Sunday, September 14, 2014

الدولة و المجتمع المائع - الميوعة

قرأت قبل يوم تقريبا، تدوينة لأحد المدونين الموريتانيين  السيد ولد عبدو، تحدث فيها عن مصطلح يبدو المصطلح المفتاح للمجتمع الموريتاني و الدولة الموريتانية عموما ، المصطلح هو : الميوعة.
إن الكلمة السحر لكل ما يجري في موريتانيا. في موريتانيا هنالك قدرة فظيعة على غسل كل شيء و تمييعه ثم إفراغه من محتوياه و جعله مساحة سخيفة من الحراكات الغبية.
 أركز على نقطتين تمييع الصحافة و المجتمع المدني و التدوين و الاعلام الاجتماعي.
منذ استقلال الدولة بدأت الحركة الصحفية ، لكنها لم تكن صحافة إلا في الرعيل الأول و الجيل الأول من الصحفيين ، بعد ذلك عرفت مراحل متعددة كان طابعها المشتركة الميوعة و الفوضى، ففي فترة كانت مهنة من لامهنة له و كانت طريقة للحصول على بطاقة تمكنك من الهروب من ضريبة 200 أوقية للشرطة الموريتانية فبالفطرة السخيفة الشرطة الموريتانية في حقبة معينة كانت لديها فقط فكرة ابق بعيدا من الصحافة، في فترة معينة انتهجت السمسرة ببيع اعراض الناس، امدحك تدفع لي و أذمك لاجلب انتباهك فتناديني على وليمة و تدفع بعض المبالغ فاشكرك في العدد القادم، كان كل ذلك يحصل في ظل تواجد قاريء لا يتابع و لا يهتم لشيء ، ثم بعد ذلك ظهرت مرحلة الاعلانات إن كان لك قريب في شركة اتصال مثلا يطلب منك فتح موقع أو جريدة و يجلب لك بعض الاعلانات من الشركة مع تقاسم العمولة طبعا. كانت هذه هي الظاهرة التي انتجت الكثير من المؤسسات الاعلامية الان غير تلك المدعومة من احزاب سياسية أو توجهات معينة. المهم في ظل كل هذا فالصحافة هي هواة و مساحة للهواة بشكل مطلق من التلفزيون الرسمي للإذاعة أما عن تحرير الفضاء السمعي البصري فيدل أن يضيف فتح علينا بابا جديدا من العبث الاعلامي و الخربشات المربكة. المهم أن ما حصل هو تمييع الميدان لدرجة صار فيها الاعلامي الحقيقي او الصحفي يخجل من أن يتم استدعاؤه بهذا الإسم لأنه لم يعد يعني شيئا و في أحسن الاحوال صار يعني ضده و أشياء سلبية كثيرة. و صار الجميع صحفييين

المجتمع المدني و رسائله النبيلة في العالم أجمع تحول إلى شبوخ و عجزة ببيوت فاخرة يعدون بعض التقارير الكاذبة و يلتقطون بعض الصور المفبركة من فندق يتعاملون مع مديره بشكل غير نزيه ، ما أدى لاغلاق بعض اهم الفنادق في البلد، كفندق مرحبا فلم يعد يحظى بأي صفقة رسمية لتنظيم أي نشاط، لأن طريقة جديدة تم تبنيها للأمر تقوم على القرابة و الصداقة و العمولة. ثم تحول المجتمع المدني على رأي الصديق المدون إلى "حقائب محمولة" فصار الجميع ناشطي مجتمع مدني و ناشطين حقوقيين و ناشطين تحرير المرأة.

الإعلام الاجتماعي اخر حلقة، فالأن من يكتب من شدة فراغه جملة على الفيس بوك صار مدونا عظيما و كبيرا، و ما يفوت على الكثيرين أن الادراجات الفردية في فيس بوك في معظمها مضيعة للوقت، فالدولة تحولت لعالم افتراضي عبثي بائس يضيف فيه الجميع الجميع و يخلط فيه البعض بين ادراجة تقول انا اشرب بوش من روز - و اخر يقول الإيبولا خطر يهدد موريتانيا. و صار التحدي الأكبر أمام أي مستخدم موريتاني للفيس بوك، أن أي صديق له علق أو ضغط اشارة "لايك" سيصله في اليوم الموالي عشرات طلبات الصداقة من موريتانيا. من التمييع استطعنا أن نميع فيس بوك حتى يصبح بلوغ سبوت مثلا أو تمبلر و استطعنا أن نميع السيلكون فالي عن بكرة أبيه.

المثير للشفقة في الأمر ألقاب من قبيل "العملاق، العظيم، الباهر، الرائع ، الكبير، التقليدي ، العريق ، المبدع..."
هنا أشير لنقاط مختصرة:

بخصوص الصحافة : أين هو تحقيق يكشف جريمة فساد او احتيال و يتم متابعتها من طرف الجهة الاعلامية و المحقق حتى يتم البت فيها. لا يوجد. أين تقارير صحفية دقيقة تقف على حيثيات الأمور و تتابعها، مثلا قانون الميميات الثلاثة من يعرف عنه شيئا الأن؟ قضية ولد مخيطير من يعرف عنها شيء الان ، قضية تفسك ، الشركة لم تكلف نفسها عناء حتى إصدار بيان لانها تعرف أن الصحافة البائسة هذه ستنسي الأمر غدا؟ أين قضية الاطباء الذي يقتلون المرضى بدم بارد نتيجة الاهمال؟ أين و أين ... اريد فقط قضية واحدة طرحها الاعلام و تابعها بدقة عن تم حلها.. لا توجد. هنالك مواقع في قمة السخف و مواقع تصفق في قمة الركاكة ليست اللغوية بل المهنية، إذن لا نقول صحافة عظيمة و لا صحفي كبير ... احترموا الالقاب تفضلا.

بخصوص المجتمع المدني، أين هو المجتمع المدني تحول لسمسرة و مافيا أشركت معها الامم المتحدة و كل الهيئات الدولية و لا تقبل من لا ينخرط في المسار، حتى وزارات الدولة و اداراتها صاروا عضوا في الأمر. أين هو أي نشاط مدني يتجاوز بوفي مفتوح في فندق و تقارير مالية كاذبة معدة في وراقة جنب فندق الخيمة ، اذن لا مجتمع مدني ... الى اولئك المهمشون او المستسلمون....

بخصوص فيس بوك، حقيقة يتفق عليها الجميع في موريتانيا لا نفهم للأسف المقصود بفيس بوك و لا المقصود بتويتر و لا غيرهم ووالله اسف حين أسمع من احدهم أنا أنشر كتاباتي الادبية على الفيس بوك، للأسف الشديد و بعضهم ينشر مقالة كاملة على صفحة الفيس بوك و البعض الاخر لا يعرف ينشر عن "عشاء الكسكس" الفيس و غيره من منصات التفاعل لم تخلق لهذا ، و لم تخلق لاضافة الاشخاص فقط . رشدوا الوقت لطفا.
ويقولون ، كاتب عظيم و صحفي كبير و مدون مبدع و فنان استثنائي و محلل بارع و ناشط مدني كبير و و و و و
لاشيء كبير في بلدنا حتى الآن إلا ألفاظنا و ألقابنا و خربشاتنا العبثية


احترموا الألقاب و سموا الأشياء بمسمياتها و اعيدوا النظر في استخدامكم لوقتكم ...