جلست في قهوة غرين نيرو المطلة على تيراس ويدكوفي و الميدان في وسط المدينة القديمة ، موسيقى بلوز هادئة مع جو بارد في الخارج و رائحة القهوة و دفي المكان تضفي جوا كالنسيم الذي يلامس القلب و الروح ، عاملتان من الصباح دون توقف و لا راحة سيجارة او حمام حتى تحضرن القهاوي للقادمين ، نحيفة مسكون جسدها بالأوشام من كل الجهات ، في انفها حلقة هي الاخرى و حول عينيها مكياج اسود مختلف يمتد لاطراف وجهها وواحدة اخرى ثخينة قليلا جميلة ملامح الوجه و بريئة البسمة ،
لم تظهر شمس طيلة اليوم و لم تكن متوقعة و كان البرد بدا يغطي المدينة المحتشمة و اصوات الكنائس من فترة لفترة تؤذن بوقت صلاة او قداس ما، اتجهت الى مكان قبر الجندي المجهول حيث يقف رجلا شقراوان عسكريان منتصبان في استقامة و صمت و هدوء و دون حركة خلفهما شعلة لا تنطفيء لروح الجندي المجهول و ورائهما نافورة مياه تحيط بها التماثيل من كل مكان و حديقة خضراء غناء جميلة الالوان و المنظر تعبؤ تماثيلا رجال و نساء نصف عاريات تفاصيلها في تناسق و تناظر مذهل ، من هناك احسست بحاجتي الى الحمص و اخذت ابحث عن مطعم شامي لبناني او سوري غير بعيد فكان مطعم بيبلون اللبناني على بعد خمس دقائق مشي مني، دلفت الى المطعم الذي بادرني باللغة العربية ، و طلب الحمص و التبولة و الكبه المقلية مع شاورما دجاج و جاء صاحب المطعم ليطمإن ان الأكل و كل شيء بخير ، ثم طلبت ساندويش فلافل لاخذه معي الى الفندق ، وصلت الفندق و تمددت لارتاح قليلا ، بعد ان لغيت موعدي مع السيدة لاني كنت مرهقا و متعبا و السيدة طلبت ان نلتقي في حانة بمركز المدينة القديمة. بعد ان ارتحت لمدة ساعة تقريبا قررت الخروج الى قهوة قريبة علي اجد بعض الزنجفيل ، لانه الوحيد الذي يجعلني اقاوم هذا التقلب في الجو بين شمس اشبيلية و سماء وارسو التي لا ترسل الا الرياح الباردة ، مقهى بارادوكس ، كان انقلب حانة حيث يحتسي الجميع البيرة و الكوكتيل و لا مجال للسؤال حتى الزنجفيل، عدت ادراجي للفندق لاجد النادلة التي قدمت لي طبق السومون مع كاس بيرة محلية ممتلإ و قد وقفت ، مهذبة جميلة متفانية في عملها ، فرحت لاني كنت متاكد من انها ستفهم غايتي ، و مباشرة فهمت اني احتاج شاي زنجفيل و طلب ان كنت اريده مع الشاي الاسود او الاخضر ، و طلبته مع الشاي الاخضر و حضرت شايا طيبا ، صاحبة تلك البسمة الهادية الواثقة الجميلة تضع نكهة بسمتها في كل ما تحضره . احتاج الى ليلة صامتة هادئة على بعض الحان بلوز التسعينات ، و قبل ان انام اتذكر غزة و لبنان و كل شعوب كان قدر التايخ و الجغرافيا فيها ان يجعل ابنائها يعانون و لا شعب عاني في الخمسين سنة الاخيرة و لا زال يعاني اكثر من الفلسطينين و قضيتهم و لبنان و جارهم الجائر ، فلغزة و اهلها سلام و لبيروت مني سلام