عبدالله أ. محمود
كاتب موريتاني مقيم في تركيا
يُستعد هذه الايام في موريتانيا لإنتخابات الثالث و
العشرين من نوفمبر ، التي تأتي بعد سلسلة من التأجيلات و التعجيلات و الشروط و
المفاوضات من مقاطعة إلى مشاركة إلى طلب
مرصد إلى طلب لجنة إلى مشاركة فبعدها مقاطعة و اللغط السياسي الفارغ، انتهى الأمر
بموافقة الموافقين و مقاطعة المقاطعين.
من حلف المنسقية الديمقراطية، أعلن حزب التجمع
الوطني للإصلاح و التنمية حزب تواصل الممثل للتيار الإسلامي المشاركة في
الانتخابات خروجا على خط المنسقية الذي ظل دوما متعرجا تعرج الطريق الرابط بين
مركز العاصمة و مقاطعة دار النعيم ، غير خاضع لضوابط و لا مباديء سياسية إلا تماما
كما قيل أن ذلك الطريق كان ينعرج ذات اليمين و ذات الشمال ليمر أمام القطعة
الأرضية للوجيه فلان أو الوزير فلان أو السياسي فلان، حتى صار كفوضى عبثية من
الخطوط ذات اليمين و ذات الشمال. أعلن
تواصل المشاركة، و عاش حزب تقدم حالة من التردد و التوتر انتهت باعلان المقاطعة. و
فيما اعلن تواصل المشاركة و اعلن تقدم المقاطعة و أحاط بقراري الحزبين هالة من
التجاذبات و النقاشات كان مردها أنه لم يكن هنالك توافق كلي داخل هياكل الحزبين
هذين حول المشاركة او المقاطعة، في حين أحاط بقراري الحزبين هذين كثير من
التجاذبات ، جاء قرار تكتل في حالة صمت تطرح أكثر من سؤال، تكتل الذي يكمل أضلاع
الثلاثي الذي يعتبر اللاعب الأبرز في الساحة السياسية المرتبكة و المربكة في
موريتانيا.
برر تواصل مشاركته بأنها استجابة للقاعدة الشعبية
للحزب و حرصا على السلم المؤسساتي الذي يتبعه الحزب في اتخاذ قرارات مصيرية من هذا
القبيل، حيث ورد من الحزب أن أغلبية أيدت المشاركة و طالبت بها، فكان على
المطالبين بالمقاطعة في الحزب التنازل للنظم المتبعة لاتخاذ القرارات، و تم إقرار
المشاركة. فيما تواترت الأنباء ان مقاطعة حزب "تقدم" جاءت تحت ضغط بعض
القادة في الحزب و رفض للتفاعل مع مطالب القاعدة الحزبية التي ارادت المشاركة هي
الاخرى، فقرار تقدم حسب حتى أعضاء في الحزب جاء استجابة لأشخاص معيين ركبوا
أدمغتهم متجاهلين وجهة نظر اطراف مهمة في الحزب.
مع هذين يأتي حزب تكتل، مقاطعة هذا أو مشاركته لا تبدو محل جدل، يمكن تفسير
الأمر على نحوين: إما ان الحزب يعيش حالة توافقية تعتبر لحد ما درجة من المستحيل و
اللاممكن، فالتقاء نخبة مثقفة سياسية لها رؤاها و أفكارها التقاؤها كلها على قرار
من قبيل المشاركة في الانتخابات التشريعية و البلدية الموريتانية يمكن الجزم
باستحالته، لاشك أن في الحزب من أراد المشاركة و فيه من أراد المقاطعة لربما، و له
قاعدة شعبية لها رأيها هي الأخرى، فكيف إذن لم يعرف تكتل ما عرفه حزبا تواصل و
تقدم من تجاذبات بخصوص اتخاذ القرار الحاسم؟ هل لأنه أكثر منهما مؤسساتية؟ هل لأن
قاعدته الشعبية أكثر وعيا و نضجا من القواعد الشعبية لهذين الحزبين؟ هل لأن
قياداته أكثر نضجا و عقلانية من قيادات حزبي تواصل أو تقدم؟ أم أن الأمر على
العكس، و يتعلق بالأساس، فالأسس و الطرق المتبعة في حزب تكتل مختلفة و أي نوع من
الإختلاف هذ؟ المعروف أن عاملا مشتركا يجمع حزبي تواصل و تقدم و هو عامل
الإيديولوجية فالحزبان قائما على ايديولوجيتين لهما المؤمنون بهما و المدافعين عنهما
و مما يميز هذا النوع من الاحزاب هو تمتعها بأفراد على مستوى عال من النضج الفكري
و السياسي ، هذا طبعا دون إقفال الجانب المظلم من المشهد السياسي الموريتاني
القائم على أشياء أخرى. اما حزب تكتل فهو لا يعتمد على إيديولوجية معينة ، و ما
يشير إليه المتتبعون هو انه أحد الأحزاب التي تعتمد القبلية و الجهوية بشكل متجذر
في معطى الحزب و لو ان الوضع الحالي أكثر اتزانا من سنوات خلت ، كان فيها الحزب
لمنطقة معينة و أشخاص معينين تماما كما كان طريق الأمل. أذكر صديقا لي مرة تحدثت
معه و اكتشفت أنه كان يظن أن الحزب لجهة و فئة معينة و لا يمكن لأي أحد خارجها
الانتساب إليه. المهم ان التساؤلات
السالفة الذكر حول النظم و السبل المتبعة لاتخاذ القرارات في الحزب تستدعي التفكير
في اتجاهات ربما ذاك أحدها و الآخر لربما إيمان الحزب بقائده و قراراته التي لا
تطرح للنقاش و هنا يطرح ألف سؤال و سؤال حول المبدأ الديمقراطي و الرأي الآخر الذي ينادي الجميع به
شارك تواصل نزولا عند مطالب قاعدته الشعبية ، و
قاطع تقدم كما قال البعض لأن بعض القادة الكبار ركبوا أدمغتهم و قرروا المقاطعة
رغم أنف القاعدة المطالبة بالمشاركة، و تكتل قاطع المهم انه قاطع نزولا عند رغبة
هذا أو ذاك لايبدو ذلك بالاهمية بمكان. و بقيت المنسقية ترفض المشاركة، الغريب في
المعطى السياسي الموريتاني أن تقول المنسقية أنها ترفض المشاركة و ستعمل على تعبئة
الرأي العام لمقاطعة الانتخابات، و تواصل طرف من المنسقية و هو مشارك في
الانتخابات "تيجي الزاي دي بقى" على رأي المصريين. لا تكفي بسمات جميل و لا أبيات غلام لتعطي
جوابا مقنعا لهذا السؤال. فيما وصف البعض تواصل بأنه حزب الطعن في الظهر و انه
فعلها مرارا حيث في اللحظة الأخيرة ينسحب مسلما لرغباته و طموحاته فأين جهاد النفس
في السياسة على الأقل، نظر البعض للقرار على أنه رغبة الحزب في إثبات ذاته و
قاعدته، بحسابات مسبقة أو من دونها صار تواصل وجهة موسم الهجرة إلى الترشحات، فمن
لم يرشحهم الاتحاد من أجل الجمهورية الحزب الحاكم و من لن يمكنهم الترشح من طرق
حزب تقدم المقاطع ، وفي ظل القانون الذي يمنع الترشح بشكل مستقل، وجدوا في تواصل الملجأ ليترشحوا باسمه، و كان
كريم الضيافة معهم غالبا، الأمر الآخر الذي برره الحزب بأنه يتعلق بسياساته
الداخلية و هو مبرر مستصاغ جدا مقارنة مع مبرر من قبيل الشعب الموريتاني حين قاطعت
المعارضة انتخابات منتصف التسيعينات غدر بها و شارك فيها، و لاننا لا نريد لتلك
التجربة أن تتكرر قررنا المشاركة، كان هذا المبرر الذي بدأ به تواصل و الذي تطور
مع الوقت ليصل مرحلة التفسيرات الفائضة لميثاق المنسقية و أنه ينخرم بالواحد أو ما
إلى ذلك ، ثم وصل مرحلة أن السبب الدقة المؤسساتية التي تميز الحزب و في النهاية
صارت عبارة من قبيلة سياسات الحزب الخاصة ، و بالمناسبة هذه عبارة في المجتمع
الموريتاني الفوضوي الوعي السياسي تفهم في الإطار السلبي. الآن فرص تواصل كبيرة
بلوائحه و المرشحين الذي وصلوا في الساعات الأخيرة قبل إغلاق باب الترشحات، لكن
ستكون أيضا ضربة قاسية للحزب حين تأتي النتائج دون تطلعاته التي يبدو أنها ضاربة
في السقف. رغم كل شيء فالحزب قدم خدمة للحزب الحاكم و الأحزاب المشاركة من قبيل
التحالف و الوئام، الحزبان اللذان يثبت الوقت و المواقف أنهما حزبان لايدخلان
الحسابات المترددة، فيوم قررا الحوار لم يترددا و يوم قررا المشاركة في الانتخابات
لم يترددا و يذكر لهما دور الوساطة الذي قاما به لجلب الأطراق السياسية إلى طاولات
الالتقاء، فعمل السيد ولد بلخير على عرض متطلبات المنسقية و الضمانات التي ترغبها
مما يتعلق باللجنة المستقلة إلى المرصد إلى التأجيل، و في النهاية وصل لما أمكنه
الوصول إليه. ربما مما يذكر للحزبين هذين المواقف الثابتة منذ أيام الانقلاب
الأخير حتى قبله. فإن كانت المؤسساتية النسبية على الأقل أو الخلفية الإيديولوجية تعطي لتواصل و تقدم
نوعا من الاستمرارية و الثبات يعكره تقلبات متكررة تعدم تبريرات مقنعة فإن المواقف الثابتة أعطت
لهذين الكيانين موضعا لائقا في المعطى السياسي الموريتاني. و مما لا يخفى ففي ظل
قرارات تواصل المثيرة بخصوص علاقته مع المنسقية فإن قدرة قادته أو قائديه على
الأقل على التجاوب الإيجابي و الفعال مع الأسئلة المرتبكة لإعلاميين لا زالت
الهواية و الحدود تبطش بمعطياتهم و قدرتهم
التنظيرية الفائقة التي تذكر لهم بكل أمانة مع المسحة الدينية التي يضفونها عليها
و تتخلل تفاصيل العصب لمجتمع يعيش اختلالات نفسية دقيقة و حرجة ، ، استطاعا أن
يمتصا لحد ما حالة الحيرة و الاستغراب التي ارتسمت في البداية حتى على بعض أشبال
تواصل هؤلاء الذين شيء آخر فظالما او مظلوما تواصل هم له ناصرون و ذاك حقهم، عاشوا
حالة الارتباك تلك في انتظار اجوبة القادة، و شكلت المشاركة صدمة للشباب الناشطين
من أشبال القبائل و أشبال خمسة عشرين و ستة و عشرين و ما بين ذلك قواما و شباب في
منتصف طريقه أو اولها حتى طعنته وجوه تصطنع السياسة و احزاب تحاول امتهانها و
تركته وحيدا بعد أن امتصت حماسه و قدراته في البداية رمته لشارع لا شيء فيه إلا
صوته الباهت و المشتت بين القبيلة و أشيائها و الانتماءات الضيقة و املاءاتها.
في النهاية ، يحق للجميع أن يسأل : هل مبررات تواصل
للمشاركة مقنعة؟ هل ما ذكره بعض قادة تقدم من أن الحزب اتخذ القرار رغما عن أراء
قاعدته الانتخابية ،هل هو صحيح و هل أن تقدم يقع في الهوة التي تفاداها تواصل مع
قاعدته الشعبية؟ و هل ما كشفت عنه هذه
الأزمة هو أن تكتل حزب سياسي أم حزب رجل و
أسس تقليدية بائدة؟ و هل أنه في النهاية المثبت الوحيد هو ان تحالف ووئام كسبا
الرهان؟ كلها أسئلة مشروعة جدا. و مشروع أيضا أن نسأل عن الترحال السياسي الذي
يواجهه حزب الاتحاد من اجل الجمهورية للرجالات الذين لم يرشحهم فذهبوا إلى تواصل.
ربما الكلمة السر لربط كل تلك المعطيات على
تناقضاتها و كل تلك الاتجاهات على اختلافاتها و بعيدا عن السياسة و الساسة و
التسيس و بعض الترهات التي لا تقدم و لا تؤخر و لا صلة لها بسياسة و لا ديقراطية
الإغريق و لا تحاليل كتاب القبائل و صرخات أشبالها، بعيدا عن تنظيرات لمقارنة
التجمع عندنا بعدلة و تنمية تركيا أو
عدالة مصر و بعيدا عن اسقاطات اتحاد عزيز على أشياء أخرى. الكلمة السر هي القبيلة.
إن المتفق عليه أن الانتخابات الموريتانية منذ نشأة
ما يمكن تسميته ديمقراطية أو تعددية هي الفرصة الذهبية و الدورية التي تجدد فيها
القبيلة سطوتها و سيطرتها، و هي فترة دورية لتجديد الولاء للقبيلة، فترة تعيد فيها
القبيلة جميع رجالات السياسة و الاعلام و
الثقافة الذين صموا آذاننا لسنوات قد تكون أربعا أو خمسا أو سبعا حتى على غرارنا
هذه المرة، صموها بالديمقراطية و التعددية و البرامج السياسية و الحزبية و
التنظيرات في مجالات لا يعرفون عنها أكثر من كلمات، سيمحونها و هم ينتقلون من باب
شيخ القبيلة هذه إلى ذاك ووجيه المنطقة هذه إلى تلك و يعدون لائحة بأسماء و أرقام
الوجهاء و الشيوخ و قادة القبائل و لربما مع اللائحة أيضا يعدون سلسلة بالهدايا
تليق بهؤلاء و إلى جانب ذلك ربما أيضا يعدون لائحة بالتعيينات القادمة و الذين سيتم
تشغيلهم فتكون هنالك نسب من أبناء القبيلة و الجهة لابأس بها، نعم الأنتخابات هي
فرصة القبيلة لتقول لهؤلاء جميعا كفوا ذاك الهراء تبا لكم و عودوا إلى هنا إلى
أماكنكم الحقيقية حيث ليست منابر الخطابات السياسية و لا جلسات الخطط الاستراتيجية
العملاقة عودوا إلي أنا إلى فراش شيخ
القبيلة. فيدخل السياسي مطأطأ الرأس ليقبله الشيخ و الوجيه و يجلس ماسحا من ذاكرته
الديمقراطية "يلعن أبوها و امها" و مكفرا عن كل ما قاله يوما بخصوصها
يطلب الغفران و صكه من الشيخ ليضمن تصويته و أبناءه و عشيرته و القرى المجاورة. يتساوى
في هذا الجميع باختلاف الخلفيات الايديولوجية و المؤسساتية من عدمها. الانتخابات
هي سلاح القبيلة الذي تستخدمه و بكل قوة ، و في ظل ساسة من هذا العمق المتخلف دون
ذرة مواطنة و لا توجه وطني همهم الأول و الاخير تشغيل ابن العم و الزواج من بنة
العم التي تصغر بعقدين، و البقاء في ذلك المنصب مغطى بيافطة المجتمع العريضة يمارس
تحتها ماشاء له الشيطان الأحمر، فإن ذلك السلاح فعال، و أمامه أشبال القبيلة
يصمتون إلى أن يصرخوا مرة صرخة في العراء صارت مؤخرا تشبه تصاريح منسقية المعارضة،
أفكار لا معنى لها و لا محل لها من جار القبيلة و مجرورها و لا فاعل السياسة و لا
مفعولها.
تتزاحم في تلك الغرفة الرمادية الخجولة غير بعيد من
منطقة المدارس الحرة ، تتزاحم كميات هائلة من الفضفاضات التي يرتديها النعس و
النوم و المنمون و المزارعون و تجار "البازان" و العطر و شاربوا الشاي،
غرفة أنشط شخص فيها هو صانع الشاي و أكثر ما يتم الحديث عنه في فضائها "أخبار
اهل لخيام" و "الخطلة " و "ولد عمك " تتزاحم وجوه من
الوقاحة و السذاجة درجة تريد فيها إقناعنا أن ما يمارسونه سياسة و ديمقراطية ووطن،
و أنه ليس مجرد فرع و جانب من المؤسسة القبلية الحقيرة. في حين يريد هؤلاء بكل
الوسائل إلصاق أقنعة رجال سياسة و أحزاب سياسة و الحديث عن برامج سياسة و ثقافية و تنموية و و
و ، فإن قواعدهم الشعبية و قادتهم الذين يتحدثون عنهم هم رجالات القبيلة الهادئين
هناك في قراهم و بين قبائلهم و عشارئهم الذي سيقومون بعملية جمع شامة لبطاقات
التعريف و الانتخاب لن يسلم منها أحد
يتساوى فيها راعي الغنم و الكاتب الصحفي، حتى بمن فيهم شباب الدفاع عن الديمقراطية
و الحقوقيين من مدونين و كتاب و إعلاميين حتى و قادة مجتمع مدني و من يعول عليهم
في تغيير العقليات ممن إذا التقوا على مباراة كرة قدم ترفيهية في اقصى نقطة من كرة
أرضية وزعتهم القبيلة بوزرائها و موظفيها عليها ، يلتف إليك أحدهم و يقول لك : " انت من أي الناس" ثم
يركب وجه القبيلة و المجتمع الوقح ، حين ترد عليه ، يركبه و يقول لك: أنا لم أقصد
ذلك ، فقط مجرد سؤال لا يترتب عليه شيء. لتثبت نفاقه و نفاق المدرسة القبلية التي
خرجته انسانا مجردا من ذاته يختصر كيانه ووجوده في فلان و اهل فلان، قل له أنا من
الفلانيين ، و يصادف مثلا أنها نفس القبيلة، سيبدأ يسرد عليك تاريخ القبيلة المجيد
الذي يختصر فيه تاريخ دولة و أمة يخاف رجالاتها من كتابة تاريخها نزولا عند رغبات
القبيلة و استسلاما لقواعد مشبعين بها جردتهم من ثقافتهم و مسؤولياتهم تجاه
الأجيال. نحن مجتمع تاريخنا القبيلة و جغرافيتنا القبيلة و رياضياتنا القبيلة و
اعلامنا القبيلة. أيها السياسي الجبان لماذا لا تتحدث عن تاريخك و هو تاريخ أمة
ووطن و واجبك تجاه أجيال قادمة و تقول لي بكل وقاحة أنك تخاف القبيلة . هل قدرنا
أن نختصر أشيائنا في اردات القبيلة و متطلبات مجتمع الانفصام النفسي و العقلي و
الشخصي.
لذلك هذه المفاهيم من قبيل المشاركة و المقاطعة و
الحياد لا يعترف بها قاموس القواعد الشعبية التي تعرف فقط أن فلان من القبيلة و
الجهة و يجب أن يفوز بذلك المقعد، المبرر الذي لم يستطع تواصل تضمينه في إجابات
يحاول إعطائها بشكل لا يضع مجالا للشك بأن فيه خافي، لكن من يؤمن بعدم وجود الخافي
في ظل حضور القبيلة الخرافي، ما لم يمكنهم صياغته بوضوح هو أن القاعدة الشعبية هنالك لا
تفهم معنى المقاطعة و لا المشاركة و كما قال شاب ذات مرة جانبي: من المقزز أن
تنادي أيها الشعب الموريتاني العظيم و انت تعبؤ للرحيل و الربيع الموريتاني ثم حين
تريد الترشح للانتخابات تقول الشعب الموريتاني خذل المعارضة مرة في انتخابات منتصف
التسعينيات، ببساطة أدرك تواصل تلك الحقيقة أن رجالات القاعدة الشعبية هنالك لن
تصدع نفسها بالتفكير في مقاطعة و لا مشاركة فهنالك مقاعد يجب فقط أن تعبأ القبيلة
نفسها للحفاظ عليها إن كان عن طريق تواصل أو حزب الليكود مثلا أو اسرائيل بيتنا، و
هي ذاتها قناعة أصحاب الاتحاد من اجل الجمهورية الذي رحلوا لأحزاب أخرى، فاولئلك
الذي رشحهم كانوا ليفعلوا نفس الشيء لو لم يتم ترشيحهم، و ذلك شأن تقدم، لربما في
حالة تقدم أنه أراد المغامرة ليجرب عقلية القاعدة الشعبية و المساحة التي تجتاحها القبيلة فيها حتى الآن.
فأوقفوا هذه المشاهدة السخيفة من مسرحيتكم القذرة ،
و اذهبوا فالوقت يمضي للقاء شيوخ القبيلة ووجهاء المنطقة و ارتدوا فضفاضة من
"الشكة " و لا تنسوا ان تضعوا هدية الشيخ في صندوق السيارة أو ترسلوها
قبلكم. و ليغط كل منكم فعلته بمسحة تكون الجرعة الدينية فيها الزائدة مثلا أو
الجرعة القبلية الصرفة أو جرعة الهدية ، المهم أنكم خبرة و تجربة في المجال و لن
تعدموا طريقة.
ما دمنا من كل أربع إلى خمس سنوات مضطرين لتجديد
الولاء للقبيلة و ليس فقط العامة بل النخبة السياسية و الثقافية و الفكرية من قادة
احزاب و مرشحين و ناشطي مجتمع مدني و ناشطين حقوقيين، كيف نستغرب حالنا أحسن مما
هو عليه ، بعد نصف قرن يزيد من الزمن
نختصر فيها ذواتنا في القبيلة و القبيلة تختصر دولتنا. إن القبيلة هي الوحيدة في
موريتانيا التي تحقق كل استراتيجياتها السياسية و الثقافية و برامجها الانتخابية،
لذلك لم يحقق شيئا هذا الوطن حتى الآن.
الإنتخابات في موريتانيا هي تجديد ولاء للقبيلة
أولا ثم بعدها تحدث عن باقي تلك الأشياء القذرة.