حوار مفتوح جدا..جدا..جدا
بالتأكيد أنت لست في مركز للدراسات الإستراتيجية والسياسية ولا أمام خبراء ولا محللين اقتصاديين او سياسيين أو استراتيجيين ولا أمام محطات إعلامية إخبارية تحليلية , أنت ببساطة عند مجمع باعة الجرائد جنب سوق العاصمة أو أمام عمارة البنك الدولي للتجارة الدولية ، وأنت تمر عائدا بعد يوم عمل
أو دراسة شاق وفي رأسك تدور ألف فكرة وفكرة ،يخطر ببالك أن تمر ببائع جرائد لتمر مرورا سريعا على أخبار اليوم ،وأنت تتجه ناحية البائع وهدفك الأبرز ربما ليس ابتياع جريدة بقدر ما هو اطلاع على عناوين جرائد تعترضك جلبة عارمة يثيرها المتكأكؤون حول بائع الجرائد هذا و أنت تقلب نظراتك في أبرز عناوين اليوم , يشد انتباهك ما يتناوله القوم في حوارهم الصاخب تحاول التقاط الفكرة المحورية للحوار , فإذا بهذا ينبهك مرددا رؤيته آملا أن يحصل منك على مؤيد لها ضد الآخرين , حتى ابتسامة مجاملة للتخلص من الوضع لا تخلصك فطرف الحوار الآخر سيبدأ هو الآخر في توضيح رؤيته للموضوع من زاويته , وما لم تتمالك نفسك أو يكون الإرهاق بالغا بك منتهاه و مداه تجد نفسك فيخضم المعمعة طرفا في هذا الحوار
مع هذا أو ذاك أو تجرب توافقية كانط الفلسفية في حوار متسيسين وسياسيين ومثقفين و مستثقفين أغلبية ومعارضة ومستقلين، وما يخيل إليك للحظة أنها تيارات فكرية تتجاذب لولا الأجواء المحيطة بهذا التجاذب.
أو دراسة شاق وفي رأسك تدور ألف فكرة وفكرة ،يخطر ببالك أن تمر ببائع جرائد لتمر مرورا سريعا على أخبار اليوم ،وأنت تتجه ناحية البائع وهدفك الأبرز ربما ليس ابتياع جريدة بقدر ما هو اطلاع على عناوين جرائد تعترضك جلبة عارمة يثيرها المتكأكؤون حول بائع الجرائد هذا و أنت تقلب نظراتك في أبرز عناوين اليوم , يشد انتباهك ما يتناوله القوم في حوارهم الصاخب تحاول التقاط الفكرة المحورية للحوار , فإذا بهذا ينبهك مرددا رؤيته آملا أن يحصل منك على مؤيد لها ضد الآخرين , حتى ابتسامة مجاملة للتخلص من الوضع لا تخلصك فطرف الحوار الآخر سيبدأ هو الآخر في توضيح رؤيته للموضوع من زاويته , وما لم تتمالك نفسك أو يكون الإرهاق بالغا بك منتهاه و مداه تجد نفسك فيخضم المعمعة طرفا في هذا الحوار
مع هذا أو ذاك أو تجرب توافقية كانط الفلسفية في حوار متسيسين وسياسيين ومثقفين و مستثقفين أغلبية ومعارضة ومستقلين، وما يخيل إليك للحظة أنها تيارات فكرية تتجاذب لولا الأجواء المحيطة بهذا التجاذب.
وبين مثقف و مشكك في ثقافة المحاور وجدوائية الحوار ومتثقف وجمهور لا يستهان به- فضل وأصر على أن يتفرج صامتا-. بين كل هذا تضيع ملامح الحيرة والاستغراب التي كانت تعلوك وأنت تتفرج متسائلا عن مدى جدية هؤلاء و جدوائية هذا الحوار , وما الذي يدفع بهؤلاء لقضاء كل هذه الساعات الطوال تحت أشعة الشمس الحارقة وعلى الأرصفة المكتظة عرضة للإهانات من بعضهم للبعض ومن الآخرين حيث ليس الجميع بنفس الفهم ولا المستوى العلمي والثقافي ولا بالملتزم جميعا بمبادئ الحوار الراقي , يصرخون و يتجادلون تارة ويتحاججون أخرى .
الوعي أم التفرغ أم أشياء أخرى...
تحاول النظر إلى الأمر من زاوية إيجابية : هذه نخبة من العامة تحمل هم الوطن وتولي أحداثه أهمية وجميل جدا آن تتدارس أوضاع ومستجدات هذا البلد وتتداولها من زاوية تختلط فيها القاعدة بالنخبة ما يؤدي بالنتيجة إلى تثقيف المواطن البسيط و العادي ولو أن هذه النظرة يعترضها كون لا شيء يضمن أن جدوائية هذا الحوار ستعم أو ستتجاوز أطرافه إن وجدت أصلا ، وأنت تحاول الوصول بتساؤلاتك إلى نتيجة ايجابية يقاطعك هذا ينتهر محاوره مزمجرا متشنج الملامح يسيء إليه وينعته بالقاصر عن استيعاب الموضوع ليرد عليه الآخر ناعتا إياه بأنه لا يفهم في السياسة شيئا وان ما يقوله غير منطقي ولا يصدر من شخص واع ومتطلع ، إلا أن المحمود أن التشنج في مداه لا يتجاوز هذا الحد،وحين يبلغ هذه الدرجة من السخونة تبدأ الانسحابات ويكثر المتفرجون ويبدو المشهد أشبه بمشهد عراك منه مشهد ثقافة وحوار ويتدخل جدد لتهدئة وتلطيف الأجواء .تتشعب المواضيع ويقرأ ما وراء الخبر وما أمامه وتتعدد القراءات بين المنطقي واللامنطقي والموضوعي واللاموضوعي والمضحك أحيانا. هكذا يقرأ الجميع الخبر فللقراءة هنا لا يشترط حتى إتقان التهجي .
بائع الجرائد لا يشغله الأمر جدا – مع انه يثري سوقه بالزبائن ويساهم في ترويج بضاعته – بقدر ما يشغله ترتيب أعداد اليوم حسب أسماء الجرائد ومستوى الإقبال عليها ، وتسر يده من حين لآخر لجيبه بمائة أوقية يودعه إياها سلمها له زبون ما سينتظر دقيقة إلى اثنتين يشده الفضول فيها أو غيره ليستمع ويشاهد المحطة التحليلية المجانية في الهواء الطلق هذا إذا سلم من تيار الحوار الذي كثيرا ما يكون مشحونا .
صاحب الجرائد وفي هدنة قصيرة مع الرياح التي تمزق معروضاته وتناثرها، ما إن يسلمك العدد الذي ابتعته حتى يذكرك بموضوع الحوار من حيث تركه في صيغة استهزائية لا مبالية مصطنعة كأن يقول لك مثلا:هؤلاء يصرخون حول كذا...وكذا.صيغة ساخرة صارخة.
إلا أن ما يهمه أولا و أخيرا هو أن يبيع عددا أو اثنين.التقيت احد هؤلاء الباعة وسألته حول هذه الظاهرة وعن الطريقة التي تبدأ بها هذه النقاشات دائما ،فأكد بأنها تبدأ بكل تلقائية فحين يشتري زبون جريدة ،يقرأ خبرا بطريقة خاطفة يعلق عليه تعليقا بسيطا يحلو لزبون آخر أن يتفاعل مع تعليقه ويدخل ثالث على الخط وهكذا فتتسع دائرة الحوار ، وأكد أنه لم يلاحظ أن هناك أفرادا معينين يتعمدون فتح حوارات ونقاشات من هذا القبيل لأغراض خافية ، على عكس ما أكده لي طالب جامعي التقيته عنده حين سألته عن هؤلاء ورأيه فيهم فقال كثير من هؤلاء أفراد مخابرات يتحسسون الأخبار ومجندون خفيون لأغراض غير واضحة مؤكدا انه يلاحظ وجوها دائما ما تتكرر له في مثل هذه المواقف ،متسائلا عن ما يدفع هؤلاء لهدر أوقاتهم وطاقاتهم وجهدهم فيما لا يخدمهم ولا يخدم وطنهم في شيء .
عاطلون عن العمل ،أفراد مخابرات ،فضوليون أم متعصبون لانتماءات سياسية وفكرية يروجون لها أم أشخاص مثقفون وجدوا فرصة ليفيدوا أو يستفيدوا فيها ،أم ماذا ؟يبدو كل هذا ممكنا ووارد وفي مرحلة ما غير متعارض ،سحبت احد هؤلاء من خضم نقاش ساخن سألته عن رأيه في من كان يحاور ،بادر بأن من بينهم الذين لا يفهمون شيئا ولم يستبعد وهو العائد من عمله الآن أن يكون بينهم عاطلون عن العمل وفضوليون إلا أن فكرة أن فيهم استخباراتيون جعلته ينفجر ضاحكا متسائلا عن ماذا وعلى ماذا يخابرون ؟ أما أحد المارة العاديين فلم يجد الحرج أبدا ولم يجد عناء في أن ينعتهم بالمجانين والمخرفين ، مشيرا إلى أن ماهم فيه يصلح لشيوخ متقاعدين يملؤون به أوقات فراغهم أما غير ذلك فاختلال عقلي بالنسبة له .
بين هذا وذاك ورغم كل ما يثار حول هؤلاء من تساؤلات وكل ما يلقى عليهم من أحكام مسبقة فالظاهرة تبدو في ظاهرها على الأقل ظاهرة صحية وتعبر عن مستوى من الوعي والنضج وتحمل المسؤولية فأن يهتم المواطن العادي هكذا اهتمام بشؤون وطنه ومستجداته أمر جيد في كل الأحوال .