بدأ من نواكشوط و مع ليلى و حمزة - حتى لا تشيع الفاحشة ، الجزء الرابع
الصامتون من عبدة صكوك الغفران
فيما أيد البعض و
عارض البعض الأخر بقيت النخبة المثقفة الصامتة، صمت لا يمكن أن يقرأ إلا في اتجاه
واحد ، تلك فئة تنتظر صكوك الغفران من رجالات و شيوخ و مشايخ المجتمع، فهم يخافون
ردة فعل ذلك في حال وافقوا، و في عمقهم يعرفون أن الأمر بالنسبة لهم عادي ، فقط
حالة النفاق الاجتماعي التي تتملك الجميع. لماذا تصمت؟ قل نعم قل لا ، قل أي شيء،
طمئني فقط على أنك مثقف لك رأيك في قضية اجتماعية و دينية مثل هذه. إن من الميزات
التي تميز مجتمع الفراغ في المنكب القصي ذاك، أن الشاب في الأسرة يحتاج ليرضى عليه
الشيخ و الأستاذ و القدوة و الإمام و و و ، نعم نسعى كلنا لإرضاء بعضنا البعض لكن
ليس لدرجة التخلي و التنكر لقناعاتي ووجهات نظري فقط لأحاول نفاقا و تصنعا أن أبدو
كما تريد لي أن أبدو. أذكر هنا ذلك الشاب الشاعر الذي كان يشع حماسا تلك الأيام،
كنا نشتغل على نصوص لعرضها في حفل ثقافي سيحضره ناس مختلفون بينهم أستاذه في الشعر
أو ليس أستاذه يعني مرجعية له، تفاجأت حين أخبرني أن المرجع هذا حين يأتي إليه
بقصيدة يمسح بيتا و بيتا و شيئا من آخر لأنها بالنسبة له قليلة الحياء، و قال لي
في نص كان معي ، يجب أن تعرف ما ستفعله مع فلان. نعم مجتمع اعتاد رقباء البشر و
اعتاد أن يؤله بعضا في غالبه شياطين حين يغيب عن أعيننا تماما كما نحن شياطين حين
نغيب عنه. نعم لكل شاب و مثقف مرجعية مثل ذلك، فهو يخاف أن يكشف هذا أو يكتشف ذاك
أنه يؤيد أو حتى يعارض، لكن ببساطة كما تطيع ذلك خارجا عن قناعاتك و أفكارك يمكنك
أن تكذب على نفسك حتى في قضية كهذه و تقول أنك تعارضها مثلا و أنها خروج على الملة
و الدين، لكن أيضا يجد هؤلاء أنفسهم في وضع أكثر حرجا من ذلك، فحين يفعلون ذلك
هنالك من يعرفونهم جيد و يعرفون أنهم حينما لا يؤيدون فهم يكذبون على أنفسهم و
ينافقون، إذن لأنهم لم يؤمنوا يوما بقناعاتهم و كانوا يوجهون أفكارهم و توجهاتهم
تبعا لما يريده الشيخ و عرف المجتمع أمر عادي جدا أن يجدوا أنفسهم عاجزين في موقف
كهذا إن الجبن الفكري هو قبول وصي و راعي على أفكارك أيا كان أستاذا و أبا و شيخا
و أميرا حتى، إن الجبن الفكري و أقصى مراحل انحطاط المثقف هي حين يكون له رأي و يخاف
التعبير عنه خوفا من تقليد المجتمع أو عرف القبيلة. و أغلب مثقفينا جبناء يجري
عليهم ما يجري على المجتمع، كتبت مرة ماضية : حين يكون الجنس خط أحمر. أقدم فيها
أرقاما و احصائيات ووقائع حول واقع هذه
الممارسة في المجتمع و حين نشرته، تفاجأت ب "المثقفين" يتحدثون عن كون
الموضوع يعالج موضوعا غير مقبول. غير مقبول لمن؟ لمجتمع الصورة الملائكية، هو غير
مقبول لأن بعضا ممن سيقرؤونه سيجدون أنفسهم فيه. أحد الكتاب في اليومين الماضيين
قرأت له موضوعا بالخصوص، و الجميل أنه بدأ بأنه لم يرد الخوض في الموضوع و صاغ
مبررا ببساطة يمكن ترجمته لأنني خائف من تقاليد المجتمع و عرف القبيلة و وجهة
نظرهم، في النهاية لم يخرج صديقي بكونه يؤيد و لا يعارض وجهة نظر مائعة كمجتمعنا و
تهرب من المسؤوليات. إذن حتى لا تشيع الفاحشة لا تعبر عن رأيك أيها المثقف، حتى لا
تشيع الفاحشة و ينزع منك المجتمع صك غفرانه لا تعبر عن رأيك. الجميل أن البعض
يناقشونك و أنت تشعر أنهم في البداية يحاولون إقناع أنفسهم، فهم يقولون برفض
الفيديو و الصور و كل شيء لكن تشعر أنهم يبحثون ليقنعوا أنفسهم بالرفض قبل أن
يكونوا هنالك ليتحاوروا معك أو يناقشوا.
