المعارضة في الموسم الجديد يرددون المطالبة بالرحيل
تماما كما طالبوا به قبل عامين نفس الشعارات و نفس الوسائل . الفرق الوحيد أنها
كانت المنسقية و اليوم بنظام الحزب و
الحزب، ربما أن الأغلبية اليوم أضعف من أيام أكتوبر أو لربما أن قناعة الجماهير
بضرورة الرحيل زادت أو لربما أن هذه الأحزاب أصابها الملل من طول العطلة و الراحة
أو لربما اشتاقت إلى هواء الساحات المفتوحة بعيدا عن صالونات شيوخ القبائل. و
يحاولون الآن ركوب موجه 25 فبراير علها توصلهم إلى بحر يجدون فيه حقيبة لعسكري
يبدو رمى كل أوراق الرحيل و حقائبه هو الآخر و لم يعد مستعدا لحزمها، و يؤسس
لإقامة قد تطول. إن شارع اليوم هو شارع الأمس. فما الجديد؟