وصلت فاس النصف الاخير من عام 2011 و و بدأت
اجراءات التسجيل في جامعة سيدمحمدبن عبدالله في منطقة ظهر المهراز، سمعت الحديث
يدور و يعلو و يهبط حول ما يسمى : دار الاسلاميين في فاس، و سمعت أحد الشباب مرة
يمازح متفاخرا بأنه ينظر في نفس المرآة التي كان محمد جميل و لد منصور ينظر فيها
ليرتب هندامه قبل حوالي عشرين سنة. ذهبت للوقوف على تلك الدار ، خاصة بعد أن ترددت
انباء عن أن أصحابها يريدون اجراء تعديلات فيها أو تحطيمها بشكل كلي، و لا اعرف أي
الأمرين حصل، قصة الدار هي أنها عرفت جيلا من الموريتانيين ربما كان أوله النواة
التي تأسس عليها حزب تواصل، تبدأ من محمد جميل ولد منصور و جيله، كانت دارا مرهقة
عرفت أبناء البادية الموريتانية طيلة عقدين تقريبا، تعيش حالة من الفوضوية الغير
غريبة علينا نحن على الأقل، بمرآة مثبتة غير بعيد من الباب كانت مركز المزاح و
مدار الحديث تلك الأيام. و في أحد الأيام
تصادف أن صاحب الدكان الغير بعيد من الدار هو الآخر عرف كل الأجيال الموريتانية
التي مرت من هنالك و سكنت تلك الدار، و لأنه رجل تاجر بامتياز مشغول بتجارته و
دراهمه، لم أتمكن طيلة مقامي هنالك من الحصول منه على جلسة فسيحة يعطيني فيها
تفاصيل هامة و كانت لتكون مثيرة ، كل ما تحصلت عليه منه هو أن السيد محمد جميل ولد
منصور و صحبه كانوا يقضون ديونهم دائما في الوقت المحدد و كانوا كثيري التردد على
الصلاة. و قال لي مرة أن الرجل زار
المدينة و زاره بعد أن أصبح رجل سياسة مشهور، هذا خبر لم يتسن لي التأكد منه
إطلاقا من مصدر مائل و لا محايد.
كان ذلك عام 91 حين تواجد رئيس حزب تواصل حاليا
و جيله في فاس غرض الدراسة. انتهت حقبة الكاشير و اللوبيا المغربية و بدأت مرحلة
جديدة عرفت السجن فالمنفى فالمحاولة من جديد انتهت بتكشيل حمل اسم الاصلاحيين
الوسطيين ثم في نهاية المطاف جاء المنتج تواصل.
من بدايات الحزب الأولى ، تم الحديث عن مناضليه
الشباب و الأدوار التي يلعبونها خاصة في المؤسسات التعليمية أو على الأصح جامعة
نواكشوط، و ثبت مع الزمن صحة تلك الأخبار ، حيث سيطر التيار الإسلامي في موريتانيا
ممثلا في حزب تواصل على الحراك الطلابي الجامعي من خلال اتحاد يتبنى أفكار الحزب و
التيار، و كان في مرحلة ما يخرج قيادات الحزب و ناشطيه الشباب، بحيث ما إن يتخرج
الواحد من الجامعة بعد أن كان امينا عاما أو عضو مكتب في الاتحاد المحسوب على
الإسلاميين حتى يتبوأ مقعده في الحراك الشبابي للحزب. رغم الانكار المستمر من
الاتحاد للتبعية و الذي كان شديدا في البداية ثم بدأ يتراجع رويدا رويدا في ظل
معطيات جلية واضحة، حتى وصل لحد لم يعد فيه أحد يعترض على ما كان يعتبر قبل فترة
تهمة، خاصة في ظل بروز اتحادات للنور حسب بعضها على الحكومة و الحزب الحاكم و حسب
بعضها حتى على شخصيات من قبيل ختو و ما جاورها. المهم تمكن تواصل و اعتدل على عرش
الحراك الطلابي الجامعي في موريتانيا بكل ثقة. ثم بدأ الحديث عن تواجد الحزب في
النقابات الطلابية الموريتانية في الخارج.
من السينغال للجزائر ففرنسا فتونس فالمغرب و هلم
جرا. في بعض الدول كانت عوامل متعددة تتحد لتبرر غياب الحزب، فمثلا في فرنسا كان
حضور الفرانكفورنين الطاغي و حضور
الفرنسية أيضا التي لا توجد بشكل كبير في الحزب و لا في مناضليه ، أضف لذلك أن
تواصل لم يركز عليها، في تونس الطلاب الممنوحين أيضا ليسوا بذلك الحجم الكبير، و
معظم البقية تدرس على حسابها الخاص و هي من طبقات ارستقراطية لحدما و لا تهتم
كثيرا للمعطى السياسي المختصر لديها في الرؤية القبلية غالبا، في الجزائر سيطر الإسٍلاميون
على التيارات الطلابية فترة من الزمن سيطرة انتهت بتغلب تيار مستقل عليهم في احدى
الانتخابات التجديدية. و ظلت المغرب التي تضم واحدا من أهم التجمعات الطلابية
الموريتانية خارج البلاد و اكثرها تأثيرا و حضورا مرد الأمر الكمية الخيالية من
الطلاب الموريتانيين التي تهاجر سنويا من الصحراء الجامعية المقفرة في موريتانيا
إلى عرسات الزحام في جامعات بأشخاص و مسؤوليات مقفرة، ظلت المغرب حصنا منيعا لتواجد التيار الإسلامي الموريتاني و حزب تواصل في الخارج ممثلا في الحراكات
الطلابية، و هو كذلك الحاق ظل مرفوضا من طرف هذا التجمع الطلابي فكرة الحاقه بالحزب
او توجهاته و هو امر لم يكن من غبار عليه ، أثبتته معطيات كثيرة، لعل آخرها ما حصل
ابريل من عام 2012 ، حيث تجمع الطلاب الغير تابعين لقناعات التيار الاسلامي
المتمثل في تواصل و عملوا على تأسيس لائحة خاصة بهم للترشح، ثم اتهموا المكتب
القائم و المحسوب على الاسلاميين بالمماطلة و انتهاج سبل غير نزيهة في التعامل مع
الانتخابات و تحضيرها، انتهى ذلك الصراع بما تحدث إلى أنه وصل إلى درجة التشابك
بالأيدي في احدى القاعات أثناء تنظيم التصويت حيث تم الغاؤها إلى أجل لم يحدد
حينها، حيث نعت بعض المحسوبين على التيار الاسلامي بعض الطلاب الذي حضورا من فاس
بأنهم بلطجية لا يريدون للانتخابات ان يتم تنظيمها في اجواء هادئة، و جاء الرد من
الشباب القادم من معقل التيار الاسلامي المويتاني في المغرب عنيفا، و انتهى الامر
إلى مشادات و تشابكات. كانت بداية القصة من فاس حيث احتدم الصراع في ظل حالة من
التكافؤ كانت ترتسم للمرة الأولى في المشهد حسب المتتبعين، و كانت أنباء أيضا
حينها تحدثت عن نشاط محموم لنجل محمد جميل ولد منصور رئيس حزب تواصل حاليا، و فوق
ذلك وردت أبناء عن إيفاد الحزب شخصا للإشراف من قريب على المجريات، و هي طبعا
أشياء نفاها الحزب.
كنت انتقلت إلى تونس و شاركت أحد فروع رابطة الطلاب
هناك التنسيقات لاحتفالية بعيد الاستقلال فقط العيد الموالي لعيد قضيته في فاس،
تملكه الشعر الفصيح و الشعبي و المحاضرات و ذلك ما يراه بعض المتتبعين من سمات
الاسلاميين، في ذلك العيد كانت الرابطة في تونس تحضر لاستقدام فنان من موريتانيا
يتولى احياء ذكرى عيد الاستقلال الوطني، و كان ان حضرت ذكرى عيد الإستقلال أيضا في
اسطنبول و كانت كلها شعرا و محاضرات و عربية جاهلية عصماء، تذكرت و أنا أتابعها
ملاحظة ذلك الصديق حين كنا في انتظار وجبة البيض المقلي في باحة البيت المنفي في
ركن قصي من "لعوينة"
مرورا بتونس انتقلت إلى اسطنبول، كان كل شيء
هادئا هدوء اسطنبول. و بعد تتبع درجة من الاخبار واردة من الركن المغربي القصي و
الموريتاني الأقصى و جس نبض الحاضرين، توزعت المعلومات إلى نقطتين ، ربما أن حزب
تواصل كانت له اليد في استقدام من يعتبرون من أول جاليات الجيل الجديد من المقيمين
الموريتانيين في تركيا و مد يد العون له للاستقرار و للبدء في بعض الاعمال
التجارية مستندا على القوة الاقتصادية لبعض رجالات التيار، فيما قال البعض أن إرادة الحزب في التأثير هنا وصلت
بعد وصول أول الجيل ، حيث وصل دون قناعات حزبية دقيقة و في النهاية حصل التواصل ما
أدى إلى تبني أول القادمين من جيل المقيمين الجدد في تركيا فكر الحزب و توجهه، و
تم توفير خدمات له انطلاقا من الجماعات المحسوبة على التيار الاسلامي في تركيا من
سكنات و منظمات و انشطة و معونات وصولا إلى تسهيلات لوجستية مما يتعلق بالاقامات
ثم العمل للحصول على فرص كتجارة و ما إليه. إن كان هذا أو ذاك فالحصيلة أن الحزب
غرس أقدامه بثقة في تركيا و صارت لربما هي الثانية بعد المغرب و تعبر بخطى واثقة
لتكون الاولى خصوصا في ظل تواجد حكومة إسلامية هي الأخرى في تركيا و تتبني الفكر
السياسي الاسلامي الذي يريد تواصل تبنيه أو يقول أنه يتبناه. من الجزائر للمغرب من
جانب تونس وصولا إلى اسطنبول الملاحظ في سياسة الأيادي التواصلية في الخارج و
المشترك هو الشقين الذي يلعب عليهما الحزب بشكل مستقل ثم في مرحلة ما و بطريقة
فنية محكمة و متقنة يصل بعضهما ببعض، لكن ليست محكمة دائما فذلك أمر يتعلق بمدى
حنكة القائمين على ذلك الربط ، هو الشق الديني الدعوي و الشق السياسي الصرف، و في
نقطة ما تجد أن حالة تنظيمية فريدة تذكر للحزب تجلعه يقسم المهام بشكل واضح و جلي،
في الاطار الضيق للحزب على الأقل. و فيما يتعلق بالجانب الديني الأمر الملاحظ أنك
في كل مرة مهما اختلف القطر الجغرافي، تجد رجالا من رجالات الدين الذين ليس لهم في
السياسة تدفعهم قناعات دينية صرفة لتنظيم بعض انشطة يتم استغلالها بوقاحة في ظرف
سياسي مغلف مغلق. فتجد الخط الديني ينظم انشطته التي سيدعمها الاتحاد الطلابي الذي
في الغالب يكون رأسه تكنوقراطيا هادئا او مرنا حد الإمعة ، و في حين بدأ صراع من
أي نوع يظهر فإن القيادة تسلم لشخصية كاملة الانتماء و تامة اليقين بالمبدأ السياسي.
السؤال الذي يطرح نفسه هل يذكر هذا للحزب أم
عليه؟ من ناحية له، لأنه طبعا من حق الجميع أن يخطط و يضع استراتيجيات للتوسع و
الانتشار و احكام القبضة، و من ناحية اخرى هو سلبي لأن فيه نوعا من استغلال الدين
المفرط و ثانيا لأن الخط الأكاديمي جميل أن ينشط باستقلاليته، بحيث يحترم لكل
توجهه الشخصي لكن دون استغلال اطار اكاديمي صرف لتوجيه الرسائل، و هو الأمر
المنتشر في مجتمعات الانتظار العربية المغلوبة على أمرها.
حضور تواصل واضح و جلي في الخارج، و لو أنه في
السنوات الأخيرة برزت أيضا أيادي الحزب الحاكم خاصة في مناطق كالسينغال و فرنسا و
الجزائر و حتى في المغرب إلا أن اليد الطولى ظلت لتواصل ربما للتجربة أو للخط
التنظيمي المؤسساتي الذي يذكر للحزب، ولو أنه ليس من القوة بمكان بعد ليخرج على
المعطى القبلي الصرف و المصلحي و القائم على خلط قاتم بين المعطى الديني و السياسي
في مجتمع ضائع هو الآخر في الخلط بين العادة و المعتقد و يعيش حالة نفاق ليس فقط سياسي أو اجتماعي بل
ثقافي و فكري حتى، يتفاعل و يتعفن تحت يافطة و كلمات جامدة خامدة لم تعد قابلة
للحياة.