Sunday, February 23, 2014

إعلام مراهق و دولة تحت النضج


عبدالله أحمدمحمود
كاتب إعلامي – اسطنبول

ما يتوقع من إعلام محترم و مسؤول و ناضج و في دولة مثل موريتانيا مع ما تعانيه من غياب عن كل الساحات مكتفية بالتغني بذلك السطر الضائع المليون شاعر و متقوقعة في فضاء سيبة حدوده ارهاصات الهواية، ما يتوقع صبيحة اليوم الموالي لإعلان موريتانيا رئيسا دوريا للاتحاد الافريقي أن يكتسح المانشتات الرئيسية لكل الجرائد و الصفحات الرئيسية لكل المواقع الالكترونية التي ناهزت المليون هي الأخرى على غرار الشعراء أن تكتسح عبارة من قبيل موريتانيا تتسلم رئاسة الاتحاد الافريقي بكل بساطة و جفاف الجملة أن تكتسح كل هذه المانشتات و تكون مدار الحديث خاصة و انها المرة الثانية في تاريخها بعد الأولى مع المؤسس الراحل.   و خاصة أن هذا أمر وقفت ضده جهرا أو سرا جهات كثيرة لم تؤمن بموريتانيا كدولة قائمة بذاتها يوما ما.
أعلنت موريتانيا رئيسا في حين  كان الكثيرون من أقصى القارة السمراءلأقصاها يتساءلون ليس فقط إن كانت هذه دولة أم لا بل ماذا يعني أن يوجد إسم من ذلك القبيل هناك و لماذا يعود الإسم أًصلا؟  ربما لم يجرب أحد من أولئك يوما أن يسأله أحد سؤال بقمة السذاجة بقدر ماهو بقمة المنطقية من حق أي كان أن يسأل : ماهي موريتانيا؟ دون أن يكفهر وجه أحدهم و يقول موريتانيا الشعر و الشعراء و العلم و الادب ، و هي كلها أشياء لا بد لها من مقومات حتى تكون لها معاني دون بقائها مصطلحات جوفاء لا يوحي واقع موريتانيا بشيء من مضمونها. السيدة من جنوب افريقيا تحدثني أنها سمعت اول مرة بموريتانيا حين كانت بطولة اللاعبين المحليين مؤخرا في جنوب افريقيا و جاء إليها أخوها المهتم بالرياضة و المعجب بثقافة و إطلاع اخته فسألها : هنالك دولة مشاركة في البطولة إسمها موريتانيا؟ هل سمعت ببلد بهذا الإسم من قبل؟ فردت عليه ببساطة: لا. و أخذت تقلب جهازها تبحث. لن تجد أكثر من معلومات مبعثرة على غرار تلك التي كانت على موقع وزارة الخارجية المصرية مؤخرا. مع كل ما لدينا من الناشطين و المدونين و الذين ناهزوا المليون هم الآخرين لازال المحتوى الرقمي حول موريتانيا قليل غير دقيق و خاطيء في مجمله. حين أخبرتها أن المساحة تزيد على المليون و نصف كلمتر مربع و الساكنة حوالي الثلاثة مليون و نصف. قالت لذلك السبب لا يعرف أحدكم عنكم شيئا فأنتم ضائعون في مساحة كبيرة. قلت لها ممازحا: نعم حين يريد أحد الخروج لابد أن يتجاوز تلك الفيافي و الاراضي الشاسعة و يتعب قبل أن يخرجها. 
نعم موريتانيا هي بلد غائب عن التاريخ و الجغرافيا و الواقع و الافتراض، علينا ان نعترف بذلك و نعترف بمسؤولياتنا و نتوقف عن ترديد تلك الاغاني المشروخة و نعمل لنخلق وجودا لوطن يسير اتجاه الانعدام. فموريتانيا عرفت في الستينيات اكثر مما تعرف اليوم. مع كبر الخريطة حين تلقي نظرة خاطفة على انتصابة افريقيا إلا أننا عاجزين عن ان نقول للعالم هي هنالك. و ننسحب من مسؤولياتنا بإلقاء اللوم على الآخر.  هي مسؤولية الإعلام و نحن لنا إعلام من الهواة و محترفيه هم وجهاء القبيلة و وسطاؤها و تجارها. مرة سألني إعلامي محترم عن موقع يعتبر رئيسيا ليتابع منه بعض الأخبار عن بلد يراه مهما و غائبا و مغيبا، كان طلبه صعبا جدا فبادرت بإعطائه ما أظنه أحسن مواقعنا شكلا و مضمونا و ما أظنه صمم بعيدا عن خلبطات و خربشات الهواة من ناسخي الجمل و ملصقيها، تفاجات به بعد أسبوع يكتب لي أن الموقع لا يفيد في شيء و صياغته للأخبار رديئة، ربما أسقط على المعايير المتعارف عليها، كان عليه أن يسقط على المعايير المحلية و المعايير القبلية و المعايير الوطنية التي تعتبر الفوضوية و العبثية احد أهم أسسها و أولوياتها.
كانت أفضل وسائل إعلامنا تلك التي نادت على سيبويه صباح اليوم الثاني ساخرة من خطاب ولد عبدالعزيز، لم تجد في الأمر فرصة تذكر فيها بتاريخ تواجد موريتانيا ولا بالدور الذي لعبه المختار ولد داداه في تأسيس اول هيئة أفريقية التي ستصبح فيما بعد الاتحاد الافريقي. و كأننا نساعد الآخرين في تجاهلنا و إلغائنا. ماذا لو سمع بعضهم موريتانيا رئيسا للاتحاد الافريقي و قال لاشك في وسائل الاعلام الموريتانية سنجد الخبر الكامل و نعرف متى انضمت موريتانيا أصلا للاتحاد الافريقي؟ و هل هي حقا جزيرة في عمق الأطلسي كما يتبادر لأذهان الكثيرين ممن لم يسمعوا بالبلد أصلا و يبدأون "يخبطون زرعهم أخظر " على رأي المثل المحلي، فيقول لك أحدهم هي دولة في القارة اللاتينية هذا من أولئك الذين لن يلقوا بها جزيرة ضائعة في الأطلسي.  نعم سيتصفح مواقعنا و إعلامنا و حينها سيسأل من جديد: هل أنت متأكد من أن موريتانيا هي التي سميت رئيسا للإتحاد الافريقي. سؤال مشروع لأنه سيجد واحدا من الواقع ينشر خبرا عن الانتصاب الجنسي و يرى في ذلك ابداعا و ابتكارا اعلاميا، و أحدهم يتفنن في رسم سيناريو الاعتداء على ولد الددو، و آخر مهتم بدوره كراعي لله على الارض في متابعة الضالين و الكافرين، و أحدهم مشغول بالولي الصالح و  عائلة أهل فلان الكريمة، و أخرى عناوين اخبارها أطول من الخبر نفسه. إن الحقيقة المرة هي ان اعلامنا على تحرير فضائه و أرضه و على الحالة الانفجارية التي يعيشها ، هو فوضى عارمة ربما تكون خلاقة لاحقا.
مأساتنا اننا لا نعرف كيف نعارض حين نعارض. و لا كيف نحتج حين نحتج و لا كيف ننشط حين نكون ناشطين و المشكلة الأكبر اننا مع ذلك نحاول معايشة متناقضات كإملاءات القبيلة و كل عقد المجتمع و تعقيداته مع أشياء تبدو دخيلة و غير متناسقة مع واقعنا و لا تشكل أولوية، فتجد أحدهم في مجتمع لا يفرق رأسه من قدمه و هو يظن أنه يدافع عن اليسار و اليمين و غيرها و هو ذاته على يقين أن تلك مراحل تصلها المجتمعات في مرحلة معينة و للوصول إليها لا يحب القفز على أسسه. بعضهم ربط تسمية موريتانيا رئيسا دوريا أمر يخص عزيز و في قاموسه القبلي و المحظري و المدني و غيره أن كل شيء قادم من ذلك الرجل عليه ان يكون ضده، مشكلتنا اننا لا نفرق بين كيان الدولة و الأشخاص بالشكل المناسب قانونا و عرفا، إن الهم الوطني و القضايا الوطنية هي أشياء تتجاوز الاشخاص و الاسماء، حين يتعلق الأمر بموريتانيا يجب ان نقفز على هذه الجزئيات. بدل التركيز على كون موريتانيا ترأس الاتحاد الإفريقي و المجموعة الاقتصادية و تستقبل دول الساحل و الصحراء و كل تلك الأشياء التي تحسب لموريتانيا، بربط البعض من اعلاميين و ناشطين لها بعزيز عملوا على تقزيمها بدل تضخيمها أو على الأقل نقلها بشكل لائق خدمة لإسم دولة و قضية أمة. تحاول جاهدة العودة لساحة لا ترحم المتقوقعين خلف الجمل الجوفاء الفارغة.
ما كان إعلامنا يوما بمستوى اللحظة، كان دائما فوقها بغباء أو تحتها بعجز و قلة حيلة. لم يكن يوما في الوقت المناسب كان دائما يستبق بصبيانية أو يأتي متأخرا بتبعية و تقليد أعمى. هنالك قضايا امة ووطن و هنالك متعلقات سياسة و خلافات سياسة و لا يحب الخلط بين الإثنين هنالك الدولة و رموزها و قضاياها.
إن الإعلام المسؤول و الناضج هو الذي يكون هنالك يدا واحدة حين يتعلق الأمر بقضايا الوطن و الأمة ، لكنه إعلام غير ناضج و من سوء حظه  و من سوء حظ الدولة أن الإثنين التقيا في الوقت الخطأ الإعلام الغير الناضج و الدولة الباحثة عن ذاتها. إن المعارضة العمياء العدمية هي تماما كالموالاة العمياء التبعية. و بين الإثنين هنالك وطن يجب أن يلتقي الإثنين على قضاياه. لأن الامر لا يتعلق ببعض شيوخ القبائل و الوجهاء و بعض هواة السياسة و طبقة لم تجد موريتانيا بعد منذ استقلالها فرصة لتجرب غيرها من سياسيين كل ما أثبته الوقت و السنين و كل ما أثبتته الإنقلابات المتعاقبة بكل امتحاناتها السياسية فشلهم الذريع و المطلق في التعاطي مع أي حدث من أي نوع.
لنتفق على اننا في دولة تبحث عن نفسها و السبيل لذلك أن نقف لقضايا الإقليمية و الدولية بكل قوانا السائبة على ميوعتها و على ارهاقها. فيوم سميت موريتانيا رئيسا للاتحاد الافريقي كان جدير بإعلام لا يجد أصلا ما يشتغل به و يخلق القصص السخيفة و السبق الساذج من وحي خياله ريثما يصل الفريق إلى نقطة إلى قريب أو صديق أو وسيط  من القبيلة يربطه بشخص في ادارة تسويقية لشركة اتصال يأتيه بإعلان يحصد منه بضع آلاف يضعها في جيبه ، كان جدير بإعلام آخر ما يهمه المهنية و الموضوعية فارغ من أي معنى أن يجد في حدث كذلك موضوعا للبحث و التحليل و التطبيل بدل الانشغال بقصة اللصق و النسخ من بعضه البعض. هنالك فرق بين موريتانيا و عزيز و ما هو فيه صالح موريتانيا على الأقل إقليميا و دوليا يجب أن يكون فوق تصارع الهواة و السطحيين من سياسيي الفشل أغلبية و معارضة و ما بينهما.