Thursday, April 2, 2015

قال الرئيس مرهقا أشياء منها اقطع أنت ...

قال الرئيس مرهقا...


لم أتابع اللقاء على المباشر ، كما فعلت غالبية الموريتانيين التي كانت تنتظر معلومات جديدة و فاصلة في أحداث شائكة يعرفها البلد الآن عل على رأسها اضراب عمال اسنيم. تابعت إعادة للقاء صباح اليوم الثاني و الرئيس حينها قد حط الرحال في مطار شرم الشيخ ليحضر القمة العربية. ملاحظات كثيرة حول المؤتمر و خلق من الأسئلة أكثر مما أعطى من الأجوبة. لم يكن التوقيت بالمناسب و لا المحتوى ليرقى للتطلعات.
عن توقيت اللقاء الرئيس عائد من جولة استمرت اسبوعين في الشرق الموريتاني  و فجر اليوم الموالي الساعة الرابعة هو متجه إلى مصر للمشاركة في القمة بمعنى أن المؤتمر جاء بعد جولة الحوضين و ساعتين تقريبا قبل رحلة مصر. و السؤال المنطقي إن كان الرئيس يحترم المعلومات التي سيقدمها و فوق ذلك يحترم جوقة الصحافة التي حضرت و التي تنتظر لتتلقف بعض المعلومات كان لينتظر حتى يجد من الوقت متسع. هذا من جهة أما من جهة أخرى فإنه بالإمكان تبرير الأمر من منظورين: ربما أن أجندة الرجل مشحونة حتى بعد العودة من رحلته إلى مصر و فضل أن المؤتمر الصحفي الذي بالنسبة له ضرورة فضل أن يعقده الآن. كما أن القراءة التي قدمها أحد الصحافة الذي حضروا المؤتمر الاستاذ شنوف قدمها في برنامج اذاعي عقب المؤتمر يبدو منطقيا. و هو نية الرئيس أن يحول المؤتمر إلى تقليد لاحقا، بحيث يعقد مؤتمرا بعد كل زيارة ميدانية يقوم بها داخل البلد.
محتوى اللقاء، جاء دون التوقعات بكثير خاصة بالنسبة للذين ارتفع سقف توقعاتهم و فوق ذلك توقعوا أن يسمعوا ما يرضيهم، كعمال اسنيم مثلا. لكن حين نقارن المؤتمر الصحفي هذا مع لقاءات الشعب الماضية مع وجوب مراعاة الفرق بين مؤتمر صحفي و لقاء عام نجد أن فرقا تقنيا واحدا يمكن الوقوف عليه، و هو إصرار الرئيس هذه المرة على عدم إعطاء أي أرقام أو احصائيات إلا قليلا على عكس ما فعل في المرات الماضية حيث كان يستجلب معه أرقاما و إحصائيات. النقطة الأخرى الجديرة بالاهتمام هي حسب وجهة نظري خلل مفصلي في الفكرة و هو حين نقول مؤتمر صحفي فهنالك موضوع خاص و خط معين يريد المؤتمر مع المؤتمرين الحديث فيه و هذه المرة كان الزيارة للحوضين، لكن لم ينبه الرئيس الصحافة و للصحافة الحق في انتهاز الفرصة و طرح الاسئلة حتى ولو كانت قد أخبرت من قبل. فإن كانت الفكرة هي الحديث في حيثيات الزيارة ذلك لم يحصل و إن كانت أصلا للحديث في كل الشأن الوطني والعام فذلك حصل بشكل سيء.
لامست الأسئلة تقريبا كل المواضيع التي ينتظر موريتاني أن يسمع و حتى تلك التي ليست بالنسبة له بذات الأهمية. لكن مرت عليه كمن يقرأ عليه ورقة عابرة بجمل غير مرتبة : سنيم، اسحاق، الحوار، الدعم، الفساد، الأمن، الحديد، الصيد... و على عكس الكثيرين أنا لا احمل الرئيس المسؤولية بقدر ما أحمل الصحافة.  هنالك نقاط كان الرئيس واضحا فيها و تلك التي لم يكن واضحا فيها حسبت عليه، فمثلا واضح أن الرئيس من جانب الشركة ضد العمال رغم محاولته تقديم تبريرات مقنعة لحد ما. فمشكلة سنيم حسب وجهة نظري تكمن في انها شركة كانت تعود بمصادر مالية هائلة هي التي استخدمتها الدولة في معظم مشاريعها المدروسة و المرتجلة في السنوات الأخيرة. بحيث أن الشركة لم تمتلك رؤية أو استراتيجية معينة أو حيطة  في حين هبط سعر الحديد أو تضررت سوق الحديد بطاريء ما ، و دراسة السوق و متابعتها هي ابجدية بالنسبة لكل شركة فكيف بواحدة بحجم و عراقة سنيم. إذن في السنوات الأخيرة استنزفت الدولة الشركة و الان الشركة تمر بالوضع الحرج لأنها للحظة فكرت ان سعر الحديد مستقر أو لا يعرف أسهم الإنخفاض. الدولة تشعر بالمسؤولية بشكل أو بآخر  حول هذه النقطة و لذلك تحاول إقناع العمال بتقبل وجهة نظرها ، كرر الرئيس  فكرة سعر الحديد أكثر من ثلاث مرات فلقد كان باكثر من مائة و الان هو باقل من ستين ، و أشار إلى ان الذي يتضامنون مع العمال الآن و الصحافة التي تناصرهم قبل سنوات قليلة لم يناصروهم و هم يساقون من طرف رجال أعمال يؤجرونهم و يكنزون المال على أكتافهم يوم كانوا "عمالا غير دائمين" جورنالية، مشيرا إلى أن نظامه هو من فرض اكتتابهم و تدريبهم كعمال رسميين للشركة بحيث لا يمكن لرجال الاعمال و المقاولين الان استغلالهم.  بخصوص الحوار و تغيير الدستور، كان موقف الرئيس أن كل شيء يمكن أن يطرح على طاولة الحوار من حل كتيبة الحرس الرئاسي إلى تغيير الدستور للسماح بالترشح لمن هم في عمر 90 سنة كما قال، لا شك كان يلمح لبعض قادة المعارضة. و هذا يعتبر موقفا واضحا و لو أنه يصعب الخروج منه بنقاط محددة. ما أكد عليه الرئيس أنه لا يمكن قبول شيء أو رفضه قبل الدخول في الحوار نفسه. عن سجناء الرأي رآهم الرئيس فقط في جمهورية ولد الوديعة قائلا بأن الجمهورية التي يرأسها هو ليس فيها سجناء رأي. و بهذا الصدد و في صدد آخر استمر الرئيس في إحالة كثير من القضايا إما إلى العدالة أو إلى الهابا و كان موفقا في بعض الاحالات فيما خانه بعضها الأخر. فبخصوص دعم الاعلام التوجه للهابا منطقي ليس لاخراج الميزانية من صندوقها بل للتدارس مع الاعلاميين طريقة لإدارة الدعم كسلطة مختصة. بخصوص ولد ماموني و الذي حكم له القضاء ، كان على الرئيس أن يكتفي بدعم حكم القضاء. بخصوص اتفاقية الصيد التي قامت لها الدنيا و لم تقعد منذ أشهر، كان في تصريح الرئيس حيالها إشارة إلى نصر واضح للمفاوضين الموريتانيين حيث أن الاتحاد الاوروبي طالب باستئناف المفاوضات بداية الشهر نزولا عند الشرط الموريتاني، لكن ما أخشاه أن ازمة سنيم ستؤثر على ضوابط و شروط موريتانيا في الاتفاقية ، فحاجتنا لها ربما تكون قد زادت أكثر مما مضى في ظل سنيم قوية. فهل يدعو الدولة هبوط اسعار الحديد للتنازل في صفقة السمك؟
تقرير فوكس بالنسبة له كان مضحكا جدا، حيث تحدث عن معسكرات للتدريب في معط مولان و مناطق من موريتانيا. و أكد ان موريتانيا بلد آمن بجيش قوي اليوم، و هذا كان حصان ولد عبدالعزيز الذي ركبه في الاتحاد الافريقي في منطقة الساحل و الصحراء و في القمة العربية. فانطلاقة ولد عبدالعزير العسكرية الحازمة تجاه الارهاب حسب في ميزان حسناته بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية و كثير من المهتمين في المنطقة، و زاد رونقها رفضه الانخراط مع فرنسا بشكل واضح على الاقل في عمليتها العسكرية في مالي مؤخرا. لمن لا يعرف معط مولان هي منطقة في موريتانيا يتواجد فيها كثير من الاجانب و من الداخلين في الاسلام حديثا لتعلم اللغة العربية و تعاليم الدين الاسلامي و هي معروفة بهذا منذ عشرات السنين ، حيث أن بعض رجالات الدين الامريكيين و الفرنسيين مروا بمعط مولان لدراسة اللغة و الاسلام، و ربما ذلك هو ما يشير إليه تقرير فوكس الذي ذكره صحفي التلفزة الوطنية المدير للحوار.
اعترف الرئيس بوضع التعليم المزري خاصة التعليم العام في مواجهة التعليم الخاص و اكتظاظ المدارس مشيرا إلى أن حوالي 32 مدرسة سيتم بناؤها في نواكشوط، و مشيرا إلى أن الحكومة جعلت من هذا العام عاما للتعليم فقط للعمل على تحسين وضعية التعليم مشيرا إلى بعض الانجازات من مدارس للمهندسين و مدرسة المعادن و بعض البنى التعليمية الاخرى. مشكلة الرئيس مع الشعر و الأدب و التي هي بادية حقيقة و صراحة في خطاباته برزت من جديد. حين ذكر أن الزيارات الآن مختلفة عن ما كانت عليه، حيث في عهد ماض كان هو فيه مرافقا للرئيس و حسب ما سرد بالتفصيل كانوا يصلون و يستمعون للشعر و الغناء حتى ساعات الفجر الأولى و يخرجون و يكون هو نفسه في حالة "إغماء" "مربوط رأسه" كما يقال في الحسانية و هو أمر مفهوم جدا لشخص ليس من المولعين بالأدب و الشعر و هو يستمع إليهم لأكثر من 4 ساعات او خمس ، و تمنعه صفته العسكرية من أن يغفو قليلا على المقعد أو ينام على عكس بعض الوزراء و المرافقين الذين يغطون في نوم عميق. و ذكر الرئيس أنه في تلك الايام الخالية لم يدخلوا مدرسة و لا إدارة و لا مستشفى، و كانت زيارات شعر و غناء.  و عن الخيل و الابل التي تلقته قال أنه طلب و أصدر تعليمات بأن لا يحصل شيء من هذا القبيل ، لكن هؤلاء ناس عاديون لم تتم تعبيئتهم اختاروا تلك الطريقة للتعبير عن ترحيبهم. و عن المدرسة الوطنية للإدارة و خريجها قال الرئيس أن المتخرجين السابقين اكتتب جلهم و الجدد يحتاجون فترة و صمت الرئيس ثم قال ليعرفوا إلي أين هم ذاهبون.

بشكل عام، أظن أن القول بأن حرية التعبير و الرأي ليس منة هي حقيقة، لكن الحقيقة أيضا أنه قبل هذا الرجل الكاره للادب و الشعر لم يجرأ كل ممن يصرخون الآن من مواقعهم الاعلامية أو من مواقعهم العامة لم يجرؤوا على القول بشطر كلمة، و الحقيقة أيضا أنه قبل الجنرال هذا لم يجلس صحفي مستقل وجها لوجه أمام رئيس حتى "ينسحب " أو يقول له "ماني منسحب" . و وصولنا لهذه المرحلة يمكن أن يقال أن بتوق الموريتانيين إليه ليس بتضحياتهم. فمن حسن حظ الموريتانيين أننا انتقلنا الى هذه المرحلة بأقل الخسائر أو دون خسائر حتى. لكن معارضتنا التي لم يسجل التاريخ لها أي موقف دائما في الجانب الخطأ من المعادلة ما جعل من السهل اللعب بها حتى من طرف خصومها. فمنذ توليه السلطة رأينا بوضوع كيف الجنرال الذي ينعته الجميع بابشع الصفات متجاوزا مرحلة النقد و المعارضة إلى إهانة رموز الدولة رأينا كيف لعب معارضتنا بكل رؤوسها و وجههم يمينا و يسارا. فقط لأنها معارضة عدمية لم تعرف مواقف و لم تعرفها المواقف. السؤال البديهي مثلا : هل كان ولد عبدالعزيز ملزما بتحرير الفضاء السمعي البصري، حتى قبل تحرير هل كانت هنالك مظاهرات عارمة للمعارضة تطالب بتحرير الفضاء السمعي البصري . في النهاية هي ليست منة . لكن لنتعلم أن المعارضة العدمية تنتحر ببطإ. لننظر لحيث لم ينجز كاره سوق عكاظ و نقدم البدائل. بالمناسبة أنا أشاطره بعض المشاعر تجاه الشعر و الادب في هذا البلد. لكن استخدامهم للتغني على الرؤساء و أيضا انشغالنا بالتغني بامجادنا فيهم عن بناء حاضر و مستقبل هي عوامل تجعلني أشاطره بعض الرأي.
الرئيس كان مرهقا و كان بديهيا أيضا. و نجم اللقاء كان المناكفة الخارجة على الاتيكت و البروتوكول و المهنية. لكن أيضا مما أنا أحسبه للرجل و لو أن البعض يحسبه عليه هو تلقائيته الزائدة أحيانا ففي خطاباته يتكلم لغته و في لقاءاته. و باد جدا أنه رجل يزعجه البروتوكول. فعزيز في قصره هو عزيز على التلفزيون و هو عزيز في بيته. فمثلا تمديده اللقاء ل 40 دقيقة هل يعرف أحد ماتعنيه 40 في أجندة رئيس؟ و ما يعنيه أن نيام الرئيس لليلة كاملة ساعتين تقريبا؟ لكن إن تعاملنا بالعرف و البروتوكول الدقيق لنفترض جدلا أنه أمكننا ذلك هل يقدر أيا كان مقدار التذمر من صحافة لا تعرف شيئا عن الاتيكيت الذي يحكمها أصلا فكيف بشيء اخر. ماذا عن مواطن مقدار معرفته عن العالم هو ما تبثيه التلفزة الوطنية من مناظر من الحوض الغربي أو ألاك. الرئيس منا آل البيت و آل البيت من الرئيس. فلنسقط معايير نستخدمها فقط في وقتها الخطأ و ننسى إسقاطها على ذواتنا. لا يجب ان نناقض ذواتنا. ما حصل كان "حديث قوم" لا ينقصه إلا كؤوس شاي منعنع و بعض المشوي تأتي به سيدة القصر، لكن ليس في ذلك ضر بالنسبة لي. نحن لا يجب و لا يمكن أن نقاس بمعايير غير معاييرنا و من يريد أن يعرف معايير صحافتنا مثلا يذهب إلى مكاتبها حيث يختلط النعناع بالخبز الجاف و الاقدام فوق المكاتب.
ردة فعل الرئيس من وجهة نظري البسيطة غير مقبولة لكن السياقات و الطريقة التي التقف بها الصحفي الكلام كانت خارجة عن المعايير الموريتانية و عن الضوابط المهنية ببساطة. "ماني منسحب" مثلا هذه تليق بمعاييرنا الوطنية فهي مقبولة بها. لكن لا نحاول اطلاقا أن نسقطها على أي معايير أخرى. ضحكت حين سمعت الصحفي يقول : بحثت في الانترنت هذا الصباح لأعرف إن كان أمر مثل هذا حصل من قبل في العالم؟ اضحكني أمرين أولا حين قال حصل في العالم ، اردت أن أسأله كان حريا بك أن تبحث إن كان في العالم صحافة مثل هذا. الأمر الآخر حاولت أن اخمن "الكلمات المفاتيح" التي بحث بها في غوغل مثلا، هل قال : "رئيس يقول "اقطع انت"" " رئيس يقول انسحب" "صحفي يقول ماني منسحب" ... غوغل يا عزيزي ليس لمعاييرنا الوطنية. عن طلب الرئيس قطع البث. تساءل الصحفي إن كان قانونيا يليق الأمر . كم من مرة شاهدنا أوقف التصوير أوقف البث . خاصة حينما لا يكون هنالك عقد مسبق يبت في القضية. في بعض برامج التلفزيون هنالك عقد يحكم الضيوف و المؤسسة حول امكانية الحذف أو الوقف او التغيير. لا أظن التلفزيون الوطني وقع عقدا من ذلك القبيل مع الرئيس. لكن الحقيقة أننا نعيش حرية مسكونة بخوف و عقد فطرية تراكمت لعقود خالية مضاف إليه بعض توابل الهواية . لا يليق رد فعل الرئيس بالرئيس لكن يليق بشخص. و لمن يقرأ فيما سبق تناقض أنا بالنسبة لي هو قراءة تليق بوضعنا.
في النهاية قال الرئيس مرهقا بعض ما خرجنا منه بجواب و بعض ما خرجنا منه بأسئلة أكثر، حضور الصحافة على علاته كان أحسن و الأسئلة في مجملها كانت على المستوى، خاصة أسئلة الصحفي الذي بدأ المشادات في بداية المؤتمر وضع سلسلة أسئلة لو خلت من طابعها الهجومي و بقيت في اطارها المهني البحث كانت بالضبط ما ينتظره مواطن عادي يريد من صحفي هو الناطق باسمه أن يأتيه بمعلومة من شخص هو المكلف بإدارة شأنه. تبقى المعايير التي على أساسها اختيار القنوات التلفزيون مع موقعين و اذاعتين تقريبا محط تساؤل، لكن المؤسف أن الصحافة الحاضرين لم يسألوا هذا السؤال . مثلا لو كنا في ساحة اعلامية نظيفة الاعلانات تحصل فيها بحسب الجهد و العمل و النجاح في استقطاب المتابعين كنا نفهم أن يتم اختيار انجح المؤسسات. لكن في ساحة ضبابية مختلطة حيث الاعلان يحصل عن طريق القريب و الاتصال الهاتفي لا يمكن القول بهذا اطلاقا. فماذا كانت المعايير سيادة الرئيس ؟ ولو أن السؤال جاء متأخرا. والسؤال الآخر : أي وزير أو جنرال أو مستشار اقترح عليك عقد مؤتمر في توقيت مثل هذا؟