متابع تطورا ردود
الفعل، يجد ببساطة أن أكثر اللذين عبروا عن رأيهم بالرفض أو القبول بصراحة من
المقيمين في الخارج، ربما لأنه بعيدون من مجال التغطية المغناطيسي للمجتمع، من
موريتانيا فقط مثقفون معروفون بالخروج على نص و دين المجتمع الذي ليس له ما يفعله
مع دين الله، هم من عبروا لكن تجد دائما انعدام وجهة النظر الواضحة المدعمة بأفكار
و مبررات. مديرو التحرير و الكتاب و و هؤلاء خريجو مدرسة القبيلة و جامعات المجتمع
بامتيار التي يعتبر أهم المواد فيها الشاي و الحديث الفارغ و أنت ابن عمي و ذاك
شيخ فاضل نفعنا الله ببركته و ذلك صالح وولي و اقرأ لي الفاتحة و انفثها هنا، يعني
كل شغلهم صفقة لبيع كلمات مكررة سخيفة فيها تنشر في موقع أسخف ولا يليق إلا بوجه
مالكه العابس المسكين. إن القصد ليس أن يؤيد الجميع و لا أن يرفض الجميع، القصد أن
يخلق ذلك النقاش و الحوار الذي نحن في أمس الحاجة إليه و أن تخلق هذه الصدمة حالة
حركية تهز ركود مياه هادئة على كل قذاراتها، لكن يبدو المجتمع و مثقفوه في حاجة
لصدمات و صدمات أخرى.
يقول جانب، أنا لم
أتحدث لأن الأمر لا يستحق، أظن في ظل كل التعليقات من هنا و هناك و في ظل رقم
المشاهدة القياسي الذي حققة الفيلم لا بدواعي الحسد و لا بدواعي الغضب و لا بدواعي
اللامبالاة يجب ان نتجاهله، على الأقل يلقي أحد نظرة و يعطي رأيه، لنعرف فقط أي
مجتمع نعيش فيه، نريد الصورة الحقيقة مللنا العقود التي نعيش فيها في مجتمع نعرف
أنه يبدي ما لا يخفي و يقول ما لا يفعل. حتى لا يستحق هي وجهة نظر مع ذلك.
إن تأييد الفيديو في
حد ذاته لا يعني تأييد النص و لا الصورة بقدر ما يعني تأييد فرصة النقاش الاجتماعي
و قضية الرأي العام و القصة التي يقدمها الفيديو و مدى حاجة المجتمع إليها. لكن
كما اعتاد المثقفون الوطنيون لا تجدهم إطلاقا حينما يكون المجتمع في حاجة إليهم و
حينما لا يكون في حاجة إليهم تجدهم يكتبون و يرتؤون و يصرخون يكذبون عليكم
يخادعونكم يسقط فلان يقف فلان، حين مثلا يتعلق الأمر بشأن قبلي بحث فتكون السياسة
التي هي عندنا ببساطة مرادف للقبيلة، مثقفونا كاعلامنا لا يعملون إلا على قصص
يخلقونها و يختلقونها من فراغ فترى مدى سطحيتها و انعدام علاقة من أي نوع تربطها
بالواقع، كل ما يعرفون الحديث في الشأن السياسي ، الشأن القبلي قصدي و فقط ماتريد
هي أن يتم الحديث فيه.
آخرون يقولون أنهم
يخافون من المشاركة في نشر الموضوع ، حتى لا تشيع الفاحشة فالأفضل الصمت و عدم
دخول الموضوع أصلا، كل هذا من المبررات التي يصيغونها و هم غير مقتنعين بها أصلا،
لأنهم ببساطة يعرفون السبب أًلا لا يعدو الخوف من أن يرفع المجتمع صك غفرانه و لا
يضرب الشيخ على ظهر أحدهم المسبحة ثانية، الشيخ الذي يخفي المسبحة حين يقترب
الليل، و يبدأ يبحث في فتيات القبيلة ذات 18 سنة فما تحتها. و القبيلة الفاضلة هي
التي تهيؤها له و تعطر ثيابها و تأمرها بأن تأخذ "لماعين" لتعد الشاي و
تقدم لها نصائح خبراء حول طريقة الجذب و طريقة الابتسام.
أولئك يأتمرون
بأوامر مجتمع أتاح لذلك القاضي الماضي في ولاية غير بعيدة من نواكشوط أن يأتي
فيتزوج الواحدة لليلة ثم ينتقل للأخرى، في عملية منظمة لفض عذرية كل بنات الولاية
و القبيلة و على القبائل المجاورة مراعاة فارق التوقيت، كانت القبيلة الفاضلة و
المجتمع الفاضل و كأنهم يقفون في طابور المطعم الجامعي في نواكشوط كانوا يقفون مع
بناتهم في انتظار أن تحين ليلة ابنتهم، هي فقط ليلة الواحدة المهم ما ستجنيه
الأسرة منها، أليست هذه دعارة أم أنها من الطراز العالي و الدرجة الأولى التي
يبيحها دين المجتمع و يقولون لك : حتى لا تشيع الفاحش. كان ذلك الرجل قاضيا و رجل
دين كبير و له عمامة و مسبحة بطوله عشر
مرات في دولة بعيدة عن موريتانيا ، كان ببساطة يمارس النفاق الاجتماعي في إحدى
أرقى و أدق أدواره. عاد احتفظ بمسبحة لكن ليست بنفس الطول و عمامة تسمح له بإلقاء
نظرة على البنت الضحية قبل سحق عنق عذريتها في ليلتين. لم يتحدث المثقفون و لا
الكتاب فذلك من مانحي صكوك الغفران و الأولياء و الصالحين.