Thursday, February 20, 2014

في حضرة الشيخ الددو ...



مساء الثلثاء الماضي أدرج أحدهم سطرين سريعين تفيد أن الشيخ ولد الددو سيحضر جلسة في مقر جمعية الحكمة، كنت حينها في مقر السفارة الإيطالية أصارع مسؤولا يريد أن يقنعني كذبا بأنه لا يرفض إعطاء التأشيرة لسمر افريقيا أولئك بسبب بشرتهم و كونهم افارقة بعدما أكملوا كل متطلبات الملف. ساعتان إلا قليلا و هو يتحدث في متاهات ثم يسقط في هواة إقصائية سحيقة حين يقول لي مثلا: أنت لا تعرف هؤلاء حين يذهبون لا يعودون أبدا، و نحن نحتاج خلفية عن أهلهم و لا نقبل ملفات مصورة و لا مرسلة بالايميل و كأنه يريد أن يقول لي بغباء لا سبيل لإعطائهم التأشيرة.

خرجت من نقاشه النتن العنصري الرجعي، ثم صارعت إلى منطقة الفاتح ، و أنا أحسب أني سأتأخر طبعا. حين دخلت منطقة الفاتح تذكرت ما قاله لي مرة صديق من غانا، أنك حين تدخل منطقة الفاتح مساء تحسب أنك في مكة المكرمة. سارعت خطاي باتجاه الجامع و بعد وصولي بدأت مسيرة بحثي عن البوابة المناسبة. فجأة صادفت صديقين من اصدقاء العبور. و ترافقنا باتجاه المقر. كان ثلة من الشباب المشبع بسمرة الوطن السحيق تنتظر عند البوابة. قلت لعل الأمر انتهى و تم. لكن ما اكتشفته أن الجماعة لا زالت في انتظار الشيخ. هي دقائق تربو على العشر ووصلت سيارة من نوع البيجو "أكسبرس" مصحوبا بصديق آخر من أصدقاء هذا المنكب الذي يصنعهم التسكع. تسارعت الجماعة لإلتقاء الشيخ.

كانت هذه المرة الأولى التي التقي فيها الشيخ وجها لوجه و أصافحه، خاصة أنها تأتي بعد حادثة الإعتداء عليه في جمعة سابقة في موريتانيا من طرف من قيل أنه صديق، الأمر الآخر أني أردت التقاط "صورة بورتريه" خاصة للشيخ أتيت بكل عدة الكاميرا من أجلها من إضاء و أعمده و فيلتر و كل ما أحتاجه لالتقاط صورة تصلح لركن خاص في خزينة الصور، رزين هو هاديء بعيون تنظر في دقة و تفحص و أناة "مهدومة" على رأي أهل لخيام، فضفاضته مخاطة بشكل مميز و له طراز معين، يلفت انتابهك هنا لماذا تمسك بذلك الجانب من الدراعة الموريتانية بجيبها المزخرف و خاطها على شكل "الجلابية" في حين كان بامكانه ارتداء الزي المعروف. تجد فقط نقطة التمسك بذلك الجانب الموريتاني الصرف من الزي. و هو في طريقه إلى البوابة صافحته و احتضنني بيده اليسرى و أعطى قبلة مريحة سريعة على رأسي على طريقة الأب ، لكن لاحظت البعض يتمسك بها على أنها طريقة شيخ الجماعة أو الطريقة و هو ما أنا متأكد أن الشيخ لا يرغبه. فعلى طريقة الأب صافحني. تجمهر الشباب حوله و دخل يخطو في اناة الواثق و يبتسم ابتسامة هادئة.
دخلت خلف الجماعة بعيدا عن الزحمة و أخذت مكاني في مكان يناسب الصورة لكن لم تكن الإضاءة كافية و لم أرد إزعاج الشيخ بإضاءات الفلاش و لم يكن المقام يسمح بإستخدام إضاءة مساعدة.
كان قبله أحدهم يتحدث عن الفلوجة و الاعتداءات هناك، ثم بدأ الشيخ يتمتع حديثه بكل صفات الحديث المثير للاهتمام و الانتباه. يخبرك ثم يستجلب الدليل قرءانا كان أو سنة و تفسيرا و لغة حتى ، ثم يعطيك المثال المقرب للفكرة، و يحرك نظره في القاعة بهدوء معبإ بسكينة .  أنا دائما كرهت أولئك الذين ياتون و يقولون لك السماء فوقنا و الارض تحتنا و الله خلقهما. حديث الشيخ هو حديث ستخرج منه بأفكار و تصورات و الأجمل انها مدعمة. مر على قصة أبي ايوب الانصاري رضي الله عنه بخصوص دفنه حين يموت حين قال لهم ثيتوني على فرسي و اطلقوها في الأرض و هي ارض القسطنطينية حيث كان غازيا لها و حينها فتحها الفاتح جاء قبره. ضرب مثلا حول المدافعين عن الامة و الدين و قال ان غير المشاركين في ذلك مثلهم كمثل من يرى خيمة يعمل قوم على رفعها فيقولون ننتظر حتى يرفعوها ندخل معهم تحتها، تحدث في الدين و السياسة و المجتمع بطريقة متناسقة متجانسة مسترسلة بشكل ممتع.
لم احصل على الصورة تلك، فاعمدة الكاميرا أخذها مرافق الشيخ و استخدمها لكاميرته لتسجيل المحاضرة.
ثم بعد المحاضرة بدأ الجميع يريد المصافحة و التقاط الصور و حضر جانب من سلوكيات الوطن العزيز. فوضع احدهم يده فوق رأس الشيخ و تمسك اخرون بمنكبه و صعد بعضهم الكنبات لتلتقطه الصورة، و الجميل ان الشيخ كان يحتفظ بتلك البسمة أمام الكاميرا.
ثم خرجنا مقر الجمعية و الشيخ تحت الملاحقة، فاجأني احدهم بالسؤال إن كنت أريد التقاط صورة مع الشيخ و كان زحمة قاتلة أمامنا قلت له بالطبع و ادخل الفكرة إلى رأسي بعد أن رفضتها في البداية لما رأيت الازدحام، قلت نعم سينتهون الآن و ربما اجد فسحة لالتقاط صورة لكن ما حصل أننا بعد الخروج فاجأنا أحدهم بتذكر السلوكيات المدنية ، فذكرنا ان المكان ليس نواكشوط و كأن أي أوجه شبه تتوفر هنالك. بعيدا عن كل التجاذبات و الجدل السياسي العقيم في ارض السيبة و بعيدا عن هواة الاعلام و سطحية العلمانيين و سذاجة الاسلاميين و غباء اليسار و اليمين و بعيدا عن فضاء الميوعة الاعلامية و الثقافية و السياسية ، الشيخ ولد الددو يظل هامة و قامة لها هيبتها و لها قدرها، و إن لم يستحق الاحترام بالنسبة للبعض لأي شيء فهو يستحقه كرجل يعرف ما هو منشغل به.
و دعا الشيخ للطلاب و دعاء طويلا جميلا، و قدم له اتحاد طلاب تكريما أو تشريفا أو "بلاكت" و رفع الشيخ شعار رابعة ، و استخدم الشيخ مناديلا استخرجتها من حقيبتي و استخدمت كاميرة مرافقه اعمدة كاميرتي على فكرة ربما يعني الأمر الكثير للبعض.





























 ثم غاب الشيخ خلف باب السيارة. و انطلقت أنا لمشاهدة مباراة برشلونه و مانشستير سيتي